*أساطير صغيرة
منصور الصويّم
يحكى أنّ رواية (كافكا على الشاطئ) للروائي الياباني هاروكي موراكامي واحدة من أكثر الأعمال الروائية تداخلا وتشابكا ما بين الواقعي والسحري، والشعري والنثري، والموسيقي والتشكيلي، والطبيعي والما ورائي، وفوق ذلك إمتاعا ودهشة وتشويقا منذ أول سطر إلى آخر كلمة تنتهي بنقطة النهاية. فالرواية التي تبدو كمتاهة تقود شخوصها في دروب (قسرية) وغامضة؛ تتخلق منها حيوات وتنفتح أزمنة وتنبني أمكنة مذابة في الزمن، لا تدرك أين حدودها ولا أين نهاياتها من بداياتها.
قال الراوي: في هذه الرواية الغرائبية الواقعية، تنسرد حكايتان في مسارين متجاورين، الأولى بطلها مراهق عمره خمسة عشر عاما، والثانية بطلها مسن تقترب سنوات عمره من نهايتها. المراهق اسمه (كافكا) أو هكذا أطلق على نفسه هذا الاسم ذو الدلالات والإحالات (المعقدة)، فهو يشير (بوضوح) إلى الروائي المعروف التشيكي فرانز كافكا، رائد الرواية الجديدة وأول من ألبس (الواقعية) ثوب (الكابوسية) دون أن يخل بالشروط الموضوعية لـ(الواقع) أو يضعف الأثر الفني والنفسي (سايكولوجي) لـ (الكابوسية)، كما يشير الاسم بحسب بطل الرواية إلى معنى (الغراب) في اللغة التشيكية!
قال الراوي: لعنتان تطاردان بطلي الرواية (العجوز والمراهق)، فالعجوز فقد نصف ظله وكل ذاكرته في حادثة حدثت له إبان الحرب الكبرى (العالمية) وكان حينها طفلا، وخرج منها شخصا آخر، غبيا، أقرب للمتخلف عقليا لكنه رغم ذلك يمتلك قدرات غريبة أقلها مخاطبة القطط.. أما المراهق (كافكا) فتطارده لعنة (فرويدية أسطورية) بامتياز، حيث يتنبأ والده، بأنه سيضاجع أمه وأخته وسيقتل أباه (أوديب)!
قال الراوي: يخرج الاثنان المراهق (كافكا) والعجوز (ناكاتا) في رحلتين متقاربتين في الاتجاه والمعنى والدنو من تفسير ذاتيهما، كافكا هاربا من لعنة (أوديب) و(ناكاتا) بحثا عن ظله الذي فقده قبل أكثر من خمسين عاما. بين هاتين الرحلتين الغريبتين تتشيد عوالم الرواية المتشابكة، وتحتشد فصولها بالفانتازي، التاريخي، الفلسفي، علم الموسيقى، تاريخ الشعر الياباني – العالمي، الأساطير، الحيوان – القطط، الجنس.. بناء متداخل من السردية مدهشة الإرواء في أكثر من ستمائة صفحة من القطع الكبير.
ختم الراوي؛ قال: سردنة تقترب أو تستفيد (تأكيدا) من شعرية وسردية "ألف ليلة وليلة"، هي جزء من هذا العمل الروائي الكبير للروائي الياباني هاروكي موراكامي، مزجت بالفلسفة الروحانية للشعب الياباني، وبالمستخلص من أذكى التقنيات الروائية الحديثة.
استدرك الراوي؛ قال: (كافكا على الشاطئ) رواية تقدم لقارئها (وجها) آخر للحياة، وتجعله قريبا جدا من ذاته.
*زاوية يومية بصحيفة (اليوم التالي)
mansour em [mansourem@hotmail.com]