معدلات وتأثير الصدمات والضغوطات الحالية عند لاجئي دارفور في شرق تشاد: تلخيص وعرض: بدر الهاشمي
بدر الدين حامد الهاشمي
11 November, 2011
11 November, 2011
معدلات وتأثير الصدمات والضغوطات الحالية عند لاجئي دارفور في شرق تشاد
Rates and impact of trauma and current stressors among Darfuri refugees in Eastern Chad
اندرو راسموسين وآخرين
تلخيص وعرض: بدر الدين حامد الهاشمي
تقديم: نشر البروفسور الأميريكي أندرو راسموسين وزملاء له في كليات الطب بجامعات نيويورك ونيروبي وهارفارد وفوردهام مقالا علميا نشر في أبريل عام 2010م في مجلة أمريكية تعنى بالطب النفسي من ناحية الوقاية والعلاج، ومن ناحية الدفاع عن حقوق الناس جميعا في الصحة النفسية، اسمها American Journal of Orthopsychiatry لخص فيه نتائج بحث ميداني أجروه في شرق تشاد عن معدلات وتأثير الصدمات والضغوطات الحالية عند لاجئي دارفور المقيمين في معسكرات لجوء في تلك المنطقة. والمقال على أهميته العملية والعلمية (على الأقل كمثال يدلل على ما قد يلقاه أي لاجئ في غير وطنه، تحت ظروف أقل ما توصف به أنها "غير إنسانية")، إلا أنه يثير عندي – وكالعادة- شعورا بالهوان وعدم الرضاء من تقاعس وتكاسل وتثاقل المختصين والمهنيين من السودانيين عن القيام بأدوار تشابه أو تماثل (ولا أقول تبز) ما يقوم به المهنيون الغربيون في بحث الأمور التي تتعلق ببني جلدتنا. ولقد ذكرت ذات الأمر قبل ذلك عند الحديث عن الاكتشافات الجديدة التي تقوم بها بعثات الآثار الأوروبية التي تعمل بالسنين الطوال في مناطق السودان المختلفة، دون أن يكون لعلماء الآثار من السودانيين – فيما نقرأ ونسمع- دور بارز في تلك الاكتشافات. وينطبق ذات الشيء على المهنيين السودانيين في كثير من التخصصات الأخرى، مثل الصحافة وعلوم الاجتماع والعلوم الطبية وغيرها. يبدو أن "عبء الرجل الأبيض" سيظل في حالتنا السودانية البائسة عبئا سرمديا ليس منه فكاك في أمد قريب. المترجم
قدم الباحثون في مقدمة بحثهم عرضا تاريخيا موجزا للأزمة في دارفور (وفي الأقطار المجاورة )؛ وجاء في تلك المقدمة أن الأزمة ذات جوانب متباينة، أهمها الصراعات العرقية، ووجود جماعات مسلحة عديدة، وحدود غير مرسومة، مع طبيعة بيئية قاسية لا ترحم. كل ذلك يصعب من مهمة "التدخل الإنساني" في مثل تلك الظروف. وبحسب ما جاء في تقرير لمنظمة الصحة العالمية صدر عام 2008م، فإن عدد من فقدوا حياتهم في تلك الأزمة بلغ نحو 300 ألف نسمة، وبلغ عدد من تشردوا بسببها نحو 2.5 مليون شخص. قدرت حالات العنف والقتل اليومية بنحو 3.2 – 9.5 لكل 10000 فرد. لجأ نحو ربع مليون شخص من المشردين إلى 12 معسكر أقامتها مفوضية شئون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في تشاد، ومعسكر آخر أقيم في جمهورية أفريقيا الوسطى. نتج عن عدم الاستقرار في تشاد – بحسب تقرير صدر في عام 2007م- نزوح أكثر من 150000 شخصا من تشاد إلى دارفور!
يتعرض النازحون لنوعين من الضغوطات: 1. ضغوطات دفعتهم للنزوح في الأساس، وهذه ضغوطات تسبب كثيرا من الحوادث المؤلمة والخسائر المادية، وهي نتاج مباشر للحرب، و2. ضغوطات أخرى يتعرض لها النازحون في عملية النزوح /الهروب، وتحدث هذه الضغوطات الشائعة الحدوث عند محاولة الاستقرار وإعادة التوطين، والقلق والخوف وعدم الإحساس بالأمن. تسبب الضغوطات الأخيرة عددا من المشاكل النفسية تفوق الضغوطات الدافعة للنزوح. ركزت كثير من الدراسات النفسية على النوع الأول من الضغوطات، وأهملت النوع الثاني في كثير من الحالات مثل أزمات اللاجئين من التاميل (مجموعة عرقية في الهند وسيري لاناكا. المترجم) الذين تم توطينهم في أستراليا.
هدف الباحثون في هذه الورقة لمعرفة نوعية الضغوط الدافعة للنزوح، وضغوط النزوح عند لاجئي دارفور في معسكر بتشاد، وتقويم تأثير كل نوع من هذه الضغوط على الصحة النفسية عندهم، إذ أن دراسات سابقة في ذات المنطقة قد أشارت إلى بعض الآثار النفسية السالبة عند النازحين، مثل ذلك التقرير الذي أشار إلى أن ثلث عدد النساء في المعسكرات يعانين من مرض الاكتئاب.
أجري البحث في معسكرين منطقة فرشانا في شمال شرق تشاد، ويقيم بالمعسكرين دارفوريون من إثنيات/ قبائل مختلفة ( مثل ما هو حادث في بقية المعسكرات الأخرى)، ولكن يسود المساليت في هذين المعسكرين (بينما تغلب على المعسكرات شمالا قبيلة الزغاوة). اعتمد الباحثون على سجلات مفوضية اللاجئين في تحديد العينة التي استخدمت في البحث (وعدد أفرادها 848 من مجموع 12413 فردا فوق الثامنة عشر من العمر). تم عمل مقابلات مع هؤلاء استخدم فيها برتوكول محدد سلفا يحتوي على أسئلة عن الجنس والعمر وسنوات التعليم والحالة الاجتماعية والمنطقة التي أتى منها النازح، والعوامل الدافعة للنزوح، والأعراض النفسية، والاختلالات الوظيفية الحادثة كنتيجة للنزوح. قام بإجراء هذه المقابلات تسعة من السودانيين المساليت النازحين (أخطأ الباحثون هنا بالقول بأن عددهم ستة رجال وأربع نساء. المترجم!) مع أربعة أشخاص من تشاد، كلهم من الحاصلين على تعليم ثانوي عالي على الأقل، ويجيدون العربية ولغة المساليت. أجري عدد محدود من تلك المقابلات (نحو 30 مقابلة) بواسطة سودانيين وتشاديين معا (أجرى الباحثون مقارنات إحصائية معقدة لتبين إن كان هنالك فرق بين نتائج المقابلات التي أجراها السودانيون والتشاديون، ولم تكن هنالك فروق معنوية هامة بين النتائج التي توصل إليها كل من الفريقين)، وحرص الباحثون على أن لا يجري أحد النازحين مقابلة في معسكر يقيم فيه هو شخصيا. تم تدريب كل هؤلاء لمدة 20 ساعة قبل بدء المقابلات (والتي كانت الواحدة منها تستغرق نحو ساعة إلى ساعتين في مكان سكن اللاجئ) على فن إجراء المقابلات، وملاحظة مظاهر الضغوط والصدمات. استعملت في المقابلات كلمات دارفورية محلية لتشرح الحالة النفسية للفرد مثل كلمة "حزن" (للدلالة على عرض من أعراض الاكتئاب) و"مجنون" (للدلالة على أعراض الذهول العاطفي وفرط التيقظ والذهان).
أكدت نتائج البحث أن نحو ثلاثة أرباع أفراد العينة التي تمت دراستها كانوا يعانون من آثار "حوادث قد تسبب صدمة"، مثل المطاردة، والضرب، والطعن، والخنق والإغراق في الوادي، والقصف. كان عدد الرجال الذين ذكروا أنهم شاهدوا بالفعل هذه الأفعال أكثر من عدد النساء. ذكر معظم الذين تم استجوابهم في المقابلات أنهم فقدوا ممتلكات شخصية، بيد أن عددا قليلا فقط من اللاجئين ذكروا أنهم فقدوا محاصيلهم الزراعية. ذكر نحو 73% من الذين تم استجوابهم أنهم شهدوا "عنفا جنسيا"، بيد أن جميعهم قد أنكر أنه تعرض شخصيا لذلك النوع من الضغوطات. كانت تلك هي الضغوطات التي دفعتهم للنزوح في الأساس. أما ضغوط ما بعد النزوح فشملت نقص الحاجات الأساسية في المعسكرات مثل الطعام والماء النظيف، وحطب الوقود، والعلاج، والمال، والأمن وغير ذلك من الحاجات. أفاد ربع من تمت مقابلتهم بازدياد حالات العنف المنزلي (مع الزوج أو الزوجة أو الأطفال)، بينما كانت نسبة من أفادوا بوجود حالات اعتداءات جنسية في (أو حول) المعسكر نحو 85%، ونسبة من لم يلاقوا شخصيا عنفا من "الجنجويد" نحو ربع من تمت مقابلتهم، وكانت المطاردة (وليس الاعتداء المباشر) هو ما يقلق الغالبية العظمي من الذين تم استجوابهم. أثبتت نتائج البحث أن كبار السن والمتعلمين من اللاجئين كانوا أكثر تحملا للآثار النفسية المترتبة على النزوح من غيرهم. وخلافا لما هو شائع من أن النساء أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب، فإن هذا البحث يفيد بأن الجنس ليس له كبير أثر على الإصابة بالاكتئاب في أواسط لاجئي دارفور. يعزي الباحثون سبب الاكتئاب في أوساط الرجال لغياب دورهم التقليدي في المجتمع الإسلامي حينما كانوا هم المسئولين عن إعاشة من في المنزل، وصاروا الآن في المعسكرات يتلقون العون مثلهم مثل النساء .
هنالك ملاحظات عددية، في نظري المتواضع، تنتقص من صدقية ودقة مثل هذا النوع من البحوث؛ فالنتائج التي تأتي من استبيانات في مجتمعات محافظة كمجتمع دارفور (أو أي منطقة مشابهة)، وتحت ظروف اللجوء المعروفة قد لا تكون صادقة أو صحيحة تماما بالنظر إلى أن عوامل التقاليد والمجتمع والحياء والخوف والرجاء وغير ذلك من العوامل، لا تساعد على الحصول على آراء صريحة وواقعية. كذلك قد يغلب على المرء في مثل تلك المجتمعات أن يكثر من الشكوى طمعا في مزيد من العون، أو أن يحجم عن ذكر بعض الأشياء التي قد تمس "الشرف"! فإجراء استبيان عن بعض الممارسات مثل شرب الخمور وتعاطي التبغ أو ممارسة بعض السلوك الجنسي في أوساط شباب الجامعات مثلا في مجتمع محافظ تسوده ثقافة "العيب" قد لا يأتي بنتائج تعكس الواقع، مثلما قد يعكسه استبيان يجرى في بلد آخر "غير محافظ". كذلك ترك أمر إجراء مقابلات الاستبيان في هذا البحث لمواطنين سودانيين من ذات القبيلة التي أجري في أوساط لاجئيها البحث (ربما بسبب اللغة أو لأسباب أخرى)، وهذا باب قد تأتي منه ريح المحاباة وعدم الحيادية والغرض. لا يعني ذلك بالضرورة أن إجراء تلك المقابلات من قبل أفراد غير سودانيين كان سيأتي بنتائج مغايرة، إذ أن العيب الأساس – في نظري المتواضع- يكمن في صدقية ودقة الاستبيانات التي تجري في عالمنا للأسباب التي أوردناها آنفا. لا يقلل كل ذلك من أهمية البحث ونتائجه (المتوقعة في غالبها)، ولا من المآسي التي حدثت في ذلك الإقليم المنكوب
نقلا عن "الأحداث"