لا قداسة مع السياسة
عبد الله الشقليني
10 March, 2013
10 March, 2013
abdallashiglini@hotmail.com
لا قداسة مع السياسة
(1)
من السهل أن تسرق حافظة نقود أو تتسلل يدك إلى جيب أحدهم وتسرق ، فهي جريمة عادية مثل كل الجرائم المتعلقة بالتعدي على ممتلكات الأشخاص . ولكن لا أحد يمكنه أن يسرق عقيدتك التي تربيت عليها منذ صغرك . ابتنيتها كبيوت الرمل منذ الطفولة، واشتدّ ساعدها مع الأيام ، ونشأت على اليقين البريء الذي من خلاله ترى الدنيا وعوالمها ، وتتعرف على الحق وتفرق بينه وبين الباطل لأن مقياس العدالة قد تربيت عليه واكتسب من ثقافتك ومصادرها أفرعاً وشجراً وثماراً ، وتعلمت عن ظهر قلب أنه في رخاوة الطفولة و الشباب الأخضر يتشكل المسلك .
منْ يسرق عقيدتك مِن بيتها الآمن ، ويعيد تشكيل عجينها ، متخذاً اللطف الخادِع والبراءة المزيفة طريقاً مُيسراً للدخول لعوالم النفس الخفية ؟ . من منطقة الضعف عرِف تنظيم الجماعة الشمولي الدخول عبر بوابة الخوف ، من دنيا العقل الباطن . يقوم بتحفيز القوة الكامنة في الخوف ، ويختارها بعناية من دون العواطف الأخرى لتكون شركاً للمحبين ، أو المنتحرين الصغار على مذبح التنظيم .
في سجلات الجرائم ، ليس مُدوناً حافظة تحوي في باطنها عقيدة سُرِقت لينفتح ملفاً بالسرقة أو استدعاء الجاني أو التحقيق ، لأن الموضوع برمته يسمونه قضية اختيار ، وليس في أعرافهم أن العقيدة قد تُسرَقْ !. مِن هذا الطيف الهلامي ، يمكن لمن يريد أن ينسج حبائل النصب لتكن أنتَ وفق التكوين عجينة طيعة للاستخدام . ليست هنالك قضية نبيلة في أمر دعوتهم خلط الدِّين بالسياسة والحكم ، رغم أن الذين يقومون بالسرقة لا تبدو على مظهرهم إلا ملامح الصلاح والتُقى . ومن هنا كان الأمر أخطر من سرقة عادية . يقولون المؤمن صدِّيق . وحقيقة المؤمن البريء ، لا تشوبها شوائب الحياة ، ويصدِّق أن الدِّين يمكن أن يكون تجارة وعملاً وسياسة وسلطة وحُكم كما يزعمون !، وأن المسجد ليس مكاناً للدِّين وأحكامه أو تهذيب الأرواح فحسب ، بل لقيادة الناس !. وهنا القضية الملتبسة .
قال الأب الروحي للتنظيم :
(لقد اعتاد الناس في رحلة بُعدهم عن العقيدة ، أن تكون المساجد للدعوة ومعرفة المناسك ، الواجبات والسُنن ، وبينها وبين حياة الناس بون شاسع . لذا يتعين أن يخرج الدِّين من المسجد ، لتكتسي روحه لحماً وعظاماً وتدخل حياة الناس. يجب أن تعيش العقيدة في الأرض . نعم جاءت من السماء ، ولكن عدالتها في الأرض . لذا كان أمر الناس من السياسة والسلطة،أمراً طبيعياً و أن يكون الدِّين قائداً برجاله الذين يختار للسياسة والزعامة والسلطان )!!
*
أي ليصبح الدين وسيلة للسلطة !!!
*
قيل له إن الخلفاء الراشدين حَملة القيادة السياسية ، عندما صعدت روح رسول الله (صلعم) لبارئها ، لم يذهبوا للمسجد " بيت الله "من أجل السلطة والإمارة :{وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً }الجن18 . وذلك عندما كانت قضيتهم "السلطة والإمارة " وهو أمر ليس من أمور الدِّين . لم يخلطوا الأمر، بل ذهبوا إلى "سقيفة بني ساعدة " وهو بيت يجتمع تحته عِلية الناس ، ليتشاورا في أمر السياسة والسلطة والإمارة. وتلك هي القضية التي يحاول تنظيم الجماعة تزوير حقائقها ويجعل من السلطة هدفاً دينياً نبيلاً ومقدساً !، وهو في حقيقته هدف سياسي دنيوي . ليس له أن يلبس لباس الدِّين ، وليس من الحق أن يلبس دُعاته لبس القداسة ، مسلمٌ من وقف معهم وكافرٌ من خالفهم، ليصوروا للناس أن كلامهم ورؤاهم ومسلكهم هو من أمر الله جلت عزّته وأن مخالفتهم خروج عن الملَّة. وأن السلطة الإسلامية الأصولية التي يرى أصحابها أن تَفْرض هيمنتها على كل ما حولها ،تؤكد التعصب لا التسامُح ، الصوت الواحد لا التعدد ، التوحيد القسري لا التنوع الخلاق ، الإجماع القمعي لا حقّ الاختلاف أو الخروج عن الجماعة ، معاداة الدولة المدنية واستبدال الدولة الدينية بها !.
*
السلطة هي أولاً وأخيراً صنيعة دنيوية ، يروّج لها أصحابها بما يرون من فكر سياسي ، يعرضون ذلك على الناس وافقوهم فيه أم اختلفوا معهم والحكم للديمقراطية في هذا العصر. ولكن خلط السلطة بالعقيدة هو مكر إلباس الباطل لباس الحق ، وربط الدِّين السماوي بخَبَث الأرض ، وصنائع الناس .
هذه هي الجريمة ، التي لم يعتد القانون على كتابتها ضمن الصحائف والوثائق والمستندات ، فهي جريمة مركبة ، أكبر من الجرائم الصغيرة التي تنتشر بين الناس. من لا يريد أن يمنح أحد حق الاختلاف في أمر السلطة والسياسة ، فإنه يختار أن يتخفى بلباس القداسة ، ليفعل ما يشاء ولا يحاسبه أحد ، ويصنع الأحكام التي تجعل طاعة السلطان كأنها فرض من فروض العقيدة والدِّين !. هذا الخلط المُركب هو الذي يحتاج أن نميِّز خيوطه ، وألا نُدْخِل على متغيرات الحياة ، من باب الفتاوى المتغيرة .
(2)
هنا قصة السقيفة كما وردت في تأريخ أبي جعفر محمد بن جرير الطبري" ، المجلد الثاني ،ص 514 – 516 ، وهي القصة التي يحاول سياسيو التنظيم أن يدارونها عن العيون كي لا تقرأ :
(أ)
ذكر الخبر عما جرى بين المهاجرين والأنصار في أمر الإمارة في سقيفة بني ساعدة :
حدثنا هشام بن محمد عن أبي مخنف قال : حدثني عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري أن النبي (صلعم) لما قُبض اجتمعت الأنصار في سقيفة بني ساعدة ، فقالوا : نولي هذا الأمر بعد محمد ( صلعم ) سعد بن عبادة وأخرجوا سعداً إليهم ، وهو مريض ،فلما اجتمعوا ، قال لابنه ، أو بعض عمه : إني لا أقدر لشكواي أن أسمع القوم كلهم كلامي ، ولكن تلق مني قولي فأسمعموه ، فكان يتكلم ويحفظ الرجل قوله فيرفع صوته فيسمع أصحابه ، فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه : يا معشر الأنصار ، لكم سابقة في الدين ، وفضيلة في الإسلام ليست لقبيلة من العرب. إن محمداً (صلعم ) لبث لبضعة عشرة سنة في قومه يدعوهم إلى عبادة الرحمن وخلع الأنداد ، والأوثان فما آمن به إلا رجال قليل وكان ما كانوا يقدرون أن يمنعوا رسول الله (صلعم) ولا أن يعزّوا دينه ، ولا أن يدفعوا عن أنفسهم ضيماً عمّوا به حتى أراد بكم الفضيلة ساق إليكم الكرامة ، وخصكم بالنعمة فرزقكم الله الإيمان به وبرسوله ، والمنع له ولأصحابه والإعزاز له ، ولدينه والجهاد لأعدائه فكنتم أشد الناس على عدوه منكم ، وأثقله على عدوه من غيركم حتى استقامت العرب لأمر الله طوعاً وكرهاً ، وأعطى البعيد المقادة صاغراً داخراً حتى أثخن الله عز وجل لرسوله بكم الأرض ودانت بأسيافكم العرب ، وتوفاه الله ، وهو عنكم راض وبكم غرير عين، استبدوا بهذا الأمر فإنه لكم دون الناس ،فأجابوه بأجمعهم : أن قد وفقت في الرأي وأصبت في القول ، ولن نعدو ما رأيت ونولّيك هذا الأمر فإنك فينا مقنع ولصالح المؤمنين رضا ، ثم أنهم ترادّوا الكلام بينهم ، فقالوا : فإن أبت مهاجرة قريش فقالوا : نحن المهاجرون وصحابة رسول الله الأولون ، ونحن عشيرته ، وأولياؤه فعَلام تنازعونا هذا الأمر بعده ، فقال طائفة منهم : إنا نقول : إذاً منّا أمير ومنكم أمير ، ولن نرضى بدون هذا الأمر . أبداً ، فقال سعد بن عبادة حين سمعها : هذا أول الوهن !.
*
وأتى عُمر الخبر ،فأقبل إلى منزل النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل إلى ابي بكر ، وأبوبكر في الدار وعلي بن ابي طالب رضي الله عنه ، دائب في جهاز رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأرسل إلى أبي بكر أن أخرج إليَّ ، فأرسل إليه :إني منشغل ، فأرسل إليه أنه قد حدث أمر لا بد لك من حضوره ، فخرج إليه ، فقال : أما علمت أن الأنصار قد اجتمعت في "سقيفة بني ساعدة "يريدون أو يولوا هذا الأمر سعد بن عبادة وأحسنهم مقالة ، مَن يقول : منا أمير ومن قريش أمير ، فمضيا مسرعين نحوهم ، فلقيا أبا عبيدة بن الجراح ، فتماشوا إليهم ، ثلاثتهم ، فلقيهم عاصم بن عدي ، وعويم بن ساعدة فقالا لهم : ارجعوا ، فإنه لا يكون ما تريدون ، فقالوا : لا نفعل ، فجاءوا وهم مجتمعون ، فقال عمر بن الخطاب : أتيناكم وقد كنت زوّرت كلاماً أردت أن اقوم به فيهم ، فلما أن دفعت إليهم ذهبت لأبتدئ المنطق ، فقال لي ابوبكر " رويداً حتى أتكلم ، ثم أنطق بعدما أحببت فنطق فقال : عمر فما شيء كنت أردت أن أقوله إلا وقد أتى به أو زاد عليه .
(ب)
فقال عبد الله بن عبد الرحمن : فبدأ أبو بكر فحمد الله ، وأثنى عليه ، ثم قال : إن الله بعث محمداً رسولاً إلى خلقه وشهيداً على أمته ليعبدوا الله ، ويوحدوه ، وهم يعبدون من دونه آلهة شتى ويزعمون أنها لهم عنده شافعة ،ولهم نافعة ، وإنما هي من حجر منحوت وخشب منجور ، وثم قرأ :
{وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ }يونس18
وقالوا : {... أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى }الزمر3
فعظم على العرب أن يتركوا دين آبائهم فخص الله المهاجرين الأولين من قومه بتصديقه والإيمان به والمواساة له والصبر معه على شدة أذى قومهم لهم ، وتكذيبهم إياهم ، وإجماع قومهم عليهم فهم أول من عبد الله في الأرض وآمن بالله ورسوله وهم أولياؤه وعشيرته ، وأحق الناس بهذا الأمر من بعده ، ولا ينازعهم ذلك إلا ظالم ، وأنتم يا معشر الأنصار ، من لا ينكر فضلهم في الدين ولا سابقتهم العظيمة في الإسلام رضيكم الله أنصاراً لدينه ورسوله ، وجعل إليكم هجرته وفيكم جلة أزواجه وأصحابه ، فليس بعد المهاجرين الأولين عندنا أحد بمنزلتكم فنحن الأمراء ، وأنتم الوزراء لا تفتانون بمشورة ، ولا نقضي دونكم الأمور ، قال : فقام الحباب بن المنذر بن الجموح فقال : يا معشر الأنصار ، أملكوا عليكم أمركم ، فإن الناس في فيئكم وظلكم ، ولن يجترئ مجترئ على خلافكم ، ولن يصدر الناس إلا عن رأيكم أنتم أهل العز، والثروة ، وأولو العدد والمنعة ، والتجربة وذوو البأس والنجدة ، وإنما ينظر الناس إلى ما تصنعون ، ولا تختلفوا فيفسد عليكم رأيكم ، وينتقص عليكم أمركم فإن أبى هؤلاء إلا ما سمعتم فمنا أمير ومنهم أمير .
(ج)
فقال عمر : هيهات لا يجتمع اثنان في قرن ، والله لا ترضى العرب أن يؤمروكم ونبيها من غيركم ، ولكن العرب لا تمنع أن تولي أمرها من كانت النبوة فيهم وولي أمرهم منهم ، ولنا بذلك على من أبى من العرب الحجة الظاهرة ، والسلطان المبين من ذا ينازعنا سلطان محمد ، وإمارته ، ونحن أولياؤه وعشيرته إلا مُدلٍ بباطل أو متجانف لإثم ومتورط في هلكة ! فقام الحباب بن المنذر ، فقال : أملكوا على أيديكم ، ولا تسمعوا لمقالة هذا وأصحابه فيذهبوا بنصيبكم من هذا الأمر فإن أبوا عليكم ما سألتموه، فأجلوهم عن هذه البلاد ، وتولّوا عليهم هذه الأمور فأنتم والله أحق بهذا الأمر منهم ،فإنه بأسيافكم دان لهذا الدِّين ممن لم يكن يدين، أنا جذيلها المحك ، وعذيقها المرجب ! أما والله لئن شئتم لنعيدنَّها جذعة ، فقال عمر : إذن يقتلك الله ! .فقال أبوعبيدة : يا معشر الأنصار ، إنكم أول من نصر وآزر ، ولا تكونوا أول من بدَّل وغير .
(د)
فقام بشير بن سعد أو النعمان بن بشير ، فقال : يا معشر الأنصار ، إنا والله لئن كنا أولي فضيلة في جهاد المشركين ، وسابقة في هذا الدِّين ما أردنا به إلا رضا ربنا وطاعة نبينا والكدح لأنفسنا فما ينبغي لنا أن نستطيل على الناس بذلك ، ولا نبتغي به من الدنيا عرضاً فإن الله ولي المنّة علينا بذلك ألا إن محمداً من قريش وقومه أحق به وأولى وأيم الله لا يراني الله أنازعكم هذا الأمر أبداً ، فاتقوا الله ولا تخالفوهم ولا تنازعوهم فقال أبوبكر : هذا عمر وهذا أبوعبيدة فأيهما شئتم فبايعوا ، فقالا : لا والله لا نتولى هذا الأمر عليك ، فإنك أفضل المهاجرين و {.. ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ ..}التوبة40 ،وخليفة رسول الله على الصلاة والصلاة أفضل دين المسلمين فمن ذا ينبغي له أن يتقدمك أو يتولى هذا الأمر عليك ابسط يدك نبايعك ، فلما ذهبا ليبايعاه سبقهما إليه بشير بن سعد فبايعه فناداه الحباب بن المنذر يا بشير بن سعد عقتك عقاق ،ما أحوجك إلى ما صنعت، أنفست على ابن عمك الإمارة ؟ فقال : لا والله ، ولكني كرهت أن أنازع قوماً حقاً جعله الله لهم . ولما رأت الأوس ما صنع بشير بن سعد ، وما تدعو إليه قريش ، وما تطلب الخزرج من تأمير سعد بن عبادة ، فقال بعضهم لبعض ، وفيهم أسيد بن حضير ، وكان أحد النقباء : والله لئن وليتها الخزرج عليكم مرة لا زالت لهم عليكم بذلك الفضيلة ،ولا جعلوا لكم معهم فيها نصيباً أبداً فقوموا فبايعوا أبابكر، فقاموا إليه فبايعوه فانكسر على سعد بن عبادة ، وعلى الخزرج ما كانوا أجمعوا له من أمرهم .
(هـ)
قال هشام : قال أبو مخنف : فحدثني أبوبكر بن محمد الخزاعي أن أسلم أقبلت بجماعتها حتى تضايق بهم السكك فبايعوا أبا بكر فكان عمر يقول : ما هو إلا أن رأيت مسلم ، فأيقنت بالنصر ، قال هشام : عن أبي مخنف قال عبد الله بن عبد الرحمن : فاقبل الناس من كل جانب يبايعون أبابكر . وكادوا يطئون سعد بن عبادة فقال ناس من أصحاب سعد : اتقوا سعداً لا تطئوه ، فقال عمر : اقتله قتله الله ، ثم قام على رأسه ، فقال : هممت أن أطأك حتى تندر عضدك فأخذ سعد بلحية عمر ، فقال : والله لو حصصت منه شعرة ما رجعت وفي فيك واضحة ، فقال أبوبكر " مهلاً يا عمر ، الرفق ها هنا أبلغ فأعرض عنه عمر ، وقال سعد : أما والله لو أن بي قوة ما أقوى على النهوض لسمعت مني في أقطارها وسككها زئيراً يجحرك وأصحابك . أما والله إذا لألحقنك بقوم كنت فيهم تابعاً غير متبوع ! احملوني من هذا المكان ،فحملوه فأدخلوه في داره وترك أياماً ثم بعث إليه أن أقبل فبايع فقد بايع الناس ، وبايع قومك ، فقال : أما والله حتى أرميكم من نبلي وأخضب سنان رمحي وأضربكم بسيفي ما ملكته يدي وأقاتلكم بأهل بيتي ، ومن أطاعني من قومي فلا أفعل وأيم والله لو أن الجن اجتمعت لكم مع الإنس ما بايعتكم حتى أعرض على ربي وأعلم ما حسابي . فلما أتى أبوبكر بذلك ، قال له عمر : لا تدعه حتى يبايع ، فقال له بشير بن سعد : إنه قد لجّ وأبى وليس بمبايعكم حتى يقتل وليس بمقتول حتى يقتل معه ولده ، وأهل بيته وطائفة من عشيرته فاتركوه فليس تركه بضارِّكم إنما هو رجل واحد، فتركوه وقبلوا مشورة بشير بن سعد ، واستنصحوه لما بدا لهم منه ، فكان سعد لا يصلي بصلاتهم ولا يجمع معهم ويحج ولا يفيض معهم بإفاضتهم فلم يزل كذلك حتى هلك أبوبكر رحمه الله.
(و)
حدثنا عبيد الله بن سعد قال : حدثنا عمي قال : أخبرنا سيف بن عمر ، عن سهل ، وأبي عثمان ، عن الضحاك بن خليفة قال : لما قام الحباب بن المنذر انتضى سيفه ، وقال : أنا جذيلها المحكك ، وعذيقها المرجب أنا ابو شبل في عريسة الأسد يعزي إلى الأسد ،فحامله عمر فضرب يده فندر السيف فأخذه ، ثم وثب على سعد ووثبوا على سعد وتتابع القوم على البيعة وبايع سعد ، وكانت فلتة كفلتات الجاهلية قام أبو بكر دونها ، وقال قائل : حين أوطئ سعد : قتلتم سعداَ! ، فقال عمر : قتله الله إنه منافق ، واعترض عمر بالسيف صخرة فقطعه .
(ز)
حدثنا عبيد الله بن سعيد قال : حدثني عمي يعقوب قال : حدثنا سيف ، عن مبشر عن جابر، قال : قال سعد بن عبادة يومئذ لأبي بكر : إنكم معشر المهاجرين ، حسدتموني على الإمارة ،وإنك وقومي اجبرتموني على البيعة ، فقالوا : إنا لو اجبرناك على الفرقة فصرت إلى الجماعة كنت في سعة ، ولكنا اجبرنا الجماعة فلا إقالة فيها لئن نزعت يدا من طاعة ، أو فرقت جماعة لنضربنَّ الذي فيه عيناك .
(3)
إن السلطة ومالها وكل جبروت أهلها لا تستحم في الماء المقدس لأنها من عمل الناس . فالعقيدة الحق هي المحبة التي يودعها الرب في الفؤاد ، هي النفحة الإلهية التي نتنفسها . إن المحبة هي قدرة الإله التي نتحسسها في كل لمحةٍ و في كل نَفَس . منْ يسرقها من القلوب البريئة المطمئنة مِن أجل السلطان فقد ارتكب جُرماً لم تكتبه السجلات المعروفة عندنا ، ولكن عرفته القوانين الإنسانية المتحضرة ، التي نعيش زمانها الحُر وشفافيتها الزجاجية ، فليس بيننا وبينها من أستار .
المراجع :
(1) جابر عصفور، النقد الأدبي والهوية الثقافية ، دبي الثقافية ، فبراير2009، ص 22
(2) محمد بن جرير الطبري ، تاريخ الطبري- تاريخ الأمم والملوك،دار صادر بيروت ،الطبعة الثانية ،2005 ، المجلد الأول-ص 514-516 .
عبد الله الشقليني
9/3/2013