الانتخابات ما بين الوفاق الوطني والاستحقاق الدستوري
الفريق أول ركن/ محمد بشير سليمان
28 January, 2015
28 January, 2015
ما فتئ قادة دولة حزب المؤتمر الوطني ومنذ إعلان الوثبة التي تلاشت من دنيا السياسة مع دخول خطة المؤتمر الوطني الإنتخابية التمكينية مرحلة التنفيذ يصدحون في أحاديثهم السياسية ولقاءآتهم الجماهيرية والإعلامية وأين ومتى كانت هنالك سانحة عن الإستحقاق الدستوري الإنتخابي والذي إن لم يتم الوفاء يه ميقاتاً سوف ينتج عنه فراغ دستوري خطير ومهدد لدولتهم، التي ما كان في عرفها يوماً ما مكان لإحترام الدستور والقانون، بدءاً بإنقلاب الحركة الإسلامية الذي لم يضع للدستور القائم وقتها تقديراً وإعتباراً، علماً بأن الإنقلاب في ذاته لم يؤسس على مشروعية إسلامية، كما إن إغتصاب السلطة وما احدثه من فراغ دستوري لم تقم له قيامة السودان التي نراها الآن رغماً عن الدستور الموجود وتعديلاته الإنقلابية، علماً بأن ذات القادة يؤكدون أن هنالك ما يبلغ الأربعين وأحياناً السبعين ونيف من قوانين لا تتطابق معه، مما يؤكد عدم إحترامه من قبل الدولة ومع ذلك توضع درجته إستحقاقاً فوق مستوى الوفاق الوطني الذي كان من المؤمل أن يؤسس به لإنتخابات حرة ونزيهة وشفافة، تقوي عظمة الوحدة الوطنية. الدستور الذي لا يعني للمواطن السوداني شيئاً بحسبان انه لا يحفظ له حقوقه التي تضمنتها "وثيقة الحقوق" والتي كم أُنتهكت موادها من "27 إلى 48" تركيزاً على مواد الحريات التي بات فيها أهل السودان يجأرون بالشكوى لرب العالمين الذي يرد دعوة المظلوم ولو بعد "حين" وتلك بشرى مالك الملك لعبده المظلوم في حديثه القدسي " وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ " ولا شك أنها بشرى لأهل السودان كلهم، وليس "بمن حضر" والسؤال الوطني والعقلاني الذي أطرحه هنا مؤسساً به تناولي لموضوع الوفاق الوطني والإستحقاق الدستوري "يتمثل في" أيهما الأعلى إعتباراً وقدسية وبعداً إستراتيجياً حفاظا على الوحدة الوطنية، وحماية للأمن القومي السوداني " الوفاق الوطني أم الإستحقاق الدستوري؟" والإجابة المنطقية العقلانية تبدأ من حيث بيان موقع الدستور من الوطن، وموقع الوطن من الدستور، وأيهما الأصل، وأيهما الفرع ، وواقع الحالة الوطنية السودانية يقول ألا حق لقادة المؤتمر الوطني في الحديث عن أي إستحقاق دستوري بمفهوم حزبي، لأن ذلك حق مكفول للسلطة الحاكمة للدولة دون الحزب، وتجاوزهم هذا يأتي من مفهوم أنهم الحزب والدولة، وهو ما لا يتطابق مع أي مفهوم علمي، اللهم إلا عندما تستأسد وتستبد الفئة الحاكمة، ولا ترى في الدولة إلا حقوقها ومصالحها تجاوزاً لإستحقاقات الوحدة الوطنية، أما من حيث الدستور فلا إعتبار أو مكان له دون دولة، وذلك مما يعلمه فقهاء الدستور الذي قد يكون عرفياً كما هو في بعض الدول ليصبح بهذا المفهوم ألا معنى لدستور بدون وطن" تجاوزاً لما يكثر الحديث عنه قادة المؤتمر الوطني، ومن شايعهم من أصحاب النصرة من قادة الأحزاب المحتشدة من خلفهم مصالح ذاتية ليس الأّ لإكسابهم الشرعية الإنتخابية دون إعتبار لأهمية الوفاق الوطني، إستعداداً للدفاع عن النظام كما قال أحد قادة هذه الأحزاب "سنموت دفاعاً عن هذا النظام" والذي يمكن أن نقول عنه إنه "الجهاد الحلو" من أجل الدنيا وزخرفها دون عملهم جهاداً دفاعاً من أجل الوطن حين كان مستهدفاً في وجوده، وكيف يكون لهم إدراك ذلك، وقد كانوا وقتها يحملون السلاح قتالاً ضد القوات المسلحة التي باتوا الآن يظنون إنهم وطنيين أكثر منها، وهكذا تقلبات الأزمان والقلوب التي مالها في إدراك لوطنية من حظِ حتى تدفع عن السودان الكيد والأذى مساندين لصيحة الإستحقاق الدستوري "الكذبة والخدعة" التي يسوق ويؤسس لها المؤتمر الوطني ضرورة لقيام الإنتخابات في ميقاتها الذي حدده الدستور تهديداً للأمن القومي والوحدة الوطنية، تحقيقاً لإستراتيجية التمكين الكبرى التي يهدف منها لحكم السودان "إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها"، إنتاجاً لتجربة حكم أمتدت لخمس وعشرين عاماً اوردت السودان مورد الهلاك وسوف تقوده لمرحلة التلاشي الوطني، في الوقت الذي لا يستطيع فيه المؤتمر الوطني أن يتجاوز مهددات االأمن القومي الماثلة الان، والتي أول ما تحتاج إليه وحدة الصف الوطني إدراكاً لأهميتها، وإلا فلا هو حاكم ولا الوطن باق، إذ كيف يحكم وكيف يبقى الوطن، مع ضيق وقصر الرؤية الوطنية التي تمهد للتجزئة والتفكيك الوطني، في دولة لا يمكن ان يحدث فيها إستقراراً دون التأسيس لمفهوم الدولة القومية التي يصطف فيها مجموع الشعب في وحدة وطنية جامعة، ورضاء مجتمعياً وسياسياً دون عزل تحقيقاً للهدف القومي والمصالح القومية من خلال بيئة وطنية مستقرة لا تهددها الأزمات الحقيقة والمصطنعة، وتسود فيها الحرية وتتبادل فيها السلطة سلماً عبر ديمقراطية حقيقة وشفافة، في دولة عادلة ومواطنة غير منقوصة، وهوية تعالج الأبعاد النفسية التي تجزرت سلباً لدى طيف كبير من المجتمع السوداني، خاصةً قوى الهامش، وبما يمكن من بناء السودان الحديث إستغلالاً لموراده التي لا تُحصى تنمية كلية تحقق النهضة الحقيقية إن أدرك المؤتمر الوطني الوطني ذلك والإ فإن ما بات يطلق عليه الفراغ الدستوري لا يعدو عن كون المؤتمر الوطني يمثل نظاماً شمولياً يتدثر بثوب دستوري، وشعارات آيدلوجية ما باتت محسوسة في دنيا المواطن السوداني، موحياً بأنه يهدف لحكم ديمقراطي لا يُرى له واقعاً في أرض السودان التي ضاقت بما رحبت مع واقع يؤكد أن الإنتخابات التي يخطط لها سوف تمهد لحكم مستبد وطاغ يزيد في التمكين والسيطرة على أجهزة وأمكانيات الدولة التي ظل يستخدمها كيف ومتى شاء، والمُحزن أن تسمع من قادة المؤتمر الوطني الحديث عن دولة الشريعة المستهدفة من الغرب وبلسان لم يتذكر أن الشريعة تؤسسس في دعوتها على "الكلمة الطيبة كصدقة من باب القول اللين وليس قبيح الحديث الفظ وسبّ الناس بمفاهيم ليست بإسلامية". ولكن هكذا مفاهيم وأقوال الطغاة الذين يتحدثون عن الشريعة دون تطبيق لمعانيها العظيمة التي أن أدركتها لكان السودان خروجاً من حاله الماثل، تحقيقاً لمطلوبات الحوار الوطني. السودان الذي ضاق بأهله لأسباب عدم إدراك قادة المؤتمر الوطني لإيجابيات الأنتخابات التي تقوم على الوفاق الوطني إحتواء لمهددات الوحدة الوطنية عبوراً إلى ميدان الحرية والديمقراطية المؤودة، إتفاقاً على الهدف القومي، والأهداف القطاعية، وشكل الحكم تكاملاً في الأدوار الوطنية خروجاً من الحالة اللاوطنية التي نعيشيها الان حتى ترسو السفينة على الجودي وبها كل من كان مستعصماً بالغابة والجبل، إحتواء لمهددات البيئة الداخلية والخارجية معالجة للأزمة الأمنية، والسياسية، والإقتصادية والمجتمعية إنصهاراً في البوتقة الوطنية عبر هوية جامعة تؤمن الإستقرار الوطني الذي لا أرى له حساباً عن قادة المؤتمر الوطني الذين هم الآن في "نفرة" كأنهم يقودون تعبئة ترد العدوان عن الوطن والإستهداف الذي يحيط به، وكأنهم لا يدركون أن منهجهم وقصر النظر الوطني عندهم هو الذي يحتاج لنفرة وطنية، ليكون السؤال المنطقي الذي يطرح نفسه والمؤتمر الوطني لا دقيقة تؤخره دون قيام الإنتخابات، يتمثل في "ما الذي يودون أن يحققوه أو يفعلوه بالسودان، بعد الهدم والتخريب الذي مارسوه لخمس وعشرين سنة من الحكم الفاسد، وطغيان الديكتاتورية القابض سلطاناً وبطشاً؟؛ دعونا نفهم لأن عقلنا الطبيعي بات قاصراً عن إدراك ما أنتم ماضون فيه، تجاوزاً لقيم الإسلام التي هتفتم بها كشعارات، خداعاً لهذا الشعب، الشعب الذي يدرك أن الإستحاقا الوطني وليس الإستحقاق الدستوري هو الغاية التي يهدف الى تحقيقها في وطن آمن ومتحضر، ومستقر ويتعشم حلماً في حرية وديمقراطية، ينالها عبر إنتخابات جامعة ونزيهة وشفافة، وإن كان ذلك عشما يماثل عشم إبليس في الجنة، فهل تدركون أن الإستحقاق الوطني هو الأصل وليس الإستحقاق الدستوري الذي هدفتهم به تحقيقاً لإستراتيجية التمكين الكبرى تثبيتاً لدولة الحزب، دكتاتورية وطغياناً. ختاماً تباً لإنتخابات يُصرف عليها 800 مليار جنية من مال الشعب السوداني المغلوب على آمره، ليزداد بها المترفين ترفاً، وموت البرد يأخذ بأكبادنا الذين يتلقون تعليمهم في ظلال الأشجار والرواكيب وهم جوعى وعطشى وعراه، والوطن مجهول الهُوية والمصير، والإستحقاق الدستوري هو الغالب "ولا غالب إلا الله". وأسأل الله أن يهدي لسواء السبيل، وأن يحفظ وطناً قصرت قامته وذلّ شعبه والسلام.
الفريق أول ركن/ محمد بشير سليمان
moh-bashir@hotmail.com
///////