دور وقدرة منظمات المجتمع المدني في معالجة الوضع الإنساني بولاية جنوب كردفان

 


 

 

تقرير: أحمد عبدالعزيز

هجليج تلك المدينة ذات بعد الجيوسياسي والاستراتيجي الهام باعتبارها واحدة من أكبر مناطق إنتاج وضخ النفط لدولة السودان ، إضافة لكونها محطة دفاعية لجيش السودان وفي ذات الوقت تعتبر مركز هام ونقطة إنطلاق للهجوم على دولة الجنوب إضافة لقربها من منطقة أبيي المتنازع عليها. وبرغم أنها كانت بعيدة عن تطورات الأحداث بعض الشئ إلا أن تصاعد بعض الأزمات وتطور بعض الخلافات دفع بها إلى السطح وجعل منها بوابة لأزمة حادة بين دولتي السودان وجنوب السودان، فكان أن ظهرت أيضاً عدد من الأزمات الإنسانية ، وفي هذا الصياغ نظمت شعبة منظمات المجتمع المدني بالدائرة السياسية بمؤسسة ركائز المعرفة للدراسات والبحوث منتدىً تحت عنوان: دور وقدرة منظمات المجتمع المدني في معالجة الوضع الإنساني بولاية جنوب كردفان.

الوضع الإنساني في مراحل:
في ورقته قسم د.أحمد إبراهيم الباحث المختص في المنظمات تفاصيل الوضع الإنساني بولاية جنوب كردفان إلى ثلاث مراحل محدداً المرحلة الأولى من (6/6) إلى (25/3)  والتي تم فيها مسح إنساني من قبل المفوضية وبعض المنظمات الدولية ، حيث أوضح أن المسح شمل (11) محلية و  (53) قرية  وكانت النتائج كالاتي ؛ (151 ألف)  متأثر  رجع منهم (102 ألف) بينما (49 ألف)  ظلوا نازحين ، وتم توزيع (7818) طن متري من الاغذية مقترح الالية الثلاثية (الامم المتحدة ,جامعة الدول العربية,الاتحاد الافريقى)
بينما حدد المرحلة الثانية من (26 مارس – 10 أبريل) بداية بالهجوم على هجليج ,تلودى ,وام دوال ، وذكر أنه بحسب احصاءات الهلال الاحمر السودانى هنالك (12 ألف) نازح فى منطقة الليرى وابوجبيهة والخرصانة وقد بدأت المنظمات الوطنية فى العمل لكنها .لم تحدد الحوجة الغذائية للمتاثرين، أما المرحلة الثالثة فاعتبرها من (10 – 20 أبريل) وهي مرحلة احتلال هجليج والتي تميزت باضافة (22 ألف) نازح جديد للمتاثرين ليصبح العدد الكلى للمتاثرين فى ولاية جنوب كردفان حسب تقارير مفوضية العون الانسانى (83,037) معدداً تفاصيلها في مناطق تالودي ، دلامي–هبيلا ، الليري، العباسية، أبوجبيهه، كادوقلي، الدلنج والرشاد.
وذكر أن الوضع الغذائي حرج بسبب فشل الموسم الزراعي السابق وامكانية فشل الموسم الحالي .
كما أوضح الحوجة لعدد من المواد غير الغذائية واحتياجات تعزيز خدمات المياه واصحاح البيئة ، وقدم مقارنة للوضع الإنساني في جنوب السودان في اللاجئين ، النازحين ، الصراعات الداخلية ، الهجرة من الشمال والفجوة الغذائية .

العمل الإنساني يحتاج للكثير من الحذر والحياد
و بعنوان : جدلية تداخل العمل الانساني والسياسي.. جنوب كردفان نموذجاً قدم الباحث محمد خليفة صديق رئيس تحرير صحيفة المحرر ، حيث طاف حول تاريخ الصراع والإنفصال شيراً إلى ودعم أمريكا والغرب للدولة الجديدة والسعي لتفتيت السودان الشمالي ، ثم عرّج للتعريف بجغرافية كردفان موضحاً أنها من أكبر ولايات السودان مساحة، وتنحصر بين دائرتي عرض (30ْ ,16ْ م– 9 ,30ْ) شمالا وخطي طول(36 , 40ْم 32,35 ْم) شرقا تقريبا، وتبلغ مساحتها حوالي (379,312) كلم2 ،
وتحدث عن مبادرات الإصلاح مستعرضاً مبادرة جامعة الخرطوم التي حذرت من التدخل الخارجي والصراعات القبلية ، والتي ناشدت اللجنة الحكومة الاتحادية والحكومات الولائية، و منظّمات المجتمع المدني أن تهب لإغاثة متضرري الحرب من النازحين و العمل جنبا إلى جنب مع سُلطات الولاية و مجتمعها المدني لتهيئة الظروف اللازمة داخل المُدن و المحليّات المتأثّرة بالحرب من أجل عودة النازحين إلى مساكنهم، و عودة الحياة إلى ما كانت عليه قبيل اندلاع الأحداث الأخيرة المؤسفة.
وأورد نص البروتوكول بين حكومة السودان والحركة الشعبية لتحرير السودان حول: حسم الصراع في ولاية جنوب كردفان (جبال النوبة) والنيل الأزرق في جانب العمل الإنساني في أحد بنودها التي نصت على الآتي : "تصبح تنمية الموارد البشرية وتطوير البنى التحتية اولى اهداف الولاية. ويجب تنظيمها وترتيبها لمقابلة الاحتياجات الانسانية وفقاً لافضل الممارسات المعلومة للتنمية المستدامة داخل إطار ذي شفافية ومسؤولية".
وأشار إلى جدلية العلاقة بين السياسة والعمل الإنساني في مناطق النزاعات مؤكداً أن هنالك تزايدا مطردا لحالات المعاناة الإنسانية في مناطق الحروب والنزاعات، وأكد أن هناك مفهومين يحتاجان إلى توضيح وهما مفهوم الحيادية ومفهوم الاستقلالية برغم أن جميع منظمات العمل الإنساني تتفق على أن نشاطها قائم على مبدأ الإنسانية ويحركه الدافع الإنساني، كما تتفق على مبدأ عدم التمييز بين المحتاجين للتدخل الإنساني؛ حيث لا ينظر إلى جنسهم ولا لونهم ولا دينهم.
وأضاف أن منظمات العمل الإنساني تكون غالباً في خضم إشكالية معقدة وهي التزام الحياد في الصراعات إلا أن عليها أخلاقيا ألا تسكت على المآسي وأن تفضح الخروقات التي تمس حقوق الإنسان، موضحاً أن صمتها أحياناً يمثل ضرورة" لكي لا تمنع من أداء دورها الإنساني من طرف الجهات السياسية المتنفذة في الصراع عملا بالمقولة: "التزموا الصمت.. وعالجوا". فالعمل الإنساني في هذه البيئة المعقدة يتطلب -لكي يقبل به- الكثير من الحذر والحياد

حقيقة الأوضاع الإنسانية بجنوب كردفان
وحول العمل الإنساني والطوعي في معالجة الوضع الإنساني جاءت ورقة الباحث ياسر عثمان المختص في منظمات المجتمع المدني معدداً عدد من التحديات التي تواجه العمل الإنساني بصورة عامة كالكادر البشري والتدريب  والبنيات الأساسية والمتطوعين وضعف الخطاب الخيري ، وقد ذكر في ورقته أسماء الوكالات والمنظمات الأجنبية العاملة بولاية جنوب كردفان، إضافة للمنظمات الوطنية العاملة بالولاية، كما ذكر أيضاً الوكالات والمنظمات الأجنبية العاملة بمناطق سيطرة الحركة الشعبية والمنظمات الوطنية العاملة بمناطق سيطرة الحركة الشعبية ، وتحدث عن الدور  السالب للمنظمات الأجنبيّة معتبراً أنها تجعل من العون الإنساني (حصان طروادة) فتنفذ عبره لتحقق أجندة وأهداف لا علاقة لها بالعمل الإنساني كتضخيم المشكلات والتوظيف الإعلامي لإيجاد دعم لها
وذكر أنه تم عمل مسح ميداني للقيام بالتدخل الإنساني بمنطقة جنوب كردفان من قبل الحكومة السودانية وأورد أرقام المسح الذي أُجري في الفترة من (27 يناير الى 10 فبراير) وأعلنت نتائجه النهائية في الثالث والعشرين من ذات  الشهر  ، وجاء فيه أن جملة المتأثرين بلغ عددهم (151) ألف مواطن، عاد منهم (101) ألف الى قراهم الأصلية، فيما تبقى (49,972) آخرين عالقين على تخوم خط النار بنسبة (11%) من عدد السكان البالغ (2,508,268) حسب تعداد 2008م. كما أظهرت نتائج المسح أن جملة المساعدات الإنسانية المقدمة للولاية بلغت (7،811) ألف طن متري، وبلغ عدد الأسر التي تلقت مساعدات بالولاية (28.500) أسرة، وشمل المسح بجنوب كردفان (4) محاور هي: التغذية والمياه والتعليم والصحة وُطبق على (53) قرية وفق معيار الكثافة السكانية.
وعن حقيقة الأوضاع الإنسانية بولاية جنوب كردفان ذكر ان الأحداث الأخيرة تسببت في عدم زراعة المساحات المخطط لها ولم يتم حصاد الكثير من المناطق الشرقية منها ، كما انتهجت الجهات المشرفة علي العون الإنساني بالولاية (مفوضية العون الإساني+ مفوضية العودة الطوعية وإعادة التوطين) منهجاً جديداً في التعامل مع الواقع الإنساني ، فرفضت قيام معسكرات للنازحين – حتي لا تتكرر تجربة دارفور ، وأن الإحتياطي الوجود من الغذاء الآن  يكفي حتي مطلع شهر يونيو القادم مالم تتطور الأحداث  وتؤدي إلي مزيد من النزوح ، وأشار إلى الجانب الصحي وذكر أن المخزون منه يكفي لأكثر من ستة أشهر وتنشط جمعية الهلال الأحمر السوداني في هذا الجانب . وطالب  منظمات المجتمع المدني الوطنية بعمل استنفار  لتعديل خططها وتوجيه دعمها العاجل للولاية ولاسيما في مجال الإحتياجات الإنسانية الطارئة (إيواء+  غذاء +  خدمات  علاجية ) .

وتحدث المهندس تاج الخزين مدير معهد (صب صحراء بكندا) والمختص في القرن الأفريقي عن التمويل معتبراً إياه مشكلة قديمة مشيراً إلى أن ثلثي المنظمات المصرية ترفض الدعم الأجنبي لأنه يفرض سياسات محددة ،
وأكد دكتور علي أحمد دقاش على أهمية تجميع المنظمات وإعادة تشبيكها لتضافر الجهود وتركيز العمل الإنساني في مناطق النزاع وغيرها، كما أكد على ضرورة عقد جلسات في مراكز دراسات وبحوث للوصول إلى الحلول العلمية الناجعة
خلاصات
وقد خرجت الجلسة بالعديد من التوصيات أهمها ؛ أنه لابد من أجل تسليط الضوء على القضايا الإنسانية الملحة  لا سيما حقوق الفئات المتضررة والسعي إلى حصولها على العون والرعاية والحماية.
تفعيل دور الاعلام باعتباره دوراً أساسياً في التعريف بالقضايا الإنسانية والتنويه والذي سيكون خير معين لمنظمات العمل الإنساني و التنسيق مع الفاعلين في ميدان العمل الإنساني حتى لا تبقى منظمات العمل الإنساني متهمة بأنها تنفذ أجندات سياسية وغربية بالأساس، وحتى لا تنعكس تلك الاتهامات تنعكس سلباً على قدرتها في المساهمة ومساعدة المحتاجين.
تعميق النقاش المستمر حول الإشكاليات الأخلاقية والمهنية التي يطرحها التداخل بين العمل الإنساني والسياسة هو السبيل لتقديم إجابات تناسب الأوضاع الإنسانية والسياسة التي تعيشها المنطقة العربية والعالم بأسره.
الحاجة ماسة  وبصورة عاجلة للكساء  ومواد الإيواء والتأهيل النفسي للنازحين تمهيداً لادماجهم في المجتمع حتي يعودوا لمناطقهم التي نزحوا منها.
قيام  مؤتمر عاجل  لقطاع العمل الطوعي للتنسيق وتوحيد الجهود المشتتة والخروج برؤية موحدة لمعالجة الوضع الإنساني بولاية جنوب كردفان  لتجنب تكرار ما حدث بدارفور وتشجيع العودة الطوعيّة  للنازحين .
ضرورة إعادة إعمار ما تم تدميره في القري والمناطق التي هجرها أهلها  لتكون أكثر تأهيلاً وجاهزية لاستقبالهم  وخاصة البنيات الأساسية في مجالات (التعليم +المياه + الصحة+ إعادة التأهيل).
إحكام السيطرة علي المنظمات الأجنبية العاملة بالولاية وربطها بالمنظمات الوطنية علي أن تتولي الأخيرة  التنفيذ بالميدان.
إنشاء آلية للإنذار والتدخل المبكر لأهمية مقابلة الإحتياجات الإنسانية عند الصدمة الأولى وفي ساعاتها الأولى.



ahmed karuri [ahmedkaruri@gmail.com]

 

آراء