عزيزي العبقري، الشاعر ليونيل ميسي! لم هوى اللاعب الألماني المسكين، خلفك؟
(خيال مرئي، ثلاثية جمال، وجلال عذبة)
مباراة البارشا والبايرن
بقلم: عبد الغني كرم الله
مسكين هذا اللاعب، رمى به قدره، أن يواجه إعصار عجيب، أمهر كاهن، لا يعرف إلى أين يمضي ميسي برفقة حبيبته، كرة جلدية عند قلبه، وقدميه، يسارا أم يمين؟، أم يقفل راجعا؟، أو يمضي في سبيله؟، أو يحلق فوق السحب، أو يخرق الأرض؟، كل شئ ممكن، لهذه الاستحالة الأرجنبتية، التي تنبع الأخيلة الحركية المباغتة، والشاعرية من نبع ثر، في عقله الباطني الوارث، لرشاقة غصون اشجار الأمازون، وهدهدة تثني الرقص الليلي، وحكايات الاساطير اللاتنية، وتربص عضلات نمور الغابات، ورشاقة الحمام، كلها تعتقت في قلبه الرحب، تنثال خواطر ذكية، في باله، في قدمه، كل حين، وهو يجري غزالا، شاعرا، رسام ماهر، بريشة القدم، في لوحة العشب الأخضر، لوحات كثر، فيها السريالي، والانطباعي والتكعيبي، والغرائبي، سر من رآى.
أخيلة عاتية، تجسيدها من قبل جسمه، أهون ما يكون، لا فرق بين الحلم والقدرة، ببساطة آثرة، لأعتى الجمل الحركية، وأخيلة الخواطر، تراها في سحر قدمه أحلى ما يكون، صورة طبق الأصل، بلا فارق بين الفكرة والتنفيذ، كما يطيع الظل العود، في آن، فكرة اصطادها عقله من هز زهرة، أو رعش غيوم، أو تلوى خيط بخور في معبد عتيق، تذكرتها قدمه بغتة، ورسمتهاه، على لوحة عشب أخضر في الكامب نو.
جرى، بثقة، من يعرف أن نقرات الكرة، مثل نقرات طبل، لستم القوة من تطرب، بل المهارة، وجس طرائق تفكير الخصم، وعناد حارس المرمى، وتوق عشاقه، وثأر قديم، كلها تبدو في صرامة محياه الطفولي العنيد، العبقري، عينيه ترى كل عشبة على حدة، سجاد عرسه الكروي،ولمه للكرة قرب قدمية، رغم سرعته، التي توحي بأنها ستفر منه، لعنف النقرة، وما علموا، بأن قدمه تعزف، يحركها وقع اللحن، والوجدان، وليس بطش وتهور العجلة، كالضوء، حين يسرع، هل سمعتم بضوء آذى، أو صدم ولو فراشة أو أزعج شاعر ؟، صوت وقع قدميه أخفض من الصمت.
، قابلة هذا اللاعب في مثل هذه النشوات التي تحس بختامها قبل بدئها، اللاعب الألماني، المدافع عن عرين الفريق الألماني، مع حارس خلفه، ومدافع هناك، جرى بكل قواه، ولم يجد طريق للحاق بالكرة، سوى رجله ورفس الكرة "باكورد"، وهيهات للحذر، أن يمنع القدر الذكي المرسوم، التي مضت كقدر مكور، لحجر الشباك البيضاء
هوى اللاعب، حين احتشدت مخيلته بألف فكرة، وهي تتلون مع ما يضمره ميسي، ولكن هيهات للأجساد ان تطيع الأفكار، سوى للعباقرة، وسرعة بديهة تفوق الضوء سرعة، ولو سألته لساعة الناس هذه أين مضى ميسي؟ لقال صادقا "الله أعلم".
احتشدت الخواطر في باله، يمين؟ شمال؟ قدما؟ فأمر رجله بأنه سيمضي قدما، وجرت الفكرة للقدم، وقبل أن تصل غير ميسي اتجاه، فأمر اللاعب الفكرة أن تأمر القدم بالحركة يسار، وبغته يمنيا، فعصت القدم الفكرة، لتأخرها، وقد كان الامر لها يمينا، ويسارا معا، فهوى اللاعب بعد أن اختلطت الافكار وتولدت الروئ، التي تتعارض مع التوازن، والجاذبية الارضية، ومكر العاصفة الارجنيتة، التي تركته صريع الأرض، حدد لرجلك قبل الخطو موضعها، وهو خطط لعشر مواضع في وقت وآن، فالزيادة كالنقصان، مسكين، مصاب بفقر خيال، ونقص تنفيذ، وهنا يعاب القصور.
.
للحق، لا توجد معصية في الدنيا، أشق من عصيان الجسم للأفكار، إن لم يكن الجسم مثل خيط بخور لنسيم الروح، كان الجفاء بين الحلم والواقع، بين الجسد والأخيلة التي تمور سجينة وحبيسة فيه، أي "أشتر الحركة"، أمام خيال مملوس، يسمى مجازا "ميسي"، ومضت العاصفة، باتزان، وبرق معا (بربك كيف يلتقيان؟)، العجلة من الملاك، وليس الشيطان، (للعباقرة)، من يطابق فكرهم جسدهم "الراقصة تفكر بجسمها كله، وكذا ميسي، تتسق قواه الفكرية والحركية والروحية "، التي تستل أخيلة عتيقة، واخرى لم تولد بعد، في سوح الحرب الجلدية، ومضى لحارس اقرب من حبل وريد، ولكن في هذه المسافة الأصغر من متر، فكر وتخيل، ورسم الخطة كاملة، وكأنه قضى عام كامل يدرسها، وحسبه الحارس، الطيب، بأنه سيقذفها بكل قواه، (لا خيار له سوى ذلك، هكذا سول له خياله الضيق)، وكل اناء بما فيه ينضح، ولن يقدر أن يغرفها بهدوء وتأني، لظرف الحرب قرب خط ستة، وكثرة الأقدام، وغاب التوجس، ولكن الرجل اللاطبيعي، هو من يتصرف التصرف الطبيعي، في الظرف اللاطبيعي، فكان ان تهادت الكرة بيسر في المرمى، ولاعب على الأرض، وحارس يتحسر بكرة مرت فوقه كعصفور من جلد.
كرة؟ وقدم؟ كم خدعت هذه التسمية الايحاءات والمجاز، فظننا أنها كرة قدم، وهي أبعد من تكون عن ذلك، وكل من ظنها وليده الظن بهذا الاسم فقد خاب، القدم تتحرك، حتى في المشئ "ناهيك في الرقص واللعب"، بخيوط عضلات رشيقة، يشدها الخيال والفكر، من خبايا الباطن الغريب، في العقل الباطني تتحرك الكرة، وتولد الاهداف، وليس للقدم سوى أجر المناولة، أجر أن تطيع قوة الضربة، ومكر القمزة، وسحر الخيال.
هي فكر، وخيال، وإرادة، وزهو، وطموح، وتخطيط، وشعر، في لبوس قدم، وما أكثر اللاعبين الغرقى في فهم انها كرة قدم، وليس كرة خيال وتحليق وتصميم، واتساق قوى الجسد من قلب وعقل جسم، في عاطفتها الراقية، الموحية، الشعبية، ليتنا نتعلم أنها فكر وخيال، وسر التمارين كلها، أن يطيع الجسد الخيال، فنمرن الخيال، فهو النبع الاحلى لكرة القدم، بل لكل شئ في الحياة، فهو رسن التطور دوما، ومن عجب، لا يعجبه العجب،ولا الصيام في رجب، وتلك ميزته العظمى، أنه يدمن التغير، أي التطور.
شكرا لكل لاعبي البايرن، وبرشلونة، في مبارتهم في نصف النهائئ لكاس اوربا، التي جرت ليل امس الأربعاء، ف معلب الكام نو، في مدينة برشلونة الجميلة.
حضرتها مع أهل الحي، لم نشعر بالوقت، أشبه بقمام المشاهدة الصوفي، (أن انتظار عائدا، ظن بأنك غير حاضر؟ والآن أنت لمن يرى في كل شئ جد ظاهر)، ظهور المعجزة، وهي لا تكف في الظهور، ابدا، هو سر الاستغراق، ونسيان الوقت، للعيش في قلبه، وكم أدركت طفولة جارنا الشيخ، وشباب الحي، فالكرة الحقيقة، تظهر نقاء الضمير، وبساطة العاطفة، التي سجنها العرف والعادة والتقاليد الصارمة، وكم حزن في ذات الدار من أهل، وهاردك "حسن الجعلي"، فهو يشجع البايرن من باب "عدو عدوك صديقك"، فهو من أهل الريال الملكي، وليتنا فرقنا "هلال مريخ"، تطربنا مثلهم، وتفرح هذا الشعب الحزين، ولا شئ مستحيل، في عتبة الخيال الكامن في النفس السودانية، الوراثة لفكر وخيال وفنون عصية الوصف، منذ 60 ألف عام، في سنجة، والخرطوم، وكم لعب أطفال كرمة (حواء المدن)، برشاقة ومكر عشرات القرون، حتى عصر "الطيب محمد الطيب"، وكتابة الميمون "ذاكرة قرية" فخبأت الذاكرة رشاقة فينا، وخيال معتق، فلم لا نستنهضه بالتذكر الخلاق (قل سيروا في الأرض وانظروا كيف بدأ الخلق"، لاشك بدأ كاملا، فتذكر كمالك، وعش به، في خصوبة عيش، لا تخطر ببال مجاز، وكناية.
أما الفتى نيمار، مضى ولم يكن في باله القوة، بل البحث عن ثفرة ولو في حجم ثقب أبره، "ملائكة اليونان، تجلس سبعين ألف منها، على رأس إبرة بأريحية كاملة"،، فوضع الكرة بلمسة هنية، هينة، في الثغرة المناسبة، في الشباك المناسبة، حين وجد فراغا صغيرا، بين يدي الحارس، والزواية اليسرى، ولو زادت الركلة، أو نقصت، لضلت الكرة هدفها "كما النبال"، والسهم، وقد فعل، "لا ادري لم حين ينفرد لاعبونا، يكون همهم في قوة الركلة؟ فترتطم بالحارس، وترتد هجمة خطرة للخصم "الجاهل عدو نفسه"، لا محال.
شكرا أيها الشاعر العشبي، الجميل، وعتبى للبايرن، والريال..
ganikaramalla@gmail.com