The Hadendowa Way of Life- Survival of a Cultural Tradition بروفيسور ليف مانقر Prof. Leif Manger ترجمة: بدر الدين حامد الهاشمي
مقدمة: هذه ترجمة لجزء يسير عن "الهدندوة والإسلام" ورد في الفصل السادس من كتاب عن "العيش بموارد شحيحة Survival on Meager Resources" والمكون من عدة فصول ألفها عدد من الخبراء في عدة مجالات منها التأثيرات الثقافة والتنمية الريفية والأنثروبولوجيا الاجتماعية وغير ذلك. والفصل من تأليف ليف مانقر، بروفسيور الأنثروبولوجيا الاجتماعية بجامعة بيرجن بالنرويج، والذي زار السودان عديد المرات، وقام بدراسة مجتمعات النوبة في غرب السودان والهدندوة في شرقه، وله كتب ومقالات عديدة تدور معظمها عن الاسلام و"الشأن السوداني" والعربي (مثل الاغتراب عند الحضارمة) وغير ذلك. وبحسب ما جاء في سيرته الذاتية المبذولة في موقعه بجامعة بيرجن فهو يقوم حاليا بدراسة ميدانية عن "المجتمعات التجارية السودانية على الشاطئ الصيني fieldwork on Sudanese trade communities on the Chinese coast والرجل – كما ذكر لي أحد معارفه من السودانيين- مجيد للعربية العامية السودانية. المترجم ********* ********** ******** ********* The role of Islam دور الإسلام
يعد الإسلام هو الجانب الأساس الثاني لهوية الهدندوة (الجانب الأول الذي ذكره المؤلف في أجزاء سابقة من فصله كان هو "نظم النسب “Descent system). وكان دخول الإسلام إليهم عن طريق الاتصال بمجموعات عربية عديدة. وجاء دخول تلك المجموعات العربية لمنطقة الهدندوة متأخرا نسبيا عن قدماء الهيلينين والمصريين والإغريق والرومان والشعوب المروية والأحباش (Axumites) الذين قدموا للمنطقة قبل العرب بحثا عن الذهب ولضمان مرور القوافل عبر المنطقة. وحدث التأثير العربي على الهدندوة أولا عن طريق أفراد قلائل يعملون بالتجارة أو مجموعات قليلة من الرعاة. وبحسب ما أورده يوسف فضل في "العرب والسودان" فقد عقدت معاهدة في عام 831 بين الهدندوة وهؤلاء العرب لتنظيم العلاقات والصلات بين المجموعتين. غير أن العرب انتصروا في نهاية المطاف على البجا (والهدندوة من أكبر القبائل في هذه المجموعة)، وتداخلوا معهم بالتزاوج وبالانصهار في مجتمعهم. وأثمر ذلك التداخل عن ظهور عدد من "خيوط النسب lines of descent" (فصل الكتاب في أجزاء الفصل الأخرى في أنساب الهدندوة وفروع قبيلتهم وعدد أفراد كل فرع بالتقريب الخ). غير أنه لم يحدث أبدا أن غلبت الهوية العربية على الهدندوة في أي وقت من الأوقات، وظلت تلك الهوية على الدوام مختلطة بالهوية المحلية. ولكن دين الإسلام ضرب بجذوره في مجتمع الهدندوة وصار أحد أهم عوامل تعريف هويتهم. ويقدر كثير من المؤرخين بأن التداخل بين البجا والعرب ودخول الهدندوة في الإسلام قد حدث في القرن التاسع الميلادي. وهنالك من الشواهد ما يؤيد ذلك مثل القباب الاسلامية المبنية بالحجر ، وجامع سنكات القديم وغيرها. وهنالك عامل آخر لانتشار الإسلام في المنطقة، ألا وهو ظهور مينائي سواكن وبادي Badi (بالقرب من الحدود مع أرتيريا. المترجم) كمنفذين مهمين على ساحل البحر الأحمر. وكان لموقع المينائين الاستراتيجي والتجارة الرائجة حولهما أثرا مهما في جذب التجار من مصر وتركيا وكردستان واليمن والهند. وقام بعض أثرياء التجار من هذه البلدان – وهم في مكة للحج- بدعوة بعض كبار علماء المسلمين وشيوخهم (خاصة من أتباع المذهب الشافعي) لزيارة مناطق شرق السودان. وبهذا غدت سواكن، بالإضافة لكونها ميناءً مهما، مركزا دعويا اسلاميا / ثقافيا له تأثير كبير على ما حوله من المناطق مثل سنكات (تاج السر ومساجد المجاذيب) ومناطق أخرى. وبذا لعبت مساجد الشافعية والأحناف والمجيدي والشناوي أدوارا مهمة في نشر المذهب الحنفي والشافعي في شرق السودان، بينما بقي المذهب المالكي هو المذهب الغالب في بقية أجزاء السودان. ووقعت في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر ثلاثة أحداث مهمة كان لها كبير الأثر في تلك الصورة التي تقدم رسمها عن تاريخ الاسلام عند الهدندوة. وكان أول تلك الأحداث هو فقدان سواكن لوضعها كمركز مهم نسبة لتقدم صناعة السفن وصناعة أنواع جديدة منها أخذت لها مسارات وطرق تجارية وموانئ مختلفة. وكان ثاني تلك الأحداث هو انتشار الصوفية وطرقها المختلفة في المنطقة، خاصة الطريقة الختمية في سنكات، والمجاذيب في أركويت. أما ثالث تلك العوامل فقد كان هو الحركة المهدية ، والتي كان ظهورها عاملا مهما في تأجيج الصراع بين طوائف المسلمين (مثل صراعها مع الختمية، وتحالفها مع المجاذيب). ويعد الهدندوة اليوم من أهم مكونات طائفة الختمية (وهي طائفة / طريقة ذات طابع قومي)، غير أن لدي الهدندوة أيضا مجموعات إسلامية محلية (ريفية الطابع). وتنتشر في أوساط الهدندوة في المراكز الريفية الصغيرة جماعات دينية صغيرة متنوعة، يتبع كل منها لشيخ ديني محلي (وضرب الكاتب أمثلة لهذه "المشيخات" بـ السامريندواب Samirindiwab والشابيندواب Shabindowab والحسندواب Hasindowab والكنجار Kanjar والأبشار Ibshar والأشراف Ashraf والهكولاب Hakulab والكاميلاب Kamilab). وهنالك تخصص في مهام وخدمات شيوخ تلك المجموعات المذكورة. فعلى المثال يختص الأبشار Ibshar بعلاج الأمراض العقلية. وفي مراكز أماكن تلك المشيخات تعقد غالب المناسبات الاجتماعية المهمة مثل مراسم عقد القران والمآتم والاجتماعات العامة والاحتفالات الدينية في الأعياد وغيرها. وفيها المدارس الدينية (الخلاوي) والتي يتعلم فيها الهدندوي الريفي الكتابة والقراءة. وبذا يقدم البعد الإسلامي المنظم organized Islamic dimension للهدندوة عن طريق منظمات دينية أكبر وذات أهمية قومية، وكذلك عن طريق تنظيمات دينية محلية ذات علاقة بالتنظيم الاجتماعي بهم. وتخصصت بعض أنساب lineages القبيلة في وظائف ومهام دينية محددة. ويجب هنا أن نذكر أن مجموعة الأشراف Ashrafالمذكورة أعلاه لا تدعي أصلا هدندويا بل تزعم الانتساب إلى آل بيت النبي مباشرة، وهم بذلك يمثلون "حلقة وصل" للختمية. وهنالك علاقات أساسية بين ما يمكن أن نطلق عليه "الثقافة البجاوية / الهدندوية المحلية" والثقافة الإسلامية. وتبدو مثل تلك العلاقات جلية عند النظر لقضايا النسب والأصل. وهنالك أيضا بعض الأمثلة للتنازع / التوتر tensionبين مفاهيم الهدندوة والمفاهيم الاسلامية، خاصة فيما يتعلق بانتمائهم للطريقة (الاسلامية) الختمية. فعلى الرغم من التقدير العالي والاحترام الكبير الذي يبديه الهدندوة للختمية ورموزها، إلا أنهم لا يتمثلون ذلك دوما في اتباع الواجبات الاسلامية التقليدية المفروضة. ولديهم إيمان عميق وتصديق مطلق بالطريقة الختمية ويلجأون إليها (ولرموزها) لتفسير ما غمض عليهم من أحداث الحياة وتصاريف الدهر. ويبدو ذلك أيضا في تعظيمهم لرموز الطريقة الختمية واحتفالاتهم (الدرامية) بحولية بعضهم مثل الشريفة مريم – حفيدة محمد عثمان الميرغني (انظر مقال مزدلفة محمد عثمان المعنون : "أم البركات : الشريفة الميرغنية.. ستي مريم يا منجدي" في هذا الرابط http://www.sudaress.com/alahdath/20883 والمنشور في صحيفة "الأحداث" بتاريخ 10/6/2012م. المترجم). وفي تلك الحولية يتقاطر الهدندوة من كل أطراف المنطقة لقبة الشريفة في وسط مدينة سنكات. ويأتي إليها زعماء القبيلة محملين بالهدايا (والتي توزع على الفقراء) باسم الشريفة دليلا على الولاء والحب. ولا يعد يوم تلك الحولية يوما عاديا عند الهدندوة ، بل هو مناسبة متفردة (تشابه العيد) يقوم فيها الرجال والنساء والأطفال بارتداء الملابس الجديدة ويجوبون شوارع المدينة وهم في غاية الحبور، ويتبادلون الزيارات مع الأهل والمعارف ويتمنون لهم مرور العام عليهم بكل خير وهناء. وتدل تلك الصورة الجزلة ليوم تلك الحولية على عمق العاطفة الدينية عند الهدندوة، وهي عاطفة تقف في مقابل عواطف أخرى عندهم مثل وحدة الدم (الانتساب لفرع القبيلة) والالتصاق بالأرض والتعلق بها. والختمية – كما هو معلوم- ليست طائفة دينية فحسب، ولكنها دخلت عالم السياسة بتأييدها للحزب الاتحادي الديمقراطي (في هذا الأمر تفصيل كثير. ويمكن النظر لتاريخ نشأة الأحزاب السودانية في كثير من المصادر "المحايدة" مثل مؤلفات بشير محمد سعيد مثلا. المترجم). وخلق ذلك التأييد بعض الشقاق مع الحزب المحلي Hadot )هل المقصود هو "مؤتمر البجا"، أول حزب إقليمي، والذي تكون في عام 1957م؟ المترجم)، والذي خاض انتخابات عام 1986م ضد الحزب الاتحادي الديمقراطي بشعارات بجاوية / هدندوية خالصة. وفي المقابل وجد ختمية سنكات أن وقوف الهدندوة (خاصة "الأشراف") ضدهم أمرا غريبا، بالنظر إلى أنهم ختمية وينسبون أنفسهم للعترة النبوية (توسع الكاتب هنا في ذكر تاريخ العلاقة والصراع بين هؤلاء "الأشراف" وبقية الهدندوة، خاصة المتعلمين منهم. المترجم). وتلخص الأغاني المحلية التي يتغنى بها بعض"الختمية" و"الهدندوة من غير الخنمية " أسباب الصراع بينهما. فقد جاء في أغنية مشهورة للختمية ما معناه (تقريبا): "الأرض هي أرض الله ورسوله... وبما أن الختمية هم أحفاد الرسول، فإن لهم الأحقية في ملكية الأرض ومصادرها". ويجيء الرد على تلك الأغنية من "الهدندوة من غير الختمية" بأغنية مضادة يقول نصها " o’ hash hasoun, balad buladoun ومعناها بلغة العرب: "الأرض هي أرضنا، والبلد بلدنا". وفي هذا تأكيد على أحقيتهم التاريخية في ملكية الأرض التي يعيشون عليها. ويمكن أن نخلص هنا إلى أن الهدندوة يفرقون بين عاطفتين: عاطفة علاقة ذوي القربي (kin - ties) وهي علاقة ضاربة الجذور في ثقافتهم المحلية ، وتتماهى مع ارتباطهم الشديد بالأرض، والعاطفة الدينية، وهي فرع نتج عن تداخلهم مع ثقافات خارجية. وهذا مثال آخر قد يوضح تصور الهدندوة لأنفسهم ولنظرة الآخرين عنهم. والمثال هو حوار بلسان امرأة هدندوية (اسمها س) وأخرى (اسمها ص) يشرح نظرة الهدندوة للختمية (المسلمين) وللخواجات غير المسلمين (البيض الذين جلبوا لهم إغاثة - مساعدات غذائية وغيرها - في سنوات المجاعة التي ضربت مناطقهم). تقول س: "في أيام المجاعة أمرنا الختمية بوضع سنكاب (أوراق شجرة الدوم الجافة) في خيمنا لحمايتنا من شرور المجاعة، ولجلب المطر. وأمرونا كذلك بعدم تناول أي طعام يقدمه له الخواجات، ويقولون لنا بأن هؤلاء الخواجات سيصيبوننا بالعين (سيسحروننا) ويحصون أطفالنا." وترد عليها ص بالقول: " هذا ليس صحيحا، فالخواجات هم الذين وقفوا فرادى لصالح الهدندوة في ساعة ضيقهم. قولي لهم عندما يعودون للخرطوم بأننا سننتخب خواجة في المرة القادمة". وترد س في استغراب: "لا. لا يمكننا فعل ذلك. كيف ننتخب رجلا غير مسلم يا ص؟" وتجيبها ص بالتالي: "الاسلام شيئ في القلب وفي المعاملة. أعد الخواجة مسلما لأنه أنقذ حياتنا" وأضافت ضاحكة :"ولماذا أعطيت صوتك لمؤتمر البجا وليس للختمية إن كنت تحبين الشريفة لتلك الدرجة". ترد س بالقول: "أعطيت صوتي لهم لأنهم أقربائي (من دمي) . وحب الشريفة شيء في قلبي". وبعد أن أخرجا ما في دواخلهما شعرا بالراحة فمضيا يغنيان أغنية مادحة للخواجة جاء فيها بلغتهم Hira rair whiaf te gerbat loiga… enadiri krida … Hira raira hok … talama Bashota ومعناها (التقريبي) بالعربية أن الخواجة الآتي من دول بعيدة يعتني بالناس من حوله ، ويتحلق حوله الذين يتلقون الإغاثة، وهو عادل في توزيع إغاثته فلا يفرق بين قبيلة وأخرى. ولعل تلك الأغنية كانت قد ألفت في البدء في مدح "العريس المثالي doba". فالزوج أو العريس المثالي عند الهدندوة هو ذلك الذي يمتاز بصفات الشرف والمروءة والرجولة والكرم والثقة الخ. وفي أيام المجاعة حرفت بعض نساء الهدندوة كلمات تلك الأغنية وأدخلن فيها "الخواجة" الذي كن يعتقدن بأنه "أنقذ حياتهم". وتصف كلمات الأغنية رجلا أجنبيا قدم من بلد بعيد وتحمل مشاق السفر والاغتراب من أجل مساعدتهم. وكان متصفا بالعدل في المساعدة، إذ لم يحاب قبيلة على أخرى.