سودانيون ساهموا في صناعة الصحافة والثقافة في الخليج
من محمد ابو القاسم, يوسف عيدابي , الي محمود مدني
تصويب
فى الحلقة الأولي من هذه المذكرات صوبني صديقي عمر السٌوري من أن مندوب السودان في الأمم المتحدة في سبعينات القرن الماضي والذي استقال من منصبه وعقد مؤتمرا صحفيا إحتجاجا علي عجز نظام النميري من تسديد الأشتراك السنوي في المنظمة الدولية هو علي سحلول ,وليس عمر عديل ,وإن الأخير عندما واجه النميري كان بسبب إستمرارإعتقال الطلبة السودانيين أنصارالجبهة الديمقراطية الذين إحتلوا السفارة السودانية وإحتجزوا السفير داخلها ومنعوه من مقابلة النميري في مطار بغداد,فقد كان عديل غاضبا لكون الرئيس مبتهج مع ضيوفه بينما طلابه في السجون العراقية , ونقلاعن شقيقه ابراهيم الذي كان طالبا يومذاك في العراق إن عمرعديل رفض تلبية دعوة صديقه احمد حسن البكر رئيس الجمهورية في اليوم التالي ما لم يأمر بالأفراج فورا عن الطلبة السودانيين ,فأستجاب البكروأفرج عن الذين كان عديل نفسه يرسل لهم في السجن عربة الأمم المتحدة تنقل اليهم يوميا الطعام الدبلوماسي الجيد والسجائر الفاخرة , وقد اعربت عن دهشتيلصديقي عمر عن دهشتي ان يكون الدبلوماسي المستقيل هوعلي سحلول الذي اختتم حياته الدبلوماسية منحنيا كحاجب ملك لنظام ابشع من نظام النميري
في عام 78 التحقت بصحيفة الاتحاد الأماراتية , ولكني لم امكث فيها سوى عام واحد فيها لمضايقة الصحفيين المصريين الذين كانوا يسيطرن علي الصحافة هناك .
كان جماعة اخباراليوم وعلي رأسهم الصحافي الراحل مصطفي شردي هم الذي يقودون الصحيفة, وبالرغم من ان شردي سخّر الصحيفة لخدمة خط كامب ديفيد دفاعا عن سياسة السادات الموالية للولايات والمناوئة للاتحاد السوفييتي فى ذلك العصر. إلا انه كان مهنيا بارعا في إدراة الصحيفة التحريرية,كما ساعد عددا من الصحفيين السودانيين الذي جاؤا الي القاهرة بعد غزو صدام الكويت عام 1990 فتح لهم صفحات الوفد ترجمة ومقالات شهد علي ذلك الصديقان يحي العو ض وحسين شريف
المشرف خليفة وفاروق حامد
في بداية سبيعنات القرن الماضي كان أول الواصلين الي أبوظبي هو الصحافي السوداني المعروف محمد المشرف خليفة الذي أسس بالفعل أول مجلة مهنية هي "مجلة درع الوطن " التي تصدرها القوات المسلحة الظبيانية , فقد طلب يومذاك من المستشار في وزارة الداخلية في ابو ظبي اللواء عثمان محجوب وهو رجل شرطة خبير في الشئون الأمنية ,طلب منه حسب روايته لي ان يرشح لهم رئيسا لتحرير هذه المجلة فأختار المشرف لهذا المنصب,وأنضم اليه الصحافي المعروف فاروق حامد الذي شارك المشرف في التأسيس , وبعد سنوات من العمل في درع الوطن غادر فاروق المجلة ليعمل في صحيفتي الفجر والوحدة كمديراوسكرتيرللتحرير ,بينما لايزال المشُرف يعمل بالمجلة العسكرية بعد ان تحول أسمها الي "الدفاع الجوي", وهو يعد اقدم صحفي يستمر طيلة هذه السنوات في منصبه بالخليج وفي الثمانينات قدم الي الأمارات القاص المعروف محرر مجلة القصة في السودان عثمان علي نور ليعمل في درع الوطن ولكنهم طلبوا منه شهادة جامعية فغضب وغادر البلاد عائدا الي السودان وفي مجلة الأزمنة العربية التي كان يصدرها الاخوان غانم ومحمد عبيد غباش كان الراحل الصحفي صلاح عبد الرازق يعمل صحافيا ثم مديرا للأعلانات وعمل فيها ايضا الشاعر محمد الطيب عربي ومن المؤسف حقا هو ان يصدر كتاب رسمي عن تاريخ الصحافة في الأمارات ولا يذكر دور الصحافيين السودانيين والمصريين في ذلك ,وقد هاجم الكاتب الصحفي الفلسطيني المعروف اسامة فوزي الذي يعيش في الولايات المتحدة الكتاب هجوما لاذعا,وقال ان لا احد من الأماراتيين ساهم في صنع الصحافة هناك ,وقال إنهم لايزالون يعتمدون علي الصحفيين العرب في إدارة وتحريرصحفهم , ولكن فوزي اشتط حينما أنكر وجود صحافيين مواطنيين أصلا , وهو رأي فيه خطل كبير ,ذلك لأن جيلا من الصحفايين الأماراتيين خرج من عباءة التجارب العربية الوافدة وإن يكن الصراع فيما بينهم قاد الكثيرين منهم الي ترك المهنة, إن مشكلة مفهوم الصحافة في الخليج عموما كانت ولاتزال هي الخلط بين الكاتب الصحافي والصحافي المهني المحترف, فالمسئولون كثيرا ما يختارون رئيسا للتحرير او مديرا للتحرير لمجرد انه كتب مقالات منتظمة في صحيفة ,اواستجابة لقانون الصحافة الحكومي الذي يشترط ان يكون رئيس التحريرمواطنا ,ولكن في الممارسة العملية تجد ان من يقوم بالعمل التحريري هم صحافيون عرب ولكن مع ذلك فأن رياح التغيير بدأت تهب علي هذه الساحة لتدفع بصحافيين وطنيين في بلدان مثل الكويت, والسعودية , والبحرين ,وقطر ان يتسلموا لواء القيادة في هذه المهنة مع الإحتفاظ بالصحفي العربي .
بوابة عبد الله الجبلي
من الجيل الأول من الصحافيين الذين أسهموا في صحافة الأمارات , هو عبد الله الجبلي الذي كان من المؤسسين الحقيقيين لوكالة أنباء الأمارات التي يعمل حاليا مستشارا لها بعد ان تقاعد ماكثا فيها اكثر من ربع قرن, ليس ذلك وحده بل إن الجبلي أحد المؤسسين أيضا لقسمي التحقيقات والمراسلين في صحيفة الأتحاد , وكان الجبلي البوابة الرئيسة لدخول العديد من الصحفيين السودانيين والمصورين امثال عبد الرحيم قيلي والنعمة عالم الصحافة في الامارات ,والرجل يمتلك قدرات كبيرة في العمل الصحفي, وترك الجبلي العمل في صحيفة الأيام السودانية كسكرتير للتحريرفي منتصف السبيعنات من القرن الماضي .
في سبيعينات وثمانينات القرن الماضي عمل في صحيفة الاتحاد كل من محمد الحسن النجومي وعبد المنعم عثمان , ويحي العوض , ومحمد طه ,الفيل ,وحسين شريف في قسم الترجمة الذي كان هو احد اعمدة الصحيفة الرئيسية وفي الأتحاد ايضا عمل طه النعمان في ديسك الأخبار ,وكان من مؤسسي قسم الدراسات ,كما اختير طه ليكون مديرا لمكتبي لندن والأردن في ثمانينات القرن الماضي ,وحتي قيام الأنقلاب العسكري الاسلاموي عام 89 كان النعمان مديرا لمكتب الصحيفة في الخرطوم حيث جري اعتقاله ,وقد خلف النعمان يحي العوض الذي هو اول من فتح مكتبا للصحيفة في الخرطوم وظل يديرة حتي قيام الإنتفاضة التي اطاحت حكم النميري في عام 85 لكن النعمان عاد مرة اخري للامارات ليصبح مديرا لتحرير صحيفة كل العرب. وعمل في الأتحاد سليمان الماحي الذي كان رئيسا لمكتب الصحيفة في رأس الخيمة وبعدها انتقل الي الخليج .
محمد عمر الخضر,عثمان عووضه ,جعفرعباس
في مؤسسة الإتحاد ايضا عمل الصحافي المعروف محمد عمر الخضر مديرا لتحرير صحيفة اخبار الأمارات اليومية التي كانت تصدر باللغة الانجليزية بل كان من مؤسيسها ,ولقد رشحه علي شمو عمر الخضر لهذ المنصب وجاء به من المغرب بعد أن عمل في جريدة العلم اليومية التي يصدرها حزب الأستقلال المغربي ,وكان محمدعمر قبل ذلك يعمل صحفيا في الصحيفة الانجليزية سودان ديلي التي كانت تصدرها وزارة الاعلام وبعد ذلك محررا مترجما في وكالة انباء الخرطوم التي كان يملكها الراحل سعد الشيخ ثم مراسلا لوكالة شينخوا الصينة , وقدغادر عمرالسودان في سبيعنات القرن الماضي بعد خروجه من سجون النميري التي قضي فيها شهورا .
مع محمد عمر عمل ايضا كل من عثمان عووضه الطيب مصطفي ,وجعفر عباس الذي انتقل الي صحيفة الاتحاد العربية ككبير محررين ,وصار جعفر عباس من اشهر كتاب العمود الساخر في العالم العربي, فهو نجح في تطعيم كتاباته بمزيج يجمع مابين المفردات السودانية والخليجية والشامية , وكتب جعفر في صحف سعودية مثل الوطن , واليوم , ويكتب الان في الوطن القطرية واخبار الخليج البحرينية ,وعدد اخرمن الصحف والمجلات اشهرها مجلة هيئة الاذاعة البريطانية, وسودانيا يكتب ابو الجعافر في "حكايات "والراي العام , ويشغل الان منصب مستشار لرئيس مجلس ادارة قناة الجزيرة بعد ان أسس ورأس قسم ضمان الجودة لثمانية سنوات,كان عباس الذي اشتهر بزاويته المنفرجة احد المؤسسين لمحطة البي بي سي الفضائية العربية في تجربتها الأولي قبل اغلاقها في تسعينات القرن الماضي .,و عمل في اخبار الامارات "اميرت نيوز "ايضا كل من فيصل محمد احمد , واحمد حسن محمد صالح .
وفي التسعينات وحتي عودته الي السودان كان الراحل الفاتح التيجاني احد كبار المحررين في صحيفة الأتحاد وشغل منصب سكرتير التحرير فيها. وعمل ايضا في الأتحاد كل من عابدون سعيد في قسم المراجعة اللغوية , وعلي عمر في قسم المعلومات ,واحمد محيسي رئيسا للقسم الإقتصادي وقبلها عمل محيسي في قسم الدراسات بالخليج , ثم كان من بين المؤسسين لصحيفة اخبار العرب في ابوظبي والتي تغير اسمها الان الي صحيفة الوطن, التي يعمل مديرا للتحري فيها حاليا الصحفي المعروف حيدرطه .
وفي صحيفة الوحدة التي يملكها رجل الاعمال راشد بن عويضة وفي ثمانينات القرن الماضي عمل فيها كل من محجوب موسي وزوجته السابقة عواطف ادريس , وكمال طه, وقدال حمد النيل ,وعبد الوهاب سعد, والريح كشة ,والشاعرعزمي احمد خليل, وكمال جبورة وزوجه فوزية عبد الله ولكن جبوره التحق بعدها بالبيان وتعتبر الوحدة محطة هامة عبر منها العديد من الصحفيين
للصحف الاخري
في عام 1970 اسس الاخوان تريم وعبد الله عمران جريدة الخليج الشارقية التي عمل فيها كل من احمد عبد الله العمرابي "السفير " ويوسف عيدابي , محمود محمد مدني وكمال طه, جاء احمد عمرابي الي الأمارات بعد فصله تعسفيا من وزارة الخارجية زكاه محمد ابو القاسم حاج حمد ليعمل في الصحيفة الجديدة حتي صار رئيسا للقسم الإقتصادي فيها ,واشتهر احمد عمرابي بعمود إقتصادي مقرؤ كان تترجمة وكالة رويتر بأعتباره مؤشرا جيدا لصعود وهبوط حركة الأقتصادية في منطقة الخليج .
كان ينتظر عامود عمرابي الاف القراء السودانيين في الخليج لمعارضته لنظام جعفر النميري , وعند سقوط نظام النميري في الإنتفاضة الشعبية عام 58 إختاره السودانيون في الشارقة بالتزكية عمرابي كرئيس للجالية السودانية هناك , بعد احالته الي التقاعد كسفير في باكستان عمل عمرابي في صحيفة الوطن القطرية حيث كان يشغل وظيفة سكرتيرالتحرير.
كمال طه من الوحدة الي الخليج
هذا في المجال الثقافي فماذاعن المجال الرياضي,؟ في هذا المجال يعتبر الناقد الرياضي الأشهركمال طه هو مؤسس النقد الرياضي في الصحافة الأماراتية الرياضية, وقبل مجيئه الامارات, بدأ كمال طه نشاطه النقدي الرياضي في صحيفة الأيام تتلمذ علي ايدي مؤسسي النقد الرياضي في السودان الراحلون عمر عبد التام ,وادهم علي , وعمر حسن ,ومبارك خوجلي, تميز كمال بالموسوعية في الشأن الرياضي وتحديدا كرة القدم التي برع في فهم قواعدها وفنونها حتي صارمرجعية فيها.
بدأ طه اول مابدأ في صحيفة الوحدة التي تصدر في ابوظبي والتي كانت منطلقه الي عالم ارحب بعدها انتقل الي دبي حيث اسس اول مجلة لنادي النصرالرياضي ,تلك المجلة التي كان يتسابق عليها الناس بالرغم من انها تصدر من ناد رياضي ,وهذا يؤكد مقدرة طه في جعلها مجلة عامة فأتفت عنها صفة النادي , وعند صدور صحيفة الخليج الشارقية كا ن نجم كمال طه ساطعا ,فتم التعاقد معه كناقد رياضي مقتدر موضوعي النظرة , شديد الحياد عند تناوله الموضوعات المختلفة , ونجح كمال طه ان يكون له قاعدة كبيرة من القراء, وكان لعموده اليومي قراء بالاف حتي خارج نطاق الآمارات ,وتدرج طه حتي صار رئيسا للسم الرياضي ,ولكن فى اطار صراع الجنسيات في الصحيفة وحياكة المؤامرات العربية بكل الوانها لم يستطع طه العمل في هذا الجو فأستقال وزهد في الكتابة بعد ان اوقف عموده في البيان وفي المجال الرياضي ايضا عمل في الخليج ولايزال الناقد الرياضي المعروف صديق عباس . كما يرأس قسم التصوير فيها المصور البارع حيدر فؤاد يساعده عصام شمام الذي قضي سنوات كمصور خاص لحاكم الشارقة الشيخ سلطان القاسمي .
عيدابي والماغوط ومحمود مدني
وفي الخليج الشارقية أسس الشاعر والمسرحي يوسف عيدابي مع الشاعر والمسرحي السوري المشهور محمد الماغوط القسم الثقافي ولكن قبل مجيء الماغوط الي الأمارات , كان عيدابي هو الذي يشرف علي الصفحة الثقافية اليومية في الصحيفة ,وإبتدع هو والماغوط الملحق الثقافي الأدبي الأسبوعي الذي كان نقلة نوعية للحركة الثقافية في الأمارات, انتقل عيدابي بعد ذلك الي الدائرة الثقافية لحكومة الشارقة ,فأسهم بقدرات عالية وخبرة ثرة في تطوير هذه الدائرة حتي تجاوز نشاطها المحلية الي العربية ثم العالمية , وعيدابي هو من اوائل الذين ساهموا في تحويل امارة الشارقة الي مركز ثقافي عربي تطور حتي صار ملتقي لكل الادباء والمبدعين العرب تعقد فيه سنويا مؤتمرات للمسرح , والرواية الشعر,والقصة القصيرة ,والفن التشكيلي ,وكافة ضروب الفنون الانسانية,وكذا جري تخصيص جائزة الشارقة الثقافية للكتاب والمسرح والشعر واخير اختار حاكم الشارقة الدكتور يوسف عيدابي مستشارا ثقافيا له قبل ان يمنح مفتاح المدينة كتكريم له علي ماقام به من دور في تطوير الحركة الثقافية في الأمارة .
بعد عيدابي تسلم القسم الراحل الروائي محمود محمد مدني رئاسة القسم فأعطاه حيوية عندما تبني العديد من المواهب الشابة وابان لها الطريق نحو ابداع قائم علي القراءة الجادة, بل شاهدت مدني يراجع نصوص الشباب شعرا كانت ام رواية ام مسرحا , وكم سهرنا في منزله في حضرة قامات ابداعية مثل محمد الماغوط وجمعة اللامي ومهدي علي الراضى الذي انتحر في ظروف غامضة في دمشق عام 2007 .
كتب الي محمود عام 1980خطابا مؤثرا بعد ان مات ابنه محمد وهو يستشفي في القاهرة,رشحته ليكون مديرا لتحرير مجلة الظفرة التي كانت تصدر من دار الوحدة فى ابوظبي بعد ان تركها الشاعر السوري محي الدين اللاذقاني عضو مجلس الثورة السوري الان. جاء مدني الي ابوظبي تصحبه الراحلة زوجته الصحافية المعروفه اخلاص علي حمد,سكن قريبا من مكاتب الصحيفة, حصل محمود علي شهادتي تقدير من المهرجان الثقافي والملتقي القصصي الاول بالشارقة ولعظم الدور الذي لعبه المبدعون السودانيون لا ننسي الراحلين يوسف خليل , والريح عبد القادر, ويحي الحاج اطال الله في عمره فقد نال الحاج عددا من الجوائزولتكريمات عرفانا بالدور الذي قام به في النهضة المسرحية في الامارات وهو الذي شارك في تأسيس “مهرجان دبي لمسرح الشباب” وورش العمل والبرامج التدريبية التي تتيح للمسرحيين الشباب الاستفادة منها خلال فترة المهرجان كان يوسف خليل عاشقا للمسرح يتنفسه شهيقا وزفيرا,وعمل في ادارات مسرح خورفكان والشارقة ودبي واشاع حركة استنارة مسرحية واسعة في الامارات من خلال تنظيم الندوات والورش المسرحية التي كا ن يشرف عليها في النادي الأهلي في دبي ولا ننسي القاص المخضرم عثمان حامد سليمان الذي رفد الساحة الاماراتية بنشاطات متعددة من المحاضرات والندوات تعريفا بالثقافة السودانية , كما قدمه اتحاد كتاب الامارات اكثر من مرة ليحكي عن تجربته القصصية, كان عثمان صديقا قريبا للروائي الراحل الطيب صالح يلتقيان في القاهرة كل صيف مع مجموعة من مثقفين ومبدعين مصريين وشهدت دار عثمان في ابوظبي جلسات عديدة تكريما للطيب صالح كلما زار المدينة كتب عنه الروائي عيسي الحلو "القاص عثمان حامد سليمان من كتاب بواكير السبعينات هاجر الى دول الخليج منذ مدة طويلة وهناك يشارك في الحياة الثقافية االعربية اذ يرفد الكتابة بابداعه القصصي حيث نشر الآن مجموعتين قصصيتين هما « رائحة الموت» و« مريم عسل الجنوب»،
محمد ابو القاسم حاج حمد
في ستينات القرن الماضي , وانا صحافي شاب في صحيفة الأيام اسفل عمارة ابو العلاء زارني في مكتبي الشاب محمد ابو القاسم حاج حمد ابوالقاسم برفقة شاب اخر هو سيد احمد عبيد الذي قابلته اخر مرة قبل عامين في جوبا بجنوب السودان وقد سقط شعر رأسه جراء هجرته الدائمة, ولهاثه وراء الثراء الذي لم ينل منه سوي رماد , كان محمد ابو القاسم العشريني مربوع القامة له عينان يشع منهما الذكاء الواعد , يجيد الحديث بأفكارمرتبة يتناول بعمق الموضوعات ,يحللها يردها الي اسبابها فيعطيك نتائج مقنعة ,فلا تملك الإ ان تعجب بهذا اللسان الزرب والعقل الحاد , فصل محمد ابوالقاسم من ثانوية عطبر في عام 62 بسبب قيادته تظاهرة ضد نظام الفريق ابراهيم لتقاعسه في نجدة الزعيم الكونغولي باتريس لوممبا الذي اغتاله البلجيك بسبب مقاومته استعمارهم , جاء ابو القاسم الي الخرطوم وأكمل الثانوي في كلية الأحفاد بأم درمان , جذبته الخرطوم بحركتها السياسية الزاخرة فأندمج في اجوائها ناهلا من من مكتباتها الثقافة اليسارية الجديدة سكن محمد ابو القاسم شارع 15 في حي العمارات الراقي فغشيته نفحة بورجوازية تجلت في اناقته وسيارة الفيات التي كان يقودها, كان حاج حمد نائبا في الجمعية التأسيسية عن دائرة كريمة وله مصنع للبلاط في المنطقة الصناعية, في المقابلات التي اجريت مع الراحل لم يأت علي ذكر انتمائه لحزب البعث العربي الأشتراكي , وان تحدث عن نشاطه في تأسيس الفكر القومي العربي في السودان ,وربما عمد "ابو القاسم " الي تجاهل هذه المرحلة من حياته خوفا ان تسبب له مشاكل مع عدد من الدول الخليجية خصوصا المملكة السعودية التي كان له علاقات مع عدد مسئوليها وهو يعلم ان صحفيين ومثقفين من جنسيات عربية ابعدوا من الخليج لمجرد ان شكوك البعث كانت تحوم حولهم ,ابوالقاسم حاول تجنيدنا للبعث انا والشنبلي ومحمود مدني وسعيد احمد خير,كنا انا وسعيد نحضر اليه في منزله في العمارات ليعطينا جرعات من فكر البعث وهوالذي رتب لنا زيارةعام 72 الي سوريا حيث التقينا هناك بصلاح جديد رجل سوريا القوي حينذاك قبل انقلاب الأسد عليه.
ابو القاسم وجعفر بخيت وداء الشيوعيين
في الوقت الذي كان فيه اليسار العربي يعتبر الأنقلابات العسكرية هي ثورات ضد الرجعية العربية ايد ابو القاسم كغيره من اليساريين" ثورة مايو" وسعي لان ان يقدم نفسه منظرا لها وكانت اولي خطواته في ذلك ان وسطني لإجراء حوار مع الدكتور جعفر محمد علي بخيت المكلف باقامة تنظيم الأتحاد الأشتراكي والذي كنت علي علاقة طيبة معه , وبالفعل ذهبنا اليه في مكتبه وهو وزير للحكومات المحلية ,ودار حوار طويل بين الاثنين ابو القاسم وبخيت استغرق اربعة ساعات, كان ابو القاسم يريد ان يعرف ما اذا كانت طبيعة التنظيم الجديد هي نفسها التي تحمل خصائص التظيم المصري الذي اقامه عبد الناصر , وبعد ذلك كتب ابو القاسم سلسلة مقالات في الأيام صحيفة السفير اللبنانية يسلط فيها الضوء علي الثورة السودانية, لم يكن محمد ابو القاسم علي وفاق مع الشيوعيين فهو يؤمن بوحدة الوسط كبديل لليسار , بينما يري الشيوعيون ان الوحدة العربية حركة شيفونية وان ابو القاسم الذي يتحدث عن عن بديل الوسط هو نفسه منخرط في حزب طائفي هو حزب الشعب الديمقراطي بقيادة الشيخ علي عبد الرحمن الذي كان متحالفا مع الشيوعيين ,عاش ابو القاسم ثنائية الطائفية والثورية في وقت واحد, و خلال حملة النميري علي الشيوعيين ودمائهم لم تجف جراء الأعدامات الهمجية ضد قادتهم وفي مقدمتهم صديقه عبد الخالق محجوب , كتب ابو القاسم في 1972وفي صحيفة الأيام سلسلة من المقالات بعنوان "السودان مابين مايو ويوليو" ضد الحزب الشيوعي السوداني , ولقد جري خلاف كبير بيني وبينه حول تلك المقالات ليس حجبا لرأية ,ولكن لأن توقيتها كان حساسا جدا ولا احد من الشيوعيين كان يستطيع الرد عليه,فقد كانوا مشغولون بتأمين انفسهم من حملة النميري الدموية ,عرض ابو القاسم تلك المقالات علي عمر الحاج موسي وزيرالأعلام يومذاك والذي وجه الفاتح التيجاني رئيس تحرير الأيام بنشرها ,فهي تصب في مصلحة النظام .وفي كل احاديثه ومحاضراته يذكر ابوالقاسم تلك المقالات ولكنه لايشرح او حتي يشير الي محتواها لأنها بالفعل كانت تخدم نظام النميري .
في معية عثمان صالح سبي
في عام 79 وصل ابو القاسم في التاريخ نفسه الذي وصلت فيه الي ابوظبي جاء من لبنان حيث كان يقيم هناك موزعا بين عاصمة الثقافة بيروت والامويين دمشق ,وفي حضرة علي شمو وصحفيين واعلاميين من بينهم حمدي بدر الدين الذي كان يشغل منصب مدير تلفزيون ابوظبي , كنا علي مائدة محمد المشرف خليفة ,جاء ابو القاسم في معية المناضل الأريتري الراحل عثمان صالح سبي الذي كانت تربطه علاقات قوية بوزير الخارجية الأماراتي الأسبق أحمد خليفة السويدي المقرب من الشيخ زايد, والسويدي هو الذي وجه بتعين ابو القاسم كمسئول عن قسم المكتبة والمعلومات زارة الخارجية الظبيانية منح ابو القاسم شقة في حي الخالدية , واصر علي ان نشاركه السكن علي عمر وانا ,وبالفعل من شقته تلك الكائنة بالقرب من مركز شرطة العاصمة ذهب معي الي صحيفة الأتحاد واقنع مصطفي شردي ليلحقني بالعمل معهم ,فضلان لن انساهما له ,فضل العمل ,وفضل العيش معه بالرغم من وجود سكن شقيقي قريبا منه , عاصرت كتابة كتابه السودان المأزق التاريخي وافاق المستقبل كان يقضي الليل حتي الساعات الأولي من الصباح وسط تل من المراجع ,يكتب بقلم الرصاص حتي تدمي اصابعة ,وكنت اساعده في نقل بعض الوثائق حتي فرغ منه , كان به قلق المفكرين يتنقل من فكرة الي فكرة , ومن مبحث الي مبحث عقله كالمنشار يأكل العلوم صعودا ونزولا , يطلق مرة للحيته العنان كأنه قديس في مغاره ,ومرة بلا لحية حينها تظهر تقاسيم وجهه الوضيء وابتسامته الطفولية العذبة, كتب محمد ابو القاسم فيما بعد يهاجم نظام النميري في مجلة الأزمنة العربية ,والخليج والبيان ,ورد النميري من مسجد القوات المسلحة في خطبة جمعة امير المؤمنين هجوما عليه بالأسم هو واحمد عمرابي وطالب بتسليمها الي السودان ,وارسل وفدا امنيا رفيعا لهذا الغرض ,غير ان حكيم العرب الشيخ زايد رفض طلب النميري .
اثناء عمله بالخارجية الاماراتية شارك ابو القاسم صديقا مواطنا يعمل معه في الوزارة نفسها فأفتتحا مكتبة ثقافية كبري في منطقة الخالدية بالقرب من الحصن ,ولكن المشروع فشل وتسبب لمحمد في متاعب جمة وصلت حد التقاضي من شريكه, ادمان الفشل التجاري لازم ابو القاسم حين اسس هو ومواطن اخر من دبي مركزا للدراسات والمعلومات فلم ينجح المشروع مما اضطره لمغادرة الأمارات نهائيا. لم يكن لمحمد ابو القاسم مواقف نهائية في كثير من القضايا ,فعندما اندلعت الحرب العراقية الايرانية في عام 1980 وفي صحيفة الفجر كتب سلسلة من المقالات يويد فيها ايران والثورة الايرانية ويقف مع طهران ضد العراق مما اغضب الملحق العسكري العراقي فعاد وكتب مقالات ترضية اخري اخري للعراقيين مستدركا مواقف دولة الامارات ودول الخليج التي كانت تقف مع العراق في حربه مع الخميني , كانت للراحل محمد ابوالقاسم توفيقية غرائبية تجمع مابين متناقضات مثل خلط الزيت بالماء,فعلي صعيد الثورة الأريترية كان يعمل مع جبهة التحرير الأريترية وصديقا شخصيا لزعيمها عثمان سبي المحافظ ذى العلاقات الجيدة مع دول الخليج , ولكن بعد وفاة سبي صار يؤيد الجبهة الشعبية بقيادة اسياس افورقي حتي انتصرالأخير وتسلم الحكم في اسمرا
ابو امنه حامد ومنقتسو وشعبية بحري
أختير ابو القاسم مديرا لتحرير صحيفة الفجر فأسند لي رئاسة القسم السياسي , وارسل الي الشاعر" ابو امنه حامد" الذي كان يزور السعودية, ارسل اليه يطلبه ليعينه رئيسا للقسم الدبلوماسي’بعد معلومات بأن الشاعر الرقيق يعاني ظروفا صعبة بعد ان فصله من وزارة الخارجية, استقبلنا ابوالقاسم وانا ابو امنه حامد في مطار ابوظبي وانزلته الصحيفة في استراحتها الفاخرة ,خطط ابو القاسم للنهوض بالفجر بعد وهدة استمرت سنوات, اقترح علي ابوامنه بحكم عمله في الخارجية السودانية ان يستعد للسفر الي اثيوبيا لإجراء مقابلة مع الرئيس الأثيوبي منقستو هيلا ماريام الذي اقام نظاما احمر فى سواد القرن الأفريقي ,زود بمسجل وكاميرا جديدين اضافة الي اسئلة المقابلة, وسلم في " شعبة يده " خمسة الاف دولار لزوم السكن والأعاشة, اصر ابو امنه علي ان يكون خط رحلته ابوظبي ,اديس ابابا ,الخرطوم ابو ظبي, وافق ابو القاسم شريطة ان ينجز المقابلة اولا ويرسلها "بالدي اتش ايل" وبعد اسبوع من مغادرته ابوظبي انتابنا القلق لعدم اتصال مبعوثنا الصحفي بنا ,ولكنا يدفعنا حسن الظن استنتجنا ان مقابلة زعيم كمنقستو ليست بالأمرالسهلف فلابد من الانتظار وإعطاء الشاعر فرصة اخري ,ومضت الايام سريعة وانقطعت اخبار ابوامنه تماما , راغبنا البريد عشما في وصول المقابلة ,ولكنها لاعادت ولاعاد ابومنه ,وذات صباح احدي الجمع بلغتنا اخبارا بأن ابو امنه وصل الخرطوم ,شهود عيان قالوا انه جالس امام بيته في الشعبية واثاردماء ذبيحة علي الحائط الخارجي ,كان ابو امنه يحتفل بأصلاح " ادبخانته " المنهارةا التي هدمتها امطار الخريف, اتصلنا به فسئلنا ساخرا لمن الأولوية مقابلة منقستو ,ام "ادبخانته "يعيد لها الحياة ؟, فضحكنا وضحك ابو القاسم, قال لنا انه يجلس الأن كزعيم قبيلة " الغاشي والماشي يسلم عليه يا اساتاذ , يااستاذ فأين هذا من الأمارات ؟
عزالدين عثمان حامد عطا ,بيرم ,محمد خوجلي
وصل الراحل عزالدين عثمان الي الامارات فى عام 1980وعمل في صحيفة البيان بدبي حتى86 عاد بعدها نهائيا الي السودان ,خلال نسنوات التي قضاها في الصحيفة اثبت انه رسام كاريكاتير قارد علي التأقلم مع اي بيئة جديدة وهذا ما دعا بعض الجنسيات العربية التي تعمل في الصحيفة أن تحاربه وتحاول الإنتقاص من أعماله ، ولكنها فشلت في هذه الحرب لأن ريشة الفنان كانت أقوى من الأصابع الخفية التي عملت دائماً على إقصائه ، وشهد صحافيون ومثقفون عرب كثيرون أن (عزالدين عثمان) كان الأكثر تفوقاً على غيره من رسامي كاريكاتير آخرين ، وبسرعة متأنية إستطاع (عزالدين) أن ينقل حياة إجتماعية متنافرة إتسمت بها الأمارات العربية المتحدة لكونها وعاء لمهاجرين من مختلف أنحاء العالم ، ومع أن ذلك المجتمع بوضعه النفطي المريح لاينتج أحداثاً ذات بال كالتي في السودان ومصر وبقية البلدان العربية ، إلا أن عزالدين تمكن من عكس قضايا هامة ,مثل إستبداد الكفيل الذي يصل في بعض الأحيان إلى درجة أشبه بتاجر الرقيق ، وفي هذا الجو سلّط (عزالدين) ريشته على شرائح من الجنسيات الأسيوية المسحوقة ((كالبتّان)) و((البلوش)) و((الهنود)) ، فنقل معانآتهم في أكثر من وجه ,خصوصاً على صعيد العلاقة مع مواطني الدولة الذين ينظرون إليهم بإعتبارهم خدماً المطلوب منهم فقط الإذعان والإنصياع لنظرية الكفيل المتخلفة ، وقد أعترف رسّام الكاريكاتير السوري العالمي علي فرزات صاحب مجلة (الدومري)) للكاريكاتير وهو يُعد من العالميين في هذا الفن اعترف بأن (عزالدين عثمان) يمثل مدرسة لها خصائصها السودانية ، وإنه إستطاع معتمداً على اسلوبه الخاص أن يعطي رسوماته في الأمارات نكهة سودانية تخلط ما بين العروبة والزنوجة
يتبع رحمي سليمان ثم انتقل الى جريدة «الصحافة»، ثم الى «الرأي العام» الى ان توقفت فييتبع اوائل السبعينات من القيرن الماضي نتيجة يلقرار من الرئيس السوداني الاسبق جعفر نميري.
وواجه عز الدين، بسبب جرأته في نقد الحكومات، متاعب كثيرة حيث تعرض للاعتقالات والفصل عن العمل على مختلف العهود التي حكمت السودان. ويعتبر النقاد أن رسوماته في صحيفة «الايام» التي ظل يعمل فيها طوال عهد الرئيس الاسبق جعفر نميري، هي الأكثر جراة، وهي التي اكسبته الشهرة الواسعة. وكان من اكثر المنتقدين للزعيم السوداني اسماعيل الازهري الذي رفع علم الاستقلال عام 1956، ورأس حكومتين ديمقراطيتين في البلاد، في فترة الخمسينات وحتى الستينات من القرن الماضي، غير ان المراقبين كانوا يلاحظون ان الزعيم الراحل الازهري كان يبدأ قراءة الصحف لمشاهدة كاريكاتير عز الدين، ثم يضحك ملء شدقيه حتى لو كانت السخرية تطاله هو شخصياً، ويتقبل ذلك في سماحة وأريحية، ثم ينتقل من بعد ذلك لقراءة ما عسى أن يكون مستحقاً للقراءة فيها. ومن اشهر أعماله تلك التي تسخر من الزعيم الازهري، عندما اقدم على حل الحزب الشيوعي السوداني من داخل البرلمان السوداني في منتصف الستينات.. فقد صور زعيم حزب الامة الصادق المهدي على هيئة مسحراتي يحمل طبلة في لي
sedig meheasi [s.meheasi@hotmail.com]