رفع الضغط لدى المواطن

 


 

 


*أساطير صغيرة


يحكى أنّ ما يثار من جدل هذه الأيام في ما يخص رفع الدعم الحكومي عن المحروقات (البنزين)، وما سيواجه المواطن (محروق الدم) من أزمات معيشية ستضاعف من حجم المعاناة التي يرزح فيها أصلا؛ هذه الجدل المثار لا يعبر في حقيقته عن طبيعة الوضع الذي يحياه هذا المواطن، ولا يعكس واقع الدائرة الجهنمية التي تطوقه لسنوات عجاف وتضيق عليه في كل يوم على وعد أن تنسفه نسفا نهائيا وتريحه من هذا الوجود (المأزقي)؛ الذي يجعله متجاذبا ما بين ألم ووجع ومرض وجوع وفقر مدقع يتضاعف يوما إثر، فالدعم (غير المحسوس)؛ رُفع أو تُرك لن يبدل شيئا من هذا السعي الحثيث لهذه الدائرة الجهنمية في تطويقها لهذا الإنسان السوداني المتلاشي.. تسريع ليس أكثر.
قال الراوي: القضية لا تتعلق برفع دعم عن محروقات أو ضغط موازنة حكومية جديدة أو ما لا يفهم من تنظيرات اقتصادية لم تحقق أدنى حد من النسبة المطلوبة لحياة كريمة تتحقق لهذا الإنسان – الزول السوداني – فكل إجراء اقتصادي كان ظاهره (الضيق) كما يحدث الآن، أو كان ظاهره (الوهم) بالرخاء وتبدل الحال كما ظل يُضخ طيلة السنوات الماضية، كل هذا لا يعبر عن القضية الأساسية التي تتعلق أساسا بالهدر (القيمي) الذي أصاب هذه البلاد في مقتل؛ وهو هدر أخلاقي، هدر حضاري، هدر علموي، هدر تنموي، هدري مبدئي، وهدر في المقام الأول والأخير إنساني.
قال الراوي: الدائرة الجهنمية تضيق كل يوم، القرارات من مثل هذا (رفع الدعم) لا تعدو أن تكون سوى صبا للزيت على النار (هنا يمكن قراءتها بنزينا على النار)؛ انشغال المواطن بـ(بقفة ملاحه) لن يدوم طويلا، لأن هذه القفة (الرمزية) صائرة إلى اضمحلال، وسيأتي اليوم الذي لن يجد فيه المواطن لا (القفة، لا رمزيتها، ولا صبرا يبل الروح)، وحينها ستكون الدائرة قد أكلمت التفافها وحرقت (الهيكل) المتبقي من هذا (الوجود) المسمى إنسان سوداني.
قال الراوي: ربما يلعب (المسعول) صاحب قرار رفع الدعم (المزعوم) على فرضية أن روح الاحتجاج وفاعلية الغضب قد انتفت تماما لدى المواطن، الذي بدا وكأنه تحول إلى (درقة) لاستقبال كل الضربات القاضية، التي توجه إليه في كل صباح، ليتلقاها بخده الأيمن ثم يدير خده الأيسر ليتلقى الضربة القادمة.. وربما يفترض (المسعول) أيضا أن علاقة حب (عمياء) تربط هذا المواطن بحكومته الغرائبية، وتجعله على استعداد لاحتمال كل ما يصدر عنها رضوخا لحالة العشق غير المفسرة أو المبررة، أو ربما وربما.. وكلها افتراضات تبني على الوهم وتزرع في الهشيم وستجني حصاد حارث البحر، إن شاء الله.. فالجوع يا سيدي (المسعول) كافر.
ختم الراوي؛ قال: لا تركنوا كثيرا إلى هذا الصمت، فبعد الصمت كلام!
استدرك الراوي؛ قال: (ألمي حامي ولا لعب قعونج) يا سيدي (المسعور).
*زاوية يومية بصحيفة (اليوم التالي)
منصور الصُويّم
mansour em [mansourem@hotmail.com]

 

آراء