بئر الكراهية التي لا ينضب ماؤها

 


 

 


abdalla shiglini [abdallashiglini@hotmail.com]

(1)
إن جمعت ما تقدر عليه ، فلن تفِ وصف الكراهية حقها ، وكيف إذ وَجَدتْ الماء والكلأ في النفوسِ القاحلة من مشاعر الحب ووجدتْ أرضاً جرداء من عُشب الإنسانية  ؟. إن الذين يكرهون الآخر المختلف ، يقولون في أنفسهم : ( إن أفكاراً خاطئة تُنبتُها الأرض )... ، وهم لا يعلمون أن الأرض تُنبتُ الطعام لبقاء الكائنات ، وتحيي النباتات " الأروميّة " زكية الرائحة لتنشر الجمال الذي يؤسس للمحبة . وهي التي يراها الذي في مَثله الأعلى : " كُن جميلاً ترى الوجود جميلاً " .
للكراهية والحقد في أمر السلطة والحُكم  أساس أيديولوجي . يتربى الفرد في حزب الجماعة على ثقافة إقصاء الآخر المختلِف . وتأسيس البنية التحتية للكراهية على أساس أن بقاء التنظيم من كُره الآخر . تسرّب إلينا من أدبياتهم أنهم في حالة فشلهم في السيطرة على السلطة بالانقلاب ، فسوف تراق دماءهم في الطرقات !. وتلك تنافي الأعراف والأديان والقوانين التي تنشر ثقافة " حسن الظن " في الآخر لا سوء الظن.
(2)
إن البنية التحتية للجماعة طقس أمنيّ في المقام الأول ، يرى الآخر عدواً مُحتملاً شديد الخطورة .و يرى الأفراد الذي يشكلون الحياة الاجتماعية المدنية  : جماعة  معادية ومنظمة ،بل ويمكنها وفق رؤيتهم  أن تفعل أي شيء لاجتثاث جذور الشجرة  التنظيمية للجماعة ، ومن بعد سينحرون الأفراد واحد إثر آخر  !.
إنه ذات التصور لنهج الجماعة السري  وقد تمّ إسقاطه على الآخر ، وصار هذا الاسقاط عقيدتهم الثابتة .من هنا نتعرف على دور الأمن في تأسيس الجماعة ، فهو رُكن أصيل من أركان التنظيم . أعدوا له عُدّته : المُدخلات والوسائل والمُخرجات . صار التدريب الأمني لأفراد الجماعة كما تقول أدبياتهم " فرض عين "، لن يُستثنى منه صغيراً أو كبيراً ،حتى ولو صار شيخاً ! . ومن هنا تحولت  الفكرة الجهنمية إلى واقع محسوس ، اتخذ سبيلاً بالسعي الحثيث لهدم البنية الصلبة لمؤسسات الدولة ، وإحلال مؤسسات جديدة تتبع للتنظيم ، تقوم على التأسيس للبنيان الأمني ، وتضخمت في تطورها حتى ابتلعت التنظيم !.
(3)
كثيرون جرت الأمثال على ألسنتهم،وقفوا حيارى من فيض جبال الكراهية التي تحجب عن نفوس الكثيرين من أهل السلطان تذوق الحس الإنساني وقد انسدت شرايين الهواء النقي عن اسفنج صدورهم  والسماء الرحبة احتجب فضاؤها الفسيح . تلك الجبال التي تحاول أن تسد الأفق، تمتد سلسلة من أحلام الأنفُس المريضة حين تُشكِّل واقعاً نتحسس نبضه ونتلظى بنيرانه . إذ هو في حقيقة أمره نيزكٌ هبط إلينا من ركام  تاريخٍ معصوب العينين ، يسير بلا هُدى. يتحول البشر فيه إلى آلات تتذوق وتستمتع بطعم الدم وانزواء الآخرين إلى ركن قصيٍّ من شدة القهر ، يصبّ الكارهون عليهم ألوان العذاب .
في قلب الكراهية بقعةٌ سوداء موبوءة بالحقد .جرثومة صارت مع الزمان أكبر من حامليها ، تعملقت من أفعال الشر التي خبزها التنظيم في هدوء الليالي الساكنة ، حين يلتقي في الليل الوطاويط التي تُحيك مؤامرات الظلام  .
(4)
كان أحد المعارف يردد في كل سانحة " إن الذين يحكمون البلاد لا يعرفون الأرض ولا يعرفون أهلها و لا الأعراف ولا الثقافات " . وكنتُ أقول له : لعل الحياة تُخيب الظن أو البحر يُكذب الغطاسين . فوجدنا في خاتمة المطاف أن الذين يحكمون الآن لم يجهلوا الأرض وأهلها فحسب ، بل أصابتهم أدواء مُخلَّقة من خليط الحسد والكراهية والحقد ، كانت تنوء بها كهوف أنفسهم ولا أحد يعلم ، حتى تكاثرت خلاياها السرطانية ، ونفث شررها من العيون الحُمر وهي تنظر ، والأيادي التي تبطش بحيادية العواطف التي مات فيها الحسّ ، من فعل التلقين أن التنظيم أوْلى من صلة الرحم . وأن الأرحام الاصطناعية التي خلقتها أُسر التنظيم أكثر رحمة ، وأن طاعة أولياء الأمر في الجماعة على القسم الغليظ منجاة من جور الزمان !.
(5)
أيديولوجية الإقصاء في بطونها خلايا تتحد لتتفرّق أشتاتاً. تحمل آلية هدمها في داخلها. سُمُّها القاتل في طعم الدسم الحلو الذي يبشر بخيراته أهل التنظيم . كراهية ملأت عليهم حياتهم ، تنزّ بالحقد والحسد في بهائها وصفائها القاتل للنفس والهازم للقيم الإنسانية ومحبة الناس .حين يتحول الإنسان في داخل الجماعة إلى آلة باطشة مُجردة من إنسانية العصر . الدنيا في نظرهم سوداء أو بيضاء . الشر يعتقدون أنه الاسم الحقيقي للآخر المُختلف الذي يسير بقدمين . إن الأغيار في نظرهم شياطين لها قرون ، وحديثهم هو الصفير الذي تُنادي به بعضها في الليالي القمرية  وقد ارتدت جسد أبناء آدم وبناته ، تسير معهم الرذائل أينما حلّوا !، وأن أبدانهم التي نرى ، هي في حقيقتها نارٌ تشكلت لرائيها أجساداً من لحمٍ ودمٍ  لتهدم التنظيم وتُبيد الجماعة  .
يرى التنظيم أن هؤلاء الذين لبسوا أجساد البشر من الأغيار والمخالفين ، ليس لهم وفق فتوى الجماعة حق في العيش الكريم ، بل أذلّة صاغرين أمام المدّ والصحوة المقدسة التي يبشرون بها ، وهي التي ارتدى حُلّلها مشايخ الجماعة ، فمكروا بأسرار التنظيم  عن الافصاح . ( الفكرة -  التنظيم - القوة ) :هو الوجه الماسوني لتلمود الجماعة . تلك الأيقونات الثلاث تتلألأ من البعيد ، ولكن القريب يعرف أن القادة هم حملة المشاعل التي تنطق بلسان المتديِّنين في حين تفعل ضده . والمقولات المُقدسة  المنقولة من كُتب السلف ،تتكلس عند القول . أما النهج  والعمل والتنفيذ فتلك قضية فيها من باب الفتاوى ألف مخرج لتتوافق مع تناقض الأفعال والأقوال ! . رءوا في أنفسهم هم أهل العقيدة الحقّ ، وغيرهم منافقون وأعمالهم كلها رجس شيطاني يتعين أن يُمحَى  وأن يُنفى أهله من الأرض  . قال قائدٌ في تنظيمهم  ذات مرة :
" من أراد العودة إلينا ، فله أن يغتسل ثم يتوضأ سبع مرات ويترجى  التوبة "!
ليس في أبجديتهم التنافُس الحر مع الآخر أو مبارزة الفوارس ، إذ لا يدخلون معركة إلا وقد حسبوا مفاصلها الأمنية واستعانوا بقوة السلطة المأخوذة غدراً ، وأجروا حسابات الربح والخسارة ، فهم في الأصل تُجار بضاعة يسوقون ما لا يصنعون .
(6)
تقول الأمثال عن الغِلّ والحسد والحقد الذي أصاب الجماعة وأهلها ، ما لا تستطيع اللغة أن تحمله بين دفاتر أوراقها أو في خطرات المبدعين حين يمهرون المُصطلح بخاتمهم ويغزّون اللغة بروافد لا تنضب . فالمُبشِر بالكراهية كالمبشر بالموت . يفرح الواحد منهم بموت الآخر . نعرف كم فرّقوا شربات الفرح في أعراس الموت التي كانوا  ينادون عليها بنفرة " أعدوا لهم " . كأنهم مُلّاك اليقين والحق المُطلق . كأن موازين حساب النفوس ليست ملك خالقها ، بل يتصورونها بين أيديهم : يمنحوا إن أرادوا  أو يمنعوا ! . يدخلوا من يحبون الجنان الفيحاء ، أما المخالفين لرأيهم فهم المكروهين المُبشرين بالجحيم. حَمَل الجماعة صكوك غفران القرون الوسطى لأنفسهم وأهل ملّتهم التنظيمية ، ولظى الجحيم يوزعونه على من اختلف معهم !.
(7)
ما أسهل التكفير عندهم ، أخف على ألسنتهم من نُطق السلام . وقد عطلوا قدرة العقل على التفكير النقدي الإبداعي الخلاق ، وهو أصل التكليف . لقد تصورا عن تمادٍ في هوان الجهل أنهم قد  ورثوا مجد خالقهم - تبارك الذي تجلت قدرته - إذ يرون أنفسهم عينه التي تُبصر ويده التي تبطش !. سبحانه تعالى عما يظنون ، أو يحسبون بهتاناً بأنهم مُلاك المصائر ، وأن المُلك الذي مكروا بأخذه ليلاً ، له صاحب الوقت الذي هو رادّهم إلى ميعاد  . يده من فوق أيديهم جميعاً وإن تفرقوا.هو الذي يُمهل ولا يُهمل .
(8)
ضلوا طريقهم للمحبة الإنسانية  ، و نبتَ حنظل الكراهية والحقد والحسد في قلوبهم التي في الصدور ، فنَحُلتْ بسببه أجسادهم ، أو تكوّر الزبدُ شحماً مترهلاً فاختلّ تناسُق هيكل الواحد منهم  ، يمشي كمن تخبطه المسّ . نزّت الشهوانية من عيونهم وجمرها الأحمر يقدح ، وهم يمثّلون في مسرحِ الحياة أدوار التُقاة . يلبسون لباس التقوى ويتقوَّلون بأقوال المُقدسين  حتى حسبوا أنفسهم منهم ، و ظنوا أن ديمومة السلطان لهم منحة وتيسير لهم من عند الله .أما دوام مال السُحت، فيرونه نعمة من الرب بها يتحدثون ! . وهمُ الذين عن كل العبادات ساهون .شهوانيتهم للنساء أعمتهم واتخذوا السُبل ليصلوا بأي طريق لإرواء الغرائز ، حتى لو كان الوصل بإزاحة الآخرين بالموت المُبيَّت النية ، لينكشف الطريق ليصلوا أغراضهم ،حتى ظنوا عن جهالة أنهم يسابقون مشيئة المولى مُرسي الأرواح وصاحب المصائر! . اسودّت وجوههم وهم في وَكر النعمة الضامرة وبسطة جور السلطان وهيبة الحُكم التي تتراءى لهم وهي سراب . لم يسألوا أنفسهم عن رزق السُحت الذي لا يُشبِع بطونهم وهي تتضور جوعاً رغم الغنى . بينهم والتعفُف بيدٌ دونها  بيدُ .
(9)
سارعت الأمثال والقصص تشنف الأذان ، فنسمع ما لسنا متيقنين من نسبته للنبي الأكرم ، إذ لم نُعرضه على الأنوار القرآنية  لنُمسِك بمركِب اليقين: ( المرءُ مع منْ أحب ) ...
تلك التي تُحبِّبُكَ إلى الأخيار وتحبب نفوسهم  إليك . لك أن تشرب من بحر المحبة التي نستزيد خيرها من نعمة الرب التي لا سواحل لبحارها ، تمتد في المكان والزمان ، لا أول لها ولا آخر . ولا يقين إلا في ظلها الذي  نتفيأ في السراء والضراء . تحت سطوة الإله العادل  نعيش أيامنا كلها في رحمته ، ونعلم أن الرزق الحلال أقرب إلينا من تغذية الوريد الذي كُناه في مُبتدأ حياتنا الأولى وهو قاربنا الذي به نستعصم من الغرق ،إذ أبعد عنا المولى أوكار العُصبة التي فيها مقيلهم ،إذ هيّ إلا أرضاً ميتة لن تعمُر أبداً ، وإن الفرج لقريب.
عبد الله الشقليني
4/2/ 2013

 

آراء