التاريخ يعيد نفسه بِتَوجُّس ..! بقلم: منى أبو زيد
منى أبو زيد
30 October, 2012
30 October, 2012
السلام أهم من العدالة، فالسلام لم يخلق من أجل العدالة، بل على العكس خلقت العدالة من اجل السلام" .. مارتن لوثر!
الحكمة والموعظة الحسنة هي ضالة السياسة السودانية، وليس أقرب إلى ذلك من رأي السيد الإمام الصادق المهدي بشأن عدم تدويل قضية أبيي ووجوب اقتصار استراتيجية الحلول على لجنة حكماء من السودان الشمالي ودولة الجنوب إلى جانب أهل المصلحة .. ولعل من طرائف المفارقات التاريخية في السياسة السودانية أن السيد الإمام كتب قبل سنوات في ذات الشأن يقول(مع كل يوم تشرق فيه شمس جديدة، يتضح أن ما اتفق عليه طرفا التفاوض ضروري، ولكنه ليس كافيا، وأنه ملزم لهما دون سواهما، وأن السلام العادل الشامل لا يحققه إلا المؤتمر الدستوري أو الملتقى الجامع، وهو وحده الذي يحسم قضايا الخلاف على حدود 1956م حسما قاطعا، لأن هذه قضايا تهم أهل السودان لا حزبا التفاوض وحدهما)، وها هو تاريخ القضية يعيد نفسه بتأفف ..!
والحقيقة أن هذا هو رأي حكماء المجتمع الدولي نفسه، فسياسة المناداة بوجوب أن يكفر العالم عن تقصيره في حق إفريقيا - دارفور وجنوب السودان مثالاً - استهلتها أمريكا وباركها هنري كيسنجر وزير خارجيتها الأسبق (الذي اشتهر بآرائه الخطيرة التي اتكأت عليها أمريكا في تطوير سياستها الخارجية) عندما تنبأ بأن غياب الالتزام الأخلاقي من سياسات المجتمع الدولي تجاه القارة الإفريقية سوف يخلق مأساة ..!
ومن نبوءات كيسنجر السياسية اعترافه بغلبة الذكاء الصيني على الحنكة الأمريكية، واستشهاده بالمأزق الأمريكي في الصومال على صدق نبوءته بفشل تطبيق مبادئ التدخل الإنساني العسكري في السودان! .. حيث بدأت حكاية أمريكا مع الصومال بحجة توزيع الأغذية مروراً ببعض التمارين على بناء المؤسسات، قبل أن يتحول إلى حرب أهلية طرفها الرئيس أمريكا نفسها ..!
لكن كيسنجر نفسه يؤكد - في كتابه "نحو دبلوماسية للقرن الحادي والعشرين" - على الخصوصية التاريخية والسياسية والاجتماعية للقارة الإفريقية، والتي تفرض سيناريوهات محلية شديدة الالتحام بطبيعة واقعها المحلي، ويقول إن الحروب الأهلية والصراعات الإثنية ينبغي أن تترك لدول القارة نفسها، وإن سياسة التدخل الخارجي لا ينبغي أن تتعدى بأية حال حدود دعم المستشارين الغربيين لقوات تدخل إفريقية..!
وعليه، فصحيح أن القارة الإفريقية ما تزال تثقل الضمير الدولي الذي تجاهل ماسيها ومجاعاتها وحروبها الداخلية وتاريخها مع التطهير العرقي، وصحيح أن العالم الأول ما عاد نخبوياً في اصطفاءه وتبنيه لوجهات النظر (بعد أن حولت ثورة وسائل الإعلام الخبر إلى صوت وصورة وإيماءة سياسية عالية الكفاءة والأثر)، ومؤكد أنه بات يرى في مشكلات القارة الإفريقية وتدني معدل نموها الاقتصادي وتأخرها السياسي عن ركب الحداثة العالمية تحدياً لطموحات تطوير النظام العالمي الجديد.. ولكن ..!
تاريخ سيناريوهات السلام النجيضة يقول إن حكومتي دولتي السودان لا بد أن تعيا معاً خصوصية قضية أبيي ومحاسن التحكيم المحلي، ومخاطر التدويل، وإذا لم تفعل الحكومة الجديدة في الدولة الوليدة فالكوتشينة الأزلية في حكومة الشمال أوضاعها أولى وظروفها أدعى .. أليس كذلك ..؟!
صحيفة الرأي العام
منى أبو زيد
munaabuzaid2@gmail.com