من تاريخ الممارسات والمخالفات الانتخابية في السودان منذ عام 1953م. عرض وتلخيص: بدر الدين حامد الهاشمي

 


 

 




"We changed the laws": Electoral practices and malpractices in Sudan since 1953

جستن ويليس وعطا البطحاني justin Willis and Atta El Battahani

عرض وتلخيص: بدر الدين حامد الهاشمي

**************
تقديم: نشر هذا البحث المشترك بين بروفيسور جستن ويليس ود/ عطا البطحاني في مجلة "الشؤون الأفريقية" في عددها رقم الصادر في عام 2010م، وهي مجلة محكمة تصدرها "الجمعية الملكية الأفريقية". يعمل البروفيسور "جيستن وليس" أستاذا في قسم التاريخ بجامعة دارام البريطانية ]وهي من أشهر المراكز التي تحتفظ بوثائق عن تاريخ السودان، خاصة خلال فترة الحكم الاستعماري البريطاني- المصري (الحكم الثنائي)[. لهذا البروفيسور  -  بحسب ما جاء في صفحته في موقع جامعة دارام-  اهتمام خاص بالتاريخ الأرشيفي والشفاهي لمنطقة شرق أفريقيا (وتشمل كينيا ويوغندا وتنزانيا والسودان) والتغيرات الاجتماعية التي حدثت فيها في المائتي سنة الأخيرة. بحث الرجل أيضا في التاريخ الثقافي للانتخابات في شرق أفريقيا، والتاريخ الاجتماعي للمشروبات الكحولية فيها. يعمل (أو عمل) د/ البطحاني كأستاذ في قسم العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة الخرطوم، وله عدة أبحاث عن مواضيع تتعلق بالسياسة السودانية. للمؤلفين كتاب يدندن حول ذات الموضوع صدر في عام 2009م بعنوان "الانتخابات السودانية: التعلم من التجربة" بالاشتراك مع بروفيسور بيتر وود، الخبير البريطاني بالشأن السوداني. المترجم 

جاء في ملخص هذا البحث أنه يدور حول تاريخ الانتخابات التي أجريت في السودان بالاقتراع السري منذ خمسينات القرن الماضي، ويتطرق إلى الدروس والعبر التي يمكن الاستفادة منها في الانتخابات   العامة القادمة (والمقصود بالطبع هي الانتخابات العامة التي أجريت في أبريل 2010م طبقا لما قررته اتفاقية السلام الشامل الموقعة في نيفاشا بكينيا في 9 يناير 2005م. المترجم)  أشار المؤلفان للاستخدام المتكرر للاقتراع السري كمؤشر لمشروع أوسع لما قامت به الدولة من مشروع للتحديث، إذ أن الاقتراع السري يوفر تقنينا للعلاقة بين دولة فاعلة ومواطنية منضبطة disciplined citizenry.
يركز المقال على الممارسات الفعلية في الانتخابات وليس على "السياسة العليا"، ويخلص إلى أنه بالرغم من التأكيد الرسمي المستمر على ثبات واتساق إجراءات الانتخابات، إلا أن الممارسات الفعلية كانت  دوما تنحرف (قليلا أو كثيرا) عن اللوائح والقواعد الموضوعة. كان التلاعب السياسي هو واحد من  أسباب هذه الانحرافات والمخالفات في بعض الحالات، بينما كان عوز المصادر وقلة الإمكانات هو السبب في حالات أخرى. كان المسئولون يتسترون على تلك الانحرافات والمخالفات لعلمهم بالأهمية التي يعلقها الناس على ضرورة أن تكون (وتبقى) الانتخابات مبينة على مبدأ "الاقتراع السري".  يبدو أن الانتخابات القادمة (المقصود هو الانتخابات التي أقيمت في 2010م. المترجم) لن تخلو من مثل تلك الانحرافات والمخالفات والمشاكل، ويغلب الظن أن هذه الانتخابات لن تحقق الغرض المرتجى في تطوير ثقافة سياسية شاملة... تشمل الجميع ولا تستثني أحدا.
بدأ المؤلفان بحثهما بقصة حكاها للكاتبين إداري (اسمه محمد بشير فضل) عمل مع وزير للتربية والتعليم كان مسئولا عن الاستفتاء في الإقليم الشمالي، ذلك  الاستفتاء على الرئاسة الذي أجراه (الرئيس السابق) جعفر نميري في عام 1983م، وقيل أنه حظي بإقبال "لم تشهد له البلاد مثيلا" وانتهي بفوز ساحق غير مسبوق لنميري. ذكر ذلك الإداري أن الوزير استدعاه وقال له: "يا محمد...توجد بعض مراكز الاقتراع التي كانت نسبة "نعم" فيها أقل من 90%...نحن ننافس الآخرين. لابد لنا من أن نحرز 96% ...كل واحد يريد أن تحرز ولايته 96% أو أكثر". سألته: "وماذا أفعل؟ لقد انتهى التصويت". رد في هدوء أن القوانين يصدرها مجلس الثورة، وأنه قد غير القوانين بالفعل...".  
لم يجد محمد بدا من الانصياع للأمر فجمع مرؤوسيه وقال لهم إن "القوانين تغيرت" وأن عليهم جمع مزيد من الأصوات. تفرقوا وعادوا بعد ساعات وهم يحملون صناديق الاقتراع وهي مليئة بأوراق التصويت. ذهل محمد وسألهم عن كيفية حصولهم على تلك الأصوات بتلك السرعة، وبعض مراكز الاقتراع على بعد مسيرة أيام. ردوا عليهم بأنهم هم أيضا قد غيروا القوانين!
كانت الانتخابات في السودان – كغيره من الأقطار الأفريقية – وحق الاقتراع (السري) للبالغين هما من ابتكارات الحكم الاستعماري في سنواته الأخيرة. لا شك بالطبع في أن ضغوط الساسة الوطنيين كان لها أيضا أثر في نيل ذلك الحق، فقد كانوا يرون في"الاقتراع السري" علامة على نضج الأمة وقدرتها على تحملها المسؤولية، وهجمة قوية على آخر حصون الحكم الاستعماري. لكن تلك الانتخابات كانت أيضا آخر مهام الاستعمار التأديبية / الانضباطية في تسجيل وترتيب وعد الناخبين، وأشدها طموحا.
تعلم التصويت: انتخابات الخمسينات: كان التنافس السياسي الحاد والمعقد بين طرفي الحكم الثنائي (البريطاني والمصري) واحد من أسباب التعجيل بتبني الاقتراع السري في السودان، إذ كان كل طرف منهما يسعى لكسب تأييد المتعلمين السودانيين عن طريق منحهم بعض الامتيازات، ومن ضمنها إعطائهم "امتياز" حق التصويت. وكنتيجة لذلك نال السودان استقلاله عن الدولتين في عام 1956م، بعد "انتخابات الحكم الذاتي" في نهاية عام 1953م. أجريت تلك الانتخابات عن طريق الاقتراع السري (وضد رغبة بعض المسئولين البريطانيين). جعلت تلك الانتخابات السودانيين بإقتراعها السري يشعرون بأنه قد بلغوا فعلا مرحلة النضج السياسي في دولتهم الوطنية المستقلة. جاء في صحيفة الرأي العام في 24 نوفمبر من عام 1953م أن السيد/ الصديق المهدي ذكر في  لقاء له مع رئيس لجنة مفوضية الانتخابات (الهندي سوكومار سن): "عندما تكون أعين كل العالم مصوبة نحو بلادنا، فإنه ينبغي علينا أن نثبت لهم أن بمقدورنا حكم أنفسنا بأنفسنا". كان ذلك الحس الوطني والفهم  لتلك الانتخابات قائما في ذهن كل من عمل في تلك الانتخابات من السودانيين. كانوا يصرحون في فخر كبير كيف أن التصويت جرى في "هدوء وسكينة وتنظيم محكم"، وكان موعد انتهاء التصويت في دائرة ما سببا لتبادل التهاني والتبريكات، ليس بين المتنافسين، بل بين موظفي الانتخابات أنفسهم! لعل ذلك الشعور بنزاهة الانتخابات وصدق نتائجها هي ما أعطي النواب الثقة لإعلان الاستقلال بعد نحو عامين من ذلك التاريخ رغم أن غالبية النواب المنتخبين كانوا قد انتخبوا على أساس أنهم من دعاة الوحدة مع مصر!
كانت العمليات (الميكانيكية) الإجرائية في تلك الانتخابات، وسلامتها، وخلوها من شبهة الفساد، هي عند مسئولي الانتخابات أكثر أهمية من أن تمارس مجموعة معينة من المواطنين حقها في التصويت.  أشتكى بعض المسئولين البريطانيين من أن بعض المواطنيين في جنوب السودان قد لا يستطيعون المشاركة في عملية الاقتراع السري كما ينبغي. ردت مفوضية الانتخابات على هذا التخوف بالقول: "بالنظر إلى الأحوال في جنوب البلاد، فإنه من المشكوك فيه أن تقوم هناك انتخابات ناجحة نجاحا تاما مهما اختلفت طرق التصويت... ولا نرى فائدة تذكر في تكرار مقولات التشكيك التي تحذر من تعذر قيام انتخابات سليمة في بعض أنحاء البلاد". كانت الرسالة واضحة: يجب قيام الانتخابات تحت أي ظرف حتى وإن تم استبعاد بعض السودانيين منها. لهذا السبب تغاضت مفوضية الانتخابات عن عديد الشكاوى والتظلمات التي أتتها من كل الأحزاب والطوائف بخصوص الانحرافات والممارسات الخاطئة في تلك الانتخابات (مثل الرشاوى وتهديد ضباط الانتخابات)، ولعل مرد ذلك هو خوف مسئولي الانتخابات من أن اتخاذ أي اجراء عقابي على حزب ما قد يدفع به للإنسحاب من الانتخابات برمتها، وبذا يفسد مرام المفوضية من أن تتم العملية الانتخابية  تماما كما خطط لها، دون مشاكل ولا محاكم ولا الغاء.
أدى إقصاء مجموعة كبيرة نسبيا من المواطنين الجنوبيين من المشاركة في تلك الانتخابات إلى تنامي أسباب الشقاق بين شطري البلاد. كذلك حذت تلك الانتخابات حذو بريطانيا في تخصيص نسبة من عدد النواب لخريجي الجامعة (بدأ ذلك التقليد في إنجلترا عام 1603م وتم التخلي عنه في عام1950م. المترجم) فتم في أول انتخابات سودانية عام 1953م تخصيص 5 دوائر للخريجين (الذيم أكملوا تعليمهم الثانوي، ولم يكن عدد المسجلين منهم لانتخابات ذلك العام يفوق  2400 خريجا) بينما بلغ عدد الدوائر الجغرافية 92 دائرة انتخابية (وكان يصوت في كل دائرة منها نحو 100000 فردا بالغا). كان تخصيص دوائر للخريجين يؤكد عندهم شعورهم الحاد بأنهم فئة قليلة من "صفوة مختارة" لها واجبات وحقوق مخصوصة. كتب سكرتير مؤتمر الخريجين لرئيس مفوضية الانتخابات في 6/5/1953م ما يفيد بأن الخريجين "يصوتون في الانتخابات وفقا لفكرهم ومعتقدهم، وليس وفقا لما تمليه عليهم طائفة من الطوائف... إن تصويت الخريجين في هذه الانتخابات يعطيها "دعما فكريا"...". كان التخوف عندهم أن يقوم "العامة" بالتصويت وهم تحت تأثير قادتهم القبيليين أو الطائفيين، وسيكون متوقعا إلى أن سيؤدي هؤلاء بالبلاد. ربما كان تخوف الخريجيين هذا هو ما جعلهم يحرصون على التصويت أكثر من غيرهم، إذ صوت منهم نحو 80% من المسجلين، بينما كانت نسبة من صوتوا من "العامة" أقل من ذلك بكثير.
كان الاحساس بأن الانتخابات هي "واجب وطني" أكبر في انتخابات عام 1958م منه في انتخابات عام 1853م. كتب حسن علي عبد الله رئيس مفوضية تلك الانتخابات (وكان من كبار موظفي الخدمة المدنية، ومن الذين شاركوا في إدارة الانتخابات السابقة) إلى موظفيه ما يلي: " أتقدم لكم نيابة عن كل المفوضية ولكل الموظفين التوفيق والنجاح في المهمة العظيمة الملقاة على عاتقنا....لا شك عندي في إننا سننظر بعد سنوات من الآن بكل فخر لما سننجزه في هذه الانتخابات، وللخدمات التي سنسديها لبلادنا".
غمرت مفوضية تلك الانتخابات موظفيها بسيل من التلغرافات والرسائل التي تدعوهم لبذل مزيد من الجهد لتسجيل أكبر عدد من الناخبين، وكررت عليهم مرارا خطوات العمل الانتخابي من الألف للياء. كانت بعض توجيهات تلك المفوضية مثالية ومستحيلة التنفيذ عمليا (بسبب شح الامكانات وقلة عدد الموظفين وأسباب أخرى)، بل قد تكون قد أتت بنتائج عكسية، وشجعت بعض الموظفين على تجاوز القواعد التي كان من الواجب إتباعها!
انتخابات الستينات: بعد سنوات من انتخابات عام 1958م استولى العسكر على السلطة (في يوم 17/11/1958م) بطلب من رئيس ىالوزراء الذي خشي من أن يفقد أغلبيته في البرلمان (في هذا القول أخذ ورد لم (ولن) يحسم كما هو معتاد في السودان! المترجم). وضح فشل "العمليات الانتخابية electoral processes" في الحصول على تأييد واسع حين مر الانقلاب كما كتب أحد الغربيين "دون صدور حتى همهمة احتجاج من الشعب" (هل هذا صحيح؟ المترجم). شهدت السنوات الست التالية تزايدا في الحرب في جنوب البلاد حتى غدت حربا أهلية، وتزايدا في التضييق الديكتاتوري على الحريات العامة. اندلعت ثورة قادتها الطبقات المتعلمة من الطلاب والمثقفين في حضر شمال السودان (وليس ثورة شعبية في كافة أرجاء البلاد) في 21/ 10/1964م  قامت بإسقاط الحكومة العسكرية، وتم بعدها الإعلان عن انتخابات عامة لاختيار جمعية تأسيسية تقوم بعمل دستور دائم للبلاد. كان ارتباط الفئة التي قادت ثورة أكتوبر الوثيق بالإداريين والساسة يؤكد وضع السودان كدولة عصرية، ويظهر قدرتها على الحياة والنمو.
طالبت بعض الجهات بتأجيل الانتخابات حتى تحل مشكلة الجنوب، بيد أن الغالبية العظمى من أحزاب الشمال أصرت على قيام انتخابات مبكرة، ونشب من بعد ذلك صراع مرير بين الأحزاب السياسية حول أمور أساسية في العملية الانتخابية مثل حق التصويت للنساء، وعدد دوائر الخريجين. حسم الأمر في النهاية بتنازلات متبادلة بين المتخاصمين حول من له حق الاقتراع وزيادة عدد مقاعد الخريجين. لم تخل تلك الانتخابات من حالات غش ومخالفات أخرى كثيرة أشار إليها أبو شوك ( لعل المقصود هو ما كتبه د/ أحمد إبراهيم أبو شوك عن الانتخابات البرلمانية في السودان (1953 – 1986م)، وللمؤلف أيضا كتاب صدر في عام 2010م عن "الانتخابات القومية في السودان". المترجم). لم تجر انتخابات في غالب أنحاء الجنوب وذلك لأسباب عدة منها انعدام الأمن، وصعوبة المواصلات وقلة عدد الموظفين، والشكوك الكثيرة عند الناخبين الجنوبيين من العملية برمتها. صاحبت الانتخابات كذلك في الشمال (خاصة في مناطق الرحل وشبه الرحل) مشاكل تتعلق بقوائم الناخبين، والتي كانت تعتمد على ما يقدمه رجال الإدارة الأهلية ومندوبي الأحزاب من قوائم. من الطريف ذكره أنه كان على موظفي الانتخابات وضع كل أسماء الذين يحق لهم التصويت في قائمة واحدة بحسب الترتيب الهجائي، وهنا علق أحد الكتاب الغربيين الخبراء في شئون السودان (وهو أ.د/ بيتر بيشتولد مدير دراسات الشرق الأوسط في جامعة بورتلاند بالولايات المتحدة، والمجيد لأربعة لغات من بينها العربية. المترجم) بأن غالب المتعلمين السودانيين ليسوا متأكدين من ترتيب الحروف الهجائية العربية!
أقيمت انتخابات فرعية (By-elections) في جنوب البلاد في عام 1967م، رغم أن الأحوال الأمنية لم تتحسن، بل زادت سوءا، ولكن جاء تقرير رئيس مفوضية تلك الانتخابات ليؤكد ببساطة وببرود  شديد أن الانتخابات جرت في الجنوب "في هدوء".
فاز حزب الأمة بانتخابات عام 1965م، ولكن دون أغلبية تتيح له إمكانية تكوين حكومة بمفرده. من العجيب أن نتذكر (بحسب ما زعمه تقرير للسفارة البريطانية في الخرطوم) أن ذلك الحزب (بسهولة وبثمن بخس) فاز ب 15 دائرة من مجمل 36 دائرة من الدوائر في الجنوب في الانتخابات الفرعية عام 1967م، حيث كان من سجل وصوت في تلك الانتخابات هم الموظفين ورجال الجيش والشرطة!
انتخابات الحزب الواحد: قام في 25/5/1969م انقلاب عسكري بقيادة جعفر محمد نميري أطاح بالحكومة المنتخبة دون أن يثير ذلك أي احتجاج شعبي. كان نميري ومن سانده من المثقفين الراديكاليين يرفضون "الديمقراطية الليبرالية والرجعية والعمالة"، كما جاء في وثائق الاتحاد الاشتراكي السوداني/ "ميثاق العمل الوطني"  في 2/1/ 1972م. أقام  نميري خلال فتره حكمه (1969 – 1985م) ثلاثة استفتاءات (تتطلب اختيار كلمة نعم أو لا)، أولها لاختيار أول رئيس للجمهورية. من ما كان ملاحظا على تلك الاستفتاءات أن صناديق "نعم" و"لا" كانت توضع بحيث يرى المشرفون على الانتخابات لأي صندوق يذهب الناخب. شهدت فترة حكم نميري أيضا عددا من انتخابات "مجلس الشعب" (أتى الكاتبان هنا بمرجع هو كتاب د/ منصور خالد الصادر عام 1990م The government they deserve). اعتمدت تلك الانتخابات على توزيع الشعب لقطاعات "قوى الشعب العامل" والقطاعات المهنية كالأطباء البيطريين والمهندسين والمحاسبين وغيرهم. فمثلا في عام 1980م تم انتخاب ممثل للاقتصاديين بأصوات 732 فردا منهم 586 في الخرطوم وحدها!
تمت الإطاحة بنميري في (أبريل) من عام 1985م بثورة شعبية، وعاد السياسيون والإداريون للانتخاب عن طريق الاقتراع السري. قبيل انتخابات 1986م اختلفت الأحزاب السياسية كثيرا حول النظام الذي يجب إتباعه في هذه الانتخابات، واستقر الرأي أخيرا على أن يتكون البرلمان من 263 نائبا من الدوائر الجغرافية و28 من دوائر الخريجين (هذه المرة يقصد بالخريجين الذين أكملوا عامين أو أكثر في المعاهد والجامعات)، وهم بحسب مقولة محمد أحمد سالم (أحد مسئولي مفوضية الانتخابات) لصحيفة "الصحافة" يوم 10/4/1986م: "يمتلكون فهما سياسيا أوسع (من غيرهم)". كانت مفوضية انتخابات 1986م تتكون من 3 أفراد أحدهم كان عضوا في مفوضية انتخابات 1968م، وكعادتها انشغلت المفوضية الأخيرة بإصدار قرارات وتوجيهات لموظفيها (انظر ما قيل عن تلك التوجيهات فيما سبق أعلاه. المترجم).
قاطعت الحركة الشعبية انتخابات عام 1986م بدعوى أن مطلبها للتفاوض حول مشكلة الجنوب وتقرير مصيره يجب أن يسبق قيام أي انتخابات. لم يجر أي تصويت في 37 دائرة من ال 68 دائرة المخصصة للجنوب، وظلت نسبة المصوتين في بقية الدوائر الجنوبية ضعيفة جدا، تماما كما كانت في الانتخابات السابقة (في انتخابات 1986م كانت النسبة المئوية للمصوتين هي 39% في الشمالية و 35% في الخرطوم، بينما كانت النسبة هي 6% في الاستوائية و2% في أعالي النيل).
بقيت ذات المخالفات والانحرافات التي شابت الانتخابات النيابية السابقة في انتخابات عام 1986م، وكثر منتقدوها. كان من أبرز هؤلاء هو الشريف الهندي (والذي صار وزيرا للخارجية في الحكومة التي تولدت عن ذات الانتخابات! المترجم).
وكما حدث من قبل، أطيح بالحكومة المنتخبة في يونيو 1989م بانقلاب عسكري، وكالعادة أيضا لم يجابه ذلك الانقلاب حراكا شعبيا مضادا فور وقوعه دفاعا عن الحكومة المنتخبة ديمقراطيا.
badreldin ali [alibadreldin@hotmail.com]

 

آراء