مركز العز بن عبد السلام الثقافي: مناظرة حول: السودان ما بعد الانفصال- كلمة الامام الصادق المهدي

 


 

 



بسم الله الرحمن الرحيم
مركز العز بن عبد السلام الثقافي
مناظرة حول: (السودان ما بعد الانفصال: رؤية مستقبلية)

4 رمضان 1432هـ موافق4أغسطس2011م
كلمة  الامام الصادق المهدي


أخواني وأخواتي أبنائي وبناتي ،السلام عليكم
يسرني الاستجابة للدعوة المقدمة من مركز العز بن عبد السلام  للمخاطبة في هذا الموضوع الهام كما أرجو للمركز التقدم والازدهار.
عندما يطلب مني التحدث في موضوع أتساءل عن القيمة المضافة التي يمكن أن أساهم بها أم سيكون مجرد تكرار.
السودان في أزمة يشيب لها الولدان ومع ذلك توجد فرصة مع الأزمة لكن الفرصة لا يمكن الاستفادة منها وغير متاحة الا لمن ألقى السمع وهو شهيد .من هذا المنطلق أتحدث عن الأزمة والفرصة التي يمكن أن توفرها.
ستكون المقدمة في دقيقتين ثم أفصلها في نقاط والمقدمة تشيد بأن السودان وطن رسالي وليس مجرد حجر ونهر وشجر .
النقطة الأولى: أعداء السودان ضد دوره الرسالي ولهم تدابير في سبيل ذلك.
النقطة الثانية: غفلة بعض أبناء السودان ودون علمهم كانوا مخالب قط لذلك.
النقطة الثالثة: دولة الجنوب ضعيفة بداية عهدها وهي في مرحلة (جانوسية) اي برأسين كما إله الرومان وأمام الجنوب الآن النظر في اتجاهين شمالا أو جنوبا.
النقطة الرابعة: السودان دولة دروة لأكثر من قناص.
النقطة الخامسة: خيار السلطة أمام الظروف الحالية:العودة لأدلجة إقصائية مما يعني إتاحة فرصة واسعة للأعداء أو استباق السهام –الموجهة من المعارضة الآتية بنظام  جديد يناسب المرحلة.
النقطة السادسة:  خيارا المعارضة هما: تنسيق السهام للاطاحة بالنظام أو هندسة النظام الجديد.
النقطة السابعة: تمترس النظام في المربع الأول وخطة الاطاحة كلاهما يفتح باب مغامرات ويؤذن بتمزيق وتدويل الشأن السوداني.

المقدمة:
انفصال الجنوب ليس أول ولن يكون آخر انفصال في تاريخ العالم الحديث.ولكن في كل حالاته الانفصال هو نتيجة الفشل في ادارة التنوع.ما يميز السودان ويعطي انفصال الجنوب معان خاصة هو أن السودان وطن رسالي.
شهد عالم الآثار بروف هرمان بل في مؤتمر صحافي في الخرطوم أن حضارة وادي النيل مهدها السودان.
وقال بروفسور هيكوك:ان علم الآثار يؤكد أن الحضارة انتقلت من جنوب لشمال الوادي.وتناول عالم الآثار وليام آدامز في كتابه نوبيا رواق أفريقيا ما لهذه الحضارة من وزن.وما فيها من ربط بين شعوب شمال الصحراء وجنوبها.
والسودان هو التجسيد المصغر للقارة الأفريقية قبل انفصال الجنوب.
والسودان هو القاسم المشترك بين دول حوض النيل.
والسودان هو الأنموذج للانتشار السلمي للاسلام وللتمدد السلمي  للثقافة العربية.
وهو قبل انفصال الجنوب برهان حي على ان العوامل الجيوسياسية والاقتصادية يمكن تحتوي التنافر الثقافي.
هذه المضامين الرسالية جعلت السودان هدفا لقوى الهيمنة الدولية التي تريد تقويض هذه المعاني الرسالية لأسباب أهمها:
-            هم يفترضون أن أفريقيا جنوب الصحراء خلاء حضاري ينبغي صد الحضارة الاسلامية عنه واحتكاره للمسيحية والثقافات الأوروبية.وهذا يوجب تدمير الرسالة السودانية. 
-             يدركون أن أفريفيا جنوب الصحراء مستودع موارد طبيعية هائلة في عالم شحيح الموارد وهم أولى باحتكارها.
-              ومنذ قيام اسرائيل كان هم بن غوريون كما أوضح موشي ترجي هو اختراق الحصار العربي في شمال افريقيا وغرب آسيا بعلاقات خاصة مع الجوار غير العربي للعرب:ايران،وتركيا في آسيا ودول أفريقيا جنوب الصحراء.
وفي أواخر السبعينات ازاء ظاهرة الصحوة الاسلامية تدارست الوكالات الاستخبارية الغربية خطورة هذه الظاهرة وفكروا في وسائل ناعمة لاحتوائها وبدا لهم أن أي مواجهة للاسلام من خارجه سوف تزيد من تمسك أهله به. ورأوا أن ثمة وسيلتان لهذا الاحتواء:الأولى صنع قيادة كارزمية للمسلمين واختراقها.والثانية إغراء قوى سياسية اسلاموية للاستيلاء على السلطة تحت شعار اسلامي ،ما من شأنه في ظروف التنوع الديني،الطائفي والثقافي والاثني في المنطقة العربية أن يخلق استقطابا حادا يودي بوحدة البلدان وبما يصحبه من إخفاق يحرق الشعار الاسلامي نفسه كما حرقت التجربة الشعار القومي العربي قبل ذلك.
فصل جنوب السودان من شماله هدف استراتيجي لسياسة تدمير الرسالة السودانية:جاء في بيان سياسة حكومة الاحتلال البريطاني للسودان نحو الجنوب في 1920 الآتي: ان سياسة حكومة السودان هي:العمل على إبعاد التأثير الاسلامي من الجنوب.واحتمال فصل هذا الجزء الزنجي من بقية السودان العربي والحاقه بمناطق أخرى في أواسط أفريقيا وفي محاضرة قدمها آفي ريختر وزير الأمن الداخلي في اسرائيل في عام 2008 قال: الخريطة الحالية للشرق الأوسط غير واقعية لأنها تتجاوز هويات الشعوب. وتحدث عن حتمية تقسيم البلدان العربية ومنها السودان.الذي ينتظر أن يقسم لخمس دويلات.
المواجهة بين هذه الرؤية والرؤية الوطنية السودانية المضادة لها مرت على مراحل مختلفة منذ مؤتمر جوبا 1947م الذي أجمع فيه الجنوبيون بعد تداول على مصير وحدوي مع الشمال.وعبر نظم  حكم مختلفة الى مؤتمر  واشنطن في اكتوبر 1993 الذي أجمع فيه الجنوبيون على مطلب تقرير المصير.
الى يونيو 1989 كانت الحركة القائدة للمقاومة الجنوبية تشترط للسلام:
المطالبة بنصيب في السلطة وفي الثروة –وفي استثناء من الأحكام الاسلامية- وفي إلغاء أية اتفاقيات تمس السيادة السودانية(الدفاع المشترك) وكان أول استخدام سياسي لفكرة تقرير المصير هو ما أقدم عليه د.علي الحاج باسم النظام الجديد في اتفاق فرانكفورت عام 1992 بغرض تقسيم الحركة الشعبية.ولكن منذ مؤتمر واشنطن صار تقرير المصير شرطا للتعامل مع الحركة الشعبية فقبلته المعارضة بالاجماع في 1995،ثم قبله النظام أساسا لاتفاقية السلام من الداخل في 1997 ثم صار أساسا لاتفاقية السلام المسمى شامل في 2005.
حبل الوصل بين ايدولوجية انقلاب الانقاذ ومطلب تقرير المصير ثم الانفصال واضح المعالم وقد بيناه في كتاب: ميزان المصير الوطني.
انفصال جنوب السودان ليس نهاية بل بداية مشروع تمزيق السودان.
دولة الجنوب الجديدة دولة هشة بلا خدمة مدنية وبلا مجتمع مدني وتقودها الحركة الشعبية المحملة بالخلافات القبلية  وتواجه عددا من حركات التمرد: 3 من الدينكا: عبد الباقي أكول، جورج اطور، قبريال تانق، واثنان من النوير: بيتر قاديت، وقلواك قاي. وواحدة من المورلي بقيادة ياو ياو هذا بالاضافة لاختراقات جيش الرب.
دولة الجنوب الجديدة سوف تكون عظمة نزاع كبير وهي بحاجة لكل أنواع المساعدة لكيلا تتحول بسرعة لدولة فاشلة.
هنالك عناصر شمالية لعبت دورا كبيرا في تعزيز نظرة الجنوبيين الانفصالية وهي حريصة الآن في اسعار نيران العداوة مع دولة الجنوب والحرص على تركيعها كدولة فاشلة.
هذا النهج هو بالضبط ما تريده قوى الهيمنة الدولية وإسرائيل لأنه يدفع بدولة الجنوب أكثر فأكثر إلى أحضانهم.
إن منطقة القرن الأفريقي سوف تشهد أكبرمسرح لصراع الحضارات وربما حربا قارية.
بؤر النزاع بين دولتي السودان كثيرة عددنا عشرين بؤرة منها بؤر أكثر التهابا: أبيي- والمراعي- والبترول- والتجارة وغيرها.
ولدولة السودان مشاكلها المأزومة أهمها:
•        ما قصرت دونه اتفاقية السلام فأورث البلاد مشكلتي جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق – وأبيي.
•        أزمة دارفور التي لن تحلها وثيقة الدوحة.
•        تأزم الموقف الاقتصادي بسبب الاعتماد غير الرشيد على إيرادات النفط في الفترة منذ عام 2000م واستيلاء دولة الجنوب على نفطها.
•        تفشي العطالة، والفساد، والتطلع للاقتداء بالثورات الشعبية في المناطق المحيطة.
•        الانقسام الحاد في الجسم السياسي السوداني بين الحزب الحاكم ومعارضيه.
•        المواجهات المحتملة مع الأسرة الدولية حول التعامل مع الحرب الجديدة في جنوب كردفان وحول العدالة الجنائية الدولية.
•        الثقة مفقودة تماما بين المؤتمر الوطني وعناصر متنفذة في دولة الجنوب وبين المؤتمر الوطني ولوبيات دولية مهمة.
هذا كله يطرح خيارا للمعارضة للعمل على توحيد أجندة هذه الضغوط في اتجاه اسقاط النظام. اسقاط النظام   في ظروف السودان الحالية سيكون باهظ التكاليف ولا يخلو من خطر السقوط في أجندة تمزيق البلاد.
أمام هذه التحديات الحتمية فإن أمام النظام خياران استباقيان الأول: وهو الأقرب لتصريحات القضارف، والهلالية هو العودة للمربع الأول الذي انتج هذه الحالة بالإصرار على الاحادية الثقافية واشهار السيف على المخالفين. هذا غاية ما تتمناه أجندة تمزيق الوطن وفتح أوسع النوافذ للتدويل، والثاني هو التسليم بفشل التجربة الاحادية والتحول سلميا لنظام قومي بديل.
المعارضة أمامها خياران، خيار توحيد كل فصائل ووسائل الاطاحة في إطار شعار الشعب يريد اسقاط النظام وخيار آخر في إطار الشعب يريد نظام جديد. 
الخيار الأول: هو القطب الآخر في مواجهة أجندة الأحادية الثقافية  والمواجهة الحادة.
الخيار الثاني: هو الوجه الآخر من الأجندة الاستباقية- خيارات النظام  ويقوم على النقاط الآتية:
أولا: الاتفاق على لجنة قومية حقا للدستور لصنع دستور ضمن موجهات محددة  هي:
-            دستور يجسد إرادة كافة أهل الوطن بمن فيهم الفصائل الدارفورية وأصحاب المشورة الشعبية بلا استثناء.
-            ويكفل الديمقراطية بأركانها الأربعة: المشاركة- والمساءلة- ووالشفافية- وسيادة حكم القانون.
-            ويحقق كذلك التوازنات الحيوية: التوازن الديني- والثقافي- والجهوي- والاجتماعي- والنوعي- والعمري.
-            دستور مدني بمعنى أن السلطات الثلاث هي من إرادة الشعب ويكفل معادلة توفيق بين المواطنة والمرجعية الإسلامية.
-            دستور يكفل العدالة الاجتماعية.
-            دستور يهتم بلبنات البناء الديمقراطي من أحزاب – ونقابات- ومنظمات مجتمع مدني.
-            دستور يكفل حق الجنسية بالميلاد لكل مستحيقها ويسمح بالجنسية للجنوبيين المقمين في الشمال فهي حقهم بالميلاد.
هذا الدستور تضعه لجنة قومية واسعة المشاركة ويعرض على مؤتمر قومي دستوري ويجاز بآلية ديمقراطية.
وإلى أن يجاز هذا الدستور يتفق بالتراضي على دستور انتقالي يخلف الدستور الثنائي الحالي.
ثانيا: هنالك عومل كثيرة تدل على اشواق االجنوبيين لأصل مشترك فهم قد ضمنوا كوش الشمالية في نشيدهم الوطني. وانتسبوا للسودان في دولتهم. ولكن المساجلات العدائية والسياسات الطاردة أدت لقيام دولة لجنوب المستقلة هذه الدولة يمكن أن تصير مستقلة وعدائية ومخلب قط لكافة أعداء السودان ويمكن كذلك أن يحصر التباين في شكله الدستوري وتؤسس علاقات مجتمعية قوية في كافة المجالات الاقتصادية، والثقافية والإعلامية ويساعد السودان دولة الجنوب بإمكاناته وبأمكانات عربية وإسلامية واسعة مراهنة على أن تكون دولة جنوب السودان دولة جوار أخوي تربطنا بها اتفاقية توأمة. على أن تكون أسس تعاملنا معها جاذبة لا طاردة.
إن ما يجري الآن من سياسات المواطنة – وخدمة الجنوبيين- ومزايدات البترول- والابتزاز التجاري- سياسات اقصائية كأنها ضيغت في مطابخ الانتباهة إنها تدعم أجندة أعداء الشمال من الجنوبيين وتدفع بهم في أحضان العدو الاستراتجي. سياسات صاغها قوم لم يسمعوا بفقه تأليف القلوب، ولم يسمعوا بالتوجيه النبوي "بشروا ولا تنفروا"، ولم يدركوا كيف انتشر الإسلام في أفريقيا جنوب الصحراء، وفي جنوب شريقي آسيا، ولم يدركوا حقيقة ما آل إليه الإسلام اليوم في العالم رغم ضعف المسلمين فصار يشكل القوة الثقافية الأولى في العالم.
ثالثا: آن الآوان لحسم نهائي لأزمة السودان في دارفور على أساس وثيقة هايدلبرج والمبادئ العشرة المقترحة والتي تتجاوز وثيقة الدوحة ويرجى أن تقبلها كافة فصائل دارفور.
رابعا: الإعلان الملزم بحقوق الإنسان كما في الوثائق العالمية الموقعة مع تكوين فوري لمفوضية مستقلة حقا لمتابعة الالتزام بها.
خامسا: الاتفاق على تنظيم مؤتمر قومي اقتصادي يشخص حالة البلاد الاقتصادية ويضع برنامج الإصلاح المنشود وفق التوجهات المقترحة.
سادسا: التعامل الواقعي مع المحكمة الجنائية الدولية بما يوفق بين العدالة والاستقرار.
سابعا: ان ينفذ هذا البرنامج حكومة قومية بدماء جديدة في كل مستوياتها فإن أي استمرار بنفس الوجوه تنقصه المصداقية، حكومة بهيكلة جديدة تفصل القوات المسلحة من السلطة وترفع يد الحزبية من كافة مؤسسات الدولة، إذا قبل المؤتمر الوطني هذه المبادئ التي سوف يشارك في تنفيذها فنحن مستعدون للعمل على تحقيق الاجماع حولها لتخرج السودان من الهاوية، ولكن إذا رفضها فإنه بذلك سوف يفتح المجال واسعا لاجندات المغامرة بكل أنواعها وكثيرة ما هي بل ويمنح اصحاب اجندات التمزيق والتدويل مجالا واسعا.

أمامك فانظر أى نهجيك تنهجِ * * * طريقان شتى مستقيم وأعوجِ


والسلام عليكم ورحمة الله

 

آراء