نساء … من حيث انتهى ابن رُشد

 


 

 

كيف لا

عمّ الوطن العربي عهد جديد للنساء وذلك بمشاركتهن في ثورات الربيع العربي . وهي ليست مشاركة نص عليها دستور ما ، كما أنها ليست حركات عفوية خرجت للشارع دون تدبير ، وإنما أقتلعت من فك نُظم مستبدة أجمل ما فيها أنها هبةٌ واحدة للشعوب دون التفريق بين ذكر وأنثى ، بين طفل وكهل.
محاولة كهذه لتغيير العالم نحو الأفضل لا تكون وليدة أيام ولا شهور ولا كذلك سنين بل قرون عديدة .من الصعب وضع تاريخ محدد لها ولكن يمكن الرجوع نظرياً إلى القرن الثاني عشر حينما جادل ابن رشد والذي يُعدُّ أحد أهم فلاسفة العالم الإسلامي  ، في موضوع لا يزال يشغل الفكر النسوي وهو شأن مساواة المرأة للرجل.
رفض ابن رشد في فلسفته ،"التأنيث" بمعناه الجنساني والذي يختزل دور المرأة في وظيفة معينة لا تتعداها بقوله :" إن النساء من جهة أنهن والرجال نوع واحد في الغاية الإنسانية، فإنهن بالضرورة يشتركن وإياهم في الأفعال الإنسانية وإن اختلفن عنهم بعض الإختلاف . أعني أن الرجال أكثر كدّاً في الأعمال الإنسانية من النساء. وإن لم يكن من غير الممتنع أن تكون النساء أكثر حذقاً في بعض الأعمال كما يظن ذلك في فن الموسيقى العملية، ولذلك يقال أن الألحان تبلغ كمالها إذا أنشأها الرجال وعملتها النساء. فإذا كان ذلك كذلك ، وكان طبع النساء والرجال طبعاً واحداً في النوع ، وكان الطبع الواحد بالنوع إنما يُقصد به في المدينة العمل الواحد، فمن البيّن إذن أن النساء يقمن في هذه المدينة بالأعمال نفسها التي يقوم بها الرجال ، إلا أنه بما أنهم أضعف منهم  فقد ينبغي أن يكلفن من الأعمال بأقلها مشقة. وأما اشتراكهن في صناعة الحرب وغيرها فذلك بين من حال ساكني البراري وأهل الثغور. ومثل هذا ما جُبلت عليه بعض من النساء من الذكاء وحسن الإستعداد ، فلا يمتنع أن يكون لذلك بينهن حكيمات أو صاحبات رياسة".
انتهى حديث ابن رشد وجاءت بعده سيمون دي بوفوار الكاتبة الوجودية الفرنسية ، والتي اختصرت قوله في عام 1949 ليكون:"لا نولد إناثاً وإنما نصبح إناثاً".إذن اتفاق ابن رشد وسيمون دي بوفوار ومن قبلهما ما صححه ابن رشد لفهم بعض الفلاسفة والعلماء كالفارابي وابن سيناء لفلسفة أفلاطون وأرسطو ما هي إلا لاتفاق ما مع الفهم الصحيح لمباديء الأفكار النسوية والتي لم تكن تُعرف في ذاك الزمان بهذا الإسم.
ما علمتنا إياه نساء الثورات العربية من تونس ومصر وليبيا واليمن هو أن الهدف في تحقيق الاستقرار الإجتماعي والإقتصادي وتحقيق تنمية متوازنة وشاملة هي حقوق أساسية للمواطن أياً كان جنسه . وإذا دخلت النساء مشاركات في تغيير النُظم المستبدة إلى نُظم ديمقراطية فهنّ يشاركن في صنع القرار السياسي بشكل واقعي . فلطالما صُدّعت الرؤوس بمشاركة المرأة السياسية ، وبعد جدل طويل ومعارك ضارية يتم اختزال هذه المشاركة في نص الدستور فقط ، في حقها السياسي في التصويت والانتخاب وتخصيص مقاعد لها وكل هذه تستلزم منها خوض غمار معركة أخرى حتى تستطيع تنزيل هذه المشاركة إلى أرض الواقع.
قد تكون المرأة السودانية سبقت رصيفتها العربية في المشاركة من هذا النوع بمشاركتها في استقلال بلدها ، ومشاركتها في ثورتي أكتوبر 1964م وانتفاضة أبريل 1985م . والناظر إلى تاريخ مشاركة المرأة السودانية في الحياة السياسية قد يرى الصورة مقلوبة بعض الشيء . فبعد أن نالت المرأة السودانية حقوقها كاملة وانتظمت منذ أجيال في اكتساب المعرفة والمهارات التي هيأتها للعب دورها الإنساني كمواطنة لها حقوق وعليها واجبات ، تكتشف الآن أنها قد سُلبت منها هذه الحقوق لتبدأ من الصفر وليكون الفارق الزمني بين ما حققته منذ الحقبة الوطنية الأولى وبين ما تحاول أن تحصل عليه الآن ، شاسعاً .
عن صحيفة "الأحداث"

moaney [moaney15@yahoo.com]
//////////////

 

آراء