(داعش) و ( الاخوان) !! (2-4)

 


 

 



هذا التقرير أزعج الخرطوم وجعلها تحاول الانتقام من إريك ريفز!
عناصر 'داعش' تعلن عن نفسها في قلب الخرطوم!
سُئِلَ البشير عن الاخوان المسلمين فقفز الى التنظيم الدولي!

omerelgarrai@gmail.com

د. عمر القراي
(وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُون)
صدق الله العظيم
والحركات الاسلامية المتطرفة، مثل " داعش" و " القاعدة"، والتي تقوم بعمليات كبيرة، وتستخدم سلاحاً كثيراً، وحديثاً، لا يمكن ان يكون تمويلها، من تبرعات عضويتها !! وإنما لا بد ان تكون هنالك دولاً، تسخر موارد شعوبها، لتمويل هذه الحركات المتطرفة .. ولما كان القاسم المشترك بين كل هذه الحركات، هو فهم الأخوان المسلمين للإسلام، كان من الضروري أن يصل الأخوان المسلمين إلى السلطة السياسية، في بعض الدول، حتى يقوموا بتمويل هذه الحركات، من ميزانيات تلك الدول.. وعن ذلك جاء (قال الرائد محمد حجازي المتحدث باسم الجيش الليبي، ان حكومة الخرطوم تعتبر داعماً رئيسياً لتنظيم "داعش" الإرهابي في ليبيا. وأضاف خلال مداخلة له في برنامج "الحياة اليوم" على قناة "الحياة" المصرية، أمس، ان حكومة الخرطوم تقدم هذا الدعم بالتعاون والإشتراك مع حكومتي قطر وتركيا)(حريات 19/2/2015م). وجاء في التقرير السري، المسرب، لاجتماع الرئيس مع القيادات العسكرية، والأمنية في الحكومة السودانية، والذي نشره مؤخراً الباحث الأمريكي في الشأن السوداني أريك ريفز: (أما ليبيا فتنسيقنا مع الشرعية التي يمثلها الاخوان المسلمين ونقدم لهم التدريب والمعلومات وتوصيل السلاح. لدينا اتصال دائم مع صلاح بادي وعلي بلحاج ولا يمكن التفريط في ليبيا لأن السودان كان أول من قدم مساعدة لإنهاء حكم القذافي. التفريط في ليبيا حيكون خطأ استراتيجي كما حصل في مصر وأضعف الحركات الإسلامية والسلفية الجهادية في العديد من البلدان واصبحوا السلاح يصلهم بمشقة وأما الآن توصيل السلاح لليبيا يحتاج الى ترتيبات عالمية والأخوة في قطر معتمدين علينا في كل شيء وتنسيقنا مع إيران ماشي على ما يرام) (حريات 23/2م2015م). ولقد هز هذا التقرير الطويل، حكومة الخرطوم وأزعجها، وجعلها تحاول بشتى السبل، الانتقام من إريك ريفز، وتمنعه من نشر اخباره، وتعليقاته، عما يجري في السودان في صفحاته الالكترونية. ولقد حكى إريك نفسه كيف ان هجوماً الكترونياً، عالي التقنية، قد حدث لكل مواقعه، بفيروسات متقدمة، حطمت المعلومات، وعوقت الاتصال بينه وبين قرائه، كما نشرت في صفحاته، صوراً فاضحة، وأدخلت صورته وسط الصور الفاضحة، وارسلتها الى زوجته وبناته !! ولكن ذلك لم يمنعه من القضاء على الفيروسات، واستعادة مواقعه، ولم يعطله عن نشر المعلومات التي تفضح حكومة الخرطوم. وحكومة الاخوان المسلمين حين تعلن في اجتماعها السري أنها تتعاون مع الاخوان المسلمين في ليبيا وتمد الحركات المتطرفة بالسلاح لتحارب به الحكومة الليبية الشرعية تصرح في نفس الوقت علناً أنها تؤيد الحكومة الليبية الشرعية في طبرق وأنها ستدعم وحدة ليبيا وأنها ضد " داعش" !! فإن لم تصدق المستوى الذي وصل اليه الاخوان المسلمون من النفاق فأقرأ (قال الرئيس السوداني عمر البشير أمس إن بلاده تعترف بالحكومة الليبية الموجودة في مدينة طبرق، وأنه مع الحل السياسي في سورية، معتبرا أن تنظيم "داعش" جماعة مخترقة وهذا الاختراق واحدة من أهدافه الرئيسية الإساءة للإسلام. وأضاف البشير في مقابلة خاصة بثتها فضائية "اسكاي نيوز" العربية "إن شبابا صادقين جدا تأثروا بهذا الفكر وآمنوا به"، في إشارة إلى فكر تنظيم "داعش"، ومضي "قناعتنا أن هناك اختراقاً (لهذه الجماعات) والاختراق واحدة من أهدافه الإساءة للإسلام. واستنكر بشدة "حرق الأسرى" من قبل داعش قائلا: "ما يقومون به ويصورونه ويبثونه يتنافى مع أبسط قواعد الإسلام". وكرر التأكيد قائلا: "ما عندنا شك أن هذه التنظيمات مخترقة، مخترقة من جهات معادية للإسلام، وهي حملة لتشويه صورة الإسلام متمثلة في بعض الرسومات الكارتونية في المواقع الغربية، وما يحدث من داعش ليس بعيداً عن هذه الحملة". وقال البشير إن بلاده تعترف بالحكومة الوطنية الليبية في طبرق وتسعى من خلال علاقتها بالجماعات في طرابلس، إلى إيجاد وفاق ليبي ليبي بهدف إيقاف الحرب. وأضاف: "جهدنا منصب مع دول الجوار الليبي وأن نستغل علاقاتنا لحل المشكلة الليبية ونحن لسنا مع طرف ضد طرف لاستمرار القتال في ليبيا، وإنما ضد القتال، ومع وحدة ليبيا". وقال إن ليبيا دولة كبيرة، وبها كمية كبيرة من السلاح، وأي انفراط للأمن في ليبيا أو تفكيك لها "نحن سندفع الثمن"، مشيراً إلى أن "الأخوة في ليبيا يعيشون أوضاعاً استثنائية وهناك قتال في ليبيا وجهدنا هو إيقاف القتال" (صحيفة الرياض السعودية 25/2/2015م). والرئيس يستنكر حرق الأسرى، ويعتبره لا يمت للإسلام بصلة، مع ان قواته الرسمية، تحاصر مواطنيه، العزل، المدنيين، البسطاء، داخل الجبال في جبال النوبة، وفي النيل الأزرق، وتأسرهم فيها ثم تقصفهم بالطائرات، ببراميل مشتعلة، تحرق بها النساء والأطفال. بل ان قوات الجنجويد أو الدعم السريع بدارفور، قامت بحرق شاب، وهو حي، في أحد القرى التي بطشت بها!!  
وحكومة الاخوان المسلمين في السودان، لا تتعاون مع الاخوان المسلمين، والحركات الإسلامية المتطرفة، في ليبيا ومصر فحسب، وانما تتعاون مع "داعش" نفسها أو مؤيديها في السودان. فما يعرف ب (جماعة الكتاب والسنة)، انشق زعيمها سليمان عثمان أبونارو، من تنظيم الاخوان المسلمين في عام 1991م. وفي 26/7/2014م وزعت الجماعة بياناً في الخرطوم، تعلن فيه مبايعتها لأبي بكر البغدادي زعيم " داعش". كما أعلنت الجماعة تأييدها للعملية الإرهابية التي استهدفت مقر صحيفة "شارل ايبدو" الفرنسية في 7/1/2015 وأسفرت عن مقتل 12 شخصاً وإصابة 11 آخرين. وقالت جماعة 'الاعتصام بالكتاب والسنة' في بيان لها: (.. جاءت النصوص الصحيحة بوجوب قتل أمثال هؤلاء وهذه مهمة الحكومة الإسلامية وفي غيابها واجب المسلمين. والتجارب أثبتت أنه لا يمكن إيقاف مثل هذه الجرائم بالمظاهرات والاستنكارات) وعقب قيام تنظيم 'داعش' الإرهابي، بإحراق الطيار الأردني معاذ الكساسبة، أصدر دواعش السودان، أومن يسمون أنفسهم بجماعة 'الاعتصام بالكتاب والسنة'، بياناً في 12 /2/2015م، أجازوا فيه قتل الطيار الأردني حرقاً. ورغم هذه البيانات، والإعلان الصريحة، عن الانضمام إلي كيان 'داعش' تمارس جماعة الاعتصام نشاطها، ودعوتها، عن طريق الدروس، واللقاءات العلمية، والمحاضرات، وتعقد اجتماعاتها العلنية، في مركز عام بالخرطوم بحري، وتسعي إلي استقطاب الشباب مستعينة ببعض خطباء المساجد، والعلماء في المعاهد الدينية، مثل معهد الإمام البخاري للعلوم الشرعية.. وذلك بهدف تأهيل الشباب للدعوة، والجهاد، أو بمعني أصح، تخريج أجيال جديدة من "داعش". واستمرت الجماعة السودانية، التابعة لتنظيم 'داعش' في إعلان مواقفها الداعمة للتنظيم الإرهابي، بل وجهر قادتها وبعض أعضائها بذلك في مساجد السودان، وأصدرت العديد من البيانات، التي تم نشرها على الموقع الرسمي للجماعة، والصفحة الرسمية على الفيس بوك، تحت سمع وبصر الحكومة السودانية. ولو كانت حكومة الاخوان المسلمين جادة في رفضها ل "داعش"، والحركات المتطرفة، لأوقفت كل هذا النشاط، وزجت بأصحابه في السجن. ولكنها لم تفعل لأنها جزء من هذا التوجه، وإن تظاهرت لمقتضيات المصالح السياسية، بغير ذلك. ولم يكن الانتماء إلى 'داعش' والدعوة إلي دعمها مقصورًا على جماعة الاعتصام فقط. بل كانت هناك عناصر أخري تمثل 'داعش'، وتعلن عن نفسها في قلب الخرطوم، التي شهدت مظاهرة داعمة للإرهاب يوم الجمعة 20/6/2014م، وجاءت المظاهرة بعد خطبة الجمعة التي ألقاها محمد علي الجزولي، بمجمع المعراج الإسلامي بالطائف شرقي الخرطوم، وأعلن فيها تأييده لتنظيم 'داعش' ومناصرته للخليفة أبوبكر البغدادي، وبعد الصلاة قاد الجزولي جماعة من المصلين، في وقفة، ومظاهرة داعمة لمشروع الخلافة!! ولقد ظهر هذا الشاب قبل سنوات، كمدير لمركز دراسات، يدعي الاعتدال، ويثير عدد من الحوارات، في برامج تلفزيونية .. ثم غاب فترة قصيرة، وظهر مؤيداً لداعش. ولقد قام جهاز الأمن باستدعائه، بعد تلك المظاهرة، بدلاً من أن يضرب المظاهرة، كما يفعل مع المظاهرات التي تخرج بسبب الغلاء، أو بسبب نهب الحكومة لأراضي المواطنين، كما حدث في الشجرة، حيث قتلت قوات الأمن الشهيدة سمية محمد بشرى. وحتى يؤكد محمد الجزولي العلاقة بينهم وبين الحكومة، كتب في حسابه على 'تويتر': " لقد انتشر على صفحات التواصل الاجتماعي خبر اعتقالي من قبل جهاز الأمن والمخابرات ... ليس لاستدعائي أي علاقة بحادثة عثمان ميرغني أو ما يعرف بجماعة حمزة وبيانها الركيك لغة ومحتوى، موضوع الاستدعاء بسبب مناصرتي للدولة الاسلامية –أعزها الله باقية وتتمدد بإذن الله تعالى-وهذا موقف فكري وسياسي معلن صرحت به لعدة صحف وخطبت فيه عدة خطب وكتبت فيه عدة مقالات).  
أما حكومة الاخوان المسلمين السودانية، فهي لم تتنصل من دعمها ل “داعش"، والجماعات الإرهابية في ليبيا، ومصر، وغض البصر عنهم لينتشروا في السودان فحسب، وإنما تنصلت حتى عن الاخوان المسلمين أنفسهم !! ففي زيارته لدولة الامارات في 21/2/2015م، نفى الرئيس عمر البشير علاقتهم بالتنظيم الدولي للإخوان المسلين!! فقد جاء (وأكد في حوار صحفي مع «الاتحاد» أن علاقات السودان مع جمهورية مصر ثابتة وقوية، وقال: تجمعنا بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي علاقات أخوية مميزة وصادقة، مشيراً إلى سعي البلدين لتعزيز مجالات التعاون على الصعيد الأمني سعياً للخروج بحلول تحفظ أمن واستقرار البلدين مع تفاقم الأعمال الإرهابية في ليبيا. وأشار إلى رفض بلاده القاطع لظهور الطابع الدولي لجماعة الإخوان المسلمين عبر ما يعرف بـ «التنظيم الدولي للإخوان المسلمين»، منوها بحق الدول في اتخاذ ما تراه مناسباً لخدمة أمنها واستقرارها بعد تنامي تأثير التنظيم الدولي للإخوان وتدخله في شؤون عدد من الدول العربية. وأكد الرئيس السوداني أن تنظيم داعش بمختلف فصائله يشكل تهديداً «مقلقاً» للمنطقة العربية وتحدياً حقيقياً يتطلب مواجهة جادة تشمل تجفيف مصادر تمويل التنظيم المالية واللوجستية)( الاتحاد 24/2/2015م). وليأكد السيد الرئيس هذا الاتجاه الجديد، المتبرئ من كافة تاريخه، أضاف في حوار مع قناة العربية، حين ذكرت له المذيعة أن فتور العلاقات بينه وبين دول الخليج، سببها مساندته لتنظيم الاخوان المسلمين، قال: (طبعاً في التنظيم الدولي للاخوان المسلمين ونحن لسنا أعضاء حتى تنظيم الأخوان المسلمين في السودان ليس أعضاء في هذا التنظيم ...) !! ويلاحظ أن المذيعة سألته عن الاخوان المسلمين فقفز الرئيس البشير الى التنظيم الدولي، وحين فعل ذلك سارع بنفي عضويتهم في التنظيم الدولي ولكنه استدرك ونفى عضوية تنظيم الاخوان في السودان في التنظيم الدولي .. ومادام الرئيس البشير لا علاقة له بالإخوان المسلمين لماذا نفى عضويتهم في التنظيم الدولي ؟! ومن أين له ان يعرف حقيقتها ما دام هو ليس عضواً في التنظيم الدولي أو في تنظيم الاخوان المسلمين السودانيين ؟!
وحين سألته المذيعة بصورة أكثر تحديداً، عن موقف حكومته الحالي من الاخوان المسلمين، قال (موقفنا ما زي أي جماعة أخرى نحن ما عندنا علاقة تنظيمة مع هذه الجماعة ما عندنا تأثير عليها ولا عندها تأثير علينا) !! وكيف يمكن ان توجد جماعة منظمة، ذات رؤى سياسية وفكرية معينة، ثم لا يكون لها تأثير على الحكومة، ولا للحكومة تأثير عليها ؟! فجماعة الاخوان المسلمين أما ان تكون مؤيدة للحكومة، أو معارضة لها، وفي كلا الحالين تؤثر على الحكومة وتتأثر بها .. أليس هذا كذب صراح يندى له جبين الرجل الكريم ؟! وبطبيعة الحال، لم يصدق شيوخ الامارات، ولا بقية دول الخليج، ما قاله السيد الرئيس عمر البشير. فهم بلا شك يذكرون استقبالات حكومته، لمحمد بديع مرشد جماعة الاخوان المسلمين، في احتفال ضخم بزيارته للسودان، جرت مراسمه بقاعة الصداقة، إبان فترة حكم محمد مرسي لمصر.. كما أنهم يذكرون المظاهرة الضخمة، التي قادتها الحركات الإسلامية، وعلى رأسها حزب المؤتمر الشعبي، الذي يتزعمه الترابي الزعيم لجماعة الاخوان المسلمين بالسودان، احتجاجاً على فض اعتصام عناصر الاخوان بميدان رابعة. تلك المظاهرة التي سارت الى السفارة المصرية، وكانت الشرطة تحرسها، رغم أنها اعتادت في السودان على ضرب المظاهرات!!
إن السيد الرئيس بهذا التصريح، قد أظهر من التخاذل، والمهانة، ما يجلب التحقير، ويسئ الى الشعب السوداني بصفة عامة. ورغم ما قاله السيد الرئيس عمر البشير، عن حسن علاقته بالرئيس عبد الفتاح السيسي، في زيارته لدولة الامارات، إلا أنه أدان رسمياً الغارات الجوية المصرية، على مواقع "داعش" بليبيا، بدلاً من أن يدين ذبح "داعش" للأقباط المصريين!! فقد جاء (الخرطوم -وجه الرئيس السوداني عمر حسن البشير، انتقادات لاذعة، للضربات الجوية، التي قامت بها مصر ضد معاقل تنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا، واصفا ذلك بـ“الخطأ”، في أول تعقيب له على الأمر. وقال عمر البشير في مقابلة نشرتها صحيفة “لوموند" الفرنسية، إن “المصريين اختاروا مؤخرا التدخل العسكري، الذي أدينه في ليبيا"، مضيفاً “أعتقد أنه كان خطأ من قبل الرئيس عبدالفتاح السيسي لأنه سيفاقم الوضع".... وقد اعتبرت الجامعة العربية، ومعظم بلدان المنطقة، باستثناء دولة قطر، أن من حق مصر الدفاع عن نفسها، وأن ردها بمهاجمة معاقل التنظيم شرعي ولا غبار عليه. ويرى مراقبون أن تصريحات البشير ليست بالمستغربة، خاصة وأن هناك تأكيدات، على أن الأخير، متورط في دعم الجماعات الإسلامية المتطرفة في ليبيا، رغم نفيه المتكرر لذلك، وآخره في حديثه الأخير مع “لوموند". وقد اتهم رئيس الوزراء الليبي المعترف به دوليا عبد الله الثني، السودان وتركيا، بأنهما يسلحان الفصائل الإسلامية، الممثلة في فجر ليبيا، وغيرها من الجماعات المتطرفة، في هذا البلد الذي يشهد فوضى، منذ سقوط العقيد معمر القذافي، والذي كان للخرطوم دور بارز فيه. كما وجه اللواء خليفة حفتر، الاتهام مرارا للخرطوم، بدعم جماعة أنصار الشريعة الموالية لداعش، وغيرها من الجماعات الإسلامية، التي تقاتل القوات الموالية للحكومة، في مدينة بنغازي شرقي البلاد. وللإشارة فإن البشير كان قد اعترف، مؤخرا، في تصريحات صحفية بتدريب قوات ليبية في كلية الضباط بالعاصمة السودانية، في تأكيد جديد على صحة ما نشرته “العرب"، عن قيام النظام السوداني بتدريب مجموعات من الإسلاميين الليبيين، لمواجهة قوات خليفة حفتر في الكلية المذكورة)(العرب 28/2/2015م).  
في لقائه الأخير، في القضارف، إبان تدشين الحملة الانتخابية، قال السيد الرئيس (نحن دايرين نسوق الناس للجنة) !! 

//////////
إلى جنات الخلد أستاذنا تاج الدين إبراهيم عمر الذي غادرنا في صمت شديد .. بقلم: الرشيد حميدة 
مذ بدأت العمل في الظهران أي في شركة ارامكو السعودية التي انتقلت اليها من شركة سمارك التي ادمجت فيها ، وصورة طبعت في ذهني لم تغادر ذاكرتي ابدا، انها صورة اول سوداني قابلته في تلك المنطقة الجميلة من المملكة العربية السعودية، التي تباهي في الجمال مدينة ابهاعروسة ودرة الجنوب، وتلك أي الظهران درة الشرق. انه المترجم البارع المبدع الاستاذ المتواضع تاج الدين ابراهيم عمر، الذي فاضت روحه الطاهرة الى بارئها في صمت شديد وهو في غيبوبة تامة اثراجراء عملية جراحية حساسة في المخ في احدى مستشفيات ولاية فرجينيا بالولايات المتحدة الامريكية التي هاجر اليها مذ مدة قصيرة اثر استقالته من ارامكو السعودية طوعا واختيارا. لأول مرة قابلت الفقيد حيث كنت قادما من الرياض وزميلي الاستاذ ابراهيم عبد المجيد القادم من مصفاة جدة لمقابلة مسئولي الترجمة في ارامكو السعودية لترتيب اجراء اختبار قياس القدرات الابداعية للمترجمين وبحمد الله قمنا باجتبازه في مرحلته الأولى الصعبة، وقد قابلنا الفقيد الذي كان يشغل منصب رئيس وحدة ترجمة المراسلات، حيث كان مشرفا على عملية استقبالنا واعداد وتصحيح اوراق الاختبار. وقد استقبلنا بوجه منطلق مطبوع الابتسامة وبقدر كبير من الترحاب.
حسب علمي لقد عمل الفقيد بالسودان في مجال التربية والتعليم في  بخت الرضا ومدينة الدامر حيث كان مثالا للتفاني والاخلاص والتواضع والاخلاق الكريمة وسماحة وطيب المعشر واللين والكرم وهي خصال عرف بها ايضا في قسم الترجمة بالظهران، فقد كان هو أول من فتح باب بيته المضياف لمجموعة سمارك القادمة من جهات عدة في المملكة (الرياض/جدة/ينبع) من السودانيين حيث جمعهم في حفل عشاء جامع جسد كرمه الفياض وحسن الضيافة السودانية الاصيلة وترحابه منقطع النظير الذي ينم عن اصالته وطبعه السمح وخصاله الحميدة الاخرى.
أما في العمل فقد كان تاج الدين من اقدر الناس على الصبر ومن اصبرهم على العمل وكان من اخلاصه في العمل انه يمكث الى ما بعد ساعات العمل الرسمية لكي ينجز ويعد بعض الاعمال المطلوبة في تاريخ معين محدد وفاء بمتطلبات العمل وشروط تسليم المواد المترجمة. ومن شدة تواضعه انه لن يشعرك أبدا أو انك لن تحس منه  أنه اعلم وأخبر  أو اقدرمنك، كما انك لن تحس او تشعر انه رئيسك في العمل. وهو جاد دائما لا يركن الى المزاح اثناء ساعات العمل ولكن في غير اوقات العمل فانك تعجب من ان ذلك الشخصي الجاد الصامت قادر على المزح و (الهظار) بدرجة كبيرة جدا. ومن شدة صمته ومثابرته في العمل وانغماسه فيه، فقد تطرق باب مكتبه او تقف على رأسه دون أن يحرك ساكنا، وكأنه شيخ انصرف الى صلاته وعبادته في خلوته. وهو شديد الحياء في المسائل الحساسة لا يريد ان يجرح شعور الآخرين فقد شهدت له ذات مرة موقفا حساسا، شديد الحساسية. فقد كان مكتبي يطل على مكتبه مباشرة، فاذا كان باب مكتبنا مفتوحا فمن السهل مشاهدته وهو منكب على اوراقه كعادته دائما، وهذا هو شأ نه ، ففي ذلك اليوم اجتمع الزملاء السودانيين على مائدة افطار سودانية توسطها طبق ضخم من (الفسيخ) البيتي الذي احضره احد الزملاء، وكانت رائحة الفسيخ النفاذة تفوح من مكتبنا طارقة ابواب كل المكاتب المجاورة، وقد شعر بالأمر واصابته نوبة قلق شديدة، اذ غلب عليه حياؤه ان يدلف الى مكتبنا وينبه الحاضرين الى ضرورة وقف تلك الممارسات الممنوعة حسب لوائح الشركة، ولم اكن مشاركا للمجموعة لأنني لست من انصار السمك او الفسيخ، وكنت من مكتبي اراقب حركاته، فقد تردد عدة مرات الى أن تمكن من مقاومة حياءه وتقدم نحو الجماعة وبكل ادب واحترام شرح لهم ان  ذلك السلوك لا تسمح به لوائج ونظم الشركة، وهو تصرف غير مقبول في مكاتب الشركة. فكانت تلك اخر مرة تشم فيها رائحة الفسيخ داخل مكاتب الشركة. واستحسن الحضور معالجته للامر دون ان يمس او يجرح شعور أي من الحاضرين، وقد تدخل هو في نهاية الأمر بعد ان ايقن أن الجميع قد تناولوا افطارهم وهموا بالخروج.
وموقف اخر يؤكد مرونته العملية والعلمية فهو لا يميل الى التعصب او اسلوب المغالطات وتواضعه العلمي، ففي ذات مرة كان هو المصحح المناط به تصحيح وتحرير شهادة جامعية لأحد موظفي الشركة السودانيين صادرة من جامعة الخرطوم استدت لي مهمة ترجمتها، وكانت تبدا بالصيغة التالية:
نحن الموقعون ادناه ..... وهي الصيغة السائدة في تحرير الشهادات، وقد قمت بتغييرها الى صيغة اخري هي: نحن الموقعين ادناه (بالنصب) ...... فلما قدمتها له ونظر فيها استوقفته تلك الصيغة الغريبة غير المألوفة، فقام باستدعائي وسالني عن الصيغة المكتوبة وصحتها بكل تواضع، فبينت له وجهة نظري والقاعدة النحوية التي استندت علها (الاختصاص) وأن كلا الصيغتين سليمه نحويا وبينت له ان تلك الصيغة التي اوردتها قد استقيتها من البروفسير عبد الله الطيب، يرحمه الله، الذي علمنا اياها في جامعة الخرطوم، فما كان منه الا ان استحسن طريقة عرضي للموضوع وا الصيغة التي تبنيتها وقال مازحا (علم الله واسع)، وهذا كان هو ديدنه مع جميع الزملاء المترجمين لا يغير ما خطه اجدهم الا بعد اقتناع تام لانه يحترم اسلوب الاخرين طالما ان الترجمة سليمة وأنه لا غبار على الاسلوب الذي تبناه المترجم.
الحديث عن تواضع وعلم وأدب فقيدنا تاج الدين يطول ويطول، وهناك من هم اقدر مني واعلم مني بفضائل اخلاقه وجم علمه وكرمه وسماحة ودماثة خلقه وصفاء سريرته وطيب معشره، وكان الى وقت قريب من مرضه يواصلني ويكاتبني عن طريق البريد الالكتروني، وكان دائما يجدد الدعوة لي لزيارتهم في فرجينيا التي يعلم انني قد احببتها مذ زرتها في العام 1990 عند زيارتي للولايات المتحدة الامريكية، وكم كنت تواقا الى مقابلته في تلك البقعة التي استقطبت أفئدة العديد من السودانيين الذين استهواهم مناخها ومناظرها الطبيعية والحياة فيها، ولكن القدر كان اكبر منا فعجل بفراقه دون ان يتيح له فرصة لقاء ومقابلة رفاقه الذين احب ولكن سلواه ان وجد فيها المهنة التي احبها واخلص لها وافنى فيها عمره، فالله نسأل ان يتغمد تاج الدين بواسع رحمته ويجعل الجنة مثواه مع الصديقين والشهداء وحسن اولئك رفيقا، وأن يجعل البركة في ذريته ويلهم أله وذويه الصبر والسلوان. انا لله وانا اليه راجعون.

aliahmayd@yahoo.com
/////////
من إرادة الثورة إلى إدارة الثورة: دروس الثورات العربية   .. بقلم: د. عمرو محمد عباس محجوب
الكتابة عن احداث بضخامة الثورات العربية مسئولية جسيمة. يزيد من جسامة المهمة، أن الذين قاموا بالثورة لم يصلوا للحكم، وبالتالي لم يكتبوا تاريخها، على العكس فقد قامت الثورة المضادة وبقايا الانظمة بالتصدي لتشويهها والانتقاص منها. الامر الاخر أن هذه الدول لم تشكل لجان تحقيق معتبرة، أو الكتابة بواسطة أكاديميين موضوعيين، لذلك فكل الأحداث لها عدة قراءات متباينة ومتفارقة، حتى من قادتها الحقيقيين. بل أن بعض الثورات لم تنته بعد. الثورات العربية تنظبق عليها ما قالته الكاتبة الفرنسية جورج صاند "لا أحد يقوم بثورة بنفسه؛ وهناك بعض الثورات الإنسانية التي تنجز دون أن يعرف الناس تماماً كيف حدثت، لأن الجميع شاركوا فيها".
تناولت قضايا الثرات العربية في اربع مقالات مفصلة في موقع الحوار المتمدن، تحت العنوان الرئيسي "من إرادة الثورة إلى إدارة الثورة"، في موقعي الفرعي" http://www.ahewar.org/m.asp?i=8013 ". قادتني هذه المقالت في نهايتها لاستخلاص دروس الثورات الغربية، باعتبارها الحاجة الاساسية للشعب السوداني حالياً.  

سمات الثورات العربية
لخصت شعارات الثورة التونسية، ومن بعدها المصرية، كل مطامح الشعوب العربية وثوراتها، لكنها اكثر من ذلك تشابهت في مسيرتها العامة ومآلاتها.  فى كافة دول الثورات العربية، تواجدت قوتان متجاورتان، النخبة السياسية المعارضة، خاصة الشباب، والتى كانت بعد يأسها من الاصلاحات من داخل النظام، ان اقتنعت ان حل الازمة السياسية، الاقتصادية والاجتماعية الشاملة هو فى تغيير النظام كليا. 
القوة الاخرى كانت معارضة، شملت اغلب الشعب، ذات جذر اقتصادي واجتماعي وعبرت عن نفسها فى النقد القاسى للنظام، العزوف عن المشاركة فى النشاط السياسى والحركات الاحتجاجية. ادى عدم قدرة النخبة السياسية المعارضة الرسمية فى تنظيم هذه الجماهير، أن حدث تلاق بين القطاع الشبابى وبين المعارضة الجماهيرية فحدث انفجار شعبى مدوى لاسقاط النظام وعيبها الاساسى، الذى ظهر جليا فى كافة الثورات، انها بلا قيادة سياسية. 

إرادة  الثورة
سوف اتناول الوضع عبر مفهومي الارادة والارادة. ارادة الثورة طريق طويل تم بنائه عبر الحراك الشعبي المستمر والرغبة في التغيير، شمل ما هو سياسي واجتماعي واقتصادي ونقابي ومهني، حيث يتمظهر ثم يخبو، حتى يكاد يقترب من الانطفاء، بسبب عوامل موضوعية وأخرى ذاتية، لكنه لا ينقطع، وظلّ مستمراً ومتواصلاً على الرغم من الصعود والنزول، إلى أن حان موعد اللحظة الثورية المثيرة للدهشة حد المفاجأة، فتنتقل الشرارة وتسرى مثل النار في الهشيم، وكما يقول ماوتسي تونغ: "يكفي شرارة واحدة لكي يشتعل السهل كلّه". 
في كل دول الثورات العربية سادت منذ فترة طويلة دول ضعيفة، مفككة ومنقسمة وغير قادرة على الحكم بالاسلوب الذى تعودت علية من القمع الحكومي المكثف، تكسير كل أدوات وآليات العمل السياسي المدني المعارض بإستغلال إمكانات الدولة (الأمن والاقتصاد والإعلام، اختراق الأحزاب والمجتمع وغيرها). هذا الى جانب الضائقة الاقتصادية الطاحنة واثارها الاجتماعية المدمرة. توفرت ارادة الثورة والقيادة الميدانية التى اخرجت الجماهير الساحطة والمحبطة، في مشاهد بطولية ومذهلة إلى جميع الساحات والميادين واستطاعت انجاز ثورتها.

عشية الثورات العربية
كانت الثورات العالمية التي نشدت التحولات الديمقراطي، الحرية والمطامح الاجتماعية الاقتصادية، والتي عمت اطراف عديدة في العالم من دول شرق ووسط اوربا، امريكا اللاتينية وافريقيا قد اختطت النموذج الاسترشادي العام لمسيرة الثورات. تركز النموذج على فترة انتقالية تتراوح في مدتها، تعالج في اغلبها اعادة ترتيب القوى الصاعدة الجديدة، تفاهمات حول وضع الجيش في الحياة العامة، وضع الدستور وتحديد نظام الحكم. شهدت هذه الفترة تدخلات تراوحت من التدخل العسكري المباشر، لكن اغلبها كانت تدخلات استخباراتية واسعة. انتهت هذه الفترة باتتخابات عامة تعدديه، تحت اشراف دولي كثيف. احتاجت اغلب الدول لحوالي العشر اعوام لاستقرار الامور ودخولها مرحلة الدولة المستقرة.
لم تختلف الامور في الثورات العربية، وأن كانت لم تحسم امور كثير منها حنى الان. فقد استمرت الفترة الانتقالية حوالي ثلاث سنوات في تونس ومصر، اجيز فيها الدستور الدائم، تمت بعدها انتخابات عامة في تونس ولم تكتمل في مصر حتى الان. ليبيا واليمن لازالتا حتى الان في هذه الفترة، ويتعسر انجاز الثورة في سوريا. شهدت كل الدول تدخلات استخباراتية واسعة، من اطراف اقليمية ودولية. التدخل كان مباشراً في ليبيا عن طريق تحالف غربي وعربي، وفي اليمن عن طريق المبادرة الخليجية والتي اكتسبت تأييداً دولياً.

إدارة الثورة
عندما خرجت الجماهير في كافة الساحات وطالبت بإسقاط النظام، كانت تقوم بمهماتها الكلاسيكية في تقرير مصيرها، ظلت صامدة في الميادين وساحات القتال حتى اسقطت الانظمة، صاغت شعاراتها الواضحة، ودفعت من دم شهدائها. الذين اداروا ارادة الثورة. القطاعات الشبابية، وقود الثورة وقادتها الميدانيين، لم تكن تملك الخبرة الكافية بحكم السن والتجربة، لم يكونوا مؤهلين لإدارة ما بعد نجاح الثورة. كان الدور اللاحق من مهام النخبة السياسية والفكرية. هذه النخب كانت لاتقرأ تجارب غيرها، منغلقة في شوفينيتها ونتاج عقود طويلة من العمل التحتي، الاتصالات الجانبية والاتفاقات الامبدأئية. الارادة التي حققت الثورات فشلت في إدارة الثورة.
كان امام نخب العالم العربي تجارب ماثلة، في السودان، من ثورة وانتفاضة، كانت كتاباً مفتوحاً لفشل الثورات وعوامل انجاحها. كانت تجربة سودان الانقاذ كتاباً حول سياسات وتوجهات الاسلام السياسي وملخصاً محزناً واليماً عن "التمكين" وتدمير الدولة. بشكل عام سيطر علي النخب المدنية المصرية التوجه إلى الغرب وامريكا والاحتفاء بتجاربها، وعدم الاهتمام بالتجارب خارج هذه المنظومة، وكان هذا اشد بالنسبة لتجارب السودان. ساهم كثير من الكتاب والمفكرين المصريين في التقليل من التجارب السودانية والاستهانة بها، مما قلل من الانتباه لها من النخب السياسية، وعدم الاحتفاء بها. 
تميز الصديق عبد الرحمن المهدي إمام أنصارالمهدي، في معارضته للنظام العسكري السوداني الاول (1985-1964) بتطور خطابه، وسوف يصل هذا التطور ذروته في مخاطبة برنامجية في الاحتفال بعيد الهجرة 1961 ، والتي تمثلت بالدعوة "قيام حكم ديمقراطي منبثق من مبادئ الإسلام والواقع السوداني مستمد من تجارب الماضي". كان هذا اول طرح سياسي يدعو لاعتماد مبادئ الإسلام وليس الشريعة كمرجعية.  دعوة سوف تشكل اساس المناقشات المعمقة في دول الثورات جميعها، وتصبح الصيغة التي سوف تتجه لها كل الدول (الوثيقة رقم 3: جهاد في سبيل الديمقراطية: مطلب الامة: اشرف على اعداده الصادق المهدي،www.umma.org ). 
عندما خرجت الجماهير في نهاية مارس 1985، في كافة مدن السودان، كانت هذه آخر أنفاس القطاعات المدينية المتعلمة المنتمية للطبقة الوسطي، قاطرة الثورات، التي كانت إما في المهاجر المختلفة، أو دمرها النظام المايوي إفقاراً وسلباً لحقوق التنظيم. لم تستطع الانتفاضة أن تنجز ما وصلته أكتوبر 1964 من مجد، تغيير النظام بالكامل، عودة العسكر لثكناتهم فاكتفت ببرنامج صيغ على عجل: مجلس عسكري من قادة العهد البائد، ومجلس وزراء بلا صلاحيات سيدشن ما عرف في الأدبيات السياسية بحكومة تسيير الأعمال، سقط النميري في 6 ابريل 1985 ولم يسقط النظام!! هذه الفترة الإنتقالية هي التي وضعت الأساس لصعود تيار الدولة الدينية عن طريق تحالف متنوع.
لكن التيارات المدنية المصرية اضطرت لاول مرة أن تمعن النظر وبشكل عميق ومتآن لجارهم الجنوبى – السودان- فى تجربتة البائسة مع تيار الاسلام السياسى، ودراسة تكتيكات اخوانهم وتاريخها لفهم طبيعة القوة التى خرجت عليهم من غياهب السجون والقرى الفقيرة والحارات العشوائية. ليس هذا فقط فقد اضطرتهم الحاجة الملحة الى التبحر والبحث العميق فى التجارب الدستورية لجنوب افريقيا، البرازيل، اندونيسيا وغيرها. ربما كانت التجربة "الاسلامية السودانية"، درساً قاسياً استوعبه الشيخ الغنوشي (عاش في السودان لفترة وتابعها في كافة منحنياتها)، ومن نقد التجربة استطاع أن يعبر لرحاب التوافق والتسامح الفكري.
لقد ساهم الإسلام السياسي المصري وبشكل فعال، في دفع الشباب، والتيارات المدنية إلي الخروج من النخبوية والأكاديمية والوصول إلي الشارع في عمق قراه، التفاعل معه، واجبرهم على البحث والتنقيب في كافة التجارب الإقليمية والعالمية، والتي كان يستنكف عن الخوض فيها إما تكبراً عليها او لعدم الحاجة اليها.        

دروس الثورات العربية
سوف تحذو الثورات العربية النموذج السوداني حذو النعل بالنعل في مساراتها وأن اختلفت التفاصيل. في تونس تدخل الجيش ولكنه سرعان ما عاد للثكنات وسارت الامور كما في السودان وأن اختلفت النهايات لنوع من التسوية التأريخية والتعايش بين التيارات المختلفة في الدولة. كانت مصر المعمل الذي تمت فيه كافة مراحل النموذج.، وسوف تمثل مسارها، تعرجاتها ودروسها تلخيصاً مقطراً لكافة نمادجها الماثلة في ليبيا واليمن ومناطق اخري مثل سوريا والثورات المتوقعة خاصة في السودان.
عندما اعلن الجنرال عمر سليمان تنحي الرئيس المصري السابق حسني مبارك عن الحكم وتحويل سلطاته لمجلس عسكري انتقالي، عم ميدان التحرير الفرح والابتهاج. رغم أن هذه كانت مطالب الميادين، وكان متوقعاً، فقد وضح جلياً أن كل الذين قادوا النضال البطولي الجبار طوال 18 يوماً لم يكونوا جاهزين لهذا الموقف. خلال اسابيع الاحتجاجات والاعتصامات، كان يتم نزع الشرعية عن نظام الحكم بالكامل. المعضلة الحقيقية أن الدولة كانت تديرها اجهزة الامن وليس السياسين المدنيين وعند سقوطها سواء بالاخراج من الساحة كما حدث للشرطة، او بحل جهاز مباحث امن الدولة. حدث هذا في كل الثورات، وأن بشكل اقل في تونس، واخراجها تماماً من الساحة في ليبيا. 
ادى هذا لخلق فراغ سياسي واداري في كافة الدول، ملأته القوى الاكثر تنظيماً، إداريا ومالياً، تيارات الاسلام السياسي المختلفة. هذه القوى المنظمة كانت مثل الانظمة التي سقطت، تعتمد على الطاعة المطلقة داخل التنظيم، والفاشية الدينية في الحكم. كان الجيش هو القوة الوحيدة من اجهزة الدولة التي حافظت على تماسكها، وفي نفس الوقت، لأنها كانت الحاكم الفعلي طوال عقود، كان الافتراض أن لديها الخبرات والكفاءات المطلوبة لادارة البلاد. كان هذا هو المشهد الذي سوف نحاول ان نستقي منه بعض الدروس الممكنة.         
الدرس الاول:  عندما تنجز ثورة لابد أن يصل الذين قاموا بها، قبل فض الاعتصامات في الميادين،  الاتفاق على برنامج واضح للفترة الانتقالية، قضاياها، طاقمها القائد وخريطة طريق واضحة للمسار المفروض. 
في كل الثورات كانت السمة البارزه امتلاك الجماهير القوة والقدرة لانجاز الانتفاض، اسقاط رؤوس الانظمة، ابداع الشعارات وغيرها. برغم هذا فقد طاردتها الامراض التي ورثتها النخب من تجاربها التاريخية وكان اخطرها  واكثرها ضرراً: الانشقاقات والانقسامات. هذا الميراث الاليم في مصر، ليبيا التي وقعتا تحت الاستعمار البريطاني والايطالي، وحافظت فيه المجتمعات على مكوناتها الاجتماعية التقليدية والفكر الابوي، واليمن ذات التكوينات القبلية والطائفية، وبدرجة اقل في دول الاستعمار الفرتسي التي عملت على تحديث الموروثات الثقافية ونشر فكر التنوير الفرنسي، وإن حاولت تذويب ثقافاتها، سوف يقود لعجز النخب على الوصول لأي اتفاقات ذات بال. لقد كان من المذهل أن ثورة ضخمة بحجم الثورة المصرية لم تستطع قوى ميادينه المتراصة، لاكثر من اسبوعين، الاتفاق على مجلس رئاسي للحكم. 
كل الثورات العربية مضت في طريق ميثولوجيا "الدولة العاقرة" التي اعتبرت الطاقم الحاكم من الانظمة القديمة مستودع الحكمة، الكفاءة والنزاهة، ومن ثم اعادتهم إلى الحكم. كل الحكومات التي شكلتها الثورات العربية كانت مكونة من هذه الطواقم، وتحمل سنوات ما بعد السبعين. رغم مناداة كل النخب المختلفة بإيصال الشباب "ويعنى بها رجال بين الاربعين والخمسين"، والمرأة والاقليات، فعند اختيارها اتجهت لتدوير النخبة الحاكمة، ابعاد النساء إلا باقل قدر واقصاء الاقليات.       
الدرس الثاني: عندما تنجز ثورة لابد أن يصل الذين قاموا بها للسلطة، أي تنتقل من ارادة تحقيق الثورة إلى تحقيق ادارة الثورة، لانجاز عودة الجيش لمهامه وهيكلة اجهزة الامن، اسعاف اقتصادي واجتثاث الفساد، وضع دستور مدني ديمقراطي وانهائها بانتخابات عامة.
عندما تولي المجلس الأعلى للقوات المسلحة برئاسة القائد العام للقوات المسلحة  المشير محمد حسين طنطاوى سدة الحكم ، وقبل به الميدان وتفرق كانت الثورة قد فقدت المبادأة في تنفيذ ما نادت به. برغم المهابة، البطولة والمشهد الانساني الرائع في الميادين العربية المختلفة، فقد توقفت عند الشعارات، وعجزت النخب التي كان عليها فرض ارادة الثوار عن الاتفاق على أي برنامج. بعد أن كانت القوى المدنية الديمقراطية سيدة الميادين والساحات، وشعاراتها هي السائدة وهي التي تقدم الشهداء، سوف تبدأ قوى التيارات الدينية (الاخوان المسلمين، السلفيين، الجماعة الاسلامية وغيرها) في ملء الفراغ  وتبدأ في استغلال الحماس الشعبي لتنظيم جمعاتها المنفصلة مثل "جمعة قندهار" وغيرها. 
سوف تتواجد هذه الثلاث قوى في الساحة ومنها سوف تتشكل نتائج الثورة المصرية. رغم أن الجيوش في دول الثورات العربية اعتبرت أنها كانت في الحكم لمدة طويلة، لكنها كانت خارج السلطة، وقد اثبت الاداء السيء والضعيف للمجلس الأعلى للقوات المسلحة خاصة، والجيوش في الدول الاخرة هذه الاطروحة. وقدم تنازلات كبرى أدت لوقوع السلطة في براثن الاسلام السياسي في تونس، مصر وليبيا والحوثيين في اليمن. 
عندما انفضت الجموع الثائره من الميادين، وذهب الشباب للراحة من اسابيع الارهاق الطويل، وكانوا قد حققوا ارادة الثورة ولكنهم كانوا قد غادروا محطة ادارة الثورة تماماً. سوف يعود هؤلاء لمحاولة استعادة ثورتهم ولكن سوف يقودهم ذلك للتنبه لما اخطأوا فيه عندما قبلوا بانصاف الحلول وسوف يبدأون بالمناداة بعودة العسكر إلى الثكنات وهيكلة اجهزة الامن. وسوف تدفعهم نتائج التفاهمات التي حطت بالقوى الدينية في السلطة، إلى تفجير الموجات الثانية للثورة في تونس، مصر وليبيا والتي انتهت بالتراضى في تونس، 30 يونيو 2013 قي مصر والكرامة في ليبيا.

الدرس الثالث: عندما تنجز ثورة لابد من البعد بها عن التدخلات الاقليمية والدولية. 
واجهت الثورات العربية، غير الانظمة الحاكمة قوى عديدة، اتاحت التجارب المختلفة والاحداث امكانية تصنيفها الاولي، هناك القوى الدولية ولها محورين أساسين: الدول الغربية بزعامة الولايات المتحدة ولها امتدادات محلية واقليمية، ومحور روسيا والصين وكانت اما منحازة للدولة الحاكمة كما في موقفها في ليبيا وسوريا، اومحايدة في الدول الاخرى وتحاول كسب حلفاء جدد. وتحالفت الدولتان في سوريا مع ايران. تراوحت الدول الاقليمية من دول عربية محافظة تكتلت في جامعة الدول الغربية وخرجت منها قطر وتركيا حيث ايدت قوى الاسلام السياسي. 
ادت التدخلات الاقليمية والدولية في شئون الثورات بشكل عام، منذ الثورة الفرنسية، إلى وقوف هذه القوى مع اكثر القوى اليمينية في المجتمع، وصدق هذا على موقف الدول من الثورات العربية. في هذه الثورات ساندت الدول الغربية قوى الاسلام السياسي ولعبت دوراً في وصولها للحكم في مصر، سلمتها مفاتيح طرابلس، اما في اليمن فقد لعبت المبادرة الخايجية على ازاحة على صالح من الحكم والسيطرة فعلياً على السلطة. سوف نؤدي المبادرة الخليجية لاحتفاظ صالح بالجيش ومن ثم تسليم اليمن للحوثي لتصبح شوكة في خاصرة السعودية.  
لم تسمح الثورتان التونسية والمصرية لأي من هذه القوى بالتدخل المباشر، وحافظت على محلية القرار. سوف تستدعي احداث ثورة 30 يونيو 2013 ، التدخل الفظ والسافر للغرب، قطر وتركيا لاعادة عقارب الساعة للوراء. ثورة يونيو كانت موجة من ثورة يناير 2011 ، وانجزها شبان كانوا محبطين من الفاشية الدينية التي حاول التيار الديني فرضها، وغاضبين من الغرب الذي يدعي الديمقراطية في شعاراته ويقتلها بافعاله. عندما دعت الجامعة العربية، للتدخل الدولي كانت تعطي روشتة الذهاب إلى المجهول. انتهى القذافي، تشتت نظامه وعندما  دخل بلحاج طرابلس، كانت ليبيا تدخل غياهب الفوضي والسياسات العشوائية والفساد. 

الدرس الرابع: اتفاق برنامج الفترة الانتقالية وخريطة الطريق جزء من رؤية بناء الدولة المستقبلية.  
رغم اعتراف كل الذين ملأوا الفضائيات، الصحف ومقالات المواقع الالكترونية، بغياب الرؤية في كل بلاد الثورات العربية، فقد عد من سقط الحديث. فكل النخب انشغلت عن التفكير في الرؤية، صياغة البرامج وخلق الاتفاقات بينها، إلى قضايا هامشية، وتمادت في نزاعاتها وانشقاقاتها. هناك اعتقاد من الصعب تتبع مصدره، تفصل بين مهام مابعد الثورات، أي الفترة الانتقالية، وبين مفهوم الرؤية. 
في سنوت الانتقال اتيح للتوانسة والمصريين، الوصول لاهمية الرؤية في بناء اوطان المستقبل، وحدث تفرس شديد في كيفية التحضير لرسم الرؤية، ممهداتها، آلياتها والتجارب الناجحة في الدول التي سبقتنا مثل الهند، ماليزيا، الصين، كوريا، جنوب إفريقيا، عمان، دبي، البرازيل واندونيسيا. قام كتاب ومفكرين بعرض هذه التجارب، زيارات للبلدان المعنيه، استضافة مفكرين عملوا عليها ونفذوها وغيرها.  
سوف تدفع النخب المدنية الديمقراطية ثمناً غالياً لعدم ترجمة احاديث تلفزيوناتها، صالوناتها، مقالاتها وغيرها، إلى برامج تمس حياة الملايين الذين فاضوا على الساحات والميادين، واعطاء الملامح الاساسية للمستقبل الذي تتطلع إلى تحقيقه وتتفوق بها على الأوضاع السائدة. لم ترسم الصورة الذهنية لما ينتظر في نهاية طريق لم تسلكه من قبل، تصبغ الأوضاع المستقبلية في نهاية هذا الطريق من مكونات وعناصر هذه الصورة. لقد كان تلهف الشعوب واضحاً، خاصة في المشهد المصري التي ارتفعت فيه صور الزعيم عبد الناصر، صاحب اخر تجاربها في مشروع وطني.    
omem99@gmail.com
////////

 

آراء