التنظيم وتسونامي 2013
عبد الله الشقليني
29 October, 2013
29 October, 2013
(1)
تسنامي هزَّ جزع الشجرة العجفاء ، التي جاءت بليل الأكذوبة ، وغطتها عُصبة من خارج الوطن ، كانت تُسهر ليل كل يوم يمر وإلى صبحه . مُساهمة من جنود حرب أفغانستان الأولى ضد السوفيت ، تمرنوا على سلاح الساعد والكتف ، وقيادة الدراجات البخارية في ليل الخرطوم الدامس أيام الطوارئ منذ السادسة مساء وإلى السادسة صباحاً. كان التنظيم الدولي ينام بعين مفتوحة ، ويبسط ملاءته وقد اختار من دون الأوطان ، السودان موطناً ، ليتدرب أبناؤه على إعادة دولة الخلافة والتاريخ القديم إلى واقع القرن العشرين وما بعده . أحلام لم يكن لها أن تتحقق لولاء ضعف آليات الديمقراطية السودانية ، ومراوحة زعماء الطوائف في أزمتهم الخاصة برغباتهم السلطة من طرف ، وحضانتهم البسطاء بطقوس الدين الشعبي من طرف آخر . مريدون من جهة ورغبات دفينة في الحكم وإدارة الدولة ولذة أن تكون الحاكم بأمر الله . رغبات لما تزل تعبث بأذهان زعماء الطوائف منذ أوائل القرن الماضي، قصة ضَعُف فيها الطالب والمطلوب . عَوْدة وردَّة إلى عهود الانحطاط ، حيث يريد الزعماء أن يمتلكوا السلطة الدينية والدنيوية . وتلك قصة لا تُدار بالبركة وحدها ، لأن للعصر قوانينه ، ولعبة الأمم لا تنفع معها قراءة الأوراد الموروثة أباً عن جد .
(2)
ولجت "المنظمة " من خلال فجوة ضباب الرؤيا ،عند زعيمي الطائفتين اللتين ورثتا التنافس بينهما منذ أوائل القرن الماضي .فكان التأسيس للخروج من "الدين الشعبي" إلى " الدين السنّي " بأئمته القدامى والجُدد ،قطارٌ يسير على سكك حديدية . ينهج أهله راديكالية حرّكت الرّاكد ، وبدأ بناء تنظيم "الجماعة " على نظام ماسوني جديد . ذات الطقس الذي تبعه الشيخ الأول " حسن البنا " في انعطافته من الدعوة إلى سبيل الرب بالموعظة الحسنة إلى بناء التنظيم يرغب السلطة الحكم. ضبطٌ وحِلفٌ وطقسٌ للمبايعة ، واستخدام للمال والأمن والتسليح. وسائل لبناء" التنظيم الجديد" لاستعادة الخلافة التي ألغتها تركيا زمان أتتاتوك. وتقدموا بشعار "الإسلام هو الحل" ، و "شرع الله " وسيلة لبلوغ السلطة والحكم .فمناجاة الوجدان الجمعي بالشفرات الثقافية وتوسل الوجدان الديني ، بما له من إرث تاريخي ،يجعل السباحة مع التيار أسهل ، والتباس الدعوي مع التنظيمي ، قضية لا يفرق بينها العامة ، لذا يُسهل اصطيادهم للحوزة .
(3)
سعت قيادة التنظيم" فرع السودان " في مطلع سبعينات القرن الماضي حثيثاً لوراثة الدين الشعبي بنهج راديكالي جديد . متزمت و جهادي. يُعلي مبدأ القوة في مواجهة المختلفين معه ويستخدم أية وسيلة توصله لأهدافه، ليلغي ستة قرون من" الدين الشعبي " . وقفز التنظيم القفزة الأولى بقيادة جديدة صعدت إلى سُدة "التنظيم ". أفادت من آليات العصر لتسويق السلطة الدينية والدنيوية برداء جديد وجسد هَرِم . كان لها أن تُزحزح القيادة التقليدية للجماعة ، لتحل محلها قيادة جديدة ناهضة بأفكار تنظيمية ،غير التي عهدها التنظيم في ستينات القرن الماضي .وَثبت القيادة الجديدة بقدرتها على الإدارة السرية للمال والأمن والسلاح، بوسائل جديدة .
(4)
كانت مصالحة 1977 بين الإمام الصادق وبين قائد " 25 مايو " هي وسيلة اتخذتها" الجماعة" مطية للصعود .استخدمت التقيَّة وسيلة لإخفاء الأغراض ، واستعادت القيادة الجديدة مؤسسات التنظيم المالية المتجولة في وسط إفريقيا لتأت إلى السودان . بدأ العمر الجديد للتنظيم بقيادة " كبيرهم الذي علمهم السحر ". وبدأت قصة توسيع خيمة التجنيد التي بدأت سابقاً في المدارس الثانوية والجامعات من الدائرة الصغرى : " جبهة الميثاق الإسلامي " إلى " الجبهة القومية الإسلامية ". ثم بعد الانقلاب العسكري عام 1989 ، وقت الوثوب إلى السلطة ، وتم تعديل الاسم الجديد إلى " المؤتمر الوطني " الذي يجمع ذوي الديانات الأخرى ، ويتصالح مؤقتاً معهم ، حتى يستقوي التنظيم ، ومن ثم يؤتى بالآخرين للطاعة عن يد صاغرين .
كانت تصل الاستشارية القانونية في القصر في زمان (25 مايو )الأخيرة دوريات متخصصة بالإنجليزية عن " الإستراتيجية والتسليح " ، يطّلع عليها الذي تأتِ باسمه ويقود التنظيم من الداخل وقد استشرى في مفاصل الحكم آنذاك . تغيرت المناهج ، فليس هنالك داع لانتظار الوعي البطيء للتربية الدعوية التقليدية ، بل استبق التنظيم اقتحام المؤسسات والتستُر بألوان التقيَّة لبلوغ الأهداف، وهي مقتبسة من النهج الشيعي التي تمّ تجريبها كفاحاً لدى الإخوان في السودان بغية الصعود إلى مفاصل الحكم و السلطة ، بأية وسيلة لتأخذ القيادات دورها في التدرب على مسئوليات الحُكم الذي يخططون لأخذه عنوة في المُستقبل اللاحق.
(5)
نحن في حاجة لنشاهد ما جرى وما يجري الآن من علٍ ، كي لا نغرق في التفاصيل اليومية وتغيب عنا الرؤيا . لا يمكن أن تمر قضية اغتيال مئات المدنيين المتظاهرين في السودان في مركز الرصد والقرار في سبتمبر وأكتوبر 2013 ،مرور الكرام ، مثلما مرّ اغتيال مئات الآلاف من السودانيين في الأرياف جنوباً وغرباً ، ويد العدالة الدولية لما تزل قاصرة عن اصطياد المطلوبين إلى عدالتها ، بعد أن تيبست يد العدالة في الداخل عن إحقاق الحق .
(6)
نعود للمليون ميل مربع التي فرط فيها الذين جاءوا إلى السلطة بليل وقدم لهم السناتور " دان فورث " الأصل المشوه لاتفاقية " نيفاشا " وتقرير المصير عام 2004 ،ومنحَ نسخة لنائب رئيس السلطة السودانية ، وأخرى لرئيس الحركة الشعبية آنذاك . ذات تقرير المصير الذي لم يُمنَح لأقليات اسبانيا أو إنكلترا أو كندا ، ولكنها غفوة حقوق الأقليات التي لم تأتها صحوتها إلا في إندونيسيا ويوغسلافيا ثم السودان ، في تناغم مع الفوضى التي يزعمون أنها خلاقة .إن ميزان العدالة الإنسانية قد ترقى واستدق ، ولا يصلُح قانون " الوصول للحلول السلمية دون المحاسبة القانونية لمن أجرموا " ، ولن يقتنع الذهن العقلاني بتعدد المعايير ، بل بأيلولة المصائر إلى ميزان واحد للجميع ، فالذاكرة التاريخية مليئة بأباطرة البطش والقتل والصَلب والحرق وبتر الأعضاء وفق الأهواء الشخصية ، ولم يزل في الكون مثل هؤلاء الأباطرة !.
(7)
عندما خرج الشعب إلى الشارع ، متجاوزاً مؤسساته المنظمة ، بدون القيادات التقليدية المعروفة ، يعني أن الظلم قد فاض على نفسه و تجاوز قدرة عامة الناس على الاحتمال ، لأنه قد استجمع في الجماهير قدرتها على الرفض وأخرجهم إلى الشارع . وقال الشعب كلمته وكسر حواجز الخوف ، واستبق أحزابه الهرمة وقياداتها الطائفية التي حرست القصر بفلذات الأكباد !! .
نهض مارد الرفض في كل مكان على أرض الوطن. وتحرك في كل المدائن .ولن نتحدث عن " ولاية الخرطوم " دون أن نعطيها ثقلها وكثافتها السكانية ، رغم أنها رقعة قد لا تتجاوز 4% من أرض ما تبقى من الوطن بعد التقسيم ، ولكننا نتحدث عن أكثر من سبعة ملايين نسمة إن لم تكُن ثمانية ملايين، تعادل ما يقارب ربع سكان السودان الحالي . عند الهبة نفد صبر أركان النظام ، وأطلقوا " ضباع التنظيم " من معسكرات مكامنها . تقاطرت على الجميع واحتبست الأنفاس حين هجمت " الضباع " على المتظاهرين . نهضت قدرة إعلام مؤسسات المجتمع المدني وقياداته الشابة وأخرجت أسرار القتلى والمصابين والمحبوسين وكل الجرائم إلى العلن .لذا كان الاستهداف المباشر من "الضباع "لحَمَلة الكاميرات بالرصاص في الرأس وفي القلب أمراً مقصوداً ! .
(8)
نعرف أن " معسكرات ضباع التنظيم " قد بنتها العُصبة القابضة على مفاصل الدولة . بنت مؤسسة استخبارية واقتصادية وعسكرية وأكاديمية .جيوش من كل شكل ولون ، تنفق 70% من مال الدولة من الضرائب المتنوعة ، فموارد باطن الأرض السودانية لم ولن تدخل أموالها أرض الوطن ، فهي ملك التنظيم الدولي بأذرعته الخارجية الاستثمارية الغاسلة للأموال. مؤسسة لا تُحقق أمناً لأحد من العامة . سلطوها ضد أبناء وبنات الشعب، أما أمان الوطن فهو صفرٌ كبير ، فالوطن مفتوح ومجرد من الحماية .حدوده منهكة و أبوابه مشرعة لمن يرغب ، أو لمن يدفع أكثر . جلبوا لمؤسسة الاستخبار كل مهارات بدنية ورقمية من داخل و خارج الدولة ،لتبقى المؤسسة التي تضمن سلامة قبضة تنظيم الجماعة " فرع السودان " على مفاصل السلطة . توفر الأرض والملاذ والتدريب والسمسرة بين أباطرة الإرهاب العابر للقارات. لقد تم هدم كل مؤسسات الدولة التي كانت تحتاج رعاية وتطويراً ، وبقيت مؤسسة الاستخبار الوحيدة التي ترعى التنظيم ، تدعمها أفرعها الاقتصادية في الداخل والخارج ، وتجد مباركة من وراء بحر الظلمات !.
(9)
ليس لأحد من قادة "التنظيم" أن يتحدث عن الوطنية ، فثلث أرض السودان قد تم تسليمها للتنظيم الآخر الحاكم في جنوب السودان. والذي انقلب على مبادئ المؤسس الأول الذي تحدث كثيراً عن مبادئ ( العدالة وتوزيع السلطة والثروة بين الجميع ) . وعندما طرح الرؤية الجاذبة ، وأعلن أنه يرغب أن يترشح لرئاسة السودان الواحد تمت تصفيته ، لأن مصالح الأطراف الداخلية والدولية قد تقاطعت وحزمت أمرها لاغتياله. كان القائد الراحل " جون قرنق " يحاول أن يستبق رغبته الترشيح لرئاسة السودان ،ترميم ما انفلت من موازنات لترضية أصحاب الانفصال من أهل الجنوب ،فقد رأته الشعوب السودانية بعيون قائد أحبته الملايين التي استقبلته في 9 يوليو 2005 ، في ميدان في العاصمة ،لم يكن ذي شأن إلا بثقل الجماهير التي احتشدت فيه. كان في خاطر القائد الراحل أن يعود بالرؤية وأيقوناتها للحُمة الوطن ووحدته على أسس جديدة ، ترضي الجينات المختبئة في الأبدان والعقول.
ربما يعود الوطن في زمان ما بعد ( THE DAY AFTER ) ، كما كان مواطني ألمانيا يعيدون بناء ما دمرته الحرب الكونية الثانية ، فالتنظيم النازي القَبلي عندنا قد تحالف بعروته الوثقى مع مصطلح التدمير ، فلم يعُد يُعرف إلا به .
عبد الله الشقليني
26/10/2013
abdalla shiglini [abdallashiglini@hotmail.com]
/////////