العمال والفقراء وأولادهم خارج التسويه (1)

 


 

 


khogali17@yahoo.com
حكاية (سعديه) عامل اليوميه هي:
" (خلف اللودر) مكان يظل عالقاً بذهن (سعديه) طوال اليوم، يطوف عليها في كوابيسها وفي لحظات صحيانها، مع ذلك يبقى المكان الوحيد الذي يوفر لها لقمة العيش. حيثُ تقضي يومها منذ الصباح الباكر وحتى المساء وهي تجري خلف اللودر بمصنع السكر كعامل يوميه، مهنتها جمع ما يتساقط من قصب السكر وجمعه في حزمه واحده، تزن احياناً أكثر من ثلاثين كيلو ليعود اللودر ليحمله مره اخرى. وبالرغم من شهور حملها المتقدمه،إلا انها كانت تجتهد لاداء وظيفتها على اكمل وجه. لتسقط يوماً بين عيدان القصب... اجتمع حولها عشرات النساء وحملنها خارج حواشات القصب، ثم نقلت للمستشفى..كانت تخشى فقد طفلها وهى ترى الدماء المتدفقه بغزاره. لمحت نظرات الحسره في وجوه زميلاتها تأكد لها أنها فقدته للأبد. لثلاثه ايام بعد ذلك لم تفتح عينيها سوى مره واحده لتودع اهلها ثم تمضى للأبد..".
هكذا قدم الشباب الأماجد(ماجد ومصطفى وياسين) لتحقيقهم الاستقصائي (ابريل 2014) بشأن احوال عمال اليوميه بأحد مصانع السكر تجسيداً للحياه على هامش الحقوق والخدمات (!).
وسعديه انتقلت بسبب حادث (اثناء ساعات العمل) ولكنها خارج نطاق الحمايه الاجتماعيه والضمان الاجتماعي فهي من فئة العمال المهمشين الذين منهم عمال اليوميه على نطاق السودان. وفقدان الحمايه كرسه وبكرسه (الحلف الثلاثي) المكون من الحكومه والنقابات واصحاب العمل كيف: 
- قانون العمل يخلو من تعريف (عامل اليوميه) منذ 1948 كما يخلو من تعريف كافة اشكال الاستخدام الجديده ولا يرغب الحلف الثلاثي في تطويره.
- وقيادات النقابات تحصر مسئوليتها في العماله الثابته بمفهوم القرن التاسع عشر ولا يدركون ان اهم قضايا العماله اليوم على المستوى الاقليمي والمستوى العالمي هي "العماله المهمشه".
-والنقابات في السودان تجعل العماله المهمشه خارج النقابه. وقانون النقابات لا يسمح للعماله المهمشه بالدفاع عن حقوقها باداة النقابه.
- وكل اطراف الحلف الثلاثي لا تحرك ساكناً إزاء المخالفات الصريحه للقوانين الوطنيه ومعايير العمل الدوليه انتظاراً لاستقبال شكوى العمال وهم يعلمون علم اليقين ان اي عامل يطالب بحقه في الحمايه الاجتماعيه او الاجور القانونيه او التأمين الصحي أو حتى ساعات العمل القانونيه فأن مصيره المعلوم هو الفصل من الخدمه (بالقانون) قبل نظر الشكوى.
وقدمت لنا (هويدا سر الختم) صوره اخرى (نوفمبر 2014) أنظر:
"شاب يعول اسره بعدد من الاطفال لا يملكون سوى راتب والدهم الذي كان يكفيهم شر السؤال وكشف الحال.. وفجاءه ينقطع هذا الراتب ولا يجد هذا الوالد مخرجاً لنجدة اسرته غير استحقاقاته حبيسة ادراج المعنيين بالامر.. ولا يجد هذا الوالد بداً من ارسال ابنائه الى اسرة زوجته خارج الولايه تاركين مدارسهم ليتحمل هو عبء مسئولية (التفرغ لمطارة الحقوق)"
و زرعت (هويدا) الامل في نفوس الآف المتضررين عندما أطلقت صرختها:
" حمى الغضب ترتفع بين صفوف الشعب واصبحت لها جذوراً قويه. والتاريخ البعيد والقريب اثبت ان الايام الاخيره للحكومات تعمى وتصم فيها عن ما يدور خارج اسوار القصور. أحذروا ثورة الجياع.. حينما تأتي ساعة الصفر لن يحتاج الشعب غير ساعات معدودات لحسم مباراة الكرامه.."
وبعد 25 يناير خرج عمال مصر يحملون مطالبهم، للدهشه كانت في حيز الحقوق الأساسيه:
ضعف الحد الأدنى للأجور والمعاشات، أحكام قضائيه حتى آخر درجات التقاضي لصالح العمال لم يتم تنفيذها.. والآف تظلموا من بقائهم لعشرين عاماً كعمال (مؤقتين) منهم معلمون و(عمال يوميه) والآف العمال شكوا من حرمانهم من الحمايه الاجتماعيه (التأمين الاجتماعي) فلا يجد اولادهم من بعد (انتقالهم) سنداً.. ميئات الصور المأساويه كشفت احوال العمال والفقراء في مصر قبل 25 يناير هي حالة العمال والفقراء واولادهم في السودان اليوم بما يؤكد على أن:
الدوله (الشموليه) واحده تحت أي غطاءً جاءت وان الاثار السالبه الاقتصاديه والاجتماعيه لسياسات التحرير. يتأثر بها كل عمال الدول الناميه واحياناً دول متقدمه وان (نقابات المنشأه) واحده في اي بلد. نقابات (رسميه) و(حكوميه) هي صوت عذاب على العاملين.
وظننت ان حكومه السودان وحزبه الحاكم تعلما من دروس الاخرين بمبادرة (الحوار المجتمعي) فالحوار المجتمعي (القاعدي) في ساحة العاملين فرصه طيبه لعقد الجمعيات العموميه، واقامة التنظيمات النقابيه حيثُ لا توجد وقيام نقابات العاملين في القطاع الخاص واجراء مناقشات حره للعمال بشأن:
1/ مستوى الثوابت الوطنيه (وقف الحرب والسلام الشامل) و (وحدة البلاد) و(ترسيخ الديمقراطيه التى لا تنفصل عن مبدأ الدفاع عن السياده الوطنيه).
2/ مستوى المهن والقاطاعات والمصاعب العمليه التى تواجه قضية الانتاج وتطويره وتجويد الاداء وما يواجهها من عقبات.
3/ مستوى احوال العاملين ومشاكلهم ومقترحات حلولها..الى آخر بما في ذلك تقوية النقابات وحريتها واستقلاليتها وديمقراطيتها.
حتى فاجا رئيس اتحاد نقابات عمال السودان الجميع بطرح مفهوم غريب للحوار المجتمعي في ساحة العاملين، معلناً (6 سبتمبر) اجتماعه (باحزاب الأمه) وهي التيارات من حزب الامه القومي بشأن طرح رؤية العمال لمبادرة الحوار المجتمعي (!) واكد في نفس الوقت (عدم سماحهم) بتسييس قضايا العمال او الحوار الوطني الذي ينتظم البلاد..(!!) والمعلوم ان (الحوار المجتمعي) مبادره سياسيه من الدرجه الاولى وكان الظن انها خطوه من خطوات (الاصلاح السياسي).
ومن دون (الاصلاح السياسي) ستظل قضايا العمال بلا حلول فهو ضروره سابقه للاصلاح الاقتصادي. وبخلاف ذلك سيظل العمال والمعاشيين والفقراء واولادهم في حالة البؤس الشديد القاتمه. و(عدم السماح) من مفردات الشموليه الفظه التى لا تتسق مع (حقبة) الحوار الوطني الشامل والمتغيرات الاقليميه والدوليه التى تفرض (السماح)!!.
و (عدم السماح) دلالة الضعف لا الجبروت . وضعف النقابات في السودان اصبح من البديهيات ومعلومه للكافه بما في ذلك الجزب الحاكم والحركه الاسلاميه السودانيه: (أنظر: قال عبدالرحيم حمدي في منتدى جمعية حماية المستهلك، اغسطس 2014:
(إذا أريد تحرير الاسعار لابد من تحرير الأجور. ولكن لا توجد نقابات قويه لرفع الأجور).
واضاف غازي عبدالرحمن في ذات المنتدى:
(تم تحرير السلع و"نسوا"  التحرير في اجور العماله إذ تشكل اجورهم الجزء الاساسي في انفاق المستهلكين. وتحقيق الانفاق يؤثر على عمليات الانتاج فالاقتصاد دوره كامله..).
ان الحكومه من قبل (الحوار المجتمعي) و (الحوار الوطني الشامل) اعلنت برنامجها الخماسي الاقتصادي واعلن وزير الماليه الاستمرار في سياسة التحرير الاقتصادي شريطة الانضباط والمقصود بالانضباط (بالشريعه الاسلاميه) يمنع الغش والاستغلال والاحتكار والتدليس او كما قال.
وظلت الحكومه و وزير ماليتها تحت اسر المفاهيم (السياسيه) و(الاقتصاديه) الخاطئه فالاصلاح الجمركي والضريبي لا يحتمل عند الحكومه غير معنى واحد (الزياده) و(التوسع) و(رفع الدعم عن السلع والمحروقات)  اي مزيد من الاعباء على العاملين بأجر والمعاشيين والفقراء وفاقدي الوظائف.. وهذه من النقاط الهامه التى يغطيها الحوار المجتمعي في ساحة العاملين.
ومن جهه اخرى فأن كل (البدائل) التى هلل لها اتحاد العمال وكبر، لانقاذ العمال من ضنك الفقر والحاجه منذ (صندوق دعم المتأثرين بالخصخصه) وحتى (التمويل الاصغر) و(مراكز البيع المخفض) .. وغيرها اثبتت فشلها، لا كما يروج الشيوعيون والديمقراطيون بل باعتراف المسئولين الحكومين من الحزب الحاكم نفسه ومن النماذج احمد المجذوب والبروفسيور رئيس القطاع الاقتصادي بالمؤتمر الوطني بانتقاده للتمويل الاصغر ومراكز البيع المخفض ودعم الشرائح الضعيفه وغيرها اما (فاطمه حامد) عضو تشريعي الخرطوم فقد وصفت مراكز البيع المخفض بأنها اكبر كذبه صدقتها ولاية الخرطوم.
وهذا المقال يهتم بعرض احوال العاملين والمعاشيين والفقراء واولادهم في (عام) الحوار الوطني بايراد (بعض) وقائع و(بعض) نماذج قد تساعد في التحليل للوصول الى نتائج.
ونواصل

 

آراء