الخرطوم القديمة، 1821 – 1885م (1) .. ترجمة: بدر الدين حامد الهاشمي
Old Khartoum, 1821 – 1885 (1)
Roland C. Stevenson رولاند سي. ستيفنسون
ترجمة: بدر الدين حامد الهاشمي
مقدمة: هذه ترجمة لمختارات قليلة مما جاء في مقال طويل عن تاريخ الخرطوم القديمة بين عامي 1821م و1885م (أي في سنوات الحكم التركي – المصري بالسودان) نشر في العدد السابع والأربعين من مجلة "السودان في مذكرات ومدونات" الصادرة في عام 1966م، بقلم المدرس واللغوي والاثنوجرافي البريطاني رولاند سي. ستيفتسون (1915 - ؟) والذي كتب عددا من المقالات عن السودان، وخاصة عن النوبة في كردفان، نشر أغلبها في مجلة "السودان في مذكرات ومدونات"، وألف أيضا كتابا عن شعب النوبة ولغاته، نشرته دار جامعة الخرطوم في 1984م. ونال المؤلف درجة الماجستير في علم الاجتماع في عام 1965م برسالة اثنوجرافية عن النوبة قدمها لجامعة الخرطوم، والتي كان يدرس فيها أيضا. وعاد ستيفنسون لجامعة الخرطوم بروفسورا زائرا في معهد الدراسات الإفريقية والآسيوية في عام 1980، وبقي فيه حتى تقاعده في 1988م.
المترجم
******** *********** ********
حكمت التركية (السابقة) السودان نحو 64 عاما. وفي غضون تلك السنوات نمت الخرطوم من لا شيء تقريبا إلى مدينة كبيرة نسبيا. وأختلف الناس في سر تسمية المدينة بالخرطوم، فقيل إن لذلك الاسم أصل مصري (فرعوني) قديم أو أصل يهودي. وزعم آخرون أن اسم "الخرطوم" أو "رأس الخرطوم" له علاقة بشكل النيل الذي يشبه خرطوم الفيل. وذكر أحد المؤرخين أن الاسم له علاقة ما بزهرة القرطم safflower التي تسمى qurtum أو Gartoom. وهنالك من زعم أن كلمة الخرطوم كلمة شلكاوية تعنى مكان التقاء قرني الثور. فالفعل كارو karo عند الشلك تعنى تفرع، وكلمة توم tum تعني عندهم قرن الثور أو المقرن. غير أني لا أرى أن هنالك دلائل قوية ترجح أي من تلك التفسيرات لاسم الخرطوم.
وأستقر المحس في جزيرة توتي في القرن السابع عشر، إذ سجل التاريخ أسماء وحياة بعض شيوخ توتي من أمثال خوجلي بن عبد الرحمن في عام 1643م، والشيخ حمد بن محمد بن علي المشيخي والمعروف باسم حمد ود أم مريوم في 1646م. وكان هنالك رجل دين آخر هو الشيخ أرباب العقائد والذي انتقل من توتي للخرطوم في عام 1690م، حيث قام ببناء أول بيت (دائم) في تلك المنطقة. ولم تكن تلك المنطقة مسكونة بغير مجموعة من صائدي الأسماك والحيوانات المتوحشة.
وعرفت أيضا "حلفاية الملوك" في عهد العبدلاب، وذكرها كثير من الرحالة الغربيين. وأشار الرحالة براون (أول أوربي يزور دارفور بين عامي 1793 – 1796م) إلى أمدرمان وكتب جملة واحدة عنها (ورسمها هكذا Emdurman) مشيرا إلى أنها تقع في الضفة الغربية لبحر أبيض، ومكان التقاء ذلك النهر مع أباي Abbai أي النيل الأزرق. ورسم ويليمسون خريطة لأفريقيا في عام 1800م ورد فيها اسمي أمدرمان (وكتبها هكذا Emdorman) والحلفايا، غير أنه لم يشر إلى توتي.
وبعد الغزو التركي – المصري للسودان وسقوط دولة الفونج اتخذ الأتراك من سنار مركزا لهم، ثم نقل إسماعيل باشا في مارس من عام 1822م مركز قيادته إلى واد مدني، وعين كاشفا (حاكما) على الخرطوم. ووصف ريتشارد هيل الخرطوم في تلك الأيام بأنها "حيث يلتقي النيلان الأبيض والأزرق، وكانت قبل أن تغدو عاصمة للحكم التركي – المصري غابة كبيرة بها عدد من أكواخ (ورواكيب) بعض الأهالي، وبيت واحد لفكي".
وهذا عرض مختصر لبعض مباني و أحياء الخرطوم في عهد التركية.
القصر (الحكمدارية)
بني القصر الحالي على أرض القصر القديم، ولا يزال الحوض البيضاوي الشكل والذي كان يقع في فنائه الخلفي موجودا. ولقد مر القصر القديم بمراحل عديدة من التجديد وإعادة التصميم. وكان محو بيه هو من بدأ تاك العمليات (حكم محو بيه عرفلي بين مايو 1825م ومايو 1826م. المترجم). فقد كان الرجل يقطن في بيت طيني مقبول الشكل، بينما أسكنت حريمه في بيت منفصل كان أبرز ما يميزه وجود نوافذ زجاجية به. وبعد سنوات من ذلك كتب الدبلوماسي والشاعر والرحالة الأمريكي بييارد تايلور (والذي عاش بين 1825 – 1878م، وزار السودان في 1852م. المترجم) أن قصر الحكمدار الباشا عبد اللطيف عبد الله كان قد بني في حوالي عام 1850م بالطوب المحروق الذي جلب من بقايا مباني كنيسة متهدمة في "أب حراز" على النيل الأزرق. وكان ذلك القصر مكونا من طابقين، وشيد على مدخله برج مربع الشكل. وكان له فناء خلفي محاط بممرات مقوسة كان الرحالة الأمريكي قد شاهد العمال يعملون على طلائها. وكان في ذلك القصر ديوان كبير عبارة عن صالة ضخمة كان يعقد فيها الباشا اجتماعاته ومنها يدير أعمال الحكومة، وكانت ذات سقف معروش بجذوع النخل، وأرضية اسمنتية، ونقشت على حيطانها رسومات لفرغاطة تركية (إذ أن عبد الله باشا كان قائدا بحريا)، وصورا للسلطان عبد المجيد. وكانت هنالك أيضا غرفة للاستقبال بها مقاعد وثيرة وسجاد ومرايا، وغرفة مخصصة لتناول الطعام، وأخرى مخصصة لترسانة من الأسلحة، وحمام بأقواس مغربية لامعة، مع غرف أخرى تستخدم لأغراض مختلفة. وخصص لحريم الباشا بيت منفصل من طابقين، أبيض اللون وتظله أشجار نخل باسقات. وفي فناء القصر ربط فهد كبير وشبل أسد صغير بسلاسل من حديد على أعمدة المبنى، كان الباشا يستمع برؤيتهما يقفزان على كل من يمر أمامها من الصبية المسترقين العاملين في القصر. وكان هنالك عدد من الحراس يقيمون في مقدمة القصر على شاطئ النهر، مع عدد من المسترقين السود البشرة يرتدون ملابس حمراء وبيضاء اللون، ويؤدون مختلف المهام وهم يتنقلون على ظهور الحمير.
وبدأ العمل في عهد أحمد ممتاز (1871 – 1872م) بإعادة بناء القصر مرة أخرى، وأكتمل العمل في عهد إسماعيل أيوب (1873 – 1876م)، وكان بناء الواجهة بالحجر هذه المرة، وعلى الطراز الإيطالي المسمى seicento. ووصف المؤرخ هيل ذلك المبنى بأنه بسيط ومريح وليس به ما يميزه (وكأنه داخلية مصرية!)، ولكنه يشبه "بيت عائلة" لطيف الحرارة. وأقيمت بالقرب من القصر في عامي 1877 – 1878م حديقة عامة تسقى من مضخة بخارية. وبعد انتهاء البناء ظهر المبنى الرئيس المكون من طابقين مواجها لشاطئ النهر، وفي الخلف كان هناك جناحان من طابق واحد يفصلهما فناء.
وكان للجزء الرئيس من المبنى حيطان ذات ألوان فاتحة، وستائر خضراء تقي من أشعة الشمس، ونوافذ زجاجية في بعض النوافذ.
وتوجد على طول المبنى ممرات خصصت لانتظار الزوار. وكان هنالك سلمان يؤديان إلى الطابق الأعلى، سلم حجري في الجانب الشرقي للقصر، وآخر خشبي في الجانب الغربي منه. وكان هنالك سلم آخر يؤدي إلى سطح القصر والمباني الملحقة به.
وبني مدخل القصر الرئيس على طراز أقواس في الجناح الغربي من القصر، وكان يواجه مبنى المديرية، ولا يفصله عنها سوى سور خشبي وشارع ضيق به ميدان مفتوح صغير.
وفي عهد إسماعيل أيوب خصص طابق القصر الأعلى للحريم، وأقتصر استخدام الطابق الأرضي على الرجال. غير أن ذلك النظام تغير في عهد غردون، حيث صار الطابق الأرضي مخصصا لاستخدام الموظفين والكتبة، بينما أستخدم غردون الطابق الأعلى كغرف للعمل (مكاتب) وللنوم له، وللضابطين باور وسيتورات ولآخرين أيضا.
وخصصت أجنحة القصر للحراس وضباط الشرطة الأتراك (كافاس (kavasses والمخازن والخدم والطباخين والمراحيض (. وكانت هنالك في فناء الجزء الجنوبي للقصر تعريشة عنب.
وأخذ الرحالة النمساوي ريتشارد بوختا (1845م – 1894م) صورا للجزء الجنوبي من القصر في حوالي عام 1877م ونشرها ضمن صور أخرى في مذكراته عن رحلته على النيل (ذكر المؤلف في الهامش أن أصول تلك الصور محفوظة في متحف الخليفة بأمدرمان، وأعاد نشرها آلان مورهيد في كتابه الشهير "النيل الأبيض". المترجم). كذلك نشر أسير الخليفة نيوفيلد في كتابة "سجين الخليفة، والصادر في لندن عام 1899م) خريطة (غير دقيقة تماما) للطابق الأرضي من القصر.
وفي عام 1873م كانت هنالك على امتداد النيل من القصر مخازن للغلال وترسانة ومستشفى به 270 سريرا.
المديرية (الديوان):
كانت المديرية مكونة من عدة مباني قديمة تشمل دار حاكم الخرطوم والمباني الحكومية الأخرى. وكان يفصلها عن القصر شارع ضيق يبدأ من النهر ويقود إلى داخل المدينة. وكان مدخل المديرية الرئيس يواجه النهر، ولها أيضا أبواب جانبية من جهتي الشرق والغرب تؤدي لميدانين صغيرين ليس لهما اسم خاص. ويقع أمام مبنى المديرية من جهة المدينة ميدان يسمى "ميدان المديرية" به أشجار ومدخل مقوس عليه برج. ووصف أحد الكتاب (وهو البريطاني جرانت) في عام 1863م المديرية بأنه "صرح ضخم من الطوب". وكان في المديرية من جهة النهر صالة استقبال واسعة وأنيقة تعد "الديوان" الرسمي لحاكم الخرطوم، ويزين جدرانها صور للبحرية (لعل من أمر بتعليقها كان هو عبد اللطيف باشا، الضابط البحري السابق). وزرعت في فناء المديرية أشجار لبخ (Acacia lebbek) يستظل بظلها العمال والموظفون العاملون في المديرية. وكانت توجد في المديرية حمامات ومراحيض ملحقة بالمكاتب، وبها أيضا إسطبل لسلاح الفرسان والمدفعية التي تستخدم الخيول. وكان مبنى المديرية يضم أيضا مكاتب للموظفين والكتبة، وخزانة، وعددا من الحراسات وغرف للحراس. وقبل أن يكمل إسماعيل باشا أيوب دورته كحكمدار في عام 1876م كان قد بدأ في عملية إعادة البناء في الخرطوم.
وكان هنالك بالقرب من المديرية شارع ضيق قامت عليه عشرات من البيوت غير المطلية وغير المبيضة والمصنوعة من طوب رمادي قميء المنظر. وفي وسط بستان نخيل، وعلى ضفاف النهر يقع في أحد أركان ذلك الشارع مبنى القنصلية النمساوية، وكان دارا فسيحة مكونة من طابقين، رفع على بابها رمز النمسا (نسر برأسين) على درع بيضاوي الشكل. وكانت تلك القنصلية تحتل الموقع الذي تحتله وزارة الداخلية الآن. وبجوار تلك القنصلية كان هنالك مبنى التلغراف، وهو مكون من طابق واحد، ويضم أيضا بيت مدير التلغراف السيد/ زيقلر. ويأتي بعد ذلك مكتب البريد والذي أفتتح في عام 1873م. وإلى الغرب من تلك المباني كانت هنالك بعض المحلات التجارية، والتي نشرت أمامها مظلات على الشارع، يجلس تحتها في الأمسيات التجار وصحابهم للسمر والتدخين وشرب العَرَقِ أو المستكا mastika (وهو نوع من الخمور اليونانية). وأنشأ بعد سنوات في تلك المنطقة قسم للصحة. وهنالك شارع آخر يؤدي إلى داخل المدينة وإلى منطقة الارسالية التبشيرية.
حلة (أو محلة) موسى بيه
تسمى أكثر من ربع الخرطوم القديمة حلة كذا (وحلة تعني قرية)، وعندما تتجمع هذه القرى (أو الحلال) تكون مستوطنات صغيرة منها تتكون المدينة. وتمتد حلة موسى (ولعلها أقدم مناطق الخرطوم) من المنطقة جنوب القنصلية النمساوية والقنصلية البريطانية. وسميت بذلك نسبة لموسى باشا حمدي، الذي عمل حكمدارا بين عام 1862 – 1865م، وكان أول من بنى بيتا في تلك المنطقة. ولكنه لا بد أن يكون قد فعل ذلك في مرحلة سابقة لتوليه الحكمدارية. فقد سبق له العمل في الجيش المصري – التركي في 1837م، وفي إدارة الخرطوم في أربعينيات وخمسينيات القرن التاسع عشر. غير أنه يجب القول بأن أول مباني مستدامة في تلك المنطقة كان قد بناها محو بيك. وشيد أيضا في المنطقة جامع خورشيد بجوار السوق جنوب غرب دار عائلة الفكي الأرباب الحالي. ويمكننا اعتبار حلة موسى ومنطقة السوق هي أول حقبة من حقب الاستيطان في الخرطوم.
المدارس الإرسالية (الكاثوليكية الرومانية) Roman Catholic Mission
كان القنصل العام البلجيكي في القاهرة قد وصل إلى الخرطوم في 1942م في صحبة القس الكاثوليكي لويجي مونتوري، والذي كان قد فر من الحبشة بسبب الاضطهاد الديني الذي تعرض له هنالك، وحصلا على إذن من الحكمدار أحمد باشا أبو ودان لبناء كنيسة ومدرسة ومقبرة مسيحية في جنوب الخرطوم. وكتب مونتوري لاحقا ما نصه: "لقد شيدت مدرسة لتعليم الأطفال البيض والسود والخلاسيين (mulatto) مبادئ المسيحية. وكنت أقوم بإعالتهم وأتقاسم معهم ما يأتيني من عون من أوربا". وقبل افتتاح تلك المدرسة كان السودانيون يسافرون لمصر للدراسة في الأزهر والمدارس الأخرى. وفيما عدا الخلاوي، فقد كانت مدرسة ذلك القس الكاثوليكي هي المدرسة الأولى في الخرطوم. غير أنه سرعان ما تناقص العون والحماس الأوربي لتك المدرسة فأغلقت أبوبها في 1845م.
وفي عام 1846 أمر بابا الفاتيكان بإنشاء ما سمي بالنيابة الرسولية لأفريقيا الوسطى. وكلف الأب رويلو في عام 1848 بإقامة إرسالية في الخرطوم، وتم لهم ذلك بعون مالي مقدر من التاجر التركي شريف حسن (وقيل إن ذلك كان من باب رد الجميل لإيواء الإرسالية الرومانية الكاثوليكية له في لبنان إبان غزو محمد علي باشا). وبعون من أوربا بني لتلك الإرسالية مقر في غرب الخرطوم حيث يقع الآن مبنى الري المصري في شارع الجامعة. وكان تلاميذ مدرسة تلك الإرسالية (وعددهم يفوق الأربعين) هم من الأطفال الزنوج الذين كان القساوسة يشترونهم من سوق الرقيق، بالإضافة لأطفال الأوربيين بالمدينة. وكانوا يتلقون مبادئ المسيحية واللغة العربية والإيطالية والحساب والغناء والرسم. وكانت الإرسالية تقوم بزراعة الخضر والفاكهة في حديقة الكنيسة من أجل الاكتفاء الذاتي من الطعام ليسد حاجة التلاميذ والمدرسين. وتطورت تلك المدرسة لتغدو مدرسة مهنية تعلم الصغار مهنا مختلفة. غير أن المدرسة أغلقت أبوابها – لأسباب عديدة- في 1854م.
ولم تنشأ في الخرطوم مدرسة مرة أخرى حتى عام 1867م حين افتتحت مدرسة أولية، يدرس فيها التلاميذ لثلاث سنوات، ثم يتلقون تعليما مهنيا في مجال التلغراف أو الميكانيكا أو غيرها.
ومع تمدد النمو الاقتصادي والتجاري في البلاد افتتحت الدول الأوربية لها قنصليات في الخرطوم. وكانت تلك القنصليات موضع شك واتهام من قبل الحكومة المصرية – التركية، ومن قبل بعضها البعض. فقد اتهم بعض العاملين في تلك القنصليات بالتجارة في الرقيق.
وفي عام 1951 أنشأ النمساويون قنصلية في الخرطوم تعاقب على رئاستها عدد من الضباط والقساوسة النمساويين كان آخرهم مارتن هانسل، والذي بدأ عمله في القنصلية في عام 1862م وقتل على يد جنود المهدي في عام 1885م عند سقوط الخرطوم. ولا يزال بيانو ذلك الرجل النمساوي موجودا في متحف الخليفة الآن.
وكانت تحيط بدار الإرسالية النمساوية على شاطئ النهر حدائق زرعت فيها فواكه وخضروات متنوعة. ودفن في فناء تلك الإرسالية الأب رويلو والأسقف كمبوني (صاحب المدرسة الشهيرة) وآخرين.
الحي القبطي The Coptic Quarter
كان ذلك الحي يقع غرب الإرسالية النمساوية، وبالقرب من المقر الحالي للكنيسة القبطية ذات القباب الثلاث. وكانت هنالك مقبرة في فناء تلك الكنيسة. ولاحظ بعض الرحالة الأوربيين أن تلك الكنيسة القبطية كانت "مخبوءة " في وسط منازل الحي القبطي، والذي كان يتميز بجمال ورونق خاص يميزه عن غيره من الأحياء التي كانت تحيط به. وشيد الأمريكيون قنصليتهم في ذلك الحي.
حي الثكنة (الباراك) The Barrack Quarter
كانت هنالك بالقرب من منطقة الأسواق بعض الثكنات العسكرية ومباني حكومية أخرى. وكان أحد تلك الثكنات هو مقر مدرسة رفعت بيه. وشاهد أحد الرحالة حفرة عميقة وضخمة في أربعينيات القرن التاسع. وقيل إن سبب تلك الحفرة هو انفجار مخزن ذخائر حربية، وكان من يقوم على حراسة تلك الحفرة جندي لم يقبض راتبه لوقت طويل. وكان كلما يذهب للديوان للحصول على راتبه يتلقى ذات الإجابة بأنه ما من سيولة الآن. فلم يكن منه إلا أن يشعل عود كبريت في تلك الحفرة وقذف بنفسه في اتون النيران المشتعلة داخلها. ومات في تلك الحادثة البشعة، إضافة لذلك الحارس عدد كبير ممن شاء حظهم العاثر أن يكونوا بالقرب من ذلك المكان. وعلى إثر قامت الحكومة ببناء مخزن جديد للذخيرة في شرق المدينة.
الحي العسكري The Military Quarter
كان ذلك الحي يسمى "أوردو Ordou" وهي كلمة تركية تعني الجيش، ولا ينبغي أن نخلط بين هذا الحي وحي الباراك المذكور أعلاه. فهذا الحي كان يقع في الجزء الشرقي من المدينة، وهو يقع خلف القصر وخلف المستشفى العسكري الواقع على ضفاف النهر. وكان مقرا لسكن لضباط وجنود الجيش وعائلاتهم. ويجاور ذلك الحي حي باراك آخر، ومخازن للأسلحة والذخائر، ومصنع صغير للذخيرة.
حلة المراكبية Hillat al –Markabiyya
كان هذا الحي يقع إلى الغرب بين القصر ومقابر (قباب) الحكم الترك (انظر أدناه). وكان به أيضا سوق يسمى "السوق الصغير". ولم يكن يسكن ذلك الحي غير البحارة (وغالبهم من الدناقلة) مع بعض الجنود السابقين من الزنوج والذين كانوا يعملون في البواخر التجارية التي تبحر في الأنهار السودانية.
القباب / مقابر التركية The Tombs
توجد مقابر قادة الحكم التركي – المصري الذين ماتوا في الخرطوم بقرب تقاطع شارع البلدية الآن مع شارع القصر، وعلى بعد نحو 700 ياردة جنوب القصر. وترقد (من الشرق للغرب) تحت تلك القباب أجساد كل من:
1. زوجة ماري بيه (جندي فرنسي)
2. أحمد باشا أبو ودان (والمتوفى في 1843م)
3. رستم باشا جركس (والمتوفى في 1852م)
4. موسى باشا حمدي (والمتوفى في 1865م) وهو مدفون في القبة الغربية الكبيرة.
وتوجد في داخل المقبرة وخارج القباب بعض المقابر لبعض كبار الضباط مثل محمد راسخ بيه (والمتوفى في 1883م).
سلامة الباشا Salamat al -Basha
يقع ذلك الحي جنوب "حلة موسى بيه" ومناطق السوق (حيث "السوق العربي" الآن، وإلى الغرب منه). وسمى بعض "الظرفاء" ذلك الحي "سلامة الباشا" (وترجمها الكاتب متظارفا The pasha how do you do. وظل ذلك الاسم قائما حتى بعد إعادة احتلال السودان. وكانت تعيش في ذلك الحي طبقات مختلفة من الأهالي، غير أنه كان حيا مشهورا ببيوت الدعارة والأنادي (حيث يصنع ويباع العرقي والمريسة).
التراس (أو الشاطئ) The Teras, or Bank
كانت تلك المنطقة جسرا من الرمل يبلغ ارتفاعه نحو ثلاثة أقدام، شيد في جنوب غرب المدينة لحمايتها من فيضانات النيل الأبيض. ويمتد ذلك الحي إلى الجنوب الشرقي من الكنيسة القبطية، وبه أكواخ طينية صغيرة وبائسة البناء. وكان غالب سكانه من "المشردين والغجر des vagabonds et des Bohemiens" والحدادين وقارئات الكف والعاهرات، بحسب ما جاء في وصف رحالة زار الخرطوم في تلك الأيام.
alibadreldin@hotmail.com
//////////