الرأسمالية الوطنية: المفهوم والمصطلح

 


 

 




لم تعالج كلاسيكيات الماركسية العلاقة بين الاستقلال الوطني في المستعمرات والانتقال الي الاشتراكية بوضوح، ولكن كانت هناك اشارة غامضة لانجلز ترى : (ان الاستقلال الوطني يمكن أن يكون ثمرة نضال الطبقات العاملة في بلدان المستعمرات). كما أشار كاوتسكي انه: (يجب علي الطبقة العاملة أن تقود بلدان المستعمرات(الهند، الجزائر، المستعمرات الهولندية والبرتغالية..الخ) في اسرع وقت ممكن نحو الاستقلال).
أما لينين فقد لاحظ الدور الذي يمكن أن تلعبه البورجوازية الوطنية في المستعمرات الاسيوية، مثل الدور الذي لعبه صن يات صن كديمقراطي ثوري في الصين. وفي مؤتمر الاممية الشيوعية 1920 أشار لينين الي ضرورة تقديم مساعدات لحركات التحرر الوطني التي تقودها البورجوازية الوطنية. وفي المؤتمر نفسه رفض الماركسي الهندي (رو) تقديم مساعدات الطبقة العاملة للبورجوازية الوطنية لعجزها عن قيادة الثورة الديمقراطية للنهاية.
أما تروتسكي فقد كان يسخر من مصطلح (البورجوازية الوطنية) الذي أشار اليه ماوتسي تونغ في مقاله حول (الديمقراطية الجديدة) ، باعتبار أن الاستعمار هو الذي خلق هذه البورجوازية أو ساهم في تكوينها. كما انتقد بوخارين سياسة الاممية الشيوعية وماوتسي تونغ الذي ابدل البورجوازية بعبارة (البورجوازية الوطنية)، وظلت مواقف الماركسيين تترواح بين مرونة تجاه (البورجوازية الوطنية) ودورها في تحقيق المهام الديمقراطية التي تطرحها مرحلة مابعد الاستقلال، واخرى متشددة تتخوف من احتكار البورجوازية الوطنية للسلطة وخضوعها لضغوط الامبريالية ورأس المال الاجنبي.( للمزيد من التفاصيل:راجع جورج لابيكا وج.سوسان: معجم الماركسية النقدي، دار الفارابي، 2003 ، ص 124 ).
كما يرى بعض الماركسيين المحدثين مثل: اندرية فرانك وسمير امين، انه لاتوجد مايسمي براسمالية وطنية، باعتبار أن بورجوازية الدول الهامشية(الاطراف) بطبيعتها تابعة أو (كمبرادورية).
هكذا كانت مواقف الماركسيين متباينة تجاه ما يسمي (بالبورجوازية الوطنية)، وهذا يؤكد رحابة الفكر الماركسي في تناوله لهذه القضية من زواياها المختلفة.
أشارت وثيقة الماركسية وقضايا الثورة السودانية الي اهمية الوضوح النظري حول الرأسمالية الوطنية أو المحلية باعتبارها من القضايا الهامة في الثورة الوطنية الديمقراطية ، كما أشارت الي أن البعث الوطني للشعوب التي نالت استقلالها حديثا مستحيل في عالم اليوم بطريق التطور الرأسمالي كما حدث في اوربا في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، كما اشارت الي أن هذا الطريق مسدود من الناحية التاريخية ، ولكن مشكلة الرأسمالية المحلية تظل قائمة خلال المرحلة الوطنية الديمقراطية ( فهي تتعلق بقيادة الثورة الديمقراطية وبالبعث الوطني وبامكانية تجميع كل القوى المناهضة للاستعمار ومن اجل دعم الاستقلال ، وبمهمة البناء الوطني الاقتصادي والاجتماعي والسياسي وجلب تأييد وفعالية الطبقات ذات الامكانيات والقدرة لهذا الغرض.الخ)(ص، 97).
كما أشارت وثيقة الماركسية وقضايا الثورة السودانية الي أن قضية الرأسمالية الوطنية قضية معقدة، ولايمكن حلها بمجرد الشعارات او النقل الاعمي من تجارب الحركة الثورية العالمية. من المهم أن نبني موقفنا علي التالي:-
أ‌- كشف العناصر من الرأسمالية الوطنية أو التي ظلت تمثل اقساما منها تقليديا، والتي تجنح للمصالحة مع الاستعمار والقوي الرجعية وتحاول وقف البعث الوطني في البلاد.
ب‌- الاعتبار الكافى لمصالح الرأسمالية الوطنية التي تسير تحت سيطرة رأس المال الاجنبي، أو تبدي الرغبة في الخلاص منه حيث وجد ، والاستفادة من امكانياتها في النضال لانجاز مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية من ناحية قدراتها السياسية والاقتصادية ، وهذا يتطلب وضوحا ساطعا في برنامج حزبنا ومسلكا في النضال العملي يتمشي مع البرنامج.
ت‌- اكتشاف المواقع الحقيقية للرأسمالية الوطنية التي تقف مصالحها الي صف الثورة الوطنية الديمقراطية وجلبها الي مواقع العمل المشترك والنضال اليومي ، ومن بين هذه المواقع تشكل البورجوازية الزراعية بين القطاع الحديث موقعا هاما ، وهى عمليا تعبر عن تبرمها بالقيادات التقليدية التي كانت تسير وراءها والجانحة الي التهادن مع الاستعمار وقوى اليمين في البلاد( ص، 100).
الايجابي في ماجاء في وثيقة الماركسية وقضايا الثورة السودانية انها تجاوزت المنقول من الكتب الماركسية وتركت الباب مفتوحا للدراسة الميدانية أو الباطنية الملموسة حول هذه النقطة، حتى يمكن الوصول لنتائج من الواقع وبذهن مفتوح حول هذه النقطة بدلا من الاخذ في الاعتبار ما ورد في كلاسيكيات الماركسية واجتماعات الاحزاب الشيوعية العمالية حول الرأسمالية الوطنية والتي تفترض ضرورة مشاركتها في الثورة الديمقراطية وان هناك اقسام منها تعادي الاستعمار ، مع الاخذ في الاعتبار في الوقت نفسه تردد البورجوازية الوطنية وعدم قدرتها علي قيادة الثورة الديمقراطية بحزم الي نتائجها المنطقية.
ان الدراسة الباطنية والمستقلة مهمة لنشأة وطبيعة وخصائص الراسمالية في السودان.
هذا وترجع جذور دخول نمط الانتاج الرأسمالي في السودان الي فترة الحكم التركي عندما ارتبط السودان بالتجارة العالمية عن طريق تصدير سلعتي الصمغ والعاج ، ودخول المحاصيل النقدية(الصمغ، النيلة، القطن،.)، واتساع التعامل بالنقد، واقتلاع الاف المزارعين من اراضيهم وسواقيهم والذين تحولوا الي قوة عمل في مؤسسات دولة الحكم التركي ومصانعها( الذخيرة، الصابون،...الخ)(تاج السرعثمان: التاريخ الاجتماعي لفترة الحكم التركي، مركز محمد عمر بشير 2006). واتسعت هذه العملية( دخول نمط الانتاج الرأسمالي في السودان) بعد الاحتلال الانجليزي للسودان عام 1898م، وبعد تحرير الرقيق واحلال العمل الماجور محله، حيث ارتبط السودان بالتجارة العالمية عن طريق التبادل غير المتكافئ تصدير موارد اولية واستيراد سلع رأسمالية ، بعد أن عطل الاستعمار نمو الصناعة الوطنية، وقامت مشاريع القطن والسكة الحديد والتعليم المدني الحديث ، ونشأت الرأسمالية السودانية بدفع من قيام مشاريع الادارة البريطانية، وبدأ نشاطها في التجارة ثم تحول الي القطاع الزراعي والصناعي( بعد الاستقلال) وظل هذا النشاط متداخلا ومتشابكا. كما اشرنا سابقا الي أن وثيقة الماركسية وقضايا الثورة السودانية حددت مصادر تراكم الرأسمالية السودانية: الزراعة الآلية، مشاريع القطن الخاصة، المشاريع الخاصة في المديرية الشمالية.
ثم بعد ذلك حدثت متغيرات في تركيب الرأسمالية السودانية وفي مصادر التراكم كما اشرنا في دراسة سابقة عن "خصائص وسمات الرأسمالية الطفيلية الاسلاموية".
1- مساهمة د. فاطمة باباكر
من الدراسات الميدانية أو الباطنية الهامة: دراسة د.فاطمة بابكر: الرأسمالية السودانية: اطليعة للتنمية؟ ، 1984م( بالانجليزي) ، وصدرت الطبعة العربية منها 2006 ، وهو جهد عظيم ويستحق التقدير، فلا يكفى الحديث العام عن الرأسمالية ، فلابد من بذل الجهد والدراسة العميقة لمواقعها ومصادر تراكمها وسماتها بدلا من الشعارات والنقل الاعمي لتجارب الآخرين كما أشارت وثيقة الماركسية وقضايا الثورة، واكتشاف مواقع الرأسمالية السودانية فعلا لاقولا، وخلصت د. فاطمة بابكر الي أن: نمط الانتاج الرأسمالي هو النمط السائد في المرحلة الراهنة من السودان، وهو النمط الذي يحدد عملية الانتاج ككل والاستهلاك وتوزيع الموارد.
كما أشارت الي اهم مميزات العينة الميدانية التي درستها والتي تتلخص في الآتي:
ورغم أن التجارة كانت الاساس لهم جميعا الا أن التعقيد والتداخل يتضحان في انماط استثمارهم ، اذ انهم كانوا يستثمرون في اكثر من مجال واحد من مجالات الاقتصاد(زراعة، صناعة- بعد الاستقلال- ).
كما اشارت الي اصول العينة التي درستها والتي ترجع الي الآتي: أبناء تجار الرقيق، أبناء العاملين في الادارة الاهلية، التجار وتجار الشيل في المديرية الشمالية، الحرفيين الذين حظوا بعقود من الحكومة البريطانية خلال فترة الحرب العالمية الثانية، ابناء الشخصيات المرموقة( الوزراء السابقين)، العاملون بالسياسة مؤيدي الاحزاب، بيروقراطية الدولة بما فيهم رجال الجيش.
كما اكدت الدراسة الملموسة وجود الطبقات في السودان ، كما اشارت أن الطبقة الرأسمالية استغلت الروابط الاسرية والانتماءات الاقليمية لخلق المزيد من التراكم الرأسمالي. كما أشارت الي ارتباط الشريحة العليا من الطبقة الراأسمالية بالاستعمار واستمرار التعاون معه حتى بعد الاستقلال، اضافة لدعم نمط الانتاج الرأسمالي بعد وصول الاحزاب التقليدية للحكم بعد الاستقلال.
كما اشارت الدراسة الي خطأ ماجاء في دورة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني، يوليو 1977م وهو اعتبار(أن كل الرأسمالية السودانية طبقة بورجوازية وطنية. فالحزب الشيوعي ينسي أنه لاتوجد أى تناقضات بين مصالح الرأسمالية الوطنية التي شملتها الدراسة ومصالح رأس المال الاجنبي)( المصدر السابق، ص، 283).
كما خلصت الكاتبة الي أن ( الرأسمالية السودانية ما هى في الحقيقة الا تابع ذليل (كمبرادورية) أى انها بورجوازية تابعة. بالنظر الي الدور القمعي الذي لعبته احزابهم في تاريخ السودان السياسي الحديث، والدور الشخصي الذي لعبه بعضهم في معارضة التغيرات الجذرية لدرجة سحقهم لحكومات قائمة بالتنسيق مع رأس المال الاجنبي ، فان هذه الرأسمالية لايمكن بأى حال من الاحوال أن تصنف بأنها (رأسمالية وطنية)).
وتتفق د. فاطمة بابكر مع اندريه جندر فرانك الذي يرى أن: رأسمالية الاطراف (الاقطار الهامشية) تابعة ولها مصالح بالغة الاهمية في استمرار تلك التبعية) وفي قوله( بان الرأسمالية بكل اشكالها غير قادرة على لعب اى دور في الثورة الديمقراطية ، هذا اذا كان هناك احتمال لاحداث مثل هذه الثورة).
كما ترى د. فاطمة بابكر ( تؤكد نشاة وتطور الرأسمالية السودانية في السودان طبيعتها التابعة في كل القطاعات التي امتد اليها نشاطها ، وتؤكد لنا ايضا نشاطاتها السياسية بصورة اكبر ، مدى مصلحتها في الاستمرار في النمط الرأسمالي التابع الذي ميز وما زال يميز اقتصاد السودان)( 275).
علي أن د. فاطمه بابكر تستدرك استدراكا هاما حين تشير الي( ضرورة عمل دراسة اعمق واكثر شمولا لشرائح الطبقة الرأسمالية المختلفة للتمكن من الوصول لنتائج مؤكدة).
وهذا يترك الباب مفتوحا لمزيد من الدراسة الميدانية والباطنية للمتغيرات في تركيب الرأسمالية السودانية ودراسة الموضوع في شموله وحركته، بدلا من الحكم النهائي، وخاصة بعد فترة الانقاذ الذي همشت قطاعات واسعة من الرأسمالية الوطنية المنتجة في القطاعين الزراعي والصناعي، والتي تقاوم سياسة الانقاذ التي ارهقتها بالضرائب وحجمت دورها.
وفي اعتقادي أن الخلل الذي جاء في دورة اللجنة المركزية يوليو 1977م، انها لم تطرح مواصلة نهج الماركسية وقضايا الثورة السودانية في مواصلة الدراسة الباطنية لمواصلة اكتشاف مواقع الرأسمالية الوطنية التي تنزع للاستقلال عن رأس المال الاجنبي ، رغم ان ماجاء في الدورة صحيح من زاوية( علي الطبقة العاملة وحزبها ان تصارعا ضد مساعى البورجوازية الوطنية لقيادة الحركة الشعبية ، فحتى القادة الوطنيين المنحدرين منها يبقون اسري برنامجها الاجتماعي الذي يقود بالضرورة الي الارتداد علي التطور الوطني الديمقراطي)( الدورة، ص، 17- 18 ).
هذا اضافة للدراسات التي انجزها الحزب الشيوعي في تلك الفترة مثل : ازمة طريق التطور الرأسمالي، 1973، دراسة حول الاصلاح الزراعي في مشروع الجزيرة ونشرت في مجلة الشيوعي العدد 145، القطاع التقليدي والثورة الوطنية الديمقراطية 1976، المتغيرات في القطاع الزراعي 1986، البنوك الاسلامية 1978، البترول، أزمة النظام المصرفي وبعد انقلاب يونيو 1989 صدرت دراسة عن الرأسمالية الطفيلية في نشرة دراسات اقتصادية 1996-1997، كما تابعت دورة اللجنة المركزية في اغسطس 2001 المتغيرات في تركيب الرأسمالية السودانية بعد انقلاب الجبهة القومية، اضافات لدراسات مثل الخصخصة وغيرها.
فالقضية الاساسية في اعتقادي أنه ليس الغاء دور الرأسمالية الوطنية المنتجة في البرنامج الوطني الديمقراطي ، ولكن في عجز الرأسمالية الوطنية عن قيادة الثورة الديمقراطية كما اكدت تجارب حركات التحرر الوطني ، وبالتالي لايمكن أن تسند اليها الدور القيادي.
وهذه نقطة هامة دار حولها صراع فكري منذ تأسيس الحزب الشيوعي السوداني وحول التحالف مع البورجوازية الوطنية، هل يظل الحزب الشيوعي مستقلا ام جناحا يساريا في الحزب الوطني الاتحادي( الذي كان يعتقد بصورة غير دقيقة انه حزب البورجوازية الوطنية)، وحسم الحزب الشيوعي السوداني هذا الصراع بتاكيد الاستقلال والصراع ضد احتكار البورجوازية الوطنية في احزابها التقليدية لقيادة الحركة الجماهيرية، واكد علي ضرورة الاستقلال والصراع في التحالف مع احزاب البورجوازية الوطنية، كما صارع الحزب الشيوعي ضد احتكار البورجوازية الصغيرة للقيادة بعد انقلاب 25/مايو/1969 ، وطرح البديل : سلطة الجبهة الوطنية الديمقراطية والدور القيادي فيها للطبقة العاملة والكادحين، وبعد انقلاب 22/يوليو/1971 ، تأكد تحالف سلطة الانقلاب مع رأس المال العالمي والتبعية للمؤسسات المالية الدولية وفقدان السيادة الوطنية.
2- مساهمة د.صدقي كبلو:
المساهمة الثانية، والتي تستحق التقدير، والتي تؤكد ضرورة دراسة المتغيرات في تركيب الرأسمالية السودانية بذهن مفتوح وضرورة اكتشاف مكوناتها، موضوعيا، علي الارض، هي مساهمة د. صدقي كبلو في سلسلة مقالات نشرت في صحيفة الميدان في فترة الديمقراطية الثالثة، وتم نشرها في كتيب بعنوان: (من يقود الرأسمالية السودانية؟، وصدر عن دار عزة 2008م) ، وحسب ما اشار الكاتب أن الهدف هو حوار ثر حول الرأسمالية السودانية قبيل انعقاد المؤتمر الخامس للحزب الشيوعي السوداني.
تناولت المقالات: هجوم الرأسمالية الطفيلية، تركيب الرأسمالية السودانية، انتفاضة مارس ابريل 1985 تطرح من جديد قضية القيادة: من يقود الرأسمالية السودانية؟ الطفيلية ام التجارية ام الصناعية؟، كما ختم الكاتب بمقال عن : انقلاب 30 يونيو 1989 انتصار للرأسمالية الطفيلية.
عرّف الكاتب في مقالاته الرأسمالية الطفيلية: بانها تلك التي تسعي الي استثمار سريع العائد من قطاعات ( المصارف، التامينات، التجارة الداخلية والخارجية) ، وان الفئات الطفيلية لاتساهم في الانتاج وتسعي لتحقيق اقصى معدلات للربح من خلال التداول: خلق الندرة في السوق ، والسوق الاسود ، التهريب، المتاجرة في العملات والوساطات( السمسرة).. الخ.
كما اشار الي ضرورة لجم النشاط الطفيلي بتوجيه روؤس الاموال نحو نشاطات انتاجية ( صناعية وزراعية)، والي هجوم الرأسمالية الطفيلية علي قانون الضرائب لعام 1986 والذي من فوائده لجم النشاط الطفيلي بجعله اقل ربحية، كما اشار الي ضرورة حماية الرأسمالية الصناعية التي يبلغ حجم استثماراتها اكثر من 2 بليون دولار امريكي ( مصانع النسيج) ، كما اشار الي أن جملة الاستثمارات في صناعة الغزل والنسيج 1,1 بليون دولار في القطاعين العام والخاص وتستوعب 32 الف عامل وموظف وفني ، وتستطيع أن تنتج 31 الف طن غزل و239 مليون متر قماش ، ولهذا السبب فقد منع استيراد الاقمشة من الخارج( ص ، 10- 11)، كما اشار الكاتب الي الاثر السلبي للتهريب علي الرأسمالية الصناعية والرأسمالية التجارية العاملة في الاستيراد القانوني.
كما حلل الكاتب تركيب الرأسمالية السودانية في مكوناتها : التجارية ، الصناعية ، الزراعية ، العقارية، المالية والمصرفية، مع الاشارة لتداخل هذه الفئات.
كما اشار الكاتب الي ظاهرة البنوك الخاصة التي برزت في منتصف السبعينيات من القرن الماضي حيث تم فتح فروع للبنوك الاجنبية : 6 بنوك اجنبية ، 9 يساهم فيها السودانيون والاجانب ، 5 بنوك تحمل اسماء اسلامية . كما اشار الي انه منذ عقد السبعينيات والتسعينيات توسع وتطور النظام المصرفي بشكل سريع ، ففي العام 1996 بلغ مجموع عدد البنوك وفروعها 696.( ص، 25).كما اشار الي التشابك بين رأس المال التجاري وروؤس الاموال في البنوك المشتركة وشركات التامين، والي ان الهدف تحقيق اقصي عائد من الارباح ، وبالتالى لايهمهم توفير ضروريات المواطنين، وبالتالي يقفون وراء عمليات التهريب والسوق الاسود وتجارة العملة..الخ.
اشار الكاتب الي قضية تحرير الاقتصاد والي أن الطبقة العاملة وكل قوى الثورة الوطنية الديمقراطية في نضالها لاستكمال مهام الثورة الوطنية الديمقراطية تواجه مباشرة قضية تحرير الاقتصاد الوطني والاستقلال الاقتصادي ، لذا لابد ان تضمن في برنامجها تحرير الرأسمالية السودانية من النفوذ الاحنبي والتبعية للاستعمار الحديث خاصة فيما يتعلق ب: -
أولا: رأس المال الاجنبي وتمويل الاستثمارات .
ثانيا:التكنولوجيا فيما يتعلق باستيراد الالات والمعدات وقطع الغيار ونظم الانتاج.
ثالثا:الاعتماد علي المواد الخام والوسيطة المستوردة. وهنا لابد من اعادة تشكيل وترتيب البنية الاقتصادية السودانية بشكل جوهري بحيث تقوم علي اساس قطاعات ومناطق اقليمية متشابكة ومتبادلة المصالح ومدخلات بعضها تاتي من منتجات البعض الآخر ومنتجاتها تصب اما لتلبية احتياجات السوق المحلي الاستهلاكية أو الاحتياجات الانتاجية بحيث يمكن قيام علاقات البلاد الاقتصادية الدولية علي اساس تبادل المنافع لا علي اساس التبعية والاندماج في السوق الرأسمالي العالمي.( 31- 32).
كما أشار الكاتب الي أن تطور الرأسمالية السودانية وتعدد فئاتها حقيقة موضوعية ينبغي علينا ادراكها تما ما ووضع برنامجنا وتكتيكاتنا علي اساسها( ص، 32).
ولكن من المهم أن نأخذ في الاعتبار ان طبيعة التراكم الرأسمالي تتفاوت ولاتتغير طالما كان الهدف من اسلوب الانتاج الرأسمالي تحقيق اقصي قدر من الربح، وفي مؤلفه(الرأسمال)، المجلد الاول، يشير ماركس الي مصادر التراكم البدائي لرأس المال بقوله(ان اكتشاف الذهب والفضة في امريكا ، وافناء السكان الاصليين واسترقاقهم ودفنهم في المناجم وبداية غزو ونهب جزر الهند الغربية ، وتحول افريقيا الي منطقة لصيد ذوى البشرة السوداء علي نطاق تجاري، كل ذلك اعلن الفجر الوردي لعصر الانتاج الرأسمالي)(ماركس : رأس المال، المجلد الاول، موسكو 1974، ص 703). فالتراكم البدائي لراس المال، اذن تم عن طريق النهب، ثم انتقل بعد ذلك الي الاستثمار في الزراعة والصناعة وبقية الخدمات، وحتي في المجالات الانتاجية(الزراعة، الصناعة،..)، فان التراكم الرأسمالي يقوم علي نهب فائض القيمة من العاملين بايديهم وادمغتهم.
فالرأسمالية الطفيلية في السودان التي حققت ارباحا سريعة عن طريق الفساد ونهب اصول قطاع الدولة والتداول السريع لرأس المال وغير ذلك من الاساليب البشعة للتراكم البدائي لرأس المال، اصبحت جزءا من الرأسمالية السودانية، ومن المؤكد أن هناك اقسام منها سوف تنتقل الي انشطة انتاجية، وسوف تحقق اقصي قدر من الارباح طالما كانت الدولة التي تعبر عن مصالحها تصادر حرية العمل النقابي، وبالتالي ليس هناك فرق جوهري بين النشاط الرأسمالي الطفيلي والنشاط الرأسمالي الانتاجي، باعتبارهما من مكونات الرأسمالية السودانية، ولكن خطورة الدور القيادي للنشاط الرأسمالي الطفيلي يترك البلاد لقمة سائغة للمؤسسات الرأسمالية الدولية ويعجل بتبعيتها لها، وبفقدان البلاد لسيادتها الوطنية، كما اكدت فترة مايو والانقاذ.
ما هو دور الرأسمالية الوطنية في التنمية المستقلة؟.
تؤكد تطورات الاحداث وفي ظل الرأسمالية المعاصرة (المعولمة) أنه لابديل للتنمية المستقلة أو التطور الوطني الديمقراطي والتي تتطلب:
1 – تاهيل القطاع الزراعي باعتباره المصدر الاساسي للفائض الاقتصادي وتأمين الغذاء ( باعتبار أن من لايملك قوته لايملك قراره)، خاصة بعد أن اتضح في مرحلة العولمة الحالية أن الغذاء سوف يكون سلاحا فعالا لاخضاع شعوب العالم الثالث لسياسات الدول الرأسمالية ومؤسساتها المالية والاقتصادية والعسكرية، وهنا لابد ان يلعب قطاع الدولة الدور القيادي في حشد الطاقات والقدرات في سبيل ذلك اضافة للقطاع التعاوني والرأسمالية الوطنية المنتجه، وأن تلعب الدولة ومؤسساتها المالية دورها في توفير مدخلات الانتاج والتسهيلات اللازمة لعملية الانتاج الزراعي والحيواني.
2- اعادة تاهيل القطاع الصناعي:
وهذا يتطلب حماية الصناعة الوطنية بتوفير الطاقة باسعار زهيدة وحل مشاكل التمويل والسلفيات بفوائد زهيدة وتوفير قطع الغيار حتي تعمل المصانع بطاقتها الكاملة وتدب الحياة في المصانع التي توقفت ، هذا اضافة للتوسع في الرقعة الزراعية للحبوب الزيتية (السمسم، الفول ، القطن، عباد الشمس .. الخ) حتي تنتعش مصانع الزيوت والصابون والتوسع في زراعة القطن لمواجهة احتياجات صناعة النسيج..الخ.
وهذا يتطلب لجم النشاط الرأسمالي الطفيلي ودعم الرأسمالية الوطنية المنتجة في القطاعين الزراعي والصناعي.
2- سيطرة الدولة علي ثرواتها ومواردها الطبيعية.
3- السيطرة المحلية علي التكنولوجيا أو اعادة انتاجها سريعا حتي لو كانت مستوردة من دون الاضطرار الي استيراد قطع الغيار والمعدات والخبرات.
( للمزيد من التفاصيل حول التنمية المستقلة أو المتمحور حول الذات راجع د. سمير أمين: ما بعد الرأسمالية المتهالكة، دار الفارابي 2003).
في كل هذه العمليات تلعب الرأسمالية الوطنية المنتجة دورا هاما في اطار السياسة العامة للدولة الوطنية الديمقراطية.
وخلاصة ما نود أن نقوله: من المهم مواصلة نهج وثيقة الماركسية وقضايا الثورة السودانية في الدراسة المستقلة علي الارض لاكتشاف مواقع الرأسمالية الوطنية في النشاط الانتاجي(الزراعي ، الصناعي، الخدمات،..الخ) ومتابعة المتغيرات في تركيب الرأسمالية السودانية، وتناول تركيب الرأسمالية السودانية في حركته وتطوره وتغيره، وتجديد الدراسة بتجدد المتغيرات.

alsirbabo@yahoo.co.uk

 

آراء