مع فاروق أبو عيسى حول (الفجر الجديد) وقضايا المعارضة:
كان الأوجب على الحكومة أن تسقينا (السُّكر) لا أن تُجرِّعنا (السُّم)
تجارب أحزابنا في الحكم لم تكن مُبهرة ولا ديمقراطية ولا مقنعة للشارع
علاقتنا بالجبهة الثورية علاقة إستراتيجية..واتفاقنا معها يحفظ السودان موحداً
التعجل في إعلان الوثيقة أفسد علينا فرحة "العرس الكبير"
أحزابنا مقهورة ومحرومة من الحريات فكيف نشارك في وضع الدستور!
بدا رئيس هيئة تحالف المعارضة الاستاذ فاروق أبو عيسى غير مُبالٍ بكل ما قيل من انتقادات وهجوم عنيف "وثيقة الفجر الجديد"، التي وقّعت عليها بعض احزاب المعارضة للعمل على اسقاط النظام. وذهب أبو عيسى أبعد من ذلك وهو يقول إذا كان النظام الحاكم تهمه مصلحة البلاد بالفعل لسقاهم ماء السكر على فعلهم هذا بدلاً من تجريعهم السُّم وتخوينهم، وذلك لأنه يرى بأن وصولهم لاتفاق مع الحركات المسلحة في الجبهة الثورية من شأنه أن يحافظ على وحدة السودان، بإعتبار أن كثيراً من الحركات المتمردة والحاملة للسلاح بدأ صوتها يعلو للمطالبة بحق تقرير المصير في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان.. أبو عيسى قدّم من خلال هذا الحوار شروحات وتوضيحات لإزالة اللبس والتداعيات التي صاحبت الاعلان عن الوثيقة، والتي تسببت في إفساد "فرحة العرس الكبير" على حد قوله. وهنا رصد لمجمل الحوار...
حوار- جمال إدريس
- قال دكتور نافع في تصريحات له بـ (ابو حمد) إن وثيقة كمبالا ما هي إلا نسخة طبق الأصل من تقرير أعدته مجموعة الازمات الدولية نهاية العام الماضي، ما ردك؟
- هذا حديث سمعنا مثله كثيراً، وهو حديث لا يُسمن ولا يغني من جوع، وأياً من كان الذي أعد الوثقية سواء كانت امريكا أو اسرائيل، فهم مجموعة من الجهلة لأن رأينا أن هذه الوثيقة مكتوبة بصورة مترهلة وبلغة ضعيفة وتحتاج الى تغيير كامل، ومن تتحدث عنهم الحكومة إذا كانوا فعلوا ذلك فعلاً لخرجت بصورة أفضل من الوثيقة المطروحة الآن، وهذه بينة كافية لعدم صحة مزاعم الحكومة. ثم أننا نملك قدرات نضالية وفكرية كافية تمكننا من كتابة أي وثيقة ولا نحتاج لمن يقوم بذلك نيابة عنا، وأنا أتساءل ماهي الحكمة في أن تُكتب الوثيقة في أمريكا ويتم دفعها لنا لنتبناها، كان الأجدر ان يمدونا بالافكار العريضة ثم يتركوا التفاصيل لنكتبها في الداخل، حتى لا يتمكن عبقري كنافع علي نافع ويكتشف انها مصاغة في الخارج.
- بماذا تفسر الهجمة الشرسة التي قوبلت بها الوثيقة من قِبل كل قيادات الحكومة؟
- كان الأولى بمسؤولي الحكومة إذا كانوا يتحلون بالمسؤولية فعلاً، وفي مثل هذه الضغوط التي تتعرض لها حكومتهم الآن، كان الأولى به أن يبحثوا عن كسب ود المعارضة وتهدئة الأمور سعياً للاستقرار وتجنب الصدام بيننا، لأن البلد فيها من الأزمات ما يكفيها، بدل أن يخوضوا معارك جانبية مع المعارضة كان الأجدر بهم في مثل هذه الأيام أن يسقوها "السُّكر" ويسترضونها، بدلاً من استعدائها وتجريعها السُّم.
- تنصلت بعض قوى المعارضة من وثيقة كمبالا ورفضها البعض.. ماهي حقيقة الموقف الآن؟
- الوثيقة أُخضعت لنقاش مستفيض لحصر النقاط الخلافية فيها وعمل منهج للتعامل مع القضية ككل، نحن لسنا رافضين ولا متنصلين من الوثيقة بل نعتبرها أمر مشروع، وعلاقتنا مع الجبهة الثورية وحاملين والحركات علاقة إستراتيجية من أجل إنقاذ ما تبقى من السودان، إذ ظهرت داخل تلك القوى أصوات تنادي بانفصال دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، لذا فإن تلاقينا معهم سيُبقي على السودان موحداً، وهي إحدى أهم موجهات التلاقي مع الجبهة الثورية. ونحن مضينا في هذا واستطعنا اقناعهم بأن السودان لا يحتمل الدخول في سيناريوهات سوريا واليمن، ولدينا تجارب في التاريخ السياسي يمكن الاستفادة منها كثورة اكتوبر 64، وأن التغيير بالسلاح مضر، وينبغي أن يأتي التغيير عبر النضال السلمي.
- لكن بعض الأحزاب سارعت بالتنصل من الوثيقة والتبرؤ من ممثليهم الذين وقعوا عليها؟
- نعم حدثت بلبلة كبيرة في مسألة (مشروع ميثاق الفجر الجديد)، وأنا لا ألقي باللائمة على أحزابنا لأنها طلبت من ممثليها الذهاب إلى كمبالا للجلوس مع قيادات الجبهة الثورية وعمل مقاربة بين وثائقنا ووثائقهم والخروج بمشروع وثيقة واحدة تُعرض على الشعب السوداني وتحالف الاجماع الوطني بصورة علنية، وبعدها يلتقي الجميع في قمة لإجازة المشروع الذي سيصبح أساساً لوحدة المعارضة، لكنهم عوضاً عن ذلك قاموا بالتوقيع عليها وتناقلتها المواقع الإسفيرية ما أحدث ربكة كبيرة في الداخل وأفقدنا فرحة "العرس الكبير" الذي كان يمكن أن يقابل به الشارع السوداني مشروع الميثاق، وأعطت الفرصة للمؤتمر الوطني الذي هجم هجمة قوية أرعبت المواطنين من ميثاق كمبالا.
- تتحدث بثقة عن امكانية ترحيب الشارع بميثاق الفجر الجديد، بينما فقد المواطن الثقة في المعارضة وقدرتها على التغيير؟
- صمت طويلاً ثم أجاب: هناك أسباب كثيرة أدت إلى فقدان الثقة فينا، فنحن مازلنا غير مقنعين بالنسبة للشعب السوداني.
- ... مقاطعة... هل هذا اقرار منك بفشلكم في اقناع الشارع بالمعارضة؟
- نعم أنا مقنتع بذلك ولا أخشى الحديث فيه، والسبب في ذلك هو أن تاريخ أحزابنا لم يكن مقنعاً في الفترات التي تولت فيها الحكم، ولم تكن تجارب الحكم الحزبية جميعها ناحجة ومبهرة بالصورة التي تجعل المواطنين متمسكين بهذه الأحزاب. كما أن الحياة الداخلية للأحزاب ليست ديمقراطية بالكيفية التي تجعل قواعد الأحزاب متماسكة مع القيادة. بالإضافة إلى أن السودان لم يمر عليه نظام قاهر مثل النظام الحالي الذي يمتلك الكثير من أدوات القمع، ما أدى إلى تهيّب العمل السياسي الذي قد يؤدي إلى الموت لدى رجل الشارع البسيط . ومن الأسباب أيضاً حل النظام النقابات التي كانت تنظم الاضرابات والإعتصامات وأصبحنا نعتمد بنسية 85% من الفعل السياسي على الأحزاب السياسية وحدها، ومعروف أن فاعلية الأحزاب في التغيير تكون أكثر بطئاً. كل ذلك تسبب في ضعف التجاوب مع نداءاتنا في اسقاط الحكومة والاتنفاضة عليها. لكن أنا اؤكد لك بأن التغيير آت آت.
- قالها بثقة وواصل حديثه...
- النظام فاشل اقتصادياً بنسبة 100% ، المجاعة منتشرة في كل مكان بالسودان، والحروب تقطع أطرافه، وهناك تململ في كل انحاء البلاد ، كما أن النظام معزول في الاطار الاقليمي والعالمي، حتى الدول العربية تحولت إلى دول أعداء بعد أن بنى النظام علاقات إستراتيجية مع إيران. والعنصر الأخير أن النظام تفتت من داخله حتى وصل إلى حد حمل بعض قياداته السلاح في المحاولة الانقلابية، نحن مع التغيير الذي يأتي من الشعب لأن فيه ضمانات أكثر، فقط الشعب يحتاج إلى تنظيم أكثر، والمواطن كلما ضاقت عليه الحياة ولقمة العيش نظم نفسه بصورة أكبر وأسرع. وطالما أنه لا تُوجد نقابات عمالية تنظم الاضرابات والعصيان المدني فإنه لا سبيل أمامنا إلا العمل المفتوح والميداني، مثلما حدث في مصر.
- لكن المعارضة ليس لها دور في العمل الميداني، فحتى التظاهرات التي تنطلق بين الحين والآخر سرعان ما تخبو؟
- المواطن بات يخشى على لقمة عيشه لذا لا يخرج إلى الشارع ولا يكون جريئاً في المشاركة في التظاهرات، ولكن نحن نقول إن حكومة المؤتمر الوطني حان أجلها، وما الهلع والخوف من وثيقة الفجر الجديد إلا دليل على دنو أجلها وخشيتها من أن يتم ذلك عبر توحد قوى المعارضة في الداخل والخارج.
- المواطن يخشى أيضاً من تكرار ما حدث في ليبيا ومصر وسوريا واليمن، وما صحبها من فوضى واقتتال؟
- نحن أيضاً نخشى من النماذج في المنطقة العربية التي أدت إلى القتل والتدمير، نحن لا نريد لشعبنا أن يعيش معاناة الشعوب العربية في اليمن وسوريا وغيرها.
- ما الذي قدمته المعارضة لحل أزمات البلاد والشعب، باستثناء الاجتماعات والبيانات؟
- هذا توصيف صحيح بأن البلاد تمر بأزمات حقيقية لم يسبق أن مرت على مثلها من قبل، والمواطن السوداني لم يقاسي مثل ما يقاسي الآن فالتضخم وصل مداه وتراجع الجنية أمام الدولار بصورة مريعة وهناك انفلات امني في معظم ارجاء البلاد، وتم تدمير كل المشاريع الكبرى كمشورع الجزيرة و...
- ... مقاطعة... ولكن ماذا فعلت المعارضة، وماذا قدمت للشعب إزاء كل هذه الأزمات؟
- المعارضة ليست لديها ما تقدمه، نحن محاصرون.. الأحزاب تم حلها وكذا النقابات العمالية، نحن الآن نفتقد لآليات التنظيم القديمة، تم تشريد المئات من قيادات تحالف المعارضة وإحالتهم للصالح العام وتمت ملاحقتهم وتشريدهم. في سنوات الإنقاذ الأولى وصلنا إلى درجة حمل السلاح في وجه الحكومة بواسطة جيش التجمع الوطني. وبعد التوقيع على اتفاقية القاهرة مع الحكومة شكّلنا معارضة داخلية تحت قبة البرلمان.
- هل ستستجيبون لدعوة الحزب الحاكم وتشاركون في كتابة الدستور؟
- الأحزاب مقهورة وليست لديها حريات كيف يُطلب منها المشاركة في كتابة الدستور، نحن الآن محرومون من الظهور في أجهزة الإعلام الرسمية، والنظام مارس هجمة على مراكز الاستنارة والثقافة في البلاد وأغلق منظمات المجتمع المدني. الهدف من الدعوة هو تغطية عيوب النظام ودفع الناس لتجاوز الأزمة التي يعيشها ونحن لن نعمل على مساعدته في ذلك.
- بعض أحزاب تحالف المعارضة تشارك بشكل أو بآخر في الحكومة. حزب الامة مثلاً يشغل نجل زعيمه منصب مساعد الرئيس البشير.. كيف تنظر لذلك؟
- انا أؤكد أن حزب الأمة معنا، لكن ربما كانت ظروفهم الداخلية ومسؤولياتهم في الحزب تفرض عليهم معادلات معينة، صحيح أنا أستطيع تفهمها لكنها على أي حال تضر بقوى المعارضة. ثم يجب ألا نتوقع أن تتحدث كل قيادات المعارضة بذات اللغة، فلكل شخص الطريقة التي يعبر بها مع الحفاظ على الهدف الأساسي وهو إسقاط النظام.
- وماذا عن المؤتمر الشعبي الذي كان جزءاً من نظام الإنقاذ؟
- أنا شخصياً لا آمن لهم، وحديثهم الأخير عن تنكرهم لوثيقة كمبالا أرجع إلى ذهني فكرة إنقلابهم الأول مع البشير.
- كيف تنظر لمخرجات التفاوض بين السودان ودولة الجنوب؟
- نحن نرى بأن الاتفاقيات التي تم التوصل إليها مهمة لأنها تباعد ببنا والحرب، والحرب بالطبع مدمرة للطرفين، وتلك الاتفاقيات تفتح الباب لعلاقات حسن جوار على مستوىً عالٍ من الاخوة والاحترام المتبادل والحفاظ على المصالح المشتركة. لكن حكومتنا في الشمال سياستها عكس كل ذلك، إذ تقوم على توتير الأجواء بينها والجنوب بإستمرار.
- علاقة دولة الجنوب بإسرائيل تسير في تقارب واضح للعيان، ما موقفكم من ذلك؟
- نحن كنا حزينين جداً عندما علمنا بزيارة رئيس دولة الجنوب سلفاكير لإسرائيل، بالرغم من أن الجنوب صار دولة مستقلة من حقها إقامة علاقات مع من تحب، وقد خاطبناهم بذلك وأبلغناهم رفضنا لهذه العلاقة. لأنهم بهذا الفعل أتوا بإسرائيل كلاعب سياسي في العلاقة بينهم وبين الشمال، وبينهم وبين الدول العربية والافريقية، وهذا التقارب بلا شك يمثل خطراً على ما نأمل عليه من أجل استعادة الوحدة بين الشمال والجنوب، أو على الأقل المحافظة على العلاقة القديمة بين الشعبين.
لذلك نقول بوضوح إننا ضد إسرائيل ونعلم مخاطرها على الأمن الوطني، وعلى الأمن في كل مكان وضعت أرجلها فيه. ولكن للأسف ليس بيدنا شيئ لنفعله؛ فالاخوة في دولة الجنوب حجتهم الجاهزة في الرد علينا هي أن إسرائيل لديها علاقات مع كثير من الدول العربية، سواء كانت علاقات رسمية أو "تحت الطاولة".