موقف الجهاز السري من الحوار الوطني..!!
khogali17@yahoo.com
(1)
لا توجد اجابة قاطعة على سؤال الناس (بعضهم بعضا) :من يحكم السودان؟ قالوا: تحكمه قيادة الحركة وهي فئة قليلة والحركة مقصود بها الحركة الاسلامية.
وقالوا: لا بل يحكمه (المكتب الخاص ( او (النظام الخاص)تحت إمرة أمين عام الحركة أو من يفوضه مفكرون ومثقفون من الاسلاميين. قالوا: لا هذا ولا ذاك إنما يحكمه جهاز سري فوق الحركة وفوق الدولة لا يعرف أعضاء الحركة أنفسهم كنهه ويكتفون بطاعة التعليمات »من فوق«.
ومع مطلع يوليو 1989 بدأت الحملات الكبرى لتحطيم جهاز الدولة القديم :
- الفصل الجماعي من الخدمة عن طريق كشوفات لا أحد يعلم الجهة التي أعدتها، وكانت قاسية أجرت الفصل على الوالد وابنه والزوجين والأولاد.. الخ وعندما كبر الأولاد بعد ربع قرن تم حرمانهم من التوظيف.. وغيرهم حرموا من إكمال دراستهم مع حظر السفر.
- وانطلقت فرق الاعتقالات التحفظية وتوجهت نحو مطلوبين هم داخل القبور.
- ولا يعلم أهل(المفقودين)عن مصائرهم. قد يختطف أحدهم من الشارع في وضح النهار ولا يكون، لا من بين المعتقلين ولا مطلقي السراح. فهل هذه من أفعال الجهاز السري في الحركة الذي يماثل »الآلة الجهنمية« في أجهزة الأحزاب الشيوعية التي تسود فيها المركزية المطلقة؟
وهناك دلالات أن قوائم الفصل لم يتم اعدادها من داخل الوزارات والمصالح. فهناك من تم فصلهم بخطابات تحمل »أسماء الشهرة« لا الأسماء في ملفات الخدمة.. مثلما فصل منتدبين خارج البلاد. ولاحظ الناس كل الناس أن توجيهات (الرئيس البشير)مثلا،ً لا تجد الاحترام اللائق احيانا ولا تتبعها الاجراءات المفترضة. فالتوجيهات غير ملزمة للإدارات العامة. والملزم هو (القرار الرئاسي) و(القانون)مثلما شهد الناس أحكام قضائية نهائية لا تنفذ. ولا يجرؤ محامي أياً كان لإتخاذ الاجراءات القانونية التي تلي عدم التنفيذ فالجهاز السري لا عنوان له ولا اسم (!!)
وهذا الوضع يجبرنا على طرح السؤال: ما هو موقف الجهاز السري من الحوار الوطني وخارطة الطريق الأمريكية لحل المشكلة السودانية؟ خاصة وأن الجهات المشرفة على الحوار هي(الحزب) و(الحكومة)و(ممثلي الحركة في الأحزاب السياسية الأخرى) وكيف سيمارس مهماته في (الفترة الانتقالية)و(الحكومة الانتقالية)مطلع يناير القادم؟!
(٢)
من بعد مطلع يوليو 1989 وتحت ظل اجراءات تأمين سلطة الانقاذ ومنها (حظر التجوال)حدثت حوادث كثيرة، استبعد منها ما هو معلوم(ومتوقع)حينها مثل التعرف على أماكن سكن (الأعداء المفترضين) ليلاً وخاصة الشيوعيين والبعثيين عن طريق (ثوريين مزيفين) يقومون بمهمة (المرشدين) هم البصاصون من بين عضوية الأحزاب. وأكتفي بنموذج واحد من بين تلك الحوادث: حملة إزالة التماثيل، تمثال غاندي على صينية مدخل(شارع الدكاترة) وعلى بعد حوالي عشرة أمتار من مستشفى أم درمان. وتمثال الشيخ المرحوم بابكر بدري من داخل مدارس الأحفاد.. وعند التقصي عن حادث تمثال الشيخ بابكر، اتضح أنه من (مبادرات) النظام الخاص تحت إمرة الأمين العام ولم يحتملوا الأمر وأعادوا التمثال..!!
(٣)
لسنين متوالية من بعد يوليو 89 حدثت وقائع كثيرة ذات علاقة بالفصل والتعيين في جهاز الدولة، أختار منها:
١/ الذين كانوا يرشحون الأشخاص للمناصب الدستورية وقيادات الخدمة المدنية وحتى العسكرية (ستة) والموافقة على الترشح شرطها واحد(من عضوية الحزب) بصرف النظر عن الخبرة والكفاءة.
٢/ وتأكد أن هناك من شغل(أمين الفئات)وكانت له(أجندة خاصة)عند تنفيذ التعيينات التي تولى أمرها، كما أن واحد من (الستة)أجيزت كل الترشيحات التي تقدم بها. ليتضح بعد سنوات أنهم »من اثنية واحدة، بل قرية واحدة«.
٣/ التعيينات للوظائف القيادية على مستوى المدير العام ووكلاء الوزارات تتم دون مراعاة الخبرات في المنصب مجال التعيين أو حتى أية خبرة في مجال الخدمة العامة »تكفي الشهادة العلمية والحظوة لدى القيادات العليا والنافذة في الحزب«.
أنظر: تم تعيين الأستاذ أمين حسن عمر في وظيفة أمين عام وزارة الثقافة والاعلام، أوائل التسعينيات وهي تعادل وظيفة الوكيل الأول للوزارة. وكان هذا (أول منصب حكومي يتولاه)، حيث كان قبل ذلك مديراً لمكتب د. الترابي، ثم مديراً لهيئة الأعمال الفكرية التابعة للحركة الاسلامية.
وهو الذي قام بفصل أكثر من ألف من ذوي الخبرات من العاملين بالإذاعة والتلفزيون وقام بإحلالهم بآخرين فشلوا في المهمة مما أجبره على إعادة استخدام مفصولين (متعاونين)و(مؤقتين) وظلوا كذلك حتى اليوم في العام 2014
٤/ التعيين في الوظائف العامة يتم بتزكية من (مكتب الطلاب)من بعد (لجنة الاختيار)بالمعيار: العضوية في الاتجاه الاسلامي بالجامعات والمواقف السياسية للخريجين أثناء دراستهم الجامعية »ومن لم يصوت للإتجاه الاسلامي فلا توصية ولا تعيين.. ثم انحدر الأمر من بعد ذلك إلى الإثنيات والجهويات الجغرافية، بل والقبلية«.
٥/ الوقائق القيادية شرط توليها أن يكون المرشح (من الحزب)وينفذ التوجيهات التي تأتي(من فوق) دون نقاش أو حتى فهم مقاصدها وليس مهماً الدرجة الوظيفية وعلى ذلك يمكن أن يتولى أحدهم(مدير تعليم) بإحدى المحليات وهو في(الدرجة الخامسة) ويرأس عاملين معه في الدرجات الرابعة والثالثة.
(٤)
الزمان: النصف الثاني من العام 1992
المكان: عمارة الفيحاء-الخرطوم-القاعة الكبرى
الحضور: عضوية الاتجاه الاسلامي بجامعة الخرطوم
الموضوع: توضيح الأسباب التي دعت إلى إلغاء نظام السكن والإعاشة بالجامعات السودانية
أوضح الشهيد عبيد ختم بدوي الظروف الصعبة التي يتلقى فيها الطلاب تعليمهم، مذكراً بضرورة تحمل الصعاب والصبر عليها، وأن التنمية الأفقية في الوطن لا يمكن أن تتم بغير التعليم وتوسيع فرصه وقاعدته.
وشرح البروفيسور إبراهيم أحمد عمر )وزير التعليم العالي( الأسباب التي دعتهم في )الحركة(و)الدولة(لإتخاذ القرار الذي لا يمكن التراجع عنه بإعتباره هدفاً استراتيجياً لا مكان فيه للعواطف مهما حدثت من مرارات.
كذلك تحدث الأستاذ علي عثمان )نائب الأمين العام للحركة(وشرح بإسهاب الظروف التي تمر بها البلاد والعجز في الميزانية العامة الذي يصعب معه الإيفاء بمتطلبات الجامعات السودانية التي تذهب ثلاث أرباع ميزانياتها للاعاشة وسكن الطلاب.
أما الشهيد علي عبدالفتاح فقد تحدث طويلاً وبعمق عن الصعوبات التي يمكن أن يواجهها الاتجاه الاسلامي بالجامعات اذا طبق قرار كهذا وقال: »إذا أصرت قيادة الحركة على قرارها الذي يمضي في النهاية) ضجت القاعة بالضحك (فإنني أقدم اقتراح باقامة جسم لإمتصاص الصدمات«، وثنى الإقتراح المهندس موسى مهدي(فيما بعد: الجسم هو الصندوق القومي لدعم الطلاب)
وتحدث في الاجتماع من الشهداء: عبد الباسط عبد الرحيم، عوض توفيق وحسين حسن حسين.
كما تحدث: نوال القاسم، موسى المهدي والناجي عبد الله
إشارة: قيادة الحركة هي صاحبة القرار الذي يجاز وينفذ في النهاية.
(٥)
اختيار قيادات الدولة وقيادات الحزب يتم كما يحدد الجهاز السري (فوق الحزب والدولة) بأشكال مختلفة وتتحول الأشكال التنظيمية إلى مجرد دُمي، أشكال ديكورية، لا تشارك في اتخاذ القرار ولا قرارات لها. والجهاز السري يفصل مناصب الدولة على (المقاس المناسب)ويتخذ دائماً من الاجراءات والنظام الأساسي للحزب وسيلة لإدارة الدولة ومن ذلك:
١- التدخل المباشر في اختيار المرشحين للمناصب الدستورية في الدولة بتوجيه الناخبين بالتصويت لمرشح الجهاز.
٢- إنتزع من الولايات حق اقتراحها مرشحها لمصنب الوالي:
- مجلس شورى الولاية يتقدم بسبعة مرشحين للمؤتمر العام.
- المؤتمر العام بالولاية صاحب السلطة العليا يستبعد اثنين من السبعة.
- ثم ترسل القائمة إلى المكتب القيادي بالخرطوم (وينفذ الجهاز السري رغباته).
٣- ولإختيار المرشح لرئاسة الجمهورية فإنه:
- يختار المجلس القيادي خمسة مرشحين.
»والمجلس القيادي يشمل المكتب القيادي والولاه ونوابهم وأعضاء الامانات بالحزب وهم ذات الذين تدخل الجهاز السري في اختيارهم.«
- تقوم هيئة الشورى القومية باستبعاد اثنين في المرحلة الأولى ثم تسمي مرشحاً.
- ينظر المؤتمر العام في المرشح الذي سمته الهيئة القيادية مع مرشحين آخرين.
٤- أصدر(الحزب)مرسوماً سرياً، »المرسوم السري يعادل الخطاب الداخلي في الأحزاب الأخرى«، يحظر فيه على عضوية (الحزب)التقدم لشغل أي منصب عام، وعقوبة عدم الإنصياع قد تصل إلى درجة الفصل من عضوية الحزب.
فهل من المتصور أن الجهاز السري يرغب في إزالة التمكين بطريقته بتوفير وظائف لآخرين؟ أم أن الهدف تجميع وظائف لتقسيمها على الشركاء مع الفترة الانتقالية الجديدة؟ أم أن القصد هو المحافظة على (التوازنات الداخلية)بين التيارات في الحزب؟
إن العلاقات وثيقة بين الديموقراطية الداخلية في الأحزاب السياسية وديموقراطية المجتمع ومنظماته بما في ذلك النقابات، والتداول الديموقراطي للسلطة. والأحزاب السياسية التي تسودها (المركزية المطلقة)هي التي تنتج الدول الشمولية. فيكون إصلاح الأحزاب وديموقراطيتها قضية ذات أولوية وهي أيضاً (قضية عامة) لا تختص بها عضوية الأحزاب وحدها فكل مراكز الأحزاب تتحدث بإسم الشعب، وتحاور بإسمه وتتفاوض نيابة عنه ثم لا تطرح مشاكله بل مشاكل قيادات أحزابها.
أنظر: نموذج التعويضات النقدية والمادية التي قبضتها قيادات أحزاب وأوضاع المفصولين تعسفياً وفاقدي الوظائف الذين يستحقون التعويضات كما الأحزاب، هنا حق مسلوب وهناك حقوقاً مسلوبة فمن يدافع عن حقوق الشعب المسلوبة؟
ومكتب (الرقابة الحزبي) في التجربة السوفيتية يعادل (النظام الخاص) في الحركة الاسلامية بأكثر من (مكتب المعلومات) وفي التجربتين السوفيتية والسودانية يوجد جهاز سري فوق الحزب والدولة وهذا الجهاز لا يفرق في نشاطه بين(أعداء الحزب) و(عضوية وكوادر الحزب التي تخرج عن الطاعة) ومن أكبر المصاعب التي واجهها السوفيت سيادة (دولة الحزب) والخلط بين اللجان الحزبية ووظائف هيئات الدولة والهيئات الاجتماعية بما فيها النقابات وهو خلط استمر في الاتحاد السوفيتي السابق لأكثر من سبعين عاماً ويستمر في السودان لخمس وعشرين سنة والغريب أن كوادر وقيادات الحزب ومعظم عضويته مدركة للواقع ولكنها عاجزة عن اصلاحه وتعديله. اعتادوا أن يظلوا كما هم حتى(الزلزال).
أنظر: كتب ميخائيل غورباتشوف في فبراير 1986 وبعد عشرات السنين من حكم الأقلية (أقل من أصابع اليد الواحدة):
»يقف الحزب بحزم ضد الخلط بين وظائف اللجان الحزبية ووظائف هيئات الدولة والهيئات الاجتماعية.. وتحول الرقابة الحزبية إلى وصاية في صغائر الأمور، بل وإلى الحلول محل هيئات الدولة والهيئات الاقتصادية«.
وللحديث صلة
المراجع والمصادر:
(١)عبد الماجد عبد الحميد(-صحيفة الرأي العام) 15 فبراير 2005
(٢)الطيب إبراهيم عيسى(-صحيفة رأي الشعب) يونيو 2014
(٣)عبد الباقي الظافر(-صحيفة التيار) ٥ سبتمبر2014