سليم أغا: ملحمة عبد (مسترق) .. عرض وتلخيص: بدر الدين حامد الهاشمي
Sleim Aga: A Slave’s Odyssey
جيمس ماكارثي
عرض وتلخيص: بدر الدين حامد الهاشمي
هذا عرض مختصر لكتاب صدر في عام 2006م من دار نشر لاواث بمدينة إدنبرا ببريطانيا بقلم الكاتب الأسكتلندي جيمس ماكارثي (1936م -؟ ) عن تاريخ حياة السوداني "سليم أغا" الذي عاش بين عامي 1826م – 1875م. وكتب ذات المؤلف مقالا مفصلا في مجلة اسمها
The Journal of the Hakluyt Society
عن حياة "سليم أغا" وأسفاره في غرب أفريقيا، قد نعرض له في وقت آخر. ويبدو أن للكاتب شغفا خاصا بموضوعين وحيدين هما موطنه اسكتلندا، وإفريقيا، إذ أنه كتب عن مغامرات رحالة ورسام خرائط ومستكشف أسكتلندي هو كيث جونسون، وعن المستكشف دونلاد مونرو ورحلته إلى تنجانيقا. بدأ تعلق جيمس مكارثي (خبير الغابات) بإفريقيا عندما ذهب لها محاربا مع الجيش البريطاني ضد الماوماو في كينيا، ودرس بجامعة ماكريري بيوغندا بين عامي 1959 – 1961م، وعمل بعد ذلك في تخصصه الأصلي (الغابات) في تنجانيقا، وتقاعد عن العمل في 1991م.
يقول الكاتب في مقال إسفيري عن قصة كتابته لهذا الكتاب "سليم أغا" إنه كان يقرأ مقالا في "المجلة الجغرافية" الصادرة في عام 1875م عن كيث جونسون، عندما لمح عامودا مجاورا لذلك المقال بقلم الكاتب والرحالة والمستكشف المشهور، والذي دخل مكة (وهو المسيحي) مختفيا في زي عربي، ريتشارد فرانسيس بيرتون (1821 – 1890م). كان ذلك المقال يتحدث عن عبد (مسترق) سوداني اسمه "سليم أغا". تضاعفت شهية جيمس مكارثي لمواصلة القراءة حين ذكر بيرتون أن ثريا اسكتلنديا اشترى سليم في الإسكندرية، وأحضره معه لأسكتلندا. غدا الكاتب بعد ذلك "مهووسا" بسليم أغا وقصته، خاصة وأن في قصته جانبين أثارا اهتمامه: حياته (في بداياتها وحتى نهاياتها) في أفريقيا، وحياته (في منتصفها تقريبا) في أبردين...تلك المدينة الاسكتلندية الجميلة (والباردة).
يتكون الكتاب من مقدمة ضافية، و 14 فصلا وخاتمة، مع عدد من الخرائط والرسومات (غالبها بالأسود والأبيض) والصور ذات الصلة بموضوع الرق وبسليم ومؤلفه الوحيد، وكذلك صورة ملونة حديثة لحفيد الثري الأسكتلندي الذي أعتق سليم وأحضره لأسكتلندا، وهو يقف في قصره خلف صورة جده.
يبدأ الكتاب في فصله الأول بالتعريف بمملكة تقلي (مسقط رأس سليم أغا وموطنه حتى بلغ الثامنة من العمر). وفي الفصل الثاني يبدأ الكاتب قصة الرجل، وملخصها هو أن سليم أغا هو طفل سوداني ولد (مسلما) في مملكة تقلي (حاليا جنوب كردفان) في حوالي عام 1826م (يقول سليم أغا نفسه في كتابه أنه ولد في دارفور، وربما كانت تقلي واقعة آنذاك تحت حكم دارفور؟ المترجم). كان ذات يوم، وهو في الثامنة من عمره، يرعى غنمه ومعزه عندما باغته تاجران (عربيان) من تجار الرقيق، فقيداه وأوسعه أحدهما جلدا حتى يصمت، حيث أخذاه (عاريا) في مسيرة منهكة طوال الليل حتى بلغا به بيتا شبه مهجور في مزرعة وتركاه فيه مقيدا حتى للصباح. أخذاه في مسيرة طويلة أخرى حتى وصلا قرية "تقلا"، حيث باعاه لشيخ القرية. من غرائب الصدف أنه وجد في تلك القرية صبية من قريته اسمها "مدينة" كان قد سبق اختطافها أيضا. بعد عدة أيام سيق سليم مع قافلة ضخمة متجهة نحو الشمال، حتى الأبيض عاصمة كردفان (وكانت حينها تحت الإدارة التركية) حيث بيع هو و"مدينة" لتاجر عربي، باعهما بدوره لضابط تركي (أغا). كان ذلك الرجل قاسي الطباع، متوحش السلوك، ذاق سليم على يديه الويل.
في الفصل الثاني يحكي المؤلف عن بيع أغا للصبي سليم إلى تاجر عربي (اسمه الجبالي) بدت عليه مظاهر الحنية والطيبة. أخذه التاجر في قافلة عبر الصحراء، سارت في ظروف بالغة العناء لعشرة أيام كاملة حتى وصلت لواحة في الصحراء، حيث وجد سليم فيها الخضرة ولحم الإبل والفواكه والمياه. ظلت القافلة في تلك الواحة (ربما لتسمين من كان فيها من العبيد والجواري). وصلت القافلة أخيرا لسنار حيث ركب الجميع في مراكب حتى وصلوا لنقطة بدأوا فيها رحلة العبور الشاقة عبر الصحراء الليبية.(هكذا وردت في النص! المترجم) حكى المؤلف عن الأهوال التي صادفتها القافلة، وعن إشراف من كان فيها على الهلاك حتى وصلت القافلة أخيرا دنقلا. أعطي سليم لزوجة التاجر الجبالي كـ"فرخ" صغير ليعمل على خدمتها، وتم بيعه بعد ذلك مرات عديدة حتى استقر به المقام عند تاجر عربي يهودي ثري (لا أدري هل المقصود رجل عربي الإثنية/ العرق، ويهودي الديانة أم ماذا؟ المترجم) للعمل في دكانه في سوق دنقلا. في هذه المدينة ساقت سليم الأقدار مرة ثانية للقيا صديقته القديمة "مدينة"، والتي أخذته لمنزل سيدها وعرفته بعدد من المسترقين فيه، بعضهم من دارفور، وآخرين ذوي ملامح عربية من منطقة سنار. بعد بيعه مرة أخرى، أخذ سليم – في رفقة مسترقين آخرين- إلى قرية كورتي، حيث أقام الجميع فيها لمدة 3 أشهر انتظارا للسفر إلى مصر. في كورتي عهد لسليم برعاية ثوري ساقية. لاحظ سليم (كما سجل ذلك في كتابه لاحقا) اضطهاد الحكومة المصرية للنوبيين، والذين كانوا أشبه بالمستعبدين. كان كثير من النوبيين يعيشون مع حيواناتهم في نفس الزرائب في القرى. عهد سيده (واسمه حمد هيثر؟؟ حيدر؟) لولده هارون بتعليم سليم مبادئ الدين الإسلامي. بدأ هارون تعليمه لعبده الصغير بمد إصبعه السبابة، وأمر سليم بترديد أن "الله واحد". أصر سليم (كما يقول في مذكراته لاحقا) على أن الله اثنين، مما أضطر سيده لإرجاعه لشيخ الخلوة لتلقي تعليم مكثف. اكتفي شيخ الخلوة بجعل سليم يرعى أبقاره وغنمه ولم يعلمه شيئا! يقول الكاتب إن هذه الواقعة تؤكد أن سليم لم يكن قط مسلما في يوم من الأيام، وهو بهذه الصفة كان يمكن أن يخصى للعمل والعيش وسط حريم سيده. سافرت مركب الرقيق من كورتي حاملة سليم ورفاقه إلى مصر، حيث سجل سليم في كتابه لاحقا مشاهداته في داكي وأسوان وكلاباش والأقصر ومعبد الكرنك إلى أن وصلت المركب القاهرة. قبل الوصول للقاهرة، استراح الجميع لأيام حتى يبدو العبيد في أحسن حال استعداداً لبيعهم بأسعار عالية. كان سليم يؤخذ يوميا لسوق العبيد في القاهرة، حيث يفضل النخاسون شراء العبيد البالغين الأقوياء، وبما أن سليم كان صغيرا وضعيف البنية، فقد بقي معروضا للبيع في السوق لمدة شهرين دون أن يجد له مشتريا. بعد شهرين اشتراه (للمرة التاسعة) السيد/ بوزين، حيث ظل في بيته لمده أسبوعين، قبل أن ينتقل إلى بيت نسيبه الاسكتلندي (والقنصل البريطاني في الإسكندرية) روبرت ثيربيرن. كان سليم عند وصوله للإسكندرية قد قطع مسافة 2000 ميل في أقل من عام منذ يوم اختطافه واسترقاقه. أكسبته تلك التجارب المريرة التي مر بها قوة وشكيمة وعزما بدنيا ونفسيا أفادته فائدة عظيمة في ما أقبل من سنوات.
في الفصل الرابع يتناول الكاتب أمر الرق في شمال أفريقيا والشرق الأوسط. ولا يخلو هذا الفصل من كثير من التخليط، فيبدو إن الكاتب لا يفرق بين ما ورد القرآن والسنة. فهو يكتب مثلا إن القرآن لا يؤيد الخصي، وأن القرآن يذكر أن الأرقاء يجب أن يعاملوا كبشر، وليس كممتلكات، ويمنع فصل المرأة المسترقة من وليدها. وفي الجوانب التاريخية الخاصة بالرق في السودان يذكر الكاتب أن مئات الصبية قد تم خصيهم (على يد قساوسة مسيحيين) لتهيئتهم للعمل في أوساط الحريم، وأن مؤرخا ذكر أن أخا لملك دارفور (لم يذكر اسمه) كان يخصي سنويا 150 ولدا صغيرا لهذا الغرض (معلوم أنه للحصول على 150 من المخصيين، يتوقع أن تكون العملية قد أجريت على أضعاف أضعاف ذلك العدد، نسبة لخطورة تلك العمليات على الحياة في ذلك الزمان. المترجم). كانت عملية الإخصاء ترفع من ثمن العبد الصبي إلى 5 جنيهات كاملة (مقارنة بأقل من عشر ذلك المبلغ (خمسين قرش!) للصبي غير المخصي. المترجم).
ذكر الكاتب أيضا أنه في تلك السنوات من القرن التاسع عشر كان يمر على الأبيض نحو 10000 -12000 من العبيد سنويا. وكانت مدينة الفاشر مركزا كبيرا أيضا لتجميع العبيد، ولحقت بها الخرطوم فيما بعد. يقدر – بحسب رواية الكاتب- أن سوق الرقيق بالقاهرة كانت تستقبل سنويا نحو 5000 – 6000 عبدا من السودان، مع ملاحظة أن 50% فقط أو أقل من أعداد العبيد المجلوبين للقاهرة يصلون إليها، إذ يموت واحد من كل أربعة في الرحلة المضنية من "المنبع" حتى "المصب"، حيث يجبر العبد على المشي على رجليه 8 – 10 ساعات يوميا عبر الصحراء، وفي حالة قلة الماء قد يعطي للعبد دماء جمال نافقة أو مريضة!
كان سوق القاهرة للرقيق عامرا بالعبيد، ليس فقط من أفريقيا، بل أيضا بالجواري الحسان من تركيا والبلقان والشرق الأقصى والحبشيات (وهن المفضلات عند الشارين)، وكان في غاية التنظيم، يتقاضى القائمون عليه ضرائب ومكوس يفرضونها على "المبيعات". كان يسمح للشاري بتفحص "البضاعة" من الشعر حتى أخمص القدم، دون أدنى شعور بالخجل، وكثيرا ما كان العبد (أو الجارية) يسأل عن ديانته. يجدر بالذكر أن الأوربيين كانوا يشترون أيضا ما يلزمهم من الجواري من ذلك السوق المصري، وذكر أن رتشارد بيرتون اشترى جارية من ذلك السوق عن طريق رجل أوروبي يرتدي زي الأتراك. لم تقم الحكومة البريطانية بمنع تجارة الرقيق إلا في عام 1833م. كان هنالك سوق آخر للرقيق في مدينة الإسكندرية تراوحت فيه الأسعار بين جنيه واحد وخمسين جنيها، وتقتصر الأسعار العالية على المخصيين، وعلى الذين يعرفون العربية، وكثيرا ما كان العبيد يحتجون إن كان من اشتراهم مسيحي الديانة، فلقد كان العبيد يتداولون بينهم قصصاً مخيفة ورهيبة عن ما يلقونه من السيد إن كان "كافرا"!
ذكر الكاتب أن نحو 10000 من النوبة قد استرقوا بين عامي 1820 – 1835م، وأن المنطقة عموما فقدت نحو 150000 فردا في تلك الفترة.
في الفصل الخامس حكى الكاتب عن حياة سليم في الإسكندرية في حوالي 1835م أو 1836م. ما أن دخل العبد الصغير قصر ثيربيرن المنيف، حتى تلقته الخادمة الإنجليزية، وقامت بغسله بالصابون في حوض حمام ساخن، وأعطته ملابس نظيفة ووجبة ساخنة، ثم أخذ لغرفته الخاصة في دار الخدم الملحقة بالقصر. لم تكن أيام سليم في ذلك القصر إلا كطيف حلم جميل أعقب تلك الأيام السوداء التي عاشها متنقلا بين أسياد قساة القلوب. عاش سليم في أجواء مختلفة تماما في القصر البديع بحدائقه ذات البهجة، بمكتبته الضخمة، وأثاثه الخشبي الفخيم، والجنسيات المختلفة العاملة فيه من إيطاليين وإنجليز وأتراك.
كان سيد سليم الجديد، روبرت ثيربيرن تاجرا بالغ الثراء، ورث عن والده وجده كثيرا من المال، وكان متعهدا لنقل الركاب عبر الصحراء من القاهرة للسويس، ومالكا لعدد من السفن العاملة في نقل الركاب. بقي سليم في خدمة سيده الجديد لأربعة أشهر، ثم ذهب في رحلة مدتها شهر عبر النيل إلى حد الشلال الأول لمشاهدة الآثار المصرية القديمة. وفي مارس من عام 1836م سافر ثيربيرن ترافقه ثلة من الخدم من بينهم سليم في رحلة لمدة سبعة أشهر بالسفينة إلى مالطا ونابولي ثم إلى أسكتلندا، والتي أدهشت سليم أيما إدهاش، فقد كان في التاسعة أو العاشرة من العمر. ترك روبرت ثيربيرن خادمه الصغير في أبردين تحت رعاية أخت زوجه أليزابث، والذي شملته برعاية فائقة شملت تعليمه وتثقيفه في شئون الحياة الحضرية التي كان يجهلها تماما. عبر سليم عن عظيم امتنانه لتلك السيدة في كتابه المعنون:
، والصادر في عام 1846م.Incidents connected with the life of Selim Aga
آب روبرت ثيربيرن إلى الإسكندرية، وهنالك بدأ في مساعدة ريتشارد بيرتون للتحضير لرحلته الشهيرة لمكة والمدينة (والممنوعة لغير المسلمين) متخفيا في زي رجل تركي.
في الفصل الثامن يحكي المؤلف عن حياة سليم الرغدة الهانئة في "قصر ميرتل" في بيتر كتلر التي لا تبعد أكثر من عشرة أميال من أبردين الواقعة على نهر دي. تعلم اللغة الإنجليزية بصورة ممتازة، وتمكن منها، بل وقرض بها الشعر الذي كان في الغالب يدور حول تمجيد الإمبراطورية البريطانية، وفي وصف ما يعجبه فيها، مثل وصفه مثلا لجمال غرفة الطعام في قصر ميرتل. لابد أن سليم كان قد بهر بحياة الأثرياء في اسكتلندا، ولكن لم يفت عليه مقارنتها بحياة الفقراء والمعدمين فيها، بل ومقارنتها بما رآه من بؤس ومسغبة في بلده الأصلي: السودان.
ظل سليم في اسكتلندا لسنوات عديدة، وفيها فكر في مستقبل قارته التي هجرها، فكتب إلى (وقابل لاحقا) وزير الخارجية البريطاني في عام 1849م (لاحظ أن سليم يخاطب ويقابل وزير الخارجية البريطانية وعمره 23 سنة حول مقترح استراتيجي! المترجم) مقترحا القيام ببناء خط سكة حديد من شرق القارة إلى غربها (من زيلا على البحر الأحمر إلى كالابار القديمة على المحيط الأطلسي الجنوبي) (لا علم لي بالأسماء الحديثة لهذين الميناءين. المترجم). سجل سليم في خطابه للوزير البريطاني وبلغة مؤثرة تجربته القديمة كعبد مسترق، وعن تحريره على يد ثيربيرن، وأغدق فيها الثناء والعرفان للشعب البريطاني لعطفهم علي "شعبه"، وحمايتهم لهم كبشر وكأخوة. يقول الكاتب إنه ليس من المعلوم إن كان سليم يعني بالفعل ما قال، أم أنه كان يتملق ويتذلل فقط للوزير لينال مبتغاه! يشير الكاتب إلى أن فكرة ذلك الخط الحديدي قد يكون مبعثها سيده القديم، والتاجر الثري ثيربيرن، والذي لعله كان يأمل في أن تصغي الحكومة البريطانية لاقتراح يأتي من أفريقي محرر من الرق بأكثر مما تصغي لاقتراحه هو، الذي كان سيدر عليه بالقطع أموالا طائلة.
كما ورد في الفصلين التاسع والعاشر، أبحر سليم في عام 1857م مع البريطاني الدكتور الأسكتلندي وليام بيكي في رحلة استكشافية لنهر النيجر، ومنها صاحب الملازم (الأسكتلندي أيضا) جون قلوفر في رحلة إلى لاغوس بنيجيريا لإنقاذ من نجوا من تحطم سفينة هنالك اسمها "ذي اسبرنق".
ظل سليم أغا بعد ذلك في خدمة ريتشارد بيرتون في أفريقيا بين سنوات 1861م – 1864م. كان بيرتون معجبا به ويسميه مداعبا "الأخ الأسود"، ووقف إلى جانبه عندما تشكك الكثيرون في صحة نسبة الكتاب الذي ذكرنا آنفا لسليم، إذ زعم البعض أن الكتاب من تأليف بيرتون. أكد ريتشارد بيرتون أن الكتاب هو بالفعل من تأليف سليم، بل وأشاد بلغته وبقدرته، كما قال، "على فعل كل شيء"، فهو ماهر في عشرات المهن والصناعات، وفي ذات الوقت مجيد للغة الإنجليزية.
في 22/8/1863م بدأ سليم أغا رحلته لاستكشاف نهر الكنغو، وبذا تحقق له شرف القيام برحلات استكشافيه لثلاثة من أكبر أنهار أفريقيا: النيل والكنغو النيجر. وفي ذات العام سار مع بيرتون في رحلة لاستكشاف مملكة داهومي (وملكها جليلي كان من تجار الرقيق، ومن أكلة لحوم البشر في الاحتفالات). زعم بيرتون أن من أهداف رحلته تلك هي "إقناع" ذلك الملك بالتخلي عن تلك التجارة، وبالقطع أن لا يقوم بمثل تلك الاحتفالات أثناء زيارة الأوربيين لمملكته.
حكى المؤلف في الفصل الأخير لكتابه عن نهاية سليم أغا. قضى سليم سنوات عمره التسع الأخيرة في ليبيريا منقبا عن المعادن، وكانت حينها تلك البلاد مسرحا لمعارك وحرب أهلية بين المواطنين وبين المسترقين العائدين لبلدانهم من أمريكا (لم تخل تلك الحرب الأهلية من تدخلات بريطانية مريبة قام بها القنصل البريطاني في سيراليون. المترجم). عمل سليم أيضا في ليبيريا كمساعد طبي، ولكنه وقع ضحية للحرب الأهلية هنالك عندما وقع في أسر المواطنين الغاضبين ومات على أيديهم ميتة تراجيدية. قيل أن الرجل طلب أن يمهل حتى يؤدي صلاته (المسيحية) الأخيرة، قبل أن تمزقه حراب وسيوف ومدي آسريه إربا إربا، بعد أن حزوا رقبته، واحتفظوا برأسه.
في ختام الكتاب ذكر المؤلف أن سليم أغا أقام خلال سنواته في أبردين وما حولها علاقة عاطفية مع امرأة "محلية"، وأثمرت تلك العلاقة عن ميلاد طفل (غير شرعي) لهما في 6/8/ 1847م أسمياه الكسندر أغا. لازالت شجرة عائلة هذا الكسندر موجودة في اسكتلندا والولايات المتحدة إلى يومنا هذا، وقد قابل المؤلف بعضا من المنحدرين من صلب سليم أغا في البلدين.
لا شك أن مادة هذا الكتاب تصلح لتكون فيلما سينمائيا مثيرا، ففيه كل عناصر الميلودراما والإثارة والتشويق، ففيه تختلط الحقائق بالأكاذيب، وبه تبرز علاقات متباينة بين مختلف الشخصيات من عبيد وسادة، وفيه بذرة قصة حب طفولي برئ بين "سليم" و"مدينة" في السودان، وحب من نوع آخر بين "سليم" و"المرأة الاسكتلندية" التي أقام معها علاقة أثمرت طفلا "غير شرعي".
إن رسالة الكتاب (والفيلم إن عمل) الرئيسة هي قبح استعباد الإنسان لأخيه الإنسان، لا فرق في ذلك بين استعباد يقوم به العرب أو العجم، فاستعباد الناس – وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا- جرم عظيم!
نقلا عن "الأحداث"
badreldin ali [alibadreldin@hotmail.com]