ام درمان … يا جميل يا نور الشقايق !!

 


 

 


نهار الثلاثاء الماضى حضرت ندوة شيقة وبهيجة فى جامعة العلوم والتقانة ممثلاً لجامعة الأحفاد بتكليف من رئيسها الأخ البروفسير قاسم بدرى وما أبدعه من تكليف . كانت الندوة بعنوان (امدرمان : مدينة التمازج الثقافى والتعايش الاجتماعى) ، أدارها بلطف واقتدار أستاذنا البروفسير على شمو وتحدث فيها بروفسير عباس سراج عباس، وكان من المفترض أن يكون المتحدث الثانى أستاذنا الجليل والعالم الموسيقى البروفسير الفاتح الطاهر دياب إلا أن ظروف خاصة حالت دون حضوره ، وناب عنه وأجاد الدكتور كمال يوسف ، بينما تولى التعقيب ئلاثة من الأصدقاء الأجلاء ..  البروفسير والطبيب الاديب موسى عبد الله حامد (جامعة التقانة) والبروفسير محمد المهدى بشرى (جامعة دنقلا) والدكتور معتصم احمد الحاج (جامعة امدرمان الاهلية). أهل التقانة  جميعهم كانوا فى استقبال الحضور يتقدمهم رئيس الجامعة الاخ د. معتز البرير ومعه أركان حربه فى قطاع الثقافة بالجامعة وفيهم صديقنا الاديب د. مبارك بشير والاستاذ حاتم الشيخ ، وازدانت القاعة الفخيمة (والتى أنعشنا تكييفها فى ذاك النهار القائظ ) بأهل امدرمان 
جاءوا جميعاً .. نساء ورجال يقطرون وضاءةً وسماحةً وتعففا .. فقراء جائز .. متعبون ومنهكون ربما.. توجعهم عذابات الوطن وأحوال المدينة الفاضلة أكيد ، ولكن رغم كل هذا تشع قسمات وجوههم بذاك الضياء الامدرمانى الذى لا تخطئه عين . لمحت فيمن لمحت مع حفظ المقامات والالقاب : امير عبدالله خليل .. مكاوى مصطفى .. سعد عبادى .. عبد الماجد حامد خليل .. نفيسة المليك .. معتصم قرشى .. كمال عبد الكريم ميرغنى .. وليم زكريا بشارة .. عبد العزيز الامين .. ميرغنى سليمان خليل .. عبد الغفار عبد الرزاق المبارك .. فتحى البدرى .. الهادى بشرى .. الهادى نصر الدين .. وغيرهم من أهل الصبابة الامدرمانية ، وقد أطربنا العم الاستاذ مكاوى بذاك الاستشهاد البديع بشعر ابى فراس حين وصف نفسه بـ قتيل الهوى الامدرمانى ( قتيلك قالت أيّهمُ .. فهمو كُثر ) ، تماماً كما أضحكنا ظريف امدرمان الهادى نصر الدين وهو يرى أخانا عابدين درمة ( صائد الثواب والأجر فى مقابر أمدرمان ) يدلف الى الندوة بقامته المديدة وجلبابه الأخضر .. همس الهادى فى أذنى : ( الله يستر .. محمد معانا ما تغشانا .. ياخوى عابدين ده يكون جايى يدفن امدرمان ؟  ) !
أسعدنا البروفسير شمو وهو يبتدر الحيث مؤكداً أن له فى أمدرمان ( عود) ، وربما عود كبير ، فأختص جده بـ (علايل ابروف ) كاملة غير منقوصة رغم مولده بمدينة النهود الباذخة ، وبالتالى فهو مالك (على الشيوع ) فى شهادة البحث الامدرمانية . لك ذلك وأكثر سيدى البروفسير فكفى بـصوتك يردد (هنا امدرمان ) لعقود طوال ، وكفى  (التلفزيون ) على الطابية المقابلة النيل ، وكفى محاورتك النابهة مع كوكب الشرق ام كلثوم لتمنحك أمدرمان أنواط الجدارة والمجد فوق المواطنة .
و أراد صديقنا الأديب الأريب البروفسير محمد المهدى بشرى أن يضفى على جو الندوة بعض المشاغبة اللذيذة فراح يشحذ نصال حسامه فى وجه امدرمان ، ناسياً أو متناسياً أن المشاغبة بضاعة امدرمانية لها اسطواتها وفتواتها واربابها فى حوارى وأزقة امدرمان .. وما أدراك ما حوارى امدرمان وما أزقتها يا صديقى . ومضى محمد المهدى ينتزع الأنجم المضيئة وحبات العقد الفريدة من جيد امدرمان فرمى بـ (على المك ) الذى يموت عشقاً وصبابة فى امدرمان ، رماه فى كردفاننا الغراء ، وخليل فرح طوّح بعبقريته الفذة بعيداً عن امدرمان ونسبه لأهلنا فى الشمال ، والتجانى يوسف بشير ذاك الكتيابى الامدرمانى العبقرى جعله خرطومى الهوى بحسبان شغفه الرقيق المرهف بحسان الارمن والاغريق وبحسبانه القائل ( آمنت بالحسن برداً وبالصبابة نارا .. وبالكنيسة عقداً منضدداً من عذارى .. وبالمسيح ومن طاف حوله واستجارا .. إيمان من يعبد الحسن فى عيون النصارى ) ، ومعاوية نور ذاك الفتى العمرابى الموردابى الامدرمانى والذى يجسد النموذج الأمثل  لعبقرية النبوغ المبكر إستكثره صديقى ود المهدى على امدرمان فراح ينسبه الى أهلنا فى برى وتوتى (هذه الاخيرة ربما تكون من عندى لزوم حشد الحنق الامدرمانى عليه ) ، وحتى الهلال والمريخ والموردة لم يرد لأمدرمان أن تهنأ بأمومتها لتلك الاندية الرائدة فجاء بتيم خرطومى مغمور وأعطاه تلك الريادة  . يا صديقى ود المهدى أنا أعلم أنك ما أردت سوى المشاغبة اللذيذة وتسخين أجواء القاعة، وقد نجحت فيما رميت للدرجة التى جعلت استاذنا على شمو يقول ( البروفسير محمد المهدى بشرى شلّع امدرمان ) ، فأنت ياسيدى أول من يعلم أن الهوية الامدرمانية من فتيح للخور للمغالق ليست مسقط رأس ولكنها إلتزام بالوطن كله ، وانصهار ينتخب الجمال والفن والثقافة والإبداع والتسامح من كافة أعراق ومذاهب وقبائل هذا الشعب العظيم ، ودونك قول السيدة الجليلة نفيسة المليك فى هذه الندوة ( امدرمان مدينة تقهر الغزاة وستقهر الطغاة ) ، ودونك ايضاً صوت احمد المصطفى الباذخ وهو ينشد ( أنا إبن الشمال سكنته قلبى .. وعلى إبن الجنوب ضميت ضلوعى ) ، فترفق ياصديقى بامدرمان واصبر عليها تأسياً بقول الخليل ( أملا كاسك واصبر دقايق .. مجلسك مفهوم شوفو رايق .. عقدو ناقص زول ولا تام ..... ويح قلبى الما إنفك خافق .. فارق امدرمان باكى شافق .. يا أم قبايل ما فيك منافق .. سقى أرضك صوب الغمام ..... فى يمين النيل حيث سابق .. كنا فوق أعراف السوابق ..الضريح الفاح طيبو عابق .. السلام يا المهدى الإمام ) .
fadil awadala [fadilview@yahoo.com]

 

آراء