تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية حول القصف في جنوب كردفان

 


 

 


September 5, 2011 

(وكالات – حريات)

ذكرت منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش اليوم إن القوات الجوية السودانية تقصف عشوائياً مناطق مأهولة بالمدنيين في منطقة جبال النوبة بجنوب كردفان، وتحول دون وصول المساعدات إلى السكان النازحين المحتاجين للمساعدات.

قام باحثون من المنظمتين، في إطار بعثة استغرقت أسبوعاً للمنطقة أواخر أغسطس/آب، بالتحقيق في 13 غارة جوية على مناطق كاودا ودلامي وكورشي. أسفرت هذه الغارات الجوية عن مقتل 26 مدنياً على الأقل وإصابة أكثر من 45 آخرين منذ أواسط يونيو/حزيران. كما شهد الباحثون على وجود طائرات حكومية راحت تحلق فوق مناطق مدنية وأسقطت عليها قنابل، مما أجبر المدنيين على التماس اللجوء في الجبال والمغارات.

وقال دانييل بيكيلى، مدير قسم أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “حملة القصف العنيف تقتل وتشوه المدنيين رجالاً ونساءً وأطفالاً، وتجبر عشرات الآلاف على النزوح، وتعرضهم للاحتياج للمساعدات والاعتماد عليها أشد الاعتماد، وتمنع تجمعات سكانية كاملة من زراعة الأرض وإطعام الأطفال”.

وقالت دوناتيلا روفيرا، مستشارة أولى متخصصة بالأزمات في منظمة العفو الدولية: “إن الحكومة السودانية تفلت من جريرة القتل وتحاول منع العالم الخارجي من اكتشاف ما يحدث. لابد أن يكف المجتمع الدولي – لا سيما مجلس الأمن – عن تجاهل ما يحدث وأن يتحرك للتصدي للوضع القائم”.

وليس من المتاح للمدنيين أي سبيل لحماية أنفسهم من القصف العشوائي. وتحدث أقارب الضحايا للعفو الدولية وهيومن رايتس ووتش عن محنتهم. إذ قالت أم لفتاتين قُتلتا في غارة جوية: “سمعت انفجارات، ثم أحضر الجار جثمان مريم إلى البيت. أصيبت في رأسها، ورأيت أن جزءاً من رأسها قد اختفى. قال لي أن أذهب للمقابر لأنهم أخذوا إبنتي إقبال إلى هناك. ذهبت، لكن إصاباتها كانت صعبة للغاية، لم أتمكن من النظر إليها حتى”.



طبقاً لمنظمات مساعدة إنسانية تعمل في المنطقة، فإن أعمال القصف والهجمات والقتال أدت لنزوح أكثر من 150 ألف نسمة في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات المعارضة، حيث منعت القيود الحكومية المفروضة منظمات المساعدات الإنسانية من توصيل الطعام والمساعدات الأخرى. هناك 5000 شخص تقريباً عبروا الحدود مع جنوب السودان كي يصلوا إلى مخيم لاجئين في ولاية الوحدة.

وقد كان للقنابل أثر مدمر على المدنيين. فقد أُجبرت تجمعات كبيرة من النازحين على الخروج من بيوتهم، بسبب القصف المتكرر، ويعيشون في أوضاع قاسية، تشمل الإقامة في كهوف، وفي أعالي الجبال وتحت الأشجار ووسط أدغال بعيدة عن البلدات والمناطق السكنية. وليس لديهم ما يكفي من طعام أو أدوية أو نظافة صحية، أو مأوى من الأمطار الثقيلة. وقالت أسر نازحة عديدة للباحثين إنهم يأكلون التوت وأوراق الشجر، وأن أطفالهم يعانون من الإسهال والملاريا.

كان الرئيس عمر البشير – المطلوب أمام المحكمة الجنائية الدولية بتهم تخص ارتكاب جرائم جسيمة بحق المدنيين في منطقة دارفور الغربية – كان قد أعلن في 23 أغسطس/آب عن وقف أحادي الجانب لإطلاق النار في جنوب كردفان، حيث كانت القوات السودانية تقاتل جماعات معارضة مسلحة منذ مطلع يونيو/حزيران. إلا أن هناك منظمات ذات تواجد في المنطقة، قالت إنه ورغم وقف إطلاق النار، فالحكومة مستمرة في قصف مناطق مأهولة بالمدنيين. وقال البشير أيضاً إنه لن يسمح للأمم المتحدة أو منظمات الإغاثة بتقديم العون للنازحين.

وبينما كان الباحثون على الأرض هناك، راحت طائرات أنتنوف تُسقط القنابل على أراضٍ زراعية وقرى، بصورة شبه يومية. على سبيل المثال، قامت طائرة في 14 أغسطس/آب بإسقاط قنابل بالقرب من قرية كورشي، على مسافة 70 كيلومتراً شرقي كادقلي، مما أدى إلى تدمير بيت وممتلكات وزير الخربة. كما قام الباحثون بتصوير ثلاث قنابل وهي تسقط من طائرة أنطونوف على مقربة من كورشي في تمام الساعة 5:15 مساءً يوم 19 أغسطس/آب. وفي 22 أغسطس/آب، أسفرت غارة جوية أخرى عن إصابة جسيمة في ساق رجل وحنك امرأة مسنة، مع إلحاق أضرار بمدرسة.

وقالت روفيرا: “الهجمات العشوائية على المناطق المدنية والتضييق على الإغاثة الإنسانية قد ترقى لكونها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية”. وتابعت: “لابد أن تتوقف هذه الهجمات وأن يُسمح فوراً بإجراء تقييم للاحتياجات الإنسانية وتوصيل الإغاثة من قبل أطراف مستقلة”.



لم تُشاهد أي أهداف عسكرية ظاهرة على مقربة من مواقع الغارات الجوية التي زارها الباحثون. وقال شهود عيان إن طائرات الأنتنوف والطائرات المقاتلة التي راحت تحلق على ارتفاعات عالية لإسقاط القنابل على مناطق المدنيين، لم تكن على مقربة من أهداف عسكرية، على حد قول الشهود.

وقال خبراء أسلحة للمنظمتين إن الذخائر المستخدمة ليست موجهة، وغالبا ما يتم دفعها يدويا من طائرات شحن من طراز أنتنوف أو تطلق من الطائرات الأخرى بطريقة لا تسمح بدقة التسديد. ويعتبر استخدام السلاح غير الموجه بدقة على المناطق المدنية والذي لا يمكن أن يستهدف بدقة هدفاً عسكرياً هو بطبيعته يعد ضربات عشوائية تنتهك القانون الإنساني الدولي، على حد قول منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش.

وفي المناطق التي تخضع لسيطرة الحكومة، تقول هيئات الأمم المتحدة ومنظمات إغاثة أخرى إنهم منعوا من الوصول إلى العديد من الأشخاص المتضررين، بسبب الوضع الأمني والقيود الحكومية المشددة. ومنعت السلطات السودانية الهيئات ذاتها من الوصول إلى المدنيين وتقديم الإغاثة لهم في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة من خلال رفض السماح برحلات الإغاثة الجوية وبشن غارات جوية على مهابط الطائرات المستخدمة في تقديم المعونة. في 14 و19 و24 يونيو/ حزيران، قصفت الطائرات الحكومية، بما في ذلك الطائرات المقاتلة، مهبط كاودا.

ورغم إعلان الحكومة في 20 أغسطس/ آب بأنها لن تحول دون الوصول إلى جبال النوبة، قال البشير عقب ثلاثة أيام إنه لن يسمح لأية مجموعة دولية بالتواجد في الولاية، وأنه لن يسمح سوى للهلال الأحمر السوداني بتقديم المساعدة.

وقالت منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش إن الحكومة السودانية وقوات المعارضة بوصفها أطرافاً في النزاع، عليهما أن يوافقا فورا على السماح للمساعدات الإنسانية بالمرور جوا وعبر الطرق البرية للوصول إلى جميع السكان المتضررين، بغض النظر عن المكان الذي يعيشون فيه. ويجب إتاحة الوصول غير المقيد لجميع هيئات المساعدات الإنسانية، لمساعدة المدنيين الذين هم في حاجة ماسة الآن إلى الغذاء والمأوى وغيرها من المساعدات.

النزاع بدأ في 5 يونيو/ حزيران بين الحكومة السودانية والجيش الشعبي لتحرير السودان في كادقلي وأم دورين، وسرعان ما امتد إلى بلدات وقرى أخرى، حيث تتواجد قوات كل من الحكومة والجيش الشعبي.

وقد اندلع القتال في سياق تنامي التوتر بين حزب المؤتمر الوطني الحاكم في شمال السودان والحركة الشعبية لتحرير السودان ـ الحزب السياسي الذي يحكم الآن جنوب السودان بعد الاستقلالـ حول الترتيبات الأمنية في الولاية وانتخابات الولاية المتنازع عليها والتي فاز فيها بصعوبة حاكم الولاية الحالي أحمد هارون، وزير الدولة للشئون الإنسانية، المطلوب من قبل المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في إقليم دارفور.

وتضم جنوب كردفان أعدادا كبيرة من الجماعات العرقية النوباوية التي ترتبط بعلاقات قديمة مع حركة التمرد الجنوبية السابقة، والتي حاربت القوات الحكومية السودانية في جبال النوبة أثناء الحرب الأهلية التي استمرت 22 عاما في السودان، المنتهية في عام 2005. عندما أصبحت جنوب السودان دولة مستقلة في 9 يوليو/تموز من العام الجاري، أصبحت الحركة الشعبية بالسودان معروفة باسم الحركة الشعبية شمال السودان، وأصبحت الجماعة المعارضة المسلحة في جنوب كردفان معروفة باسم الجيش الشعبي لتحرير السودان ـ الشمال.

لم يتمكن باحثو كل من منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش من الوصول إلى الخطوط الأمامية أو الدخول إلى الأماكن التي تسيطر عليها القوات المسلحة السودانية. لكن الباحثين قابلوا عشرات النازحين الذين هربوا من القتال في كادقلي ومناطق أخرى غيرها.

وقال الشهود إن الجنود والميليشيات رموا الناس بالرصاص في الشوارع ونفذوا حملات تفتيش من منزل لآخر، ويتوقفوا عند نقاط التفتيش باستخدام قوائم أسماء للمعروف دعمهم للحركة الشعبية. ووصفالشهود أيضا تدمير ونهب وحرق الكنائس والبيوت، بما في ذلك هدم منازل أعضاء الحركة الشعبية.

وقالت منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش إن شهادات الشهود تتفقمع العديد من النتائج الواردة في تقرير لمكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان الصادر في 15 أغسطس/ آب. وقد استند ذلك التقرير على أبحاث قامت بها بعثة الأمم المتحدة في السودان من قبل مراقبي حقوق الإنسان قبيل انتهاء تفويض البعثة في مطلع يوليو/تموز، قبل استقلال جنوب السودان. ويرصدالتقرير أنماط عمليات القتل غير القانونية والهجمات واسعة النطاق على الممتلكات المدنية التي يمكن أن ترقى إلى مستوى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.

من جانبها، رفضت الحكومة السودانية نتائج تقرير الأمم المتحدة، وطلبت من مجلس الأمن الدولي تأجيل التداول حول جنوب كردفان إلى أن تنهي الحكومي تحقيقاتها الخاصة بحقوق الإنسان.

وقالت روفيرا من منظمة العفو الدولية: “يبدو أن السودان يحاول تبرئة نفسه من انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان بينما يواصل قصف المدنيين ومنع المساعدات الإنسانية. وظل مجلس الأمن صامتا لوقت طويل. ينبغى عليه ألا يجلس صامتا فيما تسقط القنابل على المدنيين”.



وكان ان اجتمع مجلس الأمن في 19 أغسطس/ آب، لكنه فشل في الاتفاق على بيان يدين انتهاكات حقوق الإنسان في جنوب كردفان، أو اتخاذ أية إجراءات ملموسة، في جانب كبير منه بسبب اعتراضات كل من جنوب أفريقيا وروسيا والصين.

وقال بيكلي من هيومن رايتس ووتش: “موقف جنوب أفريقيا على وجه الخصوص مثير للقلق.. كدولة إفريقية رائدة، لا ينبغي أن تدير ظهرها للضحايا الأفارقة بجنوب كردفان. فبدلا من عرقلة اتخاذ موقف، يجب على جنوب افريقيا أن تقود العمل في مجلس الأمن”.

ودعت منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش مجلس الأمن لإدانة ما يحدث بحسم وأن يطالب بوضعنهاية للقصف العشوائي على المناطق المأهولة بالسكان المدنيين والانتهاكات الأخرى في السودان، داعية إلى وصول هيئات الإغاثة الإنسانية غير المقيد إلى المناطق المتأثرة، واتخاذ مواقف ملموسة لضمان وجود مراقبة مستقلة لحقوق الإنسان في جنوب كردفان.

كما حثت المنظمتان المجلس على تنفيذ التوصيات الصادرة عن المفوض السامي لحقوق الإنسان لإجراء تحقيق مستقل بشأن الانتهاكات المزعومة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني التي وقعت أثناء القتال القائم في جنوب كردفان، وإخضاع مرتكبيها للمساءلة.

الغارات الجوية الحكومية على المدنيين في جنوب كردفان



القصف العشوائي

منذ مطلع يونيو/حزيران، نفذت القوات المسلحة السودانية بصورة متكررة غارات جوية عشوائية على المناطق المدنية، ما أسفر عن مقتل عشرات من المدنيين وإصابة كثيرين آخرين، وفقا لمنظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش.

أجرى الباحثون من المنظمتين تحقيقات في 13 من هذه الهجمات الجوية التي قتلت عشرات المدنيين، بينهم العديد من الأطفال، قد قتلوا وجرحوا ودمرت ممتلكاتهم. وأصيب بعضهم داخل أو حول منازلهم، فيما أصيب آخرون بينما كانوا يزرعون حقولهم أو يجلبون الماء، أو في أسواق القرى.

طبقا لكل الضحايا والشهود الذين تمت مقابلتهم في مواقع الضربات الجوية، لم يكن هناك مقاتلين من جماعة المعارضة المسلحة والجيش الشعبي لتحرير السودان – الشمال، في المناطق المستهدفة أثناء أو قبل القصف. كما لم تقع أي من الحوادث التي تم التحقيق فيها بالقرب من الخطوط الأمامية أو في مناطق المواجهات المسلحة الناشطة.



الشهادات الواردة من الشهود تتفق مع وجود شظايا القنابل، والذخائر غير المنفجرة، والحفر المتخلفة عن الانفجارات، والممتلكات المتلفة، وغيرها من الأدلة المادية التي وجدت على الأرض في مواقع القصف. كما أنها تتطابق مع الأدلة الأخرى المتاحة، بما في ذلك الصور ومقاطع الفيديو التي التقطها أفراد من السكان، عقب الهجمات مباشرة، فضلا عن السجلات الطبية ونمط الإصابات التي وصفها الطاقم الطبي الذي عالج الضحايا.

ايضاَ نوع الذخائر المستخدمة والطريقة التي تم قصفها بها ـ الذخائر غير موجهة والتي تُطلق من ارتفاع شاهق ـ تعتبر دليلا إضافيا على أن تلك التفجيرات كانت عشوائية، ومن ثم فهي من الممارساتالمحرمة بموجب مواد القانون الدولي الإنساني.

قتل النساء والأطفال

أنجلو السر، مزارع في مطلع الأربعين، أخبر الباحثين عن مقتل زوجته الحامل، الأم لعشرة أطفال، واثنين من أطفاله، وابن أخيه وأحد أقربائه الآخرين، بإجمالي خمسة أشخاص، قتلوا في غارة جوية، في 19 يونيو/حزيران، في قرية أم سردبة، التي تقع شرق كادقلي:

كانت زوجتي، محاسن، تزرع في الحقل المجاور لمنزلنا، عندما سمعنا طائرة، من طراز انتنوف، تحلق فوقنا. صرخت في الأطفال: “استلقوا على الأرض حيث ستأتي القنابل الآن”.

سقطت القنبلة وانفجرت بالقرب من منزل الأسرة، مخلفة عواقب مدمرة.

محاسن، البالغة 35 عاما، لاقت حتفها في الحال، قُطعت رأسها بشظايا قنبلة في حقل خارج منزلها. وكان ياسر، ابنها البالغ من العمر تسع سنوات، في المطبخ يساعد أخته الكبرى أمل في الطهي حين اخترقت شظايا قنبلة الحائط وارتطمت بجمجمته. كما ضربت الشظايا اخته أماني، البالغة عاما واحدا، التي كانت تجلس بالخارج، في صدرها، وقتلت في الحال ابنة عمتهم البالغة أربع سنوات، ومصعب الفقير، الذي كان يجلس إلى جوارها. وخوفا من مزيد من الضربات الجوية، حمل السر وجيرانه الطفلان المصابان، ياسر وأماني، إلى جبل قريب لكن كلا الطفلين ماتا خلال دقائق.

وكان أحد أقارب الأسرة، الصافي الحسن، البالغ 20 عاما، قد قتل بشظايا قنبلة قصفت أثناء مكوثه تحت شجرة بفناء منزل أسرة الفقيه، التي كان يقيم لديهم، ويعمل بالتدريس في مسجد قريب.



أصيب العديد من الأطفال الآخرين لدى عائلة السر والفقيه خلال الغارة. منظمتا العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش زارتا خمسة منهم في المستشفى، حيث كانوا لا يزالوا يتلقون العلاج الطبي بعد شهرين من الحادث. أصيب اثنان منهما، روبا السر البالغ ثلاث سنوات، وعباس الفقيه، البالغ عامين، بجروح شديدة الخطورة في الصدر والظهر، ولدى كلتا الحالتين اخترقت الشظايا رئتيهما. وتعاني مودة الفقيه من تمزقات في أسفل ساقها اليسرى، ولدى سعيدة السر (خمس سنوات) وأختها حسنى (11 عاما) إصابات مماثلة في أطرافهما.

وقال أقارب وجيران لمنظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش إنه كانت هناك تفجيرات أخرى في المنطقة، بما في ذلك واحدة في الأسبوع التالي والتي قتلت فتاة صغيرة في مكان قريب.

في 22 يونيو/ حزيران، قتلت غارة جوية أخرى في كاودا، 120 كيلو مترا شرق كادقلي، فوزية إبراهيم كلال، التي كانت حاملا في ثمانية أشهر وأم لطفل في الثالث من عمره، بينما كانت ترعى الماعز في مرعى قريب من بيتها. قال أقاربها وجيرانها إن خمسة قنابل على الأقل سقطت على خط واحد بعد الظهر. قتلت الأولى فوزية والتالية انفجرت قريبا جدا من مجمع منظمة غير حكومية ودمرت منزلا مجاورا.

في 26 يونيو/حزيران، أسقطت طائرة قنابل مجددا على أم سردبة، على مبعدة نحو 200 متر من موقع غارة 19 يونيو/حزيران، لتقتل زرقاء (ثماني سنوات) وهي تلتمس مأوى تحت شجرة. وقالت أمها، مريم زنجا، إنها هي وزوجها كانا قد ذهبا إلى الحقل في أرضهما بينما بقى الأطفال في البيت:

ذهبت للحقل وحين عدت للمنزل كانت بالفعل ميتة؛ لم يكن بإمكاني فعل أي شيء لمساعدتها. كان لديها إصابة فادحة الخطورة، أحشاؤها كانت في الخارج.

وقد أصابت شظايا القنبلة أيضا نجوى داود، الجارة البالغة ثلاث سنوات، وفي مطلع أغسطس/آب أصابت غارة تالية ثلاثة جيران آخرين.

كما قتلت غارة جوية أخرى، في 26 يونيو/ حزيران، في سوق كورشي، 13 مدنيا، بينهم خمسة أطفال وثلاث سيدات، وأصابت أكثر من 20 شخصا آخرين.

قامت منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش بزيارة إلى موقع الانفجار في كورشي والتقت 25 ضحية، من أقارب الضحايا، وشهود آخرين. تقدم شهاداتهم، جنبا إلى جنب مع الأدلة، صورة متسقة لما يبدو هجوما عشوائيا على المدنيين.



انفجرت ثلاث قنابل داخل مساحة تبلغ نحو 150 مترا من مضخة مياه القرية ومنطقة السوق بنحو 100 متر، حيث عادة ما يتجمع السكان هناك ـ وخاصة النساء والأطفال. قبل الهجوم، كان السوق اليومي ـ المهجور الآن ـ مشغولا كل يوم.

معظم الضحايا كانوا من النسوة والأطفال الذين كانوا يجلبون المياه، أو يتسوقون أو من المارة. من بين هؤلاء القتلى ماكالينا تيماس سليمان (أربع سنوات) وأختها بريسكيلا البالغة ثلاث سنوات. وفقدت أختهم ماركيلا (ثماني سنوات) معظم ساقها اليمنى وجزء من ساقها اليسرى. قالت للباحثين من فوق سريرها بالمستشفى:

كنا على مقربة من البئر وجاءت الطائرة وركض الجميع. ثم جاءني وجع شديد في ساقي. الآن عليّ أن أتعلم المشي بهذه العصي (عكازات)؛ الأمر صعب جدا.

تظهر الصور التي التقطت عقب وقوع الهجوم على الفور جثث شقيقتيها تمزقها شظايا قنبلة في حقل بالقرب من البئر. وقالت عواطف كوبر، والدة إقبال ومريم موسى الرحيمه للباحثين إن بناتها كانتا قد ذهبتا إلى البئر لجلب المياه عندما انفجرت القنابل:

سمعت انفجارات، وبعدها أحضر أحد الجيران جثة مريم إلى المنزل. كانت مصابة في رأسها وجزء منه مقطوع. وطلب مني أن أذهب إلى المقبرة لأن إقبال حملت إلى هناك. ذهبت لكن الإصابات كانت فظيعة جدا، لم أستطع النظر حتى.

الأخ الثالث كيشي البالغ ثماني سنوات أصيب لكنه نجا. كانت الأسرة قد عادت لتوها إلى منزلها قبل الهجوم من مخبأهم في الكهوف في الجبال القريبة، حيث يقضون معظم الأيام في حماية أنفسهم من الانفجارات.

إخلاص حسان جادين، 13 عاما، كانت قد ذهبت لتجلب الغداء لأخيها في متجر بالسوق. قالت أمها ليلى أحمد للباحثين:

سمعت ثلاثة انفجارات. جريت نحو السوق لأن أطفالي كانوا هناك. وفيما كنت أركض رأيت أشخاصاً يجرون نحوي يحملون ابنتي. كانت ساقاها مكسورتان وممزقتان. أخذناها إلى العيادة هنا في كورشي لكنهم قالوا إنها مصابة إصابات خطيرة وتحتاج للذهاب إلى المستشفى في كاودا. ماتت قبل أن أتمكن من الوصول إلى المستشفى.

ايضا قتل وليد عثمان علي، البالغ من العمر 32 عاما ويعمل جزارا وأب لطفلين، بينما كان يحاول الاحتماء خلف واحد من المحلات. نبيل الأمين كوة، صاحب المحل، وصف كيف قُتل:



بينما كان يشحن هاتفه سمعنا طائرة تحلق بأعلى. ألقيت بنفسي على الأرض خلف المحل وظل وليد واقفا بالقرب من الحائط. طارت شظايا كبيرة نحو الجدار. لقد طالته الشظايا في كل مكان من جسده، خاصة حول خصره. انقسم جسده تقريبا إلى قطعتين.

بالإضافة إلى 13 شخصا قتلوا في تفجير سوق كورشي، أصيب أكثر من 20 شخصا. من بينهم ببيانا إسحق، التي كانت في طريقها لجلب المياه من البئر. وأفاد الطبيب الذي عالجها الباحثين بأن شظايا القنبلة اخترقت فقرة من عنقها، وأصبحت الآن مشلولة في منطقة خصرها.

في غارة جوية لاحقة، في 2 يوليو/ تموز، في منتصف النهار، قتلت سيدتان، نون أنجلو كاركي (24 سنة) الأم لطفل عمره 4 أشهر، ونضال هاشم واجانا (23 عاما) من جراء انفجار قنبلة في قرية سرف جاموس، القريبة من كورشي.

والد كركي قال إنه عندما كانت الطائرة تحلق على ارتفاع منخفض، ركضت من الحقول نحو حفرة تستخدمها الأسرة كمأوى من التفجير، لكنها قتلت قبل أن تتمكن من الوصول إلى الحفرة. وكانت نيروبي لوكا (12 عاما) معها لكنها هربت وأصيبت بإصابات خفيفة. وأصيبت جارتها شالو بولس (8 سنوات) أيضا بإصابات طفيفة.

كما أجرت منظمتا العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش تحقيقا في الحادث الذي وقع في أغسطس/ آب. في 14 أغسطس/ آب، أسقطت طائرة قنابل قريبا من قرية كورشي، لتدمر منزل وممتلكات وزير الخربة، وزوجتاه، وأبنائه الأحد عشر. وشهد الباحثون أيضا سقوط القنابل من طائرة من طراز أنتنوف في منطقة جنوب قرية كورشي في الرابعة والنصف مساء 19 أغسطس/آب. في 22 أغسطس/آب، اليوم التالي لترك الباحثين المنطقة، سقطت القنابل فوق كاودا، ما أسفر عن إصابة رجال وامرأة مسنة وإلحاق أضرار بإحدى المدارس.

انتهاكات القانون الدولي الإنساني

يعتبر القصف العشوائي انتهاكا للقانون الدولي الإنساني. الجيش السوداني والجيش الشعبي للتحرير السودان بالشمال، باعتبارهما أطرافا في النزاع المسلح الداخلي، ملزمين بموجب القانون الدولي الإنساني ، الذي يحظر الهجمات التي لا تميز بين المدنيين والأهداف العسكرية. كما يحظر الهجمات التي تلحق أضرارا مدنية غير متكافئة مع المكسب العسكري المباشر المتوقع.

عادة تكون الهجمات عشوائية حينما لا توجه إلى هدف عسكري محدد، أو توظف كوسيلة أو طريقة للحرب التي لا يمكن توجيهها على هدف عسكري محدد، أو التي لا يمكن تحديد مدى تأثيرها وبالتالي لا يمكن أن تميز بين المدنيين والعسكريين. على كل الطرفين اتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة لتقليل الضرر الواقع على المدنيين وممتلكاتهم، وحين تسمح الظروف، عبر تقديم إنذار مسبق وفعال قبل الهجمات التي قد تؤثر على السكان المدنيين.

طائرات الانتنوف عاجزة عن توجيه القنابل على أهداف عسكرية محددة. بدلا من ذلك، يتم دفع القنابل من الجزء الخلفي من الطائرة، ويستند توقيت دفع الطيارين للقنابل على أساس عدد من المتغيرات، من ضمنها سرعة الطائرة وارتفاعها. بمجرد أن يتم دفع القنبلة، لا يمكن تغيير مسارها. الطائرات المقاتلة التي تُسقط أو تُطلق ذخائر غير موجهة على مناطق مدنية هو أمر يثير مخاوف عميقة من الطبيعة العشوائية أو غير المتناسبة للهجمات.

فرار مئات الآلاف من القصف

فر 150 ألف شخص على الأقل من بيوتهم منذ بدء النزاع مطلع يونيو/حزيران، بحسب تقديرات منظمات تعمل على الأرض، نحو خمس مناطق تسيطر عليها الحركة الشعبية لتحرير السودان – الشمال. وقد يرتفع العدد كثيراً، مع تساقط الأمطار الغزيرة، ومع عدم وجود وقود للعربات، ومع تقييد الاعتبارات الأمنية من الوصول للكثير من المناطق التي تسيطر عليها الحكة الشعبية لتحرير السودان – الشمال، حيث تجمع عشرات الآلاف من الأشخاص النازحين. وقد يرتفع العدد على مدار الشهور المقبلة، إذ يسفر القتال في عدة مناطق عن المزيد من النزوح للسكان.

تحدثت العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش إلى نحو 150 شخصاً نازحاً، كانوا يعيشون في ملاجىء أعدت على عجل بالقرب من كهوف كبيرة أعلى الجبال أو لدى سفوحها، حيث يمكنهم الاختباء في حال اقتراب الغارات الجوية منهم، وتحت الأشجار بعيداً عن الطرق الرئيسية والبلدات المرجح أن يتم قصفها، وفي مدارس مغلقة بسبب العطلة الصيفية.

والتمس آخرون اللجوء في بلدات وقرى، إذ أقاموا مع غرباء، الذين قالوا إن لا خيار أمامهم سوى مساعدة الأشخاص الذين لولا مساعدتهم لعاشوا في العراء. في إحدى الحالات، زار الباحثون منطقة لجأ إليها نحو 1000 شخص، في بيوت مهجورة وكهوف أعلى أحد الجبال، فراراً من القصف في قريتهم وحولها، عند سفح الجبل. وهناك 1500 آخرين من بلدات بعيدة هربوا من القصف وانضموا إليهم.

احتياجات إنسانية ضاغطة

بعد أكثر من شهرين من بدء الحكومة السودانية منع جميع المساعدات الإنسانية عن المناطق التي تسيطر عليها الحركة الشعبية لتحرير السودان – الشمال، وأغلب المناطق التي تسيطر عليها الحكومة في ولاية جنوب كردفان، هناك أكثر من 150 ألف شخص هربوا من القصف الجوي والهجمات الأخرى، يحتاجون بشكل عاجل إلى الطعام والمساعدات الإنسانية الأخرى.



وقال الكثير من النازحين للعفو الدولية وهيومن رايتس ووتش إنه بسبب عدم تلقيهم أية مساعدات أو مساعدات إنسانية محدودة، فقد اضطروا لأكل الثمار وأوراق الأشجار، وأطعموا أولادهم هذا الطعام. ولم تتمكن أغلب التجمعات السكانية في المناطق التي تسيطر عليها الحركة الشعبية من زراعة أراضيهم – أو هم يزرعون أجزاء منها – بسبب انتشار الخوف من الهجمات أو لأن أراضيهم الزراعية تقع في المناطق التي تسيطر عليها القوات المسلحة السودانية ولا يمكن الوصول إليها. ومن المرجح أن يتفاق النقص في الغذاء في الفترة المقبلة.

وفي 20 أغسطس/آب، حاولت ثلاث هيئات تابعة للأمم المتحدة ترتيب بعثة لتقييم الاحتياجات، تقوم بزيارة عدة مواقع كما قالت الأمم المتحدة، بما فيها مناطق خاضعة للحركة الشعبية لتحرير السودان- الشمال. ورافق بعثة تقييم الإحتياجات مسؤولون من الحكومة السودانية، بينهم عناصر من المخابرات العسكرية، ولم تفلح البعثة سوى زيارة كادقلي، وهي مدينة خاضعة لسيطرة الحكومة. ورفضت السلطات التصريح للبعثة بالسفر إلى مناطق أخرى.

وأعلن الرئيس البشير في 23 أغسطس/آب أنه لن يُسمح لأي هيئات أجنبية بالدخول إلى ولاية جنوب كردفان. وأكد عاملون بالأمم المتحدة للعفو الدولية وهيومن رايتس ووتش بعدها إن الدولة مستمرة في حرمانهم من الدخول إلى مناطق عدة في الولاية، منها معاقل المعارضة جميعاً.

الحكومة تمنع المساعدات

منذ اندلاع القتال، تمكنت الأمم المتحدة من مساعدة بعضاً ممن يُقدر عددهم بعشرات الآلاف من النازحين، أغلبهم في كادقلي أو بالقرب منها، إذ قدمت لهم الغذاء وغيرها من المساعدات الأساسية. وقد قُيدت بشدة قدرة الأمم المتحدة في الوصول لأماكن خارج كادقلي. وتناضل مجموعة صغيرة من المنظمات – لم يعد معها الكثير من المساعدات للتوزيع، ومع قلة عدد عرباتها وحوجتها لقطع الغياروالوقود – من أجل مساعدة نحو 150 ألف نسمة في المناطق الخاضعة للحركة الشعبية لتحرير السودان – الشمال.

وبينما خرج العديد من العاملين بالأمم المتحدة من كادقلي ومناطق أخرى في جنوب كردفان بسبب اندلاع النزاع في مطلع يونيو/حزيران ومع وجود عدة معوقات تحول دون قدرتهم على التنقل خارج كادقلي، فهناك آخرون غادروا مع انتهاء أجل ولاية بعثة الأمم المتحدة بتاريخ 9 يوليو/تموز، وهو اليوم الذي أعلن فيه جنوب السودان الاستقلال.



وقامت السلطات السودانية في 9 يونيو/حزيران بمنع اعطاء التصريحات للرحلات الجوية من الخرطوم إلى جنوب كردفان. وسمحت بعدد من الرحلات الجوية للأمم المتحدة بين 21 و26 يونيو/حزيران إلى البلدات التي تسيطر عليها الحركة الشعبية لتحرير السودان – الشمال، ومنها كاودا، وذلك لإجلاء جميع العاملين الدوليين، وبعض العاملين السودانيين.

وقامت سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية لدي الأمم المتحدة، سوزان رايس، قامت في 20 يونيو/حزيران، بإطلاع مجلس الأمن بأن السلطات السودانية “تهدد بإطلاق النار على دوريات الأمم المتحدة الجوية… وسيطرت على مطار كادقلي ورفضت منح التصريح لطائرات بعثة الأمم المتحدة بالهبوط”. وقد نفى العميد خالد الصوارمي، المتحدث باسم القوات المسلحة السودانية ما ذكرته سوزان رايس.

إلا أن الحكومة رفضت بعدها السماح بالرحلات الجوية إلى جنوب كردفان، باستثناء ما يخص إخلاء العاملين والأصول من هناك.

تناقص الإمدادات الغذائية والأزمة الوشيكة

عند اندلاع القتال، كان في مخازن البرنامج العالمي للغذاء في كاودا، المسيطر عليها من قبل الحركة الشعبية لتحرير السودان – الشمال، منذ منتصف يونيو/حزيران، نحو 700 طن من الطعام. وبعد إخلاء البرنامج العالمي للغذاء في يونيو/حزيران، تولت المنظمات الباقية في المنطقة الأمر، وعلى مدار الأيام الستين التالية راحت توزع إمدادات تكفي لعشرة أيام لأكثر من 100 ألف شخص نازح، طبقاً لمنظمات إنسانية محلية. الطعام المتبقي يكفي لتوفير الغذاء لعشرة أيام لنحو 23 ألف نسمة فقط.

وقال العشرات من النازحين في جميع المناطق التي زارها الباحثون إنهم رشّدوا من استهلاك المعونات الغذائية وعاشوا لأسابيع على التوت البري وأوراق الشجر، التي استخدموها لإعداد الحساء. وقالت أمهات إن أطفالهن يعانون من الإسهال. وقالت الأمهات إنهن لا يعرفن كيف ستعيش أسرهن على مدار الأسابيع التالية. وقالت أسر مضيفة للنازحين إن ضيوفهم ليس لديهم طعام أو أن طعامهم قليل للغاية. وطبقاً للبرنامج العالمي للغذاء، فإن جنوب كردفان كانت ضعيفة المحصول في عامي 2009 و2010، مما يعني أن السكان هناك كانوا يعانون بالفعل من قبل بدء النزاع.

وقال أغلب من تمت مقابلتهم أنهم غير قادرين على الزراعة – أو قدرتهم عليها أقل من المعتاد بكثير – لأنهم خائفون من القصف الجوي المكثف الذي شنته القوات الجوية السودانية في يونيو/حزيران ويوليو/تموز، وهي الشهور التي تُزرع فيها محاصيل الذرة الشامية، وهو المحصول الغذائي الأساسي في المنطقة.



وقال نازحون آخرون على مسافات بعيدة من بيوتهم إنهم لم يزرعوا شيئاً لأنهم لم يعودوا قادرين على الوصول الى حقولهم.

وقال قادة لتجمعات سكنية محلية إن قلة من الناس يقدرون على العيش على تجارة الماشية أو تحصيل نقود لشراء الذرة الشامية، فالمعروض في السوق قليل، والأسعار عالية للغاية. وقال البرنامج العالمي للغذاء إن المعروض في السوق يتناقص لأنه يعتمد كثيراً على التجارة مع الشمال، والاتصال مع الشمال انقطع مع سيطرة الحركة الشعبية لتحرير السودان – الشمال، على بعض المناطق. والأسعار ترتفع بسرعة كبيرة.

وقالت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) إنها تتوقع نقص كبير في المناطق المزروعة في جنوب كردفان. وقال ممثلون عن السلطات المحلية إن تأخر الأمطار سيفاقم من المشكلة، مما يؤدي إلى حصاد ضعيف للغاية في أغلب المناطق في أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني. وطبقاً لشبكة نظم التحذير المبكر من المجاعات، فتقديرات الأمطار في المنطقة أقل بخمسين في المائة من المتوسط الطبيعي. وتقول الشبكة إن أوضاع الغذاء وسبل العيش للمدنيين تأثرت بالنزاع، بما في ذلك النزوح، وأن الوضع قد وصل بالفعل إلى مستوى “الأزمة” – وهو مستوى واحد تحت مستوى “الطوارئ” في تقدير الشبكة.

وقام أخصائيون في التغذية بتحليل التفاعلات في جنوب كردفان، وأعلنوا عن الخوف من أن يتصاعد معدل سوء التغذية بسبب “الآثار المتراكمة للجوع والإسهال والملاريا والتهاب الرئة”.

المساعدات الأخرى المطلوبة

قالت منظمتا العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش إن النازحين يحتاجون بسرعة إلى مواد غير غذائية. منذ مطلع يونيو/حزيران، وزعت المنظمات 1500 وحدة لا أكثر من المواد غير الغذائية، وشملت بطانيات وأغطية بلاستيكية وأواني للطهي وشباك للحماية من الناموس. وتقول منظمات إنسانية إن المتبقي من هذه الأغراض لا يزيد عن المئات. وفي إحدى المناطق، قالت السلطات المحلية إن السبب الأساسي لإقامة آلاف النازحين مع مضيفين يعانون من أجل استضافتهم، هو عدم توفر الأغطية البلاستيكية لديهم، اللازمة لتشييد السقف للمأوى.

يشابه الوضع الإنساني الحالي الوضع الإنساني في جنوب كردفان مطلع التسعينيات، عندما منع الجيش السوداني أي مساعدة للمناطق الخاضعة للجيش الشعبي لتحرير السودان، وأجبر الآلاف من المدنيين على الإقامة في “مخيمات السلام” التي تسيطر عليها الحكومة كي يتسنى لهم تلقي المساعدات. حينها انتشرت المجاعة بعنف، ومات عشرات الآلاف من المدنيين متأثرين بسوء التغذية والأمراض.



الالتزام بالسماح بالمساعدة الإنسانية

تطالب قوانين الحرب جميع أطراف النزاع، ومنها السلطات السودانية، بالسماح بدخول الإغاثة الإنسانية المحايدة للمدنيين المحتاجين وتيسيرها بلا إعاقة. ورغم أن السلطات السودانية لديها الحق في الرقابة على عملية تسليم المساعدات، إلا أنها لا يمكنها أن تمنع تعسفاً المنظمات الإنسانية من الدخول، وعليها أن تسمح للمنظمات الإنسانية بتوفير الإغاثة بشكل محايد وغير تمييزي إذا كانت حياة السكان مهددة.

لا يُسمح للسودان بتقييد تنقلات المنظمات الإنسانية في المناطق الخاضعة للجيش الشعبي إلا بشكل مؤقت، إن كانت القيود مطلوبة لضرورة عسكرية حقيقية وضرورية، أي مع وجود مخاوف من تداخل عمليات الإغاثة مع العمليات العسكرية. ولم تُظهر الحكومة السودانية وجود مثل هذه الضرورة.

انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في كادقلي

بدأ النزاع في جنوب كردفان في 5 يونيو/حزيران، بعد أسابيع قليلة من استيلاء الحكومة عسكرياً وبشكل عنيف على منطقة أبييالمجاورة لكردفان والمتنازع عليها في شهر مايو/أيار. وقد اندلع القتال بين القوات الحكومية السودانية والجيش الشعبي لتحرير السودان في كادقلي وأمدورين، ثم انتشر سريعاً في بلدات أخرى في جنوب كردفان، لكل من القوات الحكومية والجيش الشعبي لتحرير السودان تواجد فيها.

لم تتمكن العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش من بلوغ منطقة كادقلي ومعاقل القوات المسلحة السودانية الأخرى، وإن قابل الباحثون بعض الأفراد ممن فروا من كادقلي على مدار الأيام التالية منذ اندلاع النزاع، وكانوا من الشهود أو الضحايا لانتهاكات حقوق الإنسان على يد القوات السودانية والميليشيات الموالية لها. الشهادات بالغة الاتساق الواردة من الشهود، تفيد بأن القوات الحكومية المتعاونة مع الميليشيات المسلحة ارتكبت انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في المنطقة.

وتتفق شهادات الشهود مع الكثير من نتائج تقرير الأمم المتحدة الصادر بتاريخ 15 أغسطس/آب، والذي يوثق حالات عديدة للإعدام بمعزل عن القضاء والاعتقالات التعسفية، بما في ذلك ما كان بحق أشخاص يعملون في الأمم المتحدة، وذلك عن طريق عمليات تفتيش للبيوت ومن خلال نقاط التفتيش، بالإضافة إلى غير ذلك من الانتهاكات.

وقال العشرات ممن شهدوا على الانتهاكات إن القوات الحكومية – وتشمل القوات المسلحة السودانية وشرطة الاحتياطي المركزية وقوات الدفاع الشعبي شبه العسكرية والميليشيات الموالية – قصفت وأطلقت القنابل على أحياء سكنية، ونهبت وأحرقت المنازل والكنائس، وأطلقت النار على المدنيين، واعتقلت بشكل غير قانوني وقتلت من يُشتبه أن ثمة صلات تربطهم بالحركة الشعبية لتحرير السودان.

القتل بمعزل عن القضاء

تلقت العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش شهادات كثيرة بعمليات إعدام خارج نطاق القضاء بحق أفراد يُعتقد أن لهم صلات بالحركة الشعبية لتحرير السودان، في كادقلي ومناطق أخرى بولاية جنوب كردفان.

وقال خالد كوكو– موظف يبلغ من العمر 37 عاماً يعمل في منظمة تنموية في كادقلي وتمت مقابلته في أم سردبة – قال إنه رأى مجموعة من الجنود في شاحنة صغيرة يطلقون النار على رزق رزق الله كاشو، وهو مدني ومن الأعضاء المعروفين بالحركة الشعبية لتحرير السودان، وهذا أمام المستشفى. وقال: “سمعت القائد يقول: “هؤلاء من الحركة الشعبية لتحرير السودان، اقضوا عليهم”. كما رأى خالد الجنود يطلقون النار على رجل آخر أمام كنيسة، ورأى جثامين أخرى كثيرة “في مناطق عديدة في الشارع وتحت الشجر”.

وقال شهود عيان إن عناصر الأمن الوطني وغيرهم من قوات الأمن والميليشيات الموالية للحكومة كانت معها قوائم بالمؤيدين للحركة الشعبية لتحرير السودان، واستخدموها في تنفيذ الاعتقالات التعسفية أثناء عمليات تفتيش البيوت، ولدى نقاط التفتيش وفي الشوارع.

وفي بعض الحالات، ذكر الشهود أشخاص من السكان المحليين، وصفوهم بأنهم من المؤيدين لحزب المؤتمر الحاكم في السودان، وذكروا أن هؤلاء الأشخاص عرّفوا الميليشيات بأعضاء معروفين من الحركة الشعبية لتحرير السودان. كما دخلت قوات الأمن الحكومية إلى “المنطقة الخاضعة للحماية” المجاورة لمجمع الأمم المتحدة في كادقلي واعتقلوا أشخاص من هناك، وفي مرتين على الأقل قتلوا أشخاصاً على مقربة من المجمع.

وقالت ل. ك. وتبلغ من العمر 29 عاماً ومن أعضاء الحركة الشعبية: “قال لي أحدهم أن القائمة تضم اسمي، فقررت اللجوء إلى بعثة الأمم المتحدة في السودان”. وهي تفر إلى المجمع في 11 يونيو/حزيران، رأت ثلاث جثث قرب مجرى الماء. ورأت على مقربة من المجمع قوات الأمن وهي تقتل شابين اثنين.

وقالت: “أطلقوا النار [أي الشرطة الاحتياطية المركزية] على صبيين، هما خالد، 18 عاماً، وعمرو، 16 عاماً. هما أبناء صالح، وهو سائق [يعمل لدى نائب الحاكم وقيادي بالحركة الشعبية لتحرير السودان] وعبد العزيز [الحلو]. قتلا هذين الصبيين عمداً، إذ رأيت أحدهم يشير إليهما ورأيت الجثتين بعد أن أطلقوا النار. كانت جثتيهما على الأرض”.



وهناك شاهدة أخرى، هي ف. أ.، وهي من الأعضاء السودانيين ببعثة الأمم المتحدة، قالت: “في 7 يونيو/حزيران، بدأت القوات المسلحة السودانية والمخابرات العسكرية والميليشيات في اعتقال الناس من داخل مجمع الأمم المتحدة”. ذكرت كيف أن في 8 يونيو/حزيران قامت عربتان من الشرطة المركزية بالتوقف أمام البوابة الرئيسية للأمم المتحدة وقتلت نميري فيليب، وهو استشاري للأمم المتحدة:

“أخذوه من البوابة الرئيسية وحاولوا قتله أمامها. بدأت نساء نازحات كثيرات في البكاء، فأخذوه في عربة، وقتلوه ورموا بجثمانه منها”.

أعمال النهب وتدمير الممتلكات، ومنها كنائس

أفاد العشرات من الشهود الذين قابلتهم العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش برؤية بيوت وكنائس تتعرض للنهب والتدمير. وقالت ر. هـ. أ.، سيدة تبلغ من العمر 29 عاماً من حجر النار، وشهدت على أعمال النهب والإحراق لبيوت الجيران من داخل بيتها: “أخذوا الأسقف الزنك وأحرقوا البقية”.

وأفاد رجال دين بأن الجنود وعناصر الميليشيات نهبوا الممتلكات داخل أربع كنائس ومن المجلس السوداني للكنائس في كادقلي، ودمروا كنيسة في أمدورين. قال مارتن بولس، وهو قيادي بكنيسة تمت مقابلته في جوبا، إنه بينما كان يختبئ في المجلس السوداني للكنائس، رأى عناصر من الميليشيات والشرطة يطلقون النار على بيت الضيافة وينهبون المكتب.

وقال قيادي آخر بالكنيسة: “كسروا كل نوافذ وأبواب بيت الضيافة، وأخذوا ما أرادوا أخذه ثم أحرقوا الباقي. ثم انتقلوا إلى المكتب والكاتدرائية وكسروا أشياء كثيرة”.

يعتبر التدمير العمدي للرموز الدينية جريمة حسب القانون الدولي الإنساني.

العنف الجنسي

أفاد عدة شهود عيان أيضاً بارتكاب جنود الحكومة لجرائم اغتصاب. ر. ك. أ.، سيدة تبلغ من العمر 24 عاماً من قرية تقع شمال شرق كادقلي، قالت إن سبعة من جنود القوات المسلحة السودانية اغتصبوها في الاحراش القريب من نقطة تفتيش على مشارف هيبان، وهي في طريقها إلى بيتها بعد أن اندلع النزاع في كادقلي.



قالت: “أخذوا كاميرا كانت معي وحقيبتي وفيها جواز سفري، وأخذوني إلى الاحراش”. بعد الاغتصاب هربت إلى جوبا، ولم تبلغها أنباء عن ابنها وآخرين من أسرتها إفترقوا عنها وقت الهجوم، ويعيشون في منطقة يسيطر عليها الجيش.

وقال م. ب. أ.، وهو محامي تمت مقابلته في جوبا، إن جارته وابنتها البالغة من العمر 16 عاماً التمستا مساعدته بعد أن اغتصب الجنود الابنة في كادقلي ثالث أيام القتال هناك. وقال متذكراً: “كان على ساقي الفتاة دم. أعطيتها مضاد حيوي ونظفت لها جرحها بالشاش والملح”. وتحدث م. ب. أ. أيضاً عن تلقيه مكالمة هاتفية من جارة تبلغ من العمر 25 عاماً تعرضت للاغتصاب على يد ثلاثة من رجال الميليشيات في بيتها. وقال: “لم تكن قادرة على التحرك، فقد ضربوها”.

الإعادة بالإكراه إلى كادقلي

قال شهود عيان من كادقلي أيضاً إن المسؤولين الحكوميين حاولوا إكراه النازحين الذين احتموا بمقر الأمم المتحدة على العودة إلى كادقلي على مدار الأسابيع التالية على النزاع. حسب التقارير، دخلت السلطات المحلية في 20 يونيو/حزيران “المنطقة الخاضعة للحماية” المجاورة للمخيم الأممي، حيث تجمع نحو 10 آلاف نازح، وأمروهم بالعودة إلى بيوتهم في كادقلي، أو التجمع في المدارس وفي استاد كادقلي. وفي 18 يونيو/حزيران أعلن الوالي احمد هارون للإعلام المحلي أن على الموظفين أن يعودوا وإلا فلن يتقاضوا رواتبهم.

تشدد مبادئ الأمم المتحدة الحاكمة للنزوح الداخلي على أن للنازحين الحق في التماس السلامة في أي منطقة من الدولة، ولهم الحق في ألا يُعاد توطينهم في أي مكان قد تتعرض فيه حياتهم أو سلامتهم أو حريتهم أو صحتهم للخطر.

مزاعم أخرى

قال شهود عيان، بينهم عاملين بالأمم المتحدة، للباحثين، إن هناك مقبرتين جماعيتين في منطقة كادقلي – في تيلو وإلى جوار الوادي في قرية مورتا. إلا أن الباحثين لم يتمكنوا من تأكيد هذه المزاعم لعدم القدرة على الوصول إلى الأماكن المذكورة وتقتصر الإفادة على شهادات الشهود في هذا الشأن. كما تلقى الباحثون تقارير قابلة للتصديق بأنه قد تم زرع ألغام مضادة للمركبات في كادقلي وحولها وفي مناطق استراتيجية أخرى، لكن لم يتسن التأكد عن القوات المسؤولة عن هذا الإجراء.

 

آراء