دور الصحوة الإسلامية في تأمين حقوق الشعوب

 


 

 

بسم الله الرحمن الرحيم
المؤتمر الدول للصحوة الإسلامية
طهران 17-18/سبتمبر 2011م



مدخل
في هذه الورقة نتعرض للتعريف بالصحوة الإسلامية ومعناها وهل هي عودة للماضي أم مخاطبة للمستقبل؟ ثم نعرف بحقوق الإنسان العالمية وحقوق الشعوب في الإسلام، ونسرد كيف فقدت شعوبنا حقوقها والفجر الذي بزغ الآن لاستردادها، ثم نبشر بمعالم الفجر الجديد الذي ينبغي أن تستعيد فيه الشعوب حقوقها وكرامتها استنادا للمرجعية الإسلامية.
(1)                ما هي الصحوة الإسلامية؟
منذ أن أقامت أوربا حضارتها الحديثة وغزت بلداننا واحتلتها جعلت ذلك الاحتلال بشقين أولهما مادي يسيطر على الأراضي ويقهر الشعوب ويحكمها عنوة، وثانيهما ثقافي يبشر بحضارة أوربا ويسفه حضارتنا وثقافات شعوبنا، وقد تصدى المجاهدون والحركات التحررية في الشعوب للاحتلال المادي فأردوه، كما تصدى المجددون والمفكرون للاحتلال الثقافي وبشروا بالإسلام، واستمرت رسالتهم حتى بعد زوال الاحتلال المادي لأن بلداننا أسست في عهده على هياكل ومفاهيم الحضارة الأوربية الوافدة. هذه الأصوات المختلفة التي نادت بالتأصيل الإسلامي في عالمنا يطلق عليها الصحوة الإسلامية.
وفي هذه الورقة فإني، وسط شعارات واجتهادات عديدة أود تأكيد أن الصحوة الإسلامية والإحياء الإسلامي مشروع مستقبلي وليس ماضويا. وأسوق حجتي لذلك في النقاط التالية:
أولا: طبيعة الدين مراعاة المتغيرات:
الدين في طبيعته مخاطبة إلهية للبشر يراعي تغير الزمان والمكان. ونحن نجد أن ملة إبراهيم واحدة ثوابتها أربعة هي: التوحيد، النبوة، المعاد، والعمل الصالح (مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ) [1]، ولكن مع ذلك الدوحة الإبراهيمة اشتملت على عدة حلقات تلتقي كلها في المعالم الأربعة وتختلف في أمور أخرى. كان الرسل قبل محمد (ص) مرسلين لأقوامهم، ولكن انفردت الرسالة المحمدية بأمرين: أنها للناس كافة، وأنه خاتم المرسلين. هذه الرسالات مع اتفاقها على الثوابت المذكورة فكل واحدة منها مختلفة لأنها تراعي الزمان والمكان. إذن فلسفة الرسالات أنها تراعي اختلاف الظرف الزماني والمكاني. الرسل الذين سبقوا محمداً عليه الصلاة والسلام كانوا كلهم يقولون بالثوابت المذكورة. الرسالة المحمدية فيما يتعلق بالثوابت: (التوحيد، والنبوة، والمعاد، والعمل  الصالح)؛ والأخلاق؛ والأركان الخمسة ثابتة؛ ولكن في أمر المعاملات: الحكم والمعاش والعلاقات الاجتماعية، متحركة.  وفيها للأمة وظيفة وهي أن الإنسان مكرم ومخير ومستخلف. هذا يعني أن المسئولية انتقلت إلى الأمة بعد ختام الرسالات والمنوط بها –أي الأمة- حفظ الثوابت والاجتهاد في المتحركات ولكن لدى الشيعة النبوة مستمرة في شكل الإمامة.
ثانيا: التعامل مع المستجدات في الإسلام:
ولاية الأمر -وهي أهم ما في المعاملات لدى أهل السنة- اجتهادية ففي الصدر الأول كانت ولاية أبي بكر رضى الله عنه في اجتماع تنافس في سقيفة بني ساعدة، دعا له بعض الأنصار، وكانت البيعة فلتة وقى الله شرها كما قال عمر (رض) أي كان يمكن أن تأتي بفتنة، وكانت ولاية عمر رضى الله عنه تعييناً قبله الصحابة، وكانت بيعة عثمان (رض) نتيجة شورى مقيدة، وكانت ولاية علي (رض) بشورى أهل المدنية، أما ولاية الخليفة معاوية بن أبي سفيان فقد كانت تغلبا ثم جعلها بعده وراثة في عقبه إكراها. إذن لا يوجد نمط واحد في ولاية الأمر. الفرق الإسلامية كثيرة أهمها ثلاث: أهل السنة، والشيعة، والصوفية، هم لا يختلفون في الثوابت المذكورة، ولكن في المعاملات، وفي كيفية التعامل مع المستجدات:
أهل السنة: تعاملوا مع المستجدات بموجب القياس والإجماع.
الشيعة: جعلوها مفوضة لقول الإمام المعصوم وهو الذي يقرر في هذه الأمور، الإمامة عندهم درجة أدنى من النبوة المستمرة. إذن صفته أنه معصوم واجب الناس طاعته.
الصوفية: فوضوا أمرها لولي هو حلقة الوصل بالنبوة وهو مطاع فيما يقول، فطاعته من طاعة النبي ولذلك لا اعتماد كثير على الكتب لديهم بل الولي ولديهم الولي مطاع لأنه حي يست  مد من النبوة أما الكتاب فميت.
ثالثا: تغير المذاهب بالزمان والمكان:
المذاهب الفقهية كلها تدل على اجتهادات متأثرة بما حولها مكانا وزمانا:
-            أول المذاهب مذهب الإمام أبي حنيفة (ت 767م): كان يعيش في بيئة العراق المنفتحة على الحضارات القديمة ومع اعتماده الكتاب والسنة أصلا للأحكام فإنه قال: إن للشريعة مصالح مقصودة من أجلها شرعت، هذه المصالح أساس استنباط فيما ليس فيه نص، هذا تأثر ببيئة العراق المتنوعة وهي بيئة منفتحة وعالمية في ذلك الوقت.
-            وقد نهل أبو حنيفة من الإمام جعفر الصادق مؤسس المذهب الجعفري وقال لولا السنتان لضاع النعمان
-            الإمام مالك ثاني أئمة الاجتهاد (ت 795م): اعتمد في مذهبه على مرويات أهل المدينة معتمدا على المنقول من السنة ولذلك كان ثاني اثنين بين الأئمة بالإضافة إلى أنه مجتهد كان محدثاً فألف الموطأ، الإمام مالك تأثر ببيئة المدنية الأقل تأثرا بالحضارات السابقة. ولذلك سمي مذهبه بمذهب أهل الحديث لأنه أكثر اعتماداً على تقاليد أهل المدينة.
-            الإمام الشافعي (ت 819م): كان أكثر الأئمة منهجية فجمع أصول وقواعد الاستنباط وجعلها علما مميزا وجعل الفقه تطبيقا لتلك القواعد، وفي التطبيق كان له مذهبان الأول: في المدينة وهو أقرب للمالكي، والثاني: في القاهرة وهو أقرب للحنفي.
-            الإمام أحمد بن حنبل: كان آخر الأئمة الأربعة وفي وقت كثرت فيه الآراء الوافدة وطغى النهج العقلاني ما جعل المأمون يعين مذهب المعتزلة العقلاني مذهبا للدولة. المخاوف من التيارات الوافدة جعل مذهب ابن حنبل الأكثر تمسكا بالنصوص وبالفهم الظاهري لها. فمذهب المعتزلة متشدد عقلانيا وله رؤية خلافية حول أن القرآن مخلوق، وحينما جعل المأمون الاعتزال مذهب الدولة الرسمي "تحنبل" أي تشدد الإمام أحمد بن حنبل وبذلك السبب واجه محنة. هنالك مذاهب أخرى أهمها المذهب الجعفري، والزيدي والأباضي والظاهري ولكن إذا اتخذنا هذه الأربعة أنموذجا لوجدنا كيف أن نهجها يصور تأثير ظروف الزمان والمكان والظروف الاجتماعية على أصحابها، ولأنهم كانوا يدركون بأن كلامهم هذا ليس نهائيا وأنه اجتهادات بشرية كانوا متواضعين في اجتهاداتهم ويقولون ما معناه: رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب.
ويقولون لا تقلدنا بل خذ من حيث أخذنا أي الكتاب والسنة، لذلك لم يكن أبوحنيفة حنفيا، ولا مالك مالكيا، ولا الشافعي شافعيا، ولا ابن حنبل حنبليا، هذه المذاهب جاءت بعدهم وتعصبا لهم ولكن هم في زمنهم يقولون بأفكارهم كاجتهادات دون تعصب ولا يلزمون بها الناس، وحينما أراد أبو جعفر المنصور أن يلزم الناس بموطأ مالك رفض الإمام مالك ذلك وقال إن الناس لهم روايات مختلفة واجتهادات مختلفة لا تلزمهم برواياتي بل ألزمهم بالكتاب.
رابعا: مداخل الركود الفكري والسياسي
التعصب للمذاهب وإلزام الناس بها لم يكن من صفات أئمة المذاهب كما ذكرنا ولكن هذه الصفات تنطبق على المتأخرين الذين قالوا بتجميد الاجتهاد وحصره عليهم حسب ما جاء في جوهرة التوحيد:
ومالك وسائر الأئمة        وأبـو القـاسم هــداة الأمــة
فواجب تقليد حبر منهم        كذا قضى القوم بقول يفهم!
هذا أساس قفل باب الاجتهاد ولو سئل الإئمة هل هذا صحيح لقالوا خطأ، فمنطق الاجتهاد أصلا صوري. هؤلاء طبقوه فأغلق الباب على الخلف.
وفي المجال السياسي أدى الولاء للخلفاء الذين هم ملوك بني أمية أو بني مروان أو بني العباس أو بني عثمان إلى قفل باب الاجتهاد السياسي وتغييب تام للشورى. بدأ ذلك التحول في مشهد البيعة ليزيد بن معاوية حيث كان زعماء القبائل قعود فقام قائل وأشار لمعاوية وقال أمير المؤمنين هذا فإن هلك فهذا وأشار ليزيد، ومن أبى فهذا وأشار لسيفه! فقال له معاوية اجلس فإنك سيد الخطباء محددا النهج المفروض، ومنذ ذلك الوقت صار الحكم للمتغلب ويخلفه إما أخوه أو ابنه. فصارت هناك حالتان: الاعتماد التام على تقليد المذاهب وقفل باب الاجتهاد، والالتزام التام بالطاعة للحكام. صار المسلمون في حقيقة أمرهم يتبعون ديانة وضعية أي من وضع البشر. وأصبح الدين هو اتباع المذهب والطاعة للحاكم الذي بدأ يقول إنه ظل الله في أرضه، هذا أدى للركود والاستبداد قتل حيوية الأمة وهيأها للاستعداد للاحتلال الأجنبي.
خامسا: الصحوة الإسلامية:
انبرى عدد من المجددين بعد عهد الاحتلال الأجنبي فنسفوا الديانة الوضعية: أجازوا الخروج على الحاكم وأجازوا الخروج على المذاهب، رفعوا القدسية عن المذاهب ورفعوا القدسية عن الحكام. وكانت أكثر دعوة تعبيرا وتجسيداً لهؤلاء هي حركة الإمام المهدي في السودان. قال الدكتور عبد الودود شلبي: "كانت حركة المهدي حركة تمثلت فيها كل حركات الإصلاح في عصره" وقال: "وإذا كانت الحركة المهدية قد عبرت عن الحركتين الوهابية والسنوسية بدرجات متفاوتة.. فقد كان تعبير هذه الحركة عن الحركة الأفغانية أكثر وضوحا وأكثر فاعلية".  حتى نفهم كيف دمروا الدين الوضعي وفتحوا الباب للاجتهاد في الدين نأخذ نماذج من كتابات الإمام المهدي عليه السلام. قال في رؤيته لهدم التقليد في منشور بتاريخ 1302هـ/ 1885م مفسرا لظاهرة النسخ في القرآن بأنه لمراعاة الظروف والمصلحة قال: "وأظن أن الحكمة في ذلك أن كانت الآيات تنسخ في زمن النبي (ص) على حسب مصالح الخلق، وكذلك الأحاديث تنسخ بعضها البعض على حسب المصالح"، وقال في منشور سابق في 1301هـ/1884م: "ولا تعرضوا لي بنصوصكم ولا بعلومكم على المتقدمين، فلكل وقت ومقام حال ولكل زمان وأوان رجال".  والمعنى كله في هذا أنه توجد حركة في الدين. وصفت دعوة الإمام المهدي بالسلفية ومعنى ذلك العودة للأصول قبل استنباطات الفقهاء وفتح باب الاجتهاد بمعنى عندما يقول البعض بأن دعوة المهدي سلفية كما قال محمد عمارة وعبد الودود شلبي، فالقصد هو أنه رجع للأصول: الكتاب والسنة قبل استنباطات المذاهب، ولكن هذا يختلف عن سلفية هذا الزمان والتي يتحدث عنها من يسمون أنفسهم بالسلفيين اليوم وهي سلفية العودة لاستنباطات المذهب الظاهري، فالفرق في أنهم يرجعون لمذهب والإمام المهدي لا يرجع لمذهب، وسلفية الإمام المهدي تفتح باب الاجتهاد والتجديد واسعا، والسلفية الأخرى تمنع التأويل وتقف عند الفهم الظاهري للنصوص وعندهم التفكير والتكفير متطابقان في الحروف والمعنى.
سادسا: المواقف من الحضارة الحديثة:
الحضارة الغربية تجربة إنسانية هامة، وقد خاضت ثلاث ثورات: ثورة فكرية حررت البحث العلمي، وثورة سياسية حررت إرادة الشعوب، وثورة اقتصادية سخرت قوى الطبيعة للإنتاج وأقامت علاقات إنتاج جديدة، وبموجب هذه الثورات صنعت الحضارة الحديثة، الحضارة الحديثة هذه مكنت الغرب من تكوين قدرات مادية لا قبل للانسان بها فسيطرت على العالم. غزت الثقافة الغربية بوجهها الحديث هذا وقوتها العالم الإسلامي، وأمام مفردات غزوها الفكرية والثقافية انقسم العالم الإسلامي لثلاث فرق:
-    الرفض التام من منطق تقليدي أو منطق سلفي.
-    القبول التام من منطق أن الرفض يحبسنا في الماضي ما دام الدين محبوس وليس فيه تجديد، إذن الأفضل رفضه واتباع الحضارة الغربية بخيرها وشرها باعتبار أنها تمثل مستقبل الإنسانية.
-    والموقف الثالث التوفيق بين الأصل الملزم والعصر النافع.
إن أية قراءة موضوعية لتاريخ المسلمين يؤكد أن الحضارة الإسلامية في أول عهدها في عهد  الرسول (ص) كانت منفتحة على التجارب الإنسانية، ولذلك ففي عهد النبي (ص) أجاز استخدام النقود وكانت عليها صورة القيصر، وكذلك حفر الخندق بشورى سلمان الفارسي حول المدنية في غزوة الأحزاب. وفي عهد الخلفاء بعده استصحبوا المستجدات وتجاوزوا ما في النصوص بهذه الاجتهادات مراعاة للمصالح، وفي وصف هذه النزعة قال أحد أهم مفكري الغرب وهو بريطاني: الاستاذ منتجمري واط: "إن استصحاب الحضارة الإسلامية لإنجازات حضارات العالم القديم كان من جودته وإحاطته أشبه بالمعجزة".
سابعا: مضار التقليد:
لقد كان المذهب الظاهري أكثر المذاهب الإسلامية تمسكا بظاهر الأحكام وإعراضا عن التأويل، ولكن مجتهدي هذا المذهب الحنبلي لأنهم خافوا على الدين أن يموت من الجمود قلبوا التيبس إلى انفتاح بصورة مدهشة جدا، وحتى بعد قفل باب الاجتهاد وفي القرنين السابع والثامن الهجري تحدثوا عن لفظ التقليد. مثلا؛ قال ابن عقيل: السياسة ما كان فعلا يكون فيه الناس أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد وإن لم يصفه الرسول ولا نزل به وحي. وقال ابن القيم -وهو حنبلي آخر- مشيرا لهذه المسألة: "هذا موضع مزلة أقدام ومضلة أفهام ومقام ضنك ومعترك صعب فرط فيه طائفة فعطلوا الحدود وضيعوا الحقوق، وجرأوا أهل الفجور على الفساد، وجعلوا الشريعة قاصرة لا تقوم بمصالح العباد محتاجة إلى غيرها، وسدوا على نفوسهم طرقا صحيحة من طرق معرفة الحق والتنفيذ له وعطلوها مع علمهم وعلم غيرهم قطعا: أنها حق مطابق للواقع ظنا منهم منافاتها لقواعد الشرع ولعمر الله أنها لم تناف ما جاء به الرسول وإن نفت ما فهموه هم من شريعته باجتهادهم، والذي أوجب ذلك: نوع تقصير في معرفة الواجب. وتقصير في معرفة الواقع. وتنزيل أحدهما على الآخر. فلما رأي ولاة الأمور ذلك وأن الناس لا يستقيم لهم أمر إلا بأمر وراء ما فهمه هؤلاء من الشريعة: أحدثوا من أوضاع سياساتهم شرا طويلا وفسادا عريضا، فتفاقم الامر وتعذر استدراكه، وعز على العالمين بحقائق الشرع تخليص النفوس من ذلك واستنقاذها من تلك المهالك". وهذا يعني أن ابن القيم وضع قاعدة وهي: لا بد من الإحاطة بالواجب وبالواقع وتنزيل أحدهما على الآخر، أي أن هناك حركة مستمرة. وأكد أن الفهم الجامد لمطالب الشريعة أدى لتعطيلها وفتح الباب لمن خرجوا عليها باعتبارها غير صالحة لزمانهم. هذا الفهم لمطالب الشريعة فتح الباب واسعا لمضار كثيرة أهمها:
المضرة الأولى: موقف البعض أنه وبما أن الشريعة جامدة فالواجب تجاوزها والانفتاح على العصر، مثلا مقولات: طه حسين: علينا قبول الغرب بخيره وشره لأنه مستقبل الإنسانية.  وسلامة موسى: أنا مؤمن بالغرب كافر بالشرق. ونجيب محفوظ: قصة اولاد حارتنا، وبسبب هذه القصة التي تقول بتحول الإنسانية في وعيها من الدين للعلم تمت محاولة اغتياله ونال جائزة نوبل.  ومقولات جديدة: ضرورة قطيعة ابستمولوجية مع التراث- محمد عابد الجابري. نسبية وتاريخية النص القرآني - نصر حامد ابو زيد. علمنة الإسلام- برهان غليون. وأسطرة الدين – محمد أركون. 
المضرة الثانية: الذين فهموا الدين فهما تقليديا وأسقطوا مطالب الواقع واندفعوا فيما يعتبرونه تطبيقا للشريعة: عندما أحس طاغية مايو بفقدان نظامه لبوصلة فكرية لجأ لما سماه بتطبيق الشريعة فأتى للإسلام وللبلاد بشر كبير وثق الحكم عليه جماعة من العلماء، ونفس الخطأ كررته الجبهة الإسلامية القومية في السودان، خالفوا ضوابط جماعة الفكر والثقافة الإسلامية التي كانوا أعضاءا فيها (1980م) واتفقنا فيها على أن تطبيق الشريعة في السودان يجب أن يراعي: العصر، والديمقراطية، ورأي الجماعة، ومصالح الأقليات. وأي تطبيق لا يراعي هذه المسائل المذكورة يضر بالإسلام. كانت جماعة الجبهة الإسلامية أعضاء معنا في هذه الجماعة ولكن خالفوها وانطلقوا بحافز صراع السلطة ينادون بثورة المصاحف، وثورة المساجد، والشريعة الناجزة قبل موسم الخريف، وهكذا.. حركات صبيانية كلها لإحراج النظام الديمقراطي في الصراع على السلطة، بهذه الذهنية القاصرة انقلبوا على النظام الديمقراطي الذي لم يكن منافياً للإسلام ولكنه منافٍ لهذه السطحية. والنتيجة: بلا اجتهاد جديد لفهم الواجب وبلا تشخيص صحيح للواقع اندفعوا فيما سموه تطبيق الشريعة فشوهوها ودمروا البلاد.
المضرة الثالثة: رفع الشعار الإسلامي بتلك الطريقة دون اجتهاد جديد ودون إلمام بالواقع أدى في التطبيق لتراجعات- مثلا اتفاقية السلام لسنة 2005م- هذه ظاهرة تتكرر كلما يرفع شعار أيديولوجي دون مراعاة الواقع، هذه المفارقة تفتح الباب واسعا لمن هم على منطقهم القديم وعلى الفهم الجامد للواجب، والغفلة التامة عن الواقع للانطلاق في تيارات تكفيرية ومتحجرة تدين وتخون وتكفر، هذا يفسر في بلادنا انطلاق التيارات السلفية بالمرجعية الظاهرية، وهؤلاء إذا استلموا ولاية الأمر يؤججون حربا أهلية مع بقية المسلمين ومع العالم، أو يجبرهم الواقع على التخلي عن مذهبهم.
إذن برنامج تطبيق الشريعة بالاعتماد على اجتهادات ماضوية أي دون اجتهاد جديد، وبإغفال الواقع كارثة مضرة بالإسلام وبالإنسان، وبالمواطن.
ثامنا: الحاجة لوظيفة الهداية
نظمت هيئة الأعمال الفكرية بالتضامن مع المستشارية الثقافية الإيرانية بالخرطوم في سبتمبر 2006 سمنارا حول (المخلص والمهدي في التراث الإنساني والديني)، وقد شاركت فيه بورقة حول أيدولوجية المهدية تركيزا على التجربة السودانية، وبعد تبيان الحاجة لمخلص في البشرية، والحاجة للدين، والمهدية في الإسلام، وملامح أيديولوجية المهدي السوداني خلصت إلى أن أهم ملامح دعوته هي:
       فصل ما بين المهدية وتوقيتات آخر الزمان.
       وتخلي عن الأشراط والعلامات التي تبحر فيها الآخرون.
       وربط بين الدعوة والحاجة الملحة إلى ملء الفراغ القيادي بالجلوس على مقعد الخلافة عن النبي (ص) الشاغر.
   تلك الضرورات الموضوعية اقترنت بتجربة ذاتية هي صدورأمر غيبي له ألزمه بأداء تلك الواجبات وألزم الأمة بطاعته لتحقيقها إلزاما مخصوصا تنفيذا للإلزام القرآني العام : (وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ).
تعاليم الإمام المهدي بشأن المهدي والمهدية تشكل مدرسة سنية جديدة هي المدرسة الحادية عشر في ترتيب المدارس المهدوية الإسلامية. الأثر الإسلامي الفريد والباقي للدعوة المهدية والذي من شأنه تكوين أساس لتوحيد أهل القبلة يلخص في سبع نقاط هي: أولا: الدعوة المهدية ركزت على أن إحياء الدين الإسلامي يتوقف على إحياء الكتاب والسنة دعما لأهم مبدأ لدى أهل السنة. ثانيا: أكدت الدعوة أن للتكاليف والأحكام الإسلامية جذورا روحية تدعيما للمبدأ الأول للتصوف. ثالثا: ركزت على دور الإمامة في القيادة الدينية توافقا مع أهم مبادئ الشيعة وإن ربطتها بالتأهيل لا بالنسب. وربط الإمامة بعيدا عن النسب بـ "من تقلد بقلائد الدين ومالت إليه قلوب المسلمين" يوافق الأباضية . رابعا: أكدت ضرورة الحركة في الفقه الإسلامي على أساس (لكل وقت ومقام حال ولكل زمان وأوان رجال). وهو مبدأ يحرص عليه العقائديون الإسلاميون . خامسا: أحيت فريضة الجهاد. المبدأ الذي يركز عليه الحركيون الإسلاميون. سادسا: جعلت الولاء لقطعيات الوحي متجاوزة الالتزام بالفرق والمذاهب، جاعلة ما ليس قطعيا محلا للاجتهاد والشورى . مبدأ الصحويين الإسلاميين. سابعا: همشت دور الصور الجامدة للمهدية وجعلتها مرتبطة بوظيفة إحياء الدين.  هذا المعنى الوظيفي هو الذي نص عليه أحمد العوام وهو أحد زعماء الثورة العرابية في مصر ومن الذين نفاهم جيش الاحتلال البريطاني إلى السودان حيث قال في الرسالة التي سجل فيها رأيه في الدعوة المهدية ووجه في نهايتها نداء للمسلمين لتأييد الإمام المهدي وهي بعنوان(نصيحة العوام للخاص والعام من أخواني أهل الإيمان والإسلام): (حال الإسلام يتطلب أن ينهض ناهض بأمر الدين فنسأل الله أن يمكن لنا ديننا الذي ارتضاه لنا وفاء لصادق وعده، وتصديقا لحديث نبيه، سواء كان بالإمام المهدي هذا عليه السلام فقد ظهرت كواكبه، ولاحت بوارقه، أو بغيره من عباده الصالحين). وحينما اطلع الإمام المهدي على هذه الرسالة أجازها وأمر بطباعتها فطبعت. وقال  د. عبد الودود شلبي عن المهدية في السودان: " كانت حركة تمثلت فيها كل حركات الإصلاح في عصرها" [2].   وهذا يفيد المعنى الوظيفي بالسعي للإصلاح. المدرسة الحادية عشر المهدية ( السودانية) أكدت عقيدة المهدية ولكنها فصلتها من سلسلة النسب الصارمة لدى المدارس الشيعية ومن التوقيتات القاطعة لدى المدارس السنية.
التعامل مع اختلاف العقائد والتصورات حول المهدية:
بعض المسلمين لأسباب وحجج ذكروها يريدون صرف النظر عن العقيدة المهدية جملة وتفصيلا. هذا النهج مع قوة حجة الآخرين لا يجدي.
دعوة الإمام المهدي في السودان الوظيفية تجد وصفا وظيفيا مماثلا في مجدد القرن، ورؤية الرازي ورؤية ابن كثير ورئاسة أهل المدينة الفاضلة لدى الفلاسفة وغوث الزمان لدى الصوفية على النحو الذي فصلنا آنفا. شخصنة أمر المهدية لدى معتقديها وما تقتضي من تمسك كل فرقة باعتقادها وشخصية صاحبها يجعل العقيدة المهدية سببا إضافيا من أسباب اختلافات المسلمين. ولكن التحول من سلسلة النسب وصرامة المواقيت إلى الوظيفية يشكل تقاربا بين الفرق والمدارس الإسلامية ويزكي مقولة الإمام محمد أحمد المهدي في السودان. وبقدر ما تشكل عقيدة المهدية أسباب خلاف بين فرق ومدارس المسلمين تشكل عقيدة العيسوية أسباب خلاف بين كافة أهل الكتاب فلليهود عقائدهم، وللمسيحيين عقائدهم وللمسلمين عقائدهم حول هذا الموضوع. بصرف النظر عن تلك الخلافات- سواء حول فكرة المهدية بين المسلمين، أو حول فكرة العيسوية بينهم وبين النصارى واليهود- فإن البشر يستطيعون تجاوز مساوئها لا عبر توحيد رؤاهم أو تجاهل الاختلافات، ولكن عبر تأمين حدود دنيا للاتفاق حول طائفة من المفاهيم التي تحقق التعامل الحكيم مع تلك الاختلافات بحيث تظل تثري رؤى البشر وعقائدهم بدون أن تسبب النزاعات الدموية أو تعرقل مسيرة التفاهم بين الجميع داخل المجتمع الواحد أو بين الحضارات المختلفة.
تاسعا: الصحوة الإسلامية مشروع مستقبلي:
الإحياء الإسلامي بكل أجزائه يمكن أن يقوم على فكرة الرجوع للماضي واستنساخه في الملفات المختلفة:
-      الفكرية: أي تقليد مذاهب الأقدمين.
-      السياسية: استنساخ الخلافة.
-      الاقتصادية: في أمر الربا، والزكاة وغيرها.
-      حقوق المرأة.
-      العلاقات مع الآخر الملي.
-      العلاقات مع الآخر الدولي.
في كل هذه الملفات الدعوة لإحياء ماضوي دون اجتهاد جديد ودون مراعاة الواقع المعاصر ربما لبت نداءا عاطفيا ولكنها تضر بالإسلام إذ تحبسه في الماضي وتثبت ضده مقولة: لقد تجاوزه الزمن وبالتالي تبرر الاستسلام لحضارة الغرب. هذا بالضبط ما حدث في تركيا العثمانية ففتح الباب للاستلاب الكمالي الذي حاول تدمير الإسلام في تركيا. الإحياء الإسلامي ينبغي أن يكون مشروعا مستقبليا يجتهد في معرفة الواجب، لا يقوم على تفويض إمام أو ولي أو فقيه بل المسئولية للأمة (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) [3] خطاب للأمة كلها، اجتهاد لا يحبس في المنطق الصوري (القياس والإجماع)، ولكن ينطلق من المنطق المقاصدي الذي آلياته: العقل، والمصلحة، والمقاصد، والإلهام الصائب. هذه هي النقلة من المفهوم الذي يحبس الحاضر في الماضي إلى الانفتاح للتجديد لملائمة ظروف وواقع العصر. الحاجة ماسة أن تصحب الإرادة الإسلامية صحوة ثقافية  مفرداتها:
-   أن فهمنا للقرآن في عالم الشهادة يزيد مع الزمن – مثلا- آية الذكورة والانوثة (وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَر وَالْأُنْثَى مِنْ نُطْفَة إِذَا تُمْنَى [4]) فقد كانوا يفسرونها بأنه إذا علا ماء الرجل كان الجنين ذكرا وإذا علا ماء المرأة كانت أنثى وقد أثبت العلم الحديث أن مني الرجل هو الذي يحدد النوع وهو ما يتطابق مع ظاهر الآية، كذلك آية مفاتيح الغيب، (إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ) [5]. كثير من المتدينين يرفض معرفة نوع الجنين باعتبار ذلك من خواص علم الله سبحانه وتعالى الحصرية. ولكن الآية تذكر بوضوح ما اختص به الله نفسه من علم الساعة ومن أنه لا يدري أحد زمان ومكان موته فهو علم خاص بالله تعالى ولكنه قال إنه  يعلم ما في الأرحام ولم يقل غيره لا يعلم، وقال ينزل الغيث ولم يقل سواه لا يقدر تنزيله، وهذه من أكثر الدلائل أن العلم يزيد مع الزمن ويؤكد أن القرآن  وحي  يتطابق مع الحقائق العلمية بصورة مذهلة وأنه منزل.
•     السنة: ليس كلما فعل النبي (ص) وحي بل ما صدر عنه في مقام التشريع: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى) [6] أي القرآن وإلا لما جاء فيه عتاب على بعض أفعال النبي (ص): (لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ؟) [7] ورواية مسلم: (إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ) أي احتمال أن أنطق بغير الصواب، مقولة القرافي حول السنة: نفرق بين ما هو تشريع وما ليس كذلك مثلا زواجه من أكثر من أربع نساء ليس تشريعا وإلا لجاز للمسلمين ذلك. والحديث عن البدعة سدوا به دروب التطور، البدعة في ثوابت الدين وإلا جففت المجتمع.
عاشرا:الصحوة مسئولية الأمة:
قاعدة ابن القيم الذهبية هي: المطلوب هو اجتهاد في معرفة الواجب، وإحاطة بالواقع، ثم التزاوج بينهما. وبما أن الاجتهاد في معرفة الواجب كما ذكرنا نفسه متحرك، وكذلك الواقع متحرك فالإحياء الإسلامي مشروع مستقبلي لا ما ضوي.  الأمة كلها مساءلة عن البحث عن هذا المشروع:
-         لا طبقة فقهاء فهذا كالاكليروس المسيحي.
-         ولا طبقة علماء فالعلم واجب على كل مسلم ومسلمة.
-         التخصص مطلوب وهو اجتهاد حميد ولكن لا يعني كهانة علمية أو فقهية.
-         الفصل بين الدين والدولة أو الدين والسياسة مستحيل حتى في أكثر البلدان ادعاء للعلمانية، المطلوب هو الالتزام بحقوق المواطنة، وكفالة الحرية الدينية على ألا تمنع حرية جماعة حرية غيرهم.
-         الفصل بين السياسة والفكر تقصير ضار، إن المشكلات السياسة هي مشكلات كل الناس، إن مشكلات كل الناس هي مشكلات سياسية، والتعامل مع مشكلات الناس دون اجتهاد فكري تخبط ظلامي. من جانبي إذ اسعى في هذا السبيل وأسمع ساسة يقولون فلان نظري، واسمع مفكرين يقولون فلان سياسي، والحقيقة أنهم في الحالين يطيرون بجناح واحد، الطيران بجناحين هما: السياسة والفكر فالذي يطير بجناح واحد يقع.
(2)                   ما هي حقوق الشعوب؟
الصلة بين الأديان والحضارات الإنسانية وثيقة. قال دورسون مقولة أكد  آرنولد توينبى صدقها بدراسته الواسعة للتاريخ: "حضارات الإنسان الكبرى لم تجن الأديان كإحدى ثمارها. الحقيقة هي أن الأديان الكبرى هي القواعد التي بنيت عليها الحضارات الكبرى.". هذه المقولة أصدق ما تكون بالنسبة للإسلام والحضارات التي أحياها. والإسلام هو دين التوحيد لله والعدل بين الناس بامتياز. ومن أهم المبادئ التي غرسها: الاعتراف بالإنسان كإنسان، والاعتراف بمشروعية الاختلاف بين البشر، أى التعددية. والتعددية هي جوهر ما أتت به الحداثة في الحضارة الغربية. قال بيتر بيرقر- أحد أهم المنادين بالعلمانية – (لقد ارتكبنا خطأ في التصنيف. كنا نظن أن العلاقة الشرطية هي التي بين العلمانية والحداثة. ولكن الحقيقة هي أن العلاقة هي بين الحداثة والتعددية) [8]. كانت الفلسفة الغربية من بين موضوعات دراستي الجامعية. ووجدت في هذه الفلسفة آراء مشرقة في كثير من مجالات الحياة. ولكنني مهما بحثت لم أجد رؤية فلسفية غربية حديثة واحدة لا يوجد نظير لها في تراثنا الفلسفي. وعلى حد تعبير حافظ إبراهيم:
أي شيء في الغرب قد بهر الناس      جمالا ولم يكنه منه عندي
مبادئ حقوق الإنسان:
حقوق الإنسان كلها تنطلق من الاعتراف للإنسان بقيمته كإنسان بصرف النظر عما ينتمي إليه من هويات. ومن أن للإنسان قيما فطرية مطبوعة فيه. ومن خمسة مبادئ أساسية: الكرامة، والعدالة، والحرية، والمساواة، والسلام.  هذه المعاني كلها موجودة في حقائق الوحي الاسلامي وفي أقوال فلاسفة الإسلام:
الكرامة- (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ) [9]
الحرية-  (قَدْ جَاءَكُم بَصَائِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ) [10] من عمل فلنفسه ومن أساء فعليها.
العدالة- (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [11]، (يَا أَيُّهَآ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ للَّهِ شُهَدَآءَ بِٱلْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىۤ أَلاَّ تَعْدِلُواْ ٱعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ) [12].
المساواة- (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) [13]
السلام: الله هو السلام (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ) [14]- الجنّة دار السلام: (وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ) [15]. والقرآن يحض على السلم ما وجد إليه سبيلا: (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [16]. وتحية الإسلام السلام (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) [17]. وتحية أهل الجنة السلام: (دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ) [18]. لكن هذه المعاني غيبتها التجربة الفكرية، والسياسية الإسلامية بصورة منهجية وضمنت تغييبها أهم فترات ظلامية في تاريخنا: فترات النظم السلطانية في الماضي، وفترات النظم البوليسية الحديثة. وبينما حدث ذلك لبلداننا استطاعت الحضارة الغربية مأسسة وتقنين حقوق الإنسان بالصورة المشاهدة في النظام الدولي الحديث. واستطاعت الحضارة الغربية بهيمنتها على العالم أن تجعل من تلك الحقوق والقيم نظاماً عالمياً. نظام عالمي ملحق بالهيمنة الغربية وممارس بدرجة عالية من إزدواجية في المعايير لأن الرعاية الغربية لحقوق الإنسان على مستوى الدول الغربية مشوبة برعاية المصالح الغربية بصورة شوهتها وجعلتها عرضة للكثير من المطاعن.   ولكن مهما كان التشويه الغربي فثمة حقائق لا يجوز إنكارها:
أ‌-    هذه القيم الإنسانية عميقة الجذور في عقائدنا وتراثنا.
ب‌- هذه القيم متعلقة بقيم إنسانية كلية تعلو على ادعاءات الحضارة الغربية.
ولكن ينطلق من مجتمعاتنا ضد مواثيق حقوق الانسان نوعان من التحفظ والرفض:
النوع الأول: تحفظ أولئك الذين صدقوا ادعاء الحضارة الغربية بأنها هي صاحبة تلك الحقوق والمواثيق فهم يرفضونها باعتبارها أدوات غزو فكري وثقافي . هؤلاء لم يسعفهم اجتهادهم لإدراك أن حقوق الإنسان قيم سبقت نهضة الحضارة الغربية.
النوع الثاني: تحفظ الدول البوليسية التي تستفيد من تحفظات المنكفئين لمطاردة حقوق الإنسان.
إذا استعرضنا الميثاق العالمي لحقوق الإنسان نجد أن تحفظات بعض الدول البوليسية تتطابق مع تحفظات بعض المنكفئين حول بعض بنود الميثاق  وهي:
•  إقامة العلاقات بين الدول على السلام وهم يرون أنها مع غير الدول الاسلامية تقوم على الحرب.
•  تحفظ على تحريم الرق.
•  تحفظ على الاشارة لعقوبات وحشية وحاطة بكرامة الإنسان.
•  تحفظ على المساواة بين الرجل والمرأة.
•  تحفظ على حرية العقيدة (الردة).
أقول نعم هنالك اجتهاد إسلامي يؤيد هذه التحفظات. ولكن هناك اجتهاد إسلامي مشروع كما أوضحنا في رسالتنا بعنوان: "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من منظور إسلامي" يؤكد قبول هذه المبادئ من منظور إسلامي.
ولكن البنود في الميثاق التي ترفضها الدول البوليسية الحاكمة في كثير من بلداننا هي المواد:
(9)    لأنها تمنع الاعتقال التعسفي. (10)  لأنها توجب المحاكمة للمتهمين أمام محاكم مستقلة.  (11)  لأنها توجب أن يكون المتهم بريئا إلى حين إدانته وأن تكون المحاكمة علنية.  (12)  لأنها تمنع اختراق خصوصيات الأفراد.  (13)  لأنها توجب حرية التنقل. (17)  لأنها  تحمى حرمة الملكية الخاصة وتحرم المصادرات. (19)  لأنها توجب حرية الرأي والتعبير. (20) لأنها توجب حرية التنظيم السياسي والنقابي... إلخ
(21)  لأنها توجب المشاركة الشعبية في الحكم. (23)  لأنها توجب حق العمل والحماية من البطالة. هذه الأحكام، إن طبقت، تعنى تصفية الدولة البوليسية.
النظام الدولي المعاصر يتجه نحو التوحد في مجالات كثيرة. توحد أفرز حتما حوكمة عالمية. الاتجاه نحو مزيد من التوحد توجه تفرضه عوامل تكنولوجية واقتصادية ويجري الآن تحت مسمى العولمة. العولمة في ظروف التوزيع الحالي للقدرات الاقتصادية والعسكرية أدت إلى هيمنة أمريكية أو غربية.  إن الاتجاه نحو التوحّد مثلما هو وارد في نطاق العولمة، ناقص الهيمنة، يوصف بالعالمية.  العولمة ناقص الهيمنة -أي العالمية- اتجاه صعود في الحوكمة العالمية لا يستطيع أي جزء من العالم أن يقف بعيدا منه. وهو اتجاه بالنسبة لنا  كمسلمين يتناسب وعالمية دعوتنا سيما وهي عالمية تعترف للإنسانية بقيمة كإنسانية، وتقبل التعددية الدينية، والتعددية الثقافية، وحرية الاعتقاد، وحرية الرأي.
حقوق الشعوب في الإسلام:
قال الإمام الشاطبي هنالك خمسة أمور هي المقاصد التي تعمل أحكام الإسلام لتحقيقها هي: حفظ الدين- والنفس- والعقل- والمال- والنسل". وباستقراء نصوص الوحي يمكن أن يضاف لها ثلاثة مقاصد هي: "حقوق الإنسان، ورعاية البيئة، ووحدة الأمة". بل يمكن قراءة تلك المقاصد الخمسة على أنها حقوق الإنسان. فحقوق الإنسان نوعان: حقوق معنوية تتحدث عن الحق في الحياة، وفي حرية الاعتقاد، والحق في التعبير، والحق في التنظيم وغيرها من الحقوق المدنية والسياسية. وحقوق مادية تتحدث عن الحق في التعليم والصحة والمعيشة الحسنة وغيرها من الحقوق الاقتصادية والثقافية. ونجد أن هذه الحقوق إنما تدور حول تحقيق المقاصد المذكورة.
والإسلام لا يكتفي بتقرير حقوق للمسلم يتلقاها بشكل سلبي، بل إن مطالبته بحقوقه نفسها هي جزء من الدين يأثم إذا لم يقم بها. ولو كان رأس الحقوق هو الحق في الحياة، فإن الإسلام لا يكتفي بتحريم قتل النفس بدون حق على النحو المغلظ في القرآن الكريم (مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي ٱلأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً) [19]، أو في السنة النبوية الشريفة كما في الحديث: "الإنسان بنيان الله ملعون من هدم بنيانه". والحديث: "لَوْ أَنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ اشْتَرَكُوا فِي دَمِ مُؤْمِنٍ لَأَكَبَّهُمُ اللَّهُ فِي النَّارِ" [20]. و"وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَتْلُ مُؤْمِنٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ زَوَالِ الدُّنْيَا" [21]. بل إن الإسلام يجعل الفرد مسئولا عن الحفاظ على حياته يأثم لو عرض نفسه للخطر قال تعالى (وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) [22] وقال رسول الله (ص): " كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ بِهِ جُرْحٌ، فَجَزِعَ، فَأَخَذَ سِكِّينًا فَحَزَّ بِهَا يَدَهُ، فَمَا رَقَأَ الدَّمُ حَتَّى مَاتَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : بَادَرَنِي عَبْدِي بِنَفْسِهِ، حَرَّمْتُ عَلَيْهِ الجَنَّةَ" [23]. وقال: " مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ، فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَجَأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا" [24]. وكذا الحال في تقرير بقية الحقوق بأشكالها. فالإسلام لا يكتفي بحض المسئولين على احترام الحقوق وتحقيق العدل والمساواة والكرامة والحرية للناس وعدم انتهاك حقوقهم وتحريم الظلم والتفرقة والذل في النصوص الرائدة النيرة التي ظلت تؤرق مضاجع السلاطين وإن تدثروا بالحكم الإلهي من أمثال: (يَا أَيُّهَآ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ للَّهِ شُهَدَآءَ بِٱلْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىۤ أَلاَّ تَعْدِلُواْ ٱعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ) [25]. و(يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَ لَهُمْ سُوءُ الدَّارِ)  [26]، و( فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ) [27]، (وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) [28]، و(إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [29]. والأحاديث الشريفة التي تحمل ذات التعاليم المشرقة كحديث أبي ذر (رض) أصدق الناس لهجة: (عَنِ النَّبِيِّ (ص)، فِيمَا رَوَى عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلَا تَظَالَمُوا)  [30]، وقال (ص) ليؤكد أن الظالم يؤخذ بجريرة من اتبع سنته: "لاَ تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا، إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا، لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ القَتْلَ " [31]. وقد استنكر الخليفة الراشد عمر بن الخطاب إساءة بعض عماله لمعاملة الناس فتساءل "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا"؟ بل إنه كذلك في بقية الحقوق دون الحق في الحياة فإن الإسلام يطالب الفرد ألا يتنازل عن حقوقه ويجعل من واجبه ألا يستكين للاضطهاد والذل ومصادرة الحقوق، ويأثم لو فعل كما تؤكد الآية الكريمة: (إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ ظَالِمِيۤ أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي ٱلأَرْضِ قَالْوۤاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَآءَتْ مَصِيراً) [32]. ويؤكد الحديث الشريف إذ قال رسول الله (ص): "لَا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ" " قَالُوا : وَكَيْفَ يُذِلُّ نَفْسَهُ؟ قَالَ: "يَتَعَرَّضُ مِنَ البَلَاءِ لِمَا لَا يُطِيقُ" [33].  للخروج على الظالم مشروعية إسلامية لقوله تعالى: (وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ). نفس الشيء ينطبق على الحقوق المادية، فمحاربة الفقر وهو مصطلح حديث ينطلق من حقوق الإنسان الاقتصادية هو مفهوم أساسي في الدين الإسلامي ودائما ما يقرن الفقر بالكفر الذي ليس بعده ذنب. قال رسول الله: « كَادَ الْفَقْرُ أَنْ يَكُونَ كُفْرًا » [34]. وقال: « اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكُفْرِ » [35]. وقال: (‏مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي ‏ ‏سِرْبِهِ ‏ ‏مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا ‏ ‏حِيزَتْ ‏ ‏لَهُ الدُّنْيَا) [36]. وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «لو كان الفقر رجلا لقتلته»، وقال بعض الصحابة "إذا ذهب الفقر إلى بلد قال له الكفر خذني معك." وتروى عن الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أحاديث كثيرة في هذا الصدد منها:«يكاد الفقر أن يكون كفراً». و"إن الله سبحانه فرض في أموال الأغنياء أقوات الفقراء فما جاع فقير إلا بما متع به غني" و"ما رأيت نعمة موفورة إلا وإلى جانبها حق مضيع " وقوله لولده الإمام الحسن: "لا تلم إنسانا يطلب قوته، فمن عدم قوته كثرت خطاياه". ولهذا نجد أن للزكاة دورا كبيرا في النظام الاقتصادي والقيمي الإسلامي. وحينما حكم عمر (رض) أظهر اهتماما كبيرا بحقوق الناس الاقتصادية من حق في المعيشة وفي العمل وقال: «ولينا على الناس لنسد لهم جوعتهم ونوفر لهم حرفتهم، فإن عجزنا عن ذلك اعتزلناهم». فحقوق الإنسان في الإسلام بشقيها المادي والمعنوي مقدسات يأثم منتهكوها ويلعنون، ويأثم من يصمت على الذل أولا يسعى لنيل حقوقه تلك ويرضى أن يكون مفعولا به مستكينا. وقد أثبت في دراسات سابقة أن الإسلام كان دائما محفزا للشعوب المقهورة لتثور في وجه الطغيان وتغير من الظلم والحرمان، وكان من أهم أسباب مواجهة الغرب للإسلام في القارة الأفريقية أيام التكالب على أفريقيا هو ملاحظتهم ارتباط حركات المقاومة في كثير من الحالات بالشعار الإسلامي كما حصل في نيجريا على يدي المجاهد الأكبر عثمان دان فوديو، والإمام أحمد بن إبراهيم (أحمد قرانج) في أثيوبيا، والشيخ عمر الفوتي وفي السنغال والإمام محمد المهدي في السودان، وغيرهم. وقد لاحظ الغربيون كذلك أن حركات التمرد وسط الرقيق الأفريقي في أوربا وأمريكا كان يقودها المسلمون منهم. ولا زال الإسلام يقوم بهذا الدور التحرري في المنطقة بتعرية نظم الاحتلال الداخلية ومعايرتها المستمرة بالمبادئ الإسلامية وإثبات أنها دونها.
(3)                   كيف فقدت شعوبنا حقوقها وكيف تستردها؟
الطغاة الذين احتلوا إرادة الأمة داخليا قبل الاحتلال الأجنبي وبعده أقاموا لانحطاطها مبررا قدريا بعبارة كل عام ترذلون مع أن الوعد الإلهي الحق جعل البلايا محفزا للمزايا وسوء الحال مبشرا بالنوال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [37] وقوله تعالى: (فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاء فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ) [38]. والغزاة الذين ساهموا في هندسة مذلة الأمة أقاموا لذلك مبررا ثقافيا مفسرا لتخلف العرب عن التحولات الديمقراطية في العالم "بالاستثنائية العربية". إن الانحطاط والاستبداد الذي لحق بالأمة صناعة إرادية لحماية مصالح داخلية وخارجية سوقت تحت شعارات وطنية، وقومية، واشتراكية، وإسلامية ولكنها جميعا ملة واحدة غيبت الشعوب واحتلت مصائرها والثورات الشعبية الراهنة في المنطقة هي هبة الشعوب لتحطيم تلك الأصنام وتحرير مصائرها. إن انتصار إرادة التحول الديمقراطي حتمي لأنه يؤكد خيرية هذه الأمة، ولأنه يواكب حركة التاريخ، والمشكلة ليست في استعصام بعض النظم فهذه حركة مذبوح، ولكن المشكلة في أن الفكر السائد في المنطقة يكتفي بالشعارات دون امتلاك معرفي لحقائق الواقع وضروراته كما رأينا أن شعارات كثيرة رفعت باسم القومية، وباسم الاشتراكية، وباسم الإسلام فانتهت في كل الحالات لحالات فيها الناس أبعد من مبادئ الاشتراكية، والقومية، والإسلام. بلاغ لا ترحيب بأي شعار ما لم يلتزم مبدئيا بالأصول الخمسة: كرامة الإنسان، والحرية، والعدالة، والمساواة، والسلام، فأي شعار يهدر هذه المبادئ لا يليق بالإنسان بنيان الله. إن الشعارات التي رفعت في منطقتنا اكتفت ببريقها خالية من البرامج ما جعلها وبالاً على الناس لأنها أطعمتهم كلاما لا حياة أفضل. والمطلوب الآن هو ألا يهزم الشعار الديمقراطي والمنادي بالحقوق نفسه، وألا تكون الصحوة الإسلامية طلاءً قشرياً بل تكون الديمقراطية واضحة المعالم وتكون المرجعية الإسلامية تعبيراً صادقاً عن ممارستها. تراكمت ثلاثة أسباب لتكتب سفر الانحطاط في عالمنا: الأول: الفتنة الكبرى أعلت شأن حفظ الأمن والنظام على كافة الاعتبارات، فرؤية صحابة رسول الله (ص) يقتتلون على الإمارة جعلت المغيرة بن شعبة ينصح معاوية بن أبي سفيان بتوريث الخلافة لابنه ما أدخل مبدأً قيصرياً كسروياً على نظام الإسلام فصار مصدراً لاستبداد الحكام فيما بعد.  الثاني: إن حركة الاجتهاد الفقهي بعد مرحلة باكرة من الاجتهاد الحر استقرت بعد القرن الرابع الهجري على أن أئمة الاجتهاد قد استنبطوا كل الأحكام المطلوبة بموجب منطق القياس والإجماع الصوري فلا خيار للخلف إلا تقليد السلف. الثالث: الشك في منطق العقل البرهاني الذي أسسه فلاسفة المسلمين من الكندي إلى ابن رشد، وحمل رايته المعتزلة في الفقه فانبرى له الغزالي من زاوية والظاهريون من زاوية أخرى حتى عطلوه. هذه العوامل تراكمت عبر العصور لتصنع حالة الانحطاط التي لحقت بعالمنا، بينما شهدت أوربا التي بدد ظلام عصورها الوسطى أنوار حضارتنا عبر جنوب اسبانيا وصقلية فأقدموا على عصر التنوير، ثم خاضوا ثلاث ثورات: ثورة سياسية انطلقت من الثورة الفرنسية، حررت الشعوب من الاستبداد السياسي، وثورة اقتصادية انطلقت من الثورة الصناعية في بريطانيا ففجرت طاقة استثمارية وإنتاجية غير مسبوقة، وثورة ثقافية حررت الفكر من وصاية الكنيسة وحققت حرية البحث العلمي. وبينما كانت أوربا تهاب العالم الإسلامي وترتعش من تمدده حتى واقعة بلاط الشهداء أو بواتييه (Poitiers) في جنوب فرنسا (732م/114هـ)، وحصار فينا عاصمة النمسا عسكريا، وتعترف بأستاذيته ثقافيا وفكريا؛ صارت أقوى منه وقادرة على إخضاعه. في آخر صورة من صور القوة الإسلامية  كانت تحكم العالم الإسلامي ثلاث إمبراطوريات هي المغولية في الهند، والصفوية في إيران، والعثمانية في الشرق الأوسط. هذه الإمبراطوريات تآكلت وضعفت ثم انهارت أمام التمدد الأوربي ووقعت دولها تحت سلطانه، صار العالم العربي منذ نهاية الحرب الأطلسية الأولى (1914-1918م) في قبضة الدول الأوربية.
ملامح الاحتلال الداخلي:
الإمبراطوريات الأوربية بعد أن أرهقتها الحرب الأطلسية الثانية ونضالات الشعوب المحتلة تراجعت عن احتلالها وخلفتها دول وطنية تحكم بنظم لبرالية. لبرالية مستوردة لم تصحبها تنمية اقتصادية وثقافية موازية فصارت هشة ولم تتخلص تماما من هيمنة الدول المحتلة سابقا. هذه الهشاشة هي التي سمحت للنظام الدولي إجراء أكبر هندسة اغتصاب في التاريخ بفرض قيام دولة إسرائيل على حساب شعب مقيم في وطنه. وانفعالاً بنكبة فلسطين واستشرافاً لتطلعات قومية اجتاحت المنطقة نظمٌ ناصرية وبعثية بوسائل انقلابية عمت كثيراً من البلدان العربية في مصر، وسوريا، والعراق، والسودان، واليمن، وليبيا، هذه البلدان حكمتها تحت شعارات القومية والتقدمية نظمٌ استصحبت أساليب الستالينية والفاشستية الحديثة: أساليب قهر خيمت على المنطقة وتأثرت بها حتى نظم الحكم التقليدية في مجالي أجهزة الأمن والإعلام. هكذا اتخذ نظام الحكم في المنطقة طابعاً خاصاً معالمه:
•        حزب أو عصبية حاكمة محتكرة ولاية الأمر وكل أنشطة المجتمع.
•        أيديولوجية أو ولاء عشائري مهيمن.
•        إعلام همه الأول الدفاع عن السلطان.
•        أمن متحكم في الرقاب بلا وازع يقوم بانتهاكات واسعة لحقوق الإنسان.
•        اقتصاد يحابي المحاسيب محتضنا أساليبهم الفاسدة.
•        حاكم مؤله تزور له الانتخابات.
•        توظيف العلاقات الخارجية لمصلحة الحكام لا الوطن.
هذا التوظيف للعلاقات الخارجية لصالح الأنظمة يتم في ظل خصوصية المنطقة والصراع حولها مما يجعل الحكام يتخلون عن مصالح الأمة، فمنطقة الشرق الأوسط ليست كأي منطقة بل محملة بخصوصيات:
•        إن لها تاريخاً باهراً لا يبرح يثير تطلعات أهل المنطقة.
•        وبها حقول بترول غنية تبلغ ثلثي المخزون العالمي، والبترول هو وقود الصناعة الحديثة والآلة العسكرية الحديثة.
•        والمنطقة تقع في أهم الممرات البحرية بين آسيا، وأوربا، وأفريقيا.
•        وتقع فيها الأراضي المقدسة للأديان الإبراهيمية الثلاثة.
لذلك قال الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر إنها أنفس قطعة عقار في العالم.  ولذلك صارت المنطقة عرضة لأكثر التدخلات الأجنبية، تدخلات تحرص على تدجين نظم الحكم فيها وتمنع أية محاولات لإقامة مرجعية مستقلة حتى العلمانية حوربت مثلا: محمد علي- عرابي- عبد الناصر – مصدق.. إلخ. ومنذ نشأة إسرائيل صارت حماية بقائها سببا آخر من أسباب التدخل في المنطقة. نظرية كارتر تبيح التدخل في المنطقة من أجل البترول، ونظرية بوش الابن أقامت تحالفاً استراتيجياً مع إسرائيل.
الديمقراطية تطرق أبوابنا:
شهد العالم موجات من التحول الديمقراطي الأولى هي التي عمت أمريكا وغرب أوربا، والثانية هي التي شملت ألمانيا، واليابان، وايطاليا؛ والثالثة هي التي عمت جنوب أوربا، وجنوب أمريكا، وبعض دول آسيا؛ والرابعة هي التي عمت شرق أوربا بعد سقوط حائط برلين. موجات حققت تحولاً ديمقراطياً حتى صارت غالبية الشعوب الإسلامية، تحظى بنظم ديمقراطية، كذلك غالبية شعوب عالم الجنوب كما في الهند، وماليزيا، وكوريا الجنوبية، وأفريقيا مثلا: جنوب أفريقيا- ونيجريا- وغانا. وفي العقدين الماضيين استحكم الاستبداد الذي وجدت الهيمنة الدولية التعامل معه مريحا عمليا، ونظريا وجدت لذلك مبررا في أن للعروبة ارتباطا بالاستبداد: مقولة "الاستثنائية العربية". القهر والظلم الاجتماعي داخليا، والتبعية للهيمنة الدولية جعلت التيارات الفكرية الحية في المنطقة الإسلامية، واللبرالية، والقومية، والاشتراكية تعارض هذه الحالة العربية. ومع أن كثيراً من هذه التيارات كانت تعطي أولوية لأيديولوجياتها ولا تقيم للديمقراطية وزنا فإنها في العشرين عاما الماضية صارت كلها تقدم مطلب الحرية على أجندتها الإيديولوجية. ولكن كانت لأجهزة القمع كفاءة عالية في التصدي لمطالبها ونشاطاتها. كثير من التيارات الإسلامية صمدت للقهر، واستطاعت أن تجد لنفسها مجالات في المساجد، وفي الخدمات الاجتماعية. صمودها ووجودها الملموس سخرته النظم الحاكمة فزّاعة لغير الإسلاميين داخليا، وللغربيين خارجيا، بأن البديل لنا هم هؤلاء فما عليكم إلا دعمنا. ومع دلائل الغضب الشعبي الظاهر بسبب القهر، والظلم الاجتماعي، والفساد، وتفشي العطالة، وإهانة الكرامة الإنسانية على أيدي أجهزة الأمن، وإهدار الكرامة الوطنية بسبب الاستسلام للأعداء والتبعية، فإن النظم في الغالب صارت مطمئنة لوجودها واستمرارها بل صار بعضها يبحث عن وسائل لتوريث ذويهم. في عام 2002م نشر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP ) تقريرا عن التنمية البشرية في العالم العربي أشار إلى حقائق أهمها ثلاثة: أن المنطقة حققت نموا اقتصاديا وفي التعليم، ولكنها من حيث الحكم الراشد الذي يقوم على المشاركة، والمساءلة، والشفافية وسيادة حكم القانون، متخلفة عن بقية أنحاء العالم. وأن المنطقة تحظى بنسبة عالية من الشباب تفوق 60% من السكان. وأن المنطقة تعاني من نسبة عالية من البطالة. ولأول مرة انطلقت نداءات تطلع للديمقراطية بصورة ملحة بلغت قمتها في إعلان الإسكندرية بعنوان "الاستقلال الثاني" كما أن التيارات الفكرية الإسلامية، والاشتراكية، والقومية التي كانت لا تقيم للديمقراطية اللبرالية وزنا، أعادت النظر في أولوياتها لتعلن أولوية الديمقراطية.
العامل الإسلامي:
كانت ردة الفعل الأولى في الأوساط الإسلامية للغزو الفكري والثقافي الذي صحب الاحتلال الأجنبي منذ هجمته الأولى هو التحصن بالإسلام حصنا للأصالة ودافعا للجهاد وحافزا للوحدة ومواجها للغزو، هذا ما رفعت راياته الحركات الوهابية، والمهدوية، والسنوسية وغيرها. هذه الحركات أحيت الروح وحققت المقاومة ولكنها في نهاية المطاف هزمت عسكريا ليمارس الاحتلال سلطانه على المنطقة. وفي مرحلة لاحقة نشأ تيار قاده عدد من المصلحين أمثال الشيوخ جمال الدين ومحمد عبده وابن باديس وغيرهم ينادون بالتوفيق بين التأصيل والتحديث بصورة عبر عنها الشيخ محمد رشيد رضا في تفسير المنار، من هذه الخلفية نشأت حركات مثل الأخوان المسلمون خرجت بالتوجه الإسلامي من التنظير إلى التنظيم والحركة. الحركة الأخوانية وأخواتها اهتمت بالدور السياسي للتوجه الإسلامي ما جعلها محل اهتمام النظم الحاكمة لاحتوائها إن أمكن أو التحالف معها إن لزم. هذه الحركات النشطة بالتوجه الإسلامي استطاعت أن تحوز جزءا كبيرا من الرأسمال الاجتماعي في كثير من البلدان العربية.  وفي المحيط التركي، وبعد سبعين سنة من التجربة الكمالية التي طردت الدين من الحياة العامة، تشهد تركيا بعثاً لهويتها الإسلامية. القيادة التركية الحالية يرجى أن تعبر عن الإسلام في البيئة الحديثة، وأن تساهم في دعم التوجه الديمقراطي ورفع الوصاية العسكرية الموروثة عن الإرادة الديمقراطية. وفي إيران قامت الثورة عام 1979م بقيادة الإمام الخميني على إحياء التوجه الإسلامي في العصر الحديث واتخذت الإصلاحية والثورية سبيلا لذلك. ومع ما صحب عطاءها من حيوية فإن ولاية الفقيه والالتزام المذهبي حدا من بلوغها المطلوب، ولكن التجربة صمدت وفاقت في نجاحها التجارب الأخرى وقد شكلت تصديا محمودا لتيار التبعية في المنطقة وساندت ثورات الشعوب في المنطقة وغذت الروح الإسلامية فيها، والتجربة مع ما شابها من قصور تحمل كثيرا من مقومات التطور، فقد نادت أصوات كثيرة داخلها بالانتقال من ولاية الفقيه التي تعتبر بحد ذاتها تثويرا داخل المذهب الإثنى عشري، إلى ولاية الأمة. وكان هذا جوهر أفكار قادة أمثال علي شريعتي ومحمد باقر الصدر، وتيار الإصلاحيين.
الثورات الشعبية الراهنة:
الشعوب العربية تتطلع لنظام يحقق على الصعيد الفكري توفيقا بين التأصيل والتحديث، وعلى صعيد الحكم يقوم على المشاركة والمساءلة والشفافية وسيادة حكم القانون، ويحقق تنمية اقتصادية تكفل الرخاء والعدالة الاجتماعية. ويحقق على صعيد العلاقات الدولية نفس النتيجة واستقلال القرار الوطني. الثورة العربية الديمقراطية الناعمة التي انطلقت في تونس في ديسمبر2011م وفي مصر في 25/1/2011م اتسمت بصفات مشتركة أهمها: المباغتة والإبداع توظيف الإعلام، وهي محتاجة للتحرك في اتجاهين: إجرائي بإقامة آليات لتصفية الشمولية، وجوهري ببلورة تراض وطني حول القضايا الفكرية والسياسية الأساسية وأهمها: الملف الفكري- الإسلام- القومية- اللبرالية-الاشتراكية- الملف التنموي- الملف الدولي وملف السلام. ينبغي تبني هذه الملفات كأجندة مشروع نهضوي، وقبول حتمية التحول الديمقراطي، والدعوة لمشروع إسلامي ينفي عن الدين "تَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ وَتَحْرِيفَ الْغَالِينَ"، مع الاعتبار بالتجارب الإسلامية الفاشلة في العصر الحديث، ومحاورة فرق المسلمين المختلفة للوصول لكلمة سواء وتشمل هذه الفرق: الظاهريين- المقاصديين- الحركيين- العقلانيين- الشيعة- الصوفية-والمؤسسات الدينية الرسمية.
أما بالنسبة لانتفاضة الشعوب في اليمن، وليبيا، وسوريا فقد واجهت مقاومة فأدت الانتفاضات الشعبية السلمية في بدايتها إلى حرب أهلية من شأنها أن تخلق استقطابا حادا ترفده عوامل عشائرية، وطائفية، وأيديولوجية ما ينذر بتقسيم الأوطان وفتح أوسع أبواب التدخلات الأجنبية مثلما حدث في ليبيا. إن ظروف تونس ومصر متشابهة في غلبة المجتمع الحضري عليهما، ووضع القوات المسلحة المنضبط فيهما، لذلك كان دور القوات المسلحة منضبطا فيهما، ولم يقمعا شعبيهما. ولكن في سوريا القوات المسلحة مؤدلجة كالحزب الحاكم وكلاهما مشرب بولاء مذهبي علوي، بينما العناصر الأخرى المكونة للسكان أغلبيتها مهمشة في مؤسسات الدولة المفصلية، فإذ شاءت قيادة الدولة رفض التجاوب مع المطالب الشعبية وقمعها فسوف يتطور الأمر لحرب أهلية. وفي اليمن توجد عصبيات قبلية مسلحة فإذا شاءت القيادة في استمرار رفض المطالب الشعبية فسوف يتسع الاستقطاب الشعبي وكذلك داخل  القوات المسلحة. لتدرك القيادة اليمنية الحقائق وتسلم الأمر لأهله شعب اليمن.
هذا التوتر والاستقطاب حادث بدرجات متفاوتة في الدول ذات النظم الملكية وسواء انفجر كما في البحرين أو لم ينفجر في غيرها فالمطلوب هو إجراء مصالحة وطنية بين الحكام والمعارضين تحقق الإصلاح المنشود، والعاقل من اتعظ بغيره.
والحل في كل الحالات هو الإذعان لأفول النظام العربي القديم والاستعداد لإصلاح جذري يقوم على:
•        مشروع تحول ديمقراطي يقيم الحكم على المشاركة، والمساءلة، والشفافية، وسيادة حكم القانون.
•        إصلاح العلاقات المذهبية على أساس المساواة في المواطنة، والتعايش رغم الاختلافات المذهبية.
•   في كافة الأحوال الاتفاق على برنامج تحول ديمقراطي يطبق على الجمهوريات وبرنامج مماثل لتحويل الملكيات إلى ملكيات دستورية بحيث تستمر العروش وتفوض السلطة التشريعية لمجلس منتخب انتخاب حرا وتفوض السلطة التنفيذية لمجلس وزراء منتخب.
ما لم يجر هذا الإصلاح لإقامة نظم الحكم الراشد فإن موجات الاحتجاج الشعبي وأساليب التواصل والتنسيق الحديثة سوف تعمل على استخدام السلاح الجديد بما فيه من دروع بشرية، وإعلام كاشف للأحداث، وتدخل دولي محتمل والنتيجة في تلك الحالات هي سفك دماء، وتفكيك الأوطان، والتدخل الدولي الذي لا تؤمن عقباه.
(4)                   معالم الفجر الجديد
إننا اليوم أمام فجر جديد في المنطقة، تصنعه تحركات الشعوب في بحثها عن حقوقها الضائعة وكرامتها المهدرة، وسوف يكون للصحوة الإسلامية دورا كبيرا في هذا الفجر الجديد. لقد صدر لي في الشهر الماضي كتاب عنوانه "معالم الفجر الجديد" يخاطب حالة التحول الحتمية من الاحتلال الداخلي الذي كبّل الأمة وشل إرادتها وضيع مقدراتها ومكتسباتها بالاستبداد والتبعية والظلم، إلى فجر تنال فيه الشعوب حقوقها وتحقق تأصيلا حضاريا وثقافيا وتنفي التبعية. احتوى الكتاب على ثلاثة بلاغات: البلاغ الإسلامي، والبلاغ الديمقراطي، والبلاغ الدولي، وهي تخاطب الوضع الراهن وتعطي الثوار المنتصرين، والذين لا يزالون يحملون راية الثورة، والثوار المحتملين في المنطقة شمعة ليبصروا الطريق، ملخصاتها كالتالي:
البلاغ الإسلامي:
قال تعالى: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [39] وقال النبي محمد (ص): "يَرِثُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ يَنْفُونَ عَنْهُ تَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ وَتَحْرِيفَ الْغَالِينَ" [40]. هذه المعاني هي التي تكمن في تطلعات المسلمين في كل زمان ومكان لدعوات الإحياء الديني. والمسلمون مطالبون بالاجتهاد في هذا الدرب. ومساهمة في الإحياء الديني أقدم مشروع البلاغ الإسلامي الذي ينقل التطلع الإسلامي من الشعار إلى البرنامج، فالشعاراتية علة أصابت أكثر الأيديولوجيات في بلداننا لذلك حتى إذا استولوا على السلطة حولوها إلى أجهزة لحراستها ولم يغيروا الواقع بأية صورة تشابه ما عبرت عنه الشعارات. البلاغ الإسلامي المطلوب يشمل برامج في ملفات هامة ويحدد الهدي الإسلامي المطلوب فيها وهي:  (1) الفكر، ليكون محيطا بالواجب والواقع مزاوجا بينهما. (2) نظام الحكم: ليكون راشدا يحقق الديمقراطية في الجمهوريات والدستورية في الملكيات، ويوفق بين الديمقراطية والتعددية الثقافية بما يشبع التطلع للتأصيل ولا يمس المواطنة، ويضبط دور القوات النظامية.  (3) المعرفة: بما يصحح مفهوم أسلمتها. (4) الاقتصاد: بما يراعي مباديء الإسلام وأحكامه ويجدد الفقه الخاص بسعر الفائدة والزكاة والمواريث  (5) المرأة: بما يحقق ثورة ثقافية تطرد الفهم المنكفئ في عشرين موضعا (الدونية، التعدد، الشهادة،..الخ)
(6) الجهاد: بما يبين أنه أوسع من القتال ولا يكون قتالا إلا للدفاع عن النفس وتحقيق حرية الدعوة ونفي أكذوبة انتشار الإسلام بالسيف، وتبيان مصلحتنا في التعايش السلمي. (7) العلاقات الدولية: يؤصل شرعيا لإقامتها على السلم والتعاون الدوليين، ويبين المطلوب لإصلاح نظام الأمم المتحدة. (8)  الوحدة الإسلامية: بما يحدد مجالات التنسيق والتوحد دينيا، وثقافيا، واقتصاديا، وحضاريا مع التطلع للتطوير المستقبلي. ويدعو للتكامل مع حلقات الانتماء العربية والإفريقية. (9) العولمة: بما يتمسك بالجانب الحميد منها وينفي الخبيث. (10) الإرهاب: بما يدعو لتعريفه فتنفى عنه المقاومة المشروعة، وللتعاضد الإسلامي لمجابهة البؤر المشتعلة. (11) الأقليات: بما يناقش قضايا الأقليات الإسلامية بالعالم وهي ثلث المسلمين، ويبين ضرورة مراعاة حقوق الأقليات داخل بلداننا. (12) الدعوة: بما يدعو لأن تكون بالتي هي أحسن ويكون التغيير بأساليب التعبئة المدنية ورفض الانقلاب العسكري كوسيلة. (13) الإعلام: بما يناقش مشاكل الإعلام ويدعو لإصلاحه بما يحقق ذاتنا الحضارية. (14) الفنون: بما يؤصل لمشروعيتها.  (15) البيئة الطبيعية: بما يذكر المبادئ الإسلامية الحاضة على حمايتها ويناقش قضاياها الراهنة. (16) التعليم: بما يذكر عيوبه في بلداننا وأسس الإصلاح.  (17) الصحة والقوانين الطبية: بما يناقش قضايا مستجدة (منع الحمل، الإجهاض، التخصيب،..الخ) استنادا للمنهج المقاصدي. (18) الرياضة: بما يؤكد ضرورتها للرجل والمرأة وفي جميع الإعمار.
البلاغ الديمقراطي:
منذ فترة رسمت النخبة العربية ملامح الغضب على حال الأمة البائس ولم تلق لها الأنظمة الحاكمة بالا حتى تفجرت الثورة العربية ومن إنجازاتها وضع حد للاستثنائية العربية المخزية، ونفي الإحباط وخلق الثقة في الشباب، واكتشاف وسائل جديدة للحركة. هذه الثورة تحتاج لدليل سياسي للتحول الديمقراطي. هذا الدليل السياسي يلزم القوى الديمقراطية بالتالي: (1) المواثيق الدولية لحقوق الإنسان. (2) ضبط حالة الطوارئ وشروطها
(3) حرية التنظيم والعمل السياسي ورعاية الأحزاب والنقابات. (4) حرية التعبير والإعلام. (5) استقلال القضاء. (6) الانتخابات الحرة النزيهة. (7) لا معتقلين سياسيين. (8) لا فساد. (9) آلية للتعامل مع تجاوزات الماضي. (10) مفوضية حقوق إنسان مستقلة. (11) الفصل بين السلطات. (12) ضبط دور القوات المسلحة. (13) دستور يشارك بوضعه الجميع تجيزه جمعية منتخبة ديمقراطيا. (14) الحكم الراشد: المشاركة والمساءلة والشفافية وسيادة حكم القانون. (15) إصلاح القوانين المقيدة للحريات. (16) غرس قيم الديمقراطية وثقافتها. ويتحدث البلاغ الديمقراطي عن تحولات ضرورية مصاحبة للتحول الديمقراطي هي: التحول الاقتصادي- الصحوة الثقافية- الإصلاح التعليمي- البرنامج الصحي- والبرنامج البيئي. كما يتحدث عن ضرورة مواجهة القضايا المتفجرة، وهي: مشكلة فلسطين، القواعد الأجنبية، المشكلة النووية، الإرهاب، والاختلاف السني/ الشيعي. ومواجهة الثورة المضادة ومن جوانبها: حكام بعد الثورة الذين أتت بهم ولكنهم يشكلون استمرارا للحكم المباد (ثورة معلقة ومخففة)، وتصدي النظم الاستباقي للثورة أو في بداياتها كما يحدث في كثير من البلدان الآن، ومجهودات القوى الدولية نحو ثورة "مدجنة"، والتحرك الإسرائيلي المضاد. فهذه العوامل كلها ستحاول عكس أثر الثورة العربية. ويؤكد البلاغ الديمقراطي أن المطلوب هو عقد مؤتمر أممي ديمقراطي عربي للاتفاق على بلاغ ديمقراطي وتكوين هيكل حركي لتحقيق أهدافه بكل الوسائل التعبوية، والحركية، والانتخابية الناجعة، وتحرك أممي يتبنى البلاغ الديمقراطي ويعقد التحالفات والدراسات، وإقرار نهج تمكين ثقافة الديمقراطية عبر إقامة مرصد ديمقراطي/ معهد دراسات الديمقراطية/ مكتبة/ وترجمة التراث الديمقراطي.
البلاغ الدولي:
يهدف البلاغ الدولي لرسم ملامح العلاقات الخارجية استنادا لفقه جديد. فالثورات الشعبية العربية سوف تقيم علاقة جديدة بين الحكام والشعوب تقوم على المشاركة والمساءلة، وتستوجب مراجعة العلاقات الخارجية لمحو التبعية وإقامتها على الندية والشراكة المتكافئة، ومراجعة أسس السلام لتقوم على أساس العدالة. ويرصد البلاغ الدولي خصوصية علاقتنا بالغرب مؤكدا أن بيننا وبينه حسابات جسوسياسية عديدة: إذ  للمنطقة العربية خصوصية كوارثة لتاريخ كاريزمي عريق، وباعتبارها ملتقى لقارات أوربا وآسيا وإفريقيا، وأنها تقع فيها الأراضي المقدسة للأديان الإبراهيمية وتحتوي على ثلثي مخزون النفط العالمي، كما يقع جزءا من علاقتنا بالغرب مشروع الاستيطان الصهيوني بأصدائه الأممية وتبعاته الحربية. كما تحدث عن معالم السياسة الأمريكية في المنطقة وهي: هيمنة سياسة عسكرية لحماية حقول البترول، والتحالف مع النظم الشمولية، والتحالف مع إسرائيل، والحرب على الإرهاب. وقد واكبتها مؤثرات كشفت محدودية هذه السياسة.
ظاهرة الإرهاب: لقد أكدت الدراسات وكثير من الكتابات أن الإرهاب ظاهرة سياسية وليست دينية، وفي النطاق الإسلامي أسبابه سياسات ظالمة: التجاوز في أفغانستان/ غزو العراق/ ممارسات أبو غريب وقوانتنامو/ التصرفات الكيدية كتكريم سلمان رشدي صاحب كتاب "الآيات الشيطانية"/ دعم الطغاة بالمنطقة/ الإنحياز لإسرائيل/ والقواعد العسكرية في المنطقة.
معالم السياسة الخارجية مع الفجر الجديد: تتطلب الثورة استناد العلاقات الخارجية على المصلحة  والكرامة الوطنية، وإحلال الندية محل التبعية. وإقامة السلام على أساس عادل. معالم السياسة الجديدة في الملفات المختلفة ينبغي أن تكون كالتالي: بالنسبة لإسرائيل والسياسة الأمريكية: لقد امتثل العرب في الماضي للبقاء في جيب أمريكا بينما هي في جيب إسرائيل. ولكن مع التحرر سوف يشترطون أسسا عادلة للعلاقة تبين للرأي العام والإدارة الأمريكية التناقض بين مصالحهم القومية والامتثال للوبي الإسرائيلي، وأن لصداقة الأمة العربية الحرة استحقاقات.    تأثير التحولات العربية في العلاقات البينية العربية العربية: مع بلورة اتجاه وحدوي عربي كإحدى نتائج الثورات العربية ستوضع أسس جديدة للسياسة الدولية، ويطور أداء الجامعة العربية. العلاقة بالولايات المتحدة: سوف تتطور هذه العلاقة لتضع شروطا للتعاون مع أمريكا وهي: سحب قواتها من المنطقة، وقف دعم العدوان الإسرائيلي، دعم السلام العادل، خضوع النفط والغاز لأسس موضوعية تجارية، مراجعة سياسة الحرب على الإرهاب، دعم الديمقراطية العربية، ووضع استراتيجية للتعاون.    العلاقات بالاتحاد الأوربي: المطلوب حوار عربي أوربي لإجلاء قضايا هامة:
•        الاعتراف المتبادل بين الإسلام والمسيحية والتنافس بالحسنى.
•        إصلاح العلاقات التجارية والاقتصادية بين شمال وجنوب الكرة الأرضية.
•        الشراكة التنموية لمعالجة الاختلال العالمي بين الدول الغنية والفقيرة.
•        إبرام اتفاق إستراتيجي في مسألة الطاقة خاصة النفط والغاز.
•        إبرام اتفاق أمني يحدد الحقوق والواجبات الأمنية وينظم الهجرة ويضبطها ويمنع العنف السياسي.
•        الاعتراف بدور أوربا في خلق المسألة الإسرائيلية، وبحق الفلسطينيين في مقاومة الاحتلال.
•        التعاون في استخدام الطاقة النووية لأغراض مدنية وجعل الشرق الأوسط منطقة خالية من السلاح النووي.
•        إنشاء صندوق لاحتواء مخاطر تغير المناخ ليمول برامج تساهم في احتوائه.
الجوار الأفريقي: التأمين على خصوصية العلاقة بين العرب وافريقيا، وضرورة إقامة علاقة خاصة بينهما تدعم الاتحاد الأفريقي وتحقق شراكة تنموية، وإبرام معاهدة أمنية، وبروتوكول ثقافي.
الجوار الآسيوي: ينبغي التحرر من الأستاذية الغربية والتوجه للتعاون مع الأقطاب العالمية الجديدة وأغلبها أسيوية (روسيا- الصين- اليابان- البرازيل- والهند). وهنالك ثلاث دول آسيوية ينبغي الاتفاق على نهج إستراتيجي نحوها: إيران بتحقيق تعاون أخوي معها وعدم التخوف من الهلال الشيعي- تركيا ومعاملتها كحليف إستراتيجي للأمة العربية بدون تخوف من عثمانية جديدة- وإسرائيل التي يستحيل السلام معها في الظروف الحالية، ولكن يمكن أن تفرض القوى الناعمة وضعا آخر.
الخيارات العربية: إذا تخلف الدور العربي المركزي فسوف تتجاذب المنطقة الدول الحية والعظمى من جهة مثل إيران، وتركيا، وإسرائيل، والولايات المتحدة، وأوربا، وروسيا، والصين؛ وحركات الغلو من جهة أخرى، مما يعني إنهاء الدور العربي كفاعل في التاريخ.
ختام
إن الصحوة الإسلامية المنشودة هي خطوة للأمام وليست للوراء، وهي مشروع نهضوي مستقبلي يلتزم بمقاصد الإسلام الكلية ويزاوج بين الواجب والواقع ليواجه التحديات التي تواجه الأمة. وهي تكليف مستمر للأمة، ومهما اختلفنا حول مفهوم المهدية فوظيفة الهداية مطلوبة والتكليف بالصحوة قائم ومستمر. إن للشعوب حقوقا تستند إلى مبادئ عالمية خمسة هي العدل والحرية والكرامة والمساواة والسلام وهي مبادئ تقدسها رسالة الإسلام وتعطيها أغوارا روحية هي غائبة عنها في نسختها العالمية، وتنسل عنها حقوق مادية ومعنوية يجب كفالتها للأفراد والشعوب ويجب عليهم السعي إليها في حالة حرمانهم منها، من هذا المنطلق فإن المرجعية الإسلامية أصلا تحض على نيل الحقوق وعدم الاستكانة للمذلة والانتهاكات. لقد انتهكت حقوق الشعوب في منطقتنا قبل احتلالها أجنبيا، وفي أثناء الاحتلال الذي سلب الأرض واستلب الشعوب ثقافيا، وبعد زوال الاحتلال الأجنبي حيث انهارت الأنظمة الليبرالية التي تركها المستعمر تحت سنابك الانقلابات العسكرية أو النظم الملكية، فعاشت شعوبنا في احتلال داخلي يدمغه  التسلط وحكم الفرد والتبعية المذلة للأجنبي، والاستلاب الثقافي بشقيه: للوافد من الخارج والمتمثل في شعارات التحديث وإدارة قفانا للتراث وللماضي بكل ما فيه، وللوافد من الماضي انكفاء على اجتهادات ومقولات الأقدمين وإدارة ظهرنا للعصر ومنجزاته.  هذه الشعوب المحتلة داخليا والمنتهكة حقوقها قد بدأت ثورتها الآن وظفرت في تونس ومصر وفي ليبيا، ولا زالت راياتها مرفوعة في سوريا واليمن والبحرين، ولا زال مرجلها يسخن على نار لاهبة أو هادئة في البلدان الأخرى في المنطقة والتي تتشارك مع الشعوب الثائرة في أوجاعها وفي تطلعاتها. إن زوال الاحتلال الداخلي حتمي وسوف يتتابع مثلما تتابع تخلص الشعوب في الماضي من الاحتلال الأجنبي. وعلى الشعوب الظافرة أن تخطط لفجرها على نحو يحقق التأصيل بدون انكفاء والتحديث بدون تبعية، ويحقق كرامة الشعوب والعدالة ، ويعيد بناء العلاقات الخارجية بما ينفي التبعية ويقيمها على المصالح المشتركة والتعاون، وما يحقق السلام العادل لا الاستسلام في منطقة الشرق الأوسط. الثورة الإسلامية في إيران بقيادة الإمام الخميني واجهت نظام الاستبداد والفساد والظلم والتبعية الذي أقامه الشاه وأقامت نظاماً لاسترداد الاستقلال الحضاري واستخلاص حقوق الشعب كان لها أثرها الفعّال في تثوير الشعوب الإسلامية ودعم الممانعة للهيمنة الدولية وهي مطالبة بتطوير موقفها في اتجاه يحقق مقاصد البلاغ الإسلامي، والبلاغ الديمقراطي، والبلاغ الدولي. والإصلاح التركي الذي يقوده حزب العدالة والتنمية يمثل حركة تحرير من العلمانية المعادية للدين بصورة توفق بين التأصيل والتحديث وهي كذلك يرجى أن تتطور فيما يتفق مع مقاصد البلاغات. فإذا قضت الثورات العربية على حالة التخلف والتبعية العربية في اتجاه البلاغات الثلاثة فالمرجو أن تنشأ وحدة إسلامية تنطلق من هذه الركائز الثلاثة: الإيرانية، والتركية، والعربية في اتجاه صحوة إسلامية توفق بين التأصيل والتحديث وتؤمن حقوق الشعوب.

 

آراء