لوكا بيونق في حوار ملتهب: سلّمت ملف التصفية العرقية في أبيي وجنوب كردفان لاوكامبو.. ونظام البشير وصل نهاية المطاف
قطع بإستحالة قيام علاقة ودية بين دولتي الشمال والجنوب في ظل وجود (الوطني) على رأس السلطة
بيونق: ما يقوم به المؤتمر الوطني من إنتهاكات إنتحار سياسي.. ولا يمثل اخلاق الشعب السوداني
البشير وهارون يقودان التصفية العرقية في دارفور وجنوب كردفان وأبيي
قطع الدكتور لوكا بيونق، رئيس منظمة كوش السودانية الأميركية بإستحالة قيام علاقة ودية بين دولتي شمال وجنوب السودان في ظل وجود المؤتمر الوطني على رأس السلطة- على حد تعبيره. وكشف بيونق عن إجتماعه بلويس مورينو أوكامبو، مدعي محكمة الجنايات الدولية وتسليمه ملف كامل حول جرائم الحرب التي إرتكبها الجيش السوداني في أبيي وجنوب كردفان بأوامر من الرئيس عمر البشير ووزير الدفاع عبد الرحيم محمد حسين- على حد قوله. وبحسب بيونق فإن أوكامبو أعرب عن إستعداده لضم ملف إنتهاكات أبيي وجنوب كردفان كأدلة أضافية ضد نظام الخرطوم، مؤكدا في الوقت ذاته على كفاية الأدلة في القضية ضد المتهمين البشير وهارون فيما يتعلق بالإبادة الجماعية في دارفور.
وحذّر بيونق المؤتمر الوطني من الحرب الإقتصادية التي يشنها على الجنوب. وعزا ذلك: "المتضرر من هذا الأمر هو الشعب السوداني في شمال السودان.. والمؤتمر الوطني سوف يكون الخاسر الأكبر من هذا الأمر في نهاية المطاف".
تابع: "الرئيس البشير هدد بإغلاق أنابيب البترول إذا لم نعطهم ما يريدون من أموال.. لكننا لن نفعل ذلك، ولدينا خيارات عديدة للتعامل مع هذا الوضع.. من بينها بيع البترول للصين في أرض الجنوب ثم تتكفل هي بترحيله، الخيار الآخر هو أخذ قروض آجلة الدفع من المستثمرين بضمان البترول لحين بناء خط انابيب بترول خاص بالجنوب يمتد إلى ميناء لومي في كينيا أو عبر مصوع أو عصب في أرتريا".
أدناه نص الحوار الملتهب مع الدكتور لوكا بيونق: أجرى الحوار من واشنطن: عبد الفتاح عرمان
* ما هو الهدف من زيارتك للولايات المتحدة الأميركية؟
زيارتي إلى هنا تتعلق بمنظمة كوش غير الحكومية كبداية لتفعيل عملها. وهذه المنظمة قمنا بتكوينها في عام 2003م. والمؤسسون الآخرون هم الدكتور فرانسيس دينق والدكتور بيونق دينق، وهو قانوني، ودانيال جوك.
- ما هو الهدف منها؟
هدفها هو خلق علاقات شعبية بين شعوب أفريقيا والشعب الأميركي. وهذه المنظمة قامت ببعض الأعمال، وهناك مثلا شباب الجيش الأحمر- مقاتلون سابقون في الجيش الشعبي- هجروا الجنوب على أيام الحرب، وبدأ تشغيلهم في بناء النهر العظيم في زيمبابوي، وهناك بعضا منهم في جنوب أفريقيا. والأحداث التي تجري في السودان شمالا وجنوبا تستدعي العمل في هذا الإتجاه، ونود التركيز على ربط الشعب الأفريقي بالشعب الأميركي في قضايا التعاون الإقتصادي والثقافي، بالإعتماد على الثقافة الأفريقية لتنمية العلاقة بين الطرفين. سنركز على أبيي لان بها كل التحديات، سوى كانت تحديات السلام أو النزوح، لاسيما العلاقة بين الشمال والجنوب في ظل وجود بترول في أبيي. وبعد التصفية العرقية التي إرتكبها المؤتمر الوطني في أبيي وتشريد الآلاف من الأسر التي نزحت جنوبا، وعدم إنفاذ إتفاقية السلام وإرتكابه- المؤتمر الوطني- للتصفية العرقية في جنوب كردفان ودارفور سيكون هدفنا هو توعية الشعب الأميركي بما يقوم به المؤتمر الوطني من جرائم حرب وتصفية عرقية في شمال السودان. لذلك عند زيارتي لواشنطن ركّزت على مجلسي الشيوخ والنواب وقمت بتنويرهم بما يقوم به المؤتمر الوطني من تصفية عرقية في أبيي وجنوب كردفان ودارفور، لانهم يقومون بالجانب التشريعي، حتي يقوموا بإجراءات رادعة ضد المؤتمر الوطني. ولدي إجتماعات مع وزارة الخارجية والمعونة الأميركيتين لتعريفهم بما يجري الآن في السودان. ولدي لقاءات أخرى مع مراكز البحث الأميركية، مثل معهد السلام الأميركي ومعهد بروكنز، بالإضافة إلى المركز العالمي للدراسات الإستراتيجية والسلام، ومراكز أخرى، حتي يكون لديهم فهم واسع عن ما يجري الآن في السودان. سأركز على أبيي وجنوب كردفان ودارفور والأزمة الإقتصادية في شمال السودان نتيجة لممارسات المؤتمر الوطني.
* إتهمت الجيش السوداني بإرتكاب جرائم حرب في أبيي، على ماذا استندت في توجيهك لهذا الإتهام الخطير للجيش السوداني؟
إلتقيت باوكامبو في شهر يونيو الماضي، وسلمته ملف موثق يؤكد على إرتكاب الجيش السودان لجرائم حرب في أبيي. ونحن هدفنا الأساسي في منظمة كوش التوثيق لهذه الإنتهاكات، وهو ما قمنا به في أبيي، سوى كانت إنتهاكات حقوق الإنسان، ونزوح حوالي مائة الف من أبيي يعانون من أزمة إنسانية كبيرة. ولدينا توثيق كامل لعدد الأطفال الذين ماتوا بالإضافة إلى العجائز جراء هذا الهجوم. هذا بالإضافة إلى الذين قتلوا جراء هجوم الجيش السوداني على أبيي بصورة تؤكد نية التصفية العرقية المبيتة، وبأوامر من الرئيس عمر البشير ووزير دفاعه عبد الرحيم محمد حسين الذي امّن على حديثه، ورئيس هيئة الأركان الذي أصدر الأوامر بساعة الهجوم، بالإضافة إلى القائد المكلف بالهجوم وإدارة العمليات في أبيي. كل هذه التفاصيل رصدناها رصدا كاملاً، ورصدنا جميع حالات الموت التي تمت في أبيي بعد هجوم الجيش السوداني على أبيي. رصدنا كذلك، عملية حرق البيوت، والممتلكات التي تم نهبها. ورصدنا كذلك، الأعمال التعسفية ضد الأفراد. وجلسنا إلى كل الأسر التي فقدت بعض أفرادها والذي اختفوا بعد سيطرة المؤتمر الوطني والجيش السوداني على أبيي. بالإضافة إلى جلب المؤتمر الوطني الفين وسبعمائة عائلة وتوطينها في المناطق الشمالية في أبيي. كل هذه التصرفات تكشف الجرائم ضد الإنسانية التي إرتكبها المؤتمر الوطني في أبيي. وما حدث في دارفور وأبيي، وما يحدث الآن في جنوب كردفان أصبح واضحاً بأن المؤتمر الوطني يقوم بالتصفية العرقية في هذه المناطق، وليس هناك إختلاف بين ممارسات المؤتمر الوطني في هذه المناطق، هذه سياسة معتمدة لديهم. بالإضافة إلى الإجراءات التعسفية التي يقوم بها المؤتمر الوطني على المواطنين في شمال السودان. نحن ساعدنا المواطنين على تدوين هذه الإنتهاكات في أبيي، وعند لقائي باوكامبو سألته عن إمكانية فتح قضية جديدة ضد الرئيس البشير وقادة جيشه لانهم إرتكبوا جرائم حرب في أبيي وجنوب كردفان، لكنه رد عليّ بأنه لا حوجة لفتح قضية جديدة ضد قادة نظام الخرطوم لان لديهم أدلة كافية ضدهم فيما يتعلق بدارفور، مؤكداً بأن ملف الجرائم التي إرتكبوها في أبيي سيقوي قضيته ضدهم، ويوسّع نطاقها. والرئيس البشير وأحمد هارون هما شخصان تورطا في جرائم حرب إمتدت من دارفور إلى جنوب كردفان وأبيي، وسوف تتطالهم يد العدالة، ونحن كمنظمات مجتمع مدني سنوثق كل هذه الإنتهاكات حتي لا يفلتوا من يد العدالة. وعندما يتم جلبهما- البشير وهارون- إلى المحكمة سيكون لدينا الأدلة حول جرائم الحرب في جنوب كردفان وأبيي، وهذه الأدلة ستقوي ملف دافور ضدهما.
* هل فعلا قمت بتسليم أوكامبو ملف أدلة الإنتهاكات التي تحدثت عنها؟
طبعا، عقدت معه لقاء بهذا الشأن، وسلمته كل الأدلة التي تثبت وقوع هذه الجرائم والإنتهاكات. وقدمنا له تنوير شامل حول الأمر، وكنا نبحث عن ألية لفتح قضية جديدة ضد قادة النظام، لكننا في ختام اللقاء أمّنا على تقوية ملف الجنائية ضد البشير وأحمد هارون. هدفنا الأساسي يا عبد الفتاح، من الناحية الأخلاقية، نحن كمجتمع مدني نرى بأن توثيق هذه الإنتهاكات يمثل أقوى وسيلة في مقاضاة قيادة المؤتمر الوطني. وهذه الأدلة موجودة، ويجب جلب البشير وهارون للعدالة. ومهما طال الزمن، البشير وهارون سيمثلان أمام العدالة، ونحن كمجتمع مدني في مناطق التماس، لا نتحدث عن قضايا سياسية وإنما قضايا تُعني بحقوق الإنسان، سوى كانت في دارفور أو أبيي أو جنوب كردفان. ليس هناك سلاح أقوى من توثيق هذه الجرائم وجلب البشير وهارون أمام العدالة للدفاع عن أنفسهم. وهذا ما فعلناه عند التحكيم في قضية أبيي. ونظام القضاء السوداني غير كفيل بتحقيق العدالة، ولابد لنا من الذهاب للمحاكم الدولية لمقاضاة قيادة المؤتمر الوطني. وانا على قناعة أن شعوب هذه المناطق- أبيي ودارفور وجنوب كردفان- ستنتصر بتحقيق العدالة مهما طال الزمن.
- ماذا كان رأي أوكامبو في الإنتهاكات في أبيي وجنوب كردفان؟
قال لنا أن لديه الأدلة الكافية لإدانة البشير وهارون فيما يتخص بجرائم الحرب في دارفور، وطلب منا توثيق كافة الإنتهاكات في أبيي وجنوب كردفان لتقوية القضية ضدهما.
* الرئيس البشير اعلن قبل شهر تقريبا أنه أمر بإغلاق الحدود لمنع إنسياب البضائع للجنوب كرسالة قوية منه لكم. هل تعتقد بأن حكومة الشمال تقود حربا إقتصادية ضدكم في الجنوب؟
هذا الأمر إنتهاك للعلاقات بين الشعبين في الشمال والجنوب، لان بينهما علاقات قوية ومتينة على مّر التاريخ. ربما تكون هناك مشاكل طفيفة لكننا نرى أن السياسيين يجب أن يعملوا على تنمية أواصر هذه العلاقات وليس هدمها. نحن نقر بأن إنفصال الجنوب سيخلق مشاكل إقتصادية بالنسبة للشمال لكننا إتفقنا كطرفين وتحت رعاية الإتحاد الأفريقي على أن نخلق من الإنفصال منفعة للشعبين، وتم التأمين على حدود سلسة وعلاقات إجتماعية وتجارية طيبة بين الشعبين. وكان تركيزنا في هذا النقطة لنضمن علاقات قوية ومرنة لا تتأثر بالإنفصال. ما قام به البشير تحوّر، ونظرة ضيقة للأمور، وسيعود بآثار سلبية على شعب شمال السودان، وفي نهاية الأمر سيتضرر منها المؤتمر الوطني. لانك عندما تقوم بإغلاق الحدود بصورة تعسفية على الرغم من أننا أتفقنا على حدود سلسة، سيتضرر من هذا الامر دولة الشمال؛ لان هناك اكثر من مائة وسبعة وسبعين سلعة تأتي من الشمال؛ والجنوب سيتحول للتجارة مع كينينا ودول شرق أفريقيا، لكن هذا سيبيع الشمال هذه البضائع للسعودية ام مصر؟! سيتضرر إقتصاد الشمال بصورة كبيرة. صحيح، أن شعب جنوب السودان سيتأثر من إغلاق الحدود لكنهم سيبحثون عن بدائل غير الشمال، وهي موجودة. ما يقوم به البشير هو إجحاف في حق الشعب في الشمال، وسيلحق الضرر بالعلاقات بين الشعبين.
أما التهديد بإغلاق الإنابيب، فهذا قصر نظر، لاننا عندما إتفقنا على إستخدام انابيب البترول في الشمال فهذا من دوره الإبقاء على علاقات ودية وطيبة مع شمال السودان. اما طلبهم من الجنوب بدفع اثنين وثلاثين دولاراً على ترحيل البرميل الواحد فهذا لا يستند على رؤية إقتصادية، لان هناك تجارب يمكننا الإعتماد عليها مثل تجربة ترحيل بترول تشاد عبر الكاميرون، فالاخيرة تأخذ أثنين وأربعين سنتاً مقابل البرميل، فكيف للمؤتمر الوطني أن يفرض هذا المبلغ الخرافي للتعويض عن النقص الذي يواجهه؟!. هذا التشدد جعل الجنوبيين ينظرون في بدائل أخرى من ضمنها إنشاء خط أنابيب لترحيل البترول عبر ميناء لامو الكيني أو عن طريق ميناء مصوع أو عصب الأرتريين.
*محاولة قيادة المؤتمر الوطني تصّعيب الأوضاع بالنسبة لكم في الجنوب، ماهو مدى تأثيره عليكم؟
لا يوجد رأي موحد داخل المؤتمر الوطني، وطريقة تعاملهم بإنفعالية لتحقيق أهداف قصيرة المدى في الشمال. بمعني أنهم يريدون أن يقولوا لشعب الشمال أنهم بمقدرتهم تركيع الجنوب. ورسالتهم لجنوب السودان هي بانهم يستطيعون إدارة إقتصادهم دون الحاجة إلى الجنوب، لكننا نقول لهم أن الجنوب لن يرضح لكم. وما قاموا به جاء بنتائج عسكية على الشمال. وانا أطالع صحف الخرطوم الصادرة اليوم تتحدث عن إضرابات وعدم وجود سكر في شهر رمضان الكريم، وغلاء الأسعار في الأسواق، كل هذه الأشياء تدل بأن الوضع في الشمال متأزم، لاسيما أن إقتصاد الشمال كان يعتمد بنسبة 80 إلى 90% على بترول الجنوب؛ وما ينتجه الشمال من البترول حوالي مائة ألف برميل يومياً، وهذه نسبة لا تكفي حتي للإستهلاك المحلي. قيادة المؤتمر الوطني خلقت معركة مع الجنوب في غير معترك، وستدفع الثمن. يا عبد الفتاح، ما يقوم به المؤتمر الوطني في قضايا ما بعد الإنفصال والإنتهاكات التي تتم في شمال السودان ليس في مصلحة الشعبين، بل ليس مصلحة قيادة المؤتمر الوطني نفسها. ما يقوم به المؤتمر الوطني ضد عادات وتقاليد الشعبين، ومن المستحيل أن تكون هناك علاقة ودية بين الجنوب والشمال في ظل وجود المؤتمر الوطني حاكما للشمال. دعك من مصلحة الشعبين، ما يقوم به المؤتمر الوطني من إنتهاكات لحقوق الإنسان ليس في مصلحته هو، بل هو إنتحار سياسي وإقتصادي لقيادة المؤتمر الوطني. هؤلاء يضربون العلاقة بين الشمال والجنوب في مقتل.
*لكن قيادة المؤتمر الوطني تعلم أنكم إذا قررتكم إنشاء أنبوب آخر لتصدير النفط سيأخذ منكم خمس سنوات على الأقل. ما صحة هذا الأمر؟
صحيح، أن إنشاء أنبوب سيستغرق وقتا طويلاً منّا، لكن المشكلة لا تكمن هنا بل في العلاقة الطويلة بين الشمال والجنوب التي تمتد لآلاف السنين. الجنوب عاش لفترة طويلة وحارب دون البترول، وبإمكانه المواصلة دون البترول، لكن المسالة المهمة ليس البترول بل الإنسان هو أهمّ من البترول. تخريب العلاقة بين الشعبين في الشمال والجنوب بهذه الإجراءات سيكون له مردود سلبي على العلاقة بين الشعبين على المدى الطويل. ونحن لدينا خيارات عديدة لبيع البترول، من بينها مثلا أن تشتري الصين منّا البترول في الجنوب، وأن لا يكون لدينا أدني علاقة بترحيله، والصين هي التي أنشئت تلك الأنابيب وبإمكانها أن تتفق مع الشمال بنفسها لترحيل البترول الذي قامت بشراءه من الجنوب. وهناك خيار آخر، هو أخذ قروض مقدمة لإدارة الدولة من بعض المستثمرين لحين إنشاء الأنابيب وتصدير النفط، فمسألة أخذ ديون آجلة ليست فيها مشكلة. الناس ديل- المؤتمر الوطني- لا يفهمون هذه الأمور، وأصحاب نظرة ضيقة. عدم تشغيل هذه الأنابيب سوف يجعل ديون الصين تتراكم عليهم، لان الصين هي التي موّلت بناء هذه الأنانبيب. وفي نهاية المطاف، ستكون هناك أزمة إقتصادية كبيرة في شمال السودان. إعلان الحرب الإقتصادية على الجنوب ليس في مصلحة المؤتمر الوطني لأن الجنوب سيتحول للتعامل مع دول أخرى.
*ما اسميته بالإنتحار السياسي لقيادة المؤتمر الوطني هل هو ناتج على خلافات داخل المؤتمر الوطني في وجهة نظرك؟
أنا لا أعتقد ذلك، وبإمكاني القول بأنني كنت من القيادات المعتدلة داخل الحركة الشعبية للتوصل مع المؤتمر الوطني لحلول حول القضايا العالقة مثل الجنسية، الحدود، النفط وبقية القضايا الأخرى، وقلت لهم مرارا علينا أن نركز على الشعب السوداني اولاً عند حلحلة كل هذه القضايا. وعند زيارة البشير لجوبا في يوليو الماضي كان هناك إرتياح متبادل، وأنا أشدت به. ما أود قوله، هو أن هناك أصوات وطنية داخل المؤتمر الوطني تعلم أهمية العلاقة بين الشمال والجنوب، وحتي لو كان لي آراء سلبية ضد نافع علي نافع، لكنه ذهب إلى أديس أبابا ووقع الإتفاق الإطاري لوقف الحرب في جنوب كردفان، وهذا شىء إيجابي. والحركة الشعبية قطاع الشمال ستساهم بصورة فعالة في خلق علاقات قوية بين الشمال والجنوب بعد الإنفصال. وما قام به دكتور نافع أشيد به شخصيا على الرغم من نظرة الناس له بأنه كان متشدداً، لكنه نظر للواقع، وعرف أن ما يحدث في جنوب كردفان شىء خطير بالنسبة للمؤتمر الوطني. ما أود قوله، ما يحدث في المؤتمر الوطني هو أزمة قيادة، إختلاف الرأي داخل المؤتمر الوطني شىء إيجابي، حتي مع وجود المتعصبين الذين يريدون الذهاب إلى مواقف متشددة؛ لكن الأزمة أزمة قيادة داخل المؤتمر الوطني. خلاصة الأمر، قيادة المؤتمر الوطني فقدت البوصلة، وكما قال الراحل الدكتور جون قرنق أن الناس ديل- المؤتم الوطني- مشوهون بصورة لا يجدى معها الإصلاح؛ هذا حقيقة ما يحصل للمؤتمر الوطني الآن. التشويه الذي حدث للمؤتمر الوطني لا ينفع معه الإصلاح، هؤلاء ربنا اعطاهم بترول يحصلون منه على عشرة مليون دولار شهريا لكنهم فشلوا حتي في إيصال رسالتهم الدينية للشعب، وفشلوا في إطعام المساكين والجوعي، فهم الآن وصلوا إلى نهاية المطاف.
*هل تقصد أن نهايتهم قد حانت؟
الشعب هو صاحب القرار، وهم متحكمون في مؤسسات الدولة الإقتصادية وأجهزتها المختلفة، لكن الكل يعلم بأنه مهما يحصل من شمولية فإن المؤتمر الوطني قد وصل نهاية المطاف. معاملتهم للشعب السوداني وإنتهاكات حقوق الإنسان وغلاء السلع والأسعار أوصلهم إلى نهاية الطريق. وحتي قيادة المؤتمر الوطني الشعب يعلم انها فاسدة، وكل الأجهزة وكبار الشخصيات في الدولة أصبح الشعب يعرف فسادها. وحتي داخل المؤتمر الوطني فقد وجه شبابه إنتقادات حادة جدا لقيادته الفاسدة. من كل النواحي، فقدوا البوصلة وأفسدوا، وليس لديهم شىء يقدمونه للشعب السوداني.
*هل أنت متفائل بحلحلة القضايا العالقة بين الشمال والجنوب؟
لا أعتقد ذلك، أنا أود أن اقول بأني متشائم، لأن ما قاموا به في أبيي اثر في أي زول. وقتها كان مجلس الأمن في زيارة للسودان وينوي زيارة أبيي، وكانت هذه فرصة للمؤتمر الوطني للتأكيد على تنفيذه لإتفاقية السلام و...
-مقاطعة-
-لكنهم يقولون بأنكم قمت بالهجوم على قواتهم المنسحبة من أبيي؟
حتي وإن كان هذا الأمر صحيحا، كان بإمكانهم التأكيد على إلتزامهم بالسلام وإتفاقية السلام الشامل، لكنهم هاجموا أبيي في نفس الوقت الذي يزور فيه مجلس الأمن السوداني الأمر الذي جعلهم يفقدون كل السند الدولي. وأنا زرت كل الدول المهتمة بهذا الامر وتاكد لي من الذين إلتقيتهم أن المؤتمر الوطني بهجومه على أبيي ظهر على حقيقته مما أفقده حتي الأصدقاء. ثانياً، البشير لن يجد شخص مثل الرئيس سلفاكير الذي كان يكن له الإحترام، فالرئيس سلفا قلبه واسع وليس متأمر. وبعد الهجوم على أبيي سلفا أتخذ من أبيي قضية لشعب جنوب السودان. إعطاء الرئيس البشير الأوامر بالهجوم على أبيي أفقده قيادة جنوب السودان، وبالأخص سلفاكير، قبل الهجوم على أبيي كان بإمكان البشير الجلوس في إجتماع رئاسي مع سلفاكير لحل المشكلة قبل إعلان الدولة الجديدة. وكان بالإمكان قيام إجتماع موسع في مجلس الوزراء قبل الإنفصال بحضور كل أعضاء الحركة الشعبية بما فيهم قيادات قطاع الشمال لعمل إحتفال والتأكيد على وجود الحركة الشعبية في الشمال لانه سيساعد في العلاقة بين الشمال والجنوب، لكنهم فضلوا الهجوم على أبيي. وهذا الهجوم اثر تأثير بالغ على سلفا، ولعلك لاحظت هذا الأمر في خطابه حينما قال أننا لدينا كل الأدلة التي تثبت جنوبية أبيي، وسنأخذها بالطرق السلمية. البشير فقد سلفا وهذه أكبر ضربة للبشير، لان سلفا لديه فهم وإيمان كبير بالعلاقات بين الشمال والجنوب. ولعلك لاحظت خطابه يوم إعلان الدولة الجديدة حينما قال بأننا نتألم لما يحدث في جنوب كردفان ودارفور والنيل الأزرق و(حانكورك لو أنتو كوركتو).. وأنظر لخطابه عند زيارة البشير لجوبا في يوليو الماضي حينما قال أن البشير رجل السلام؛ لكن في خطابه الأخير عند الإستقلال لم يذكر هذا الحديث، فهذا يؤكد أن البشير خسر سلفا. الشىء الآخر، كل قيادات الجيش الشعبي رأت أن دخول الجيش السوداني أبيي هو تحدي لقدرات الجيش الشعبي، وكانوا يريدون إسترداد أبيي بالقوة، لكن قرار مجلس الأمن بإنسحاب الجيش السوداني من أبيي أنّقذ الوضع، لكن قيادات الجيش الشعبي كلها كانت مع إسترداد أبيي بالقوة، وفقد المؤتمر الوطني كل قيادات الجيش الشعبي التي كانت ترى بإمكانية خلق علاقة جيدة معهم. وحتي قيادات الحركة الشعبية مثل باقان ودينق الور ورياك مشار فقدهم المؤتمر الوطني.. حتي نحن فقدنا المؤتمر الوطني بهجومه على أبيي. أنا أود أن أقول، بدخول المؤتمر الوطني أبيي وحربه في جنوب كردفان أفقدته ثقة الجنوب، وليس بإمكانه وغير مؤهل لخلق علاقات ودية بين الشمال والجنوب. يا عبد الفتاح، انا على قناعة تامة بأن خلق علاقة مع الجنوب في ظل وجود المؤتمر الوطني مستحيل.
*محطتك القادمة هي المملكة المتحدة، بمن ستلتقي من المسؤولين البريطانيين؟
لدي لقاء غداً الأربعاء- اليوم- مع الإدارة الأميركية في الخارجية الأميركية وبعض المسؤولين الآخرين في الإدارة الأميركية. وسيكون تركيزي على القضايا الإنسانية وبعد القضايا الأخرى. في بريطانيا، لدي لقاءات في "الشتم هاوس"- المعهد الملكي للعلاقات الدولية-، ولدي إجتماعات مع معهد دراسات التنمية حول العلاقة بين الشمال والجنوب، بالإضافة إلى لقاءات مع مجلس العموم والخارجية البريطانيين، ومؤسسة العون الخارجي. وسوف التقي ببعض القيادات الدارفورية المتواجدة في بريطانيا. ومن بريطانيا سوف أذهب إلى رئاسة الإتحاد الأوربي في بروكسل لعقد بعض اللقاءات حول دعم الدولة الجديدة في مجال العمل الإنساني.