شيء من الشفافية … لله: هل نحن متقون ؟
إتقوا النار ولو بشق تمرة
إتقوا الله ما أستطعتم
إتقوا الله في النساء فإنهن عوان لديكم
إتق الله
ومن يتقِ الله يجعل له مخرجا
إتقوا الله ويعلمكم الله
كثير منا لا يفرق بين التقوى والصلاح ، والإتقاء والفلاح ، فلا نتقي حين يتطلب التقوى ، ولا نرعوي حين يطلب الكّفِ خوفا من عقاب الله ، فنصف المتوسمين بعلامات (الصلاح )بالمتقين ونصف من عليهم سمات الإيمان بالمتقين ..... لا التقوى عمل يختلف .... وهي فعل ووظيفة لحظية ... وإستمرار العمل بها .... تأدب لله وإتباع وخوف ورجاء له .
التقوى هى (الإتقاء ) و(التمّنُع) و(الإستعصام) ، (والتدرق ) عن الفعل والقول الحرام والمنكر ، والتفّلُت والتهرّب ، عن شباك الضلال والتضليل ، والتأبي عن الولوج في سوءات النفس وتلبيس الشياطين ، شياطين الجن والإنس ، وهي من ناحية أخرى ، إتقاء القعود عن الله ونبذ القعود عن إتباع الرسل ، وطريق الله ، وأداء الفرض والواجب والمعروف وإنكار التخلي عن وصال الرحم والعمل الدنيوي النافع والأخرى الأنفع .
لا يظن أحدنا أن (التقوى) هي قصد المساجد وأداء الفروض وإيتاء السجود بعد السجود وممارسة الرحمة والتَزهُد والتعبد والإتباع وعمل المعروف وممارسة الفروض والواجبات وإتباع السنن .
فالتقوى ليست (عمل) كل ذلك ، ولا الإيمان به ، فعمله يدخل في (التعبد) ، وتجويده يدخل في (الإيمان)، والإطمئنان له وبه يدخل في (اليقين) ، واليقين علاماته وديدنه (الصلاح )، وتواصل الصلاح يؤدي (للفلاح)، الذي يؤدي (لرضاء الله)، ثم إنك مسلم كامل يتقي الزلل ، ويؤمن بالله .
فالمنتهى عن عمل المنكر هو تائب وليس متقي ، إذ الإتقاء فعل لحظة ، وتدرق لحظة وتمنع لحظة ، والإحتماء بالله في لحظة .
و(المتقى الله ) ليس من يعبده حتى تظهر عليه سمات الصلاح ، والتواضع والإخبات ، إنما هو الذي يتقِ (مكر ) الله ، و(حساب) الله ، وعقابه وقهره فهو القاهر فوق عباده ، وظهور الله فهو الظاهر فوق الظاهرين يوم القيامة ، ويتقي صبر الله ، ويتقي حلم الله الحليم .
والمتقي النار ولو بشق تمرة ، هو المتخبي وراء ذلك الشق من النار ، والمندس خلفه من زمهريرها ، وشهيقها وفورتها ، بأقل أعمال التُقي والتوقي ، لئلا يراها والأ يواقعها ان إستطاع بأقل الأعمال وبأضعف الإيمان ، تلك الاعمال التي إتقى بها النار لتكون له درقة ولو كانت واهية بسيطة كأنها شق تمرة .
وأتقوا الله ما إستطعتم ، هي العدل والدفع لإتقاء الله حين تمتحن وتقاس الإستطاعات والقدرات وتمتحن النفوس وسِعاتها .
وأتقوا الله في النساء فإنهن عوان لديكم ، إنما هي صد المقتدر على المقدور عليه وقت الإقتدار بتذكيره بحق الله عن مهيض الجناح ، العوان الذي تظن أنك تملكه في بيتك أجير بلا أجر وكسير بلا إرادة ومهيضٌ بلا جناح ومهضوم بلا رحمة ، كما يعامل بعضنا الناس ، فالعوان أضعف من العبد وأحقر من الخدم وأوضع الناس ، وهي المرأة في جنانها حبا للرجل وفي رحمتها الوافية ورحمها الدافئة ورقتها الصافية ، ويدها الكافية ... بما يظن الرجل إنه إنكسار وخوار ، وهذه من يدعوننا رسول الله صلى الله عليه وسلم لإتقاء غضب الله فيهن اذا جرنا ورفع عصانا عنهن إذا قهرنا وتخفيف لساننا عن هن اذا هضمنا الحقوق وكنا أكثر نكرا ومكرا وبيانا عنّهن ، فأتقوا الله في النساء أي ارفعوا أيديّكم عند لحظات المقدرة ، تحاشيا لأخذ حقهن وحق الله عنّهن يوم يقتّصُ للشاة الجمّاء من القرناء . قمة العدل من العادل ، فضع بينك وبين عدله إتقاك كسر أجنحتهن وهضم حقوقهن ... وتلك هي التقوى ، فإن فعلت ضمنت رضاء الله و(أتقيت) غضبه .
إتقًِّ الله
من يأمرك في لحظة ليردعك إذا إعتديت ويقول لك ، إتقِّ الله ، إذا رأى عنك إزورارا عن الحق ، إنما يذكرك بوضع شق التمر بينك وبين عذاب الله وبينك وبين النار ، بالإبتعاد عن تفعل ، فلإبتعاد والترك لوجه الله هو التقوى والإتقاء حينها ، ومن يقول لك إتقّ الله لا يقولها حين يلقاك ساجدا او عابدا أو متعاملا بالحسنى ، إنما يقولها في لحظات الإعتداء والتعدي على حدود الله ، مع خلقه أو معه ، ليرفع يدك ... أو لسانك للتقي ما سوف تلقى إذا فعلت .
ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب
اذا رفعت يدك ونفسك ولسانك عن الإمتحان بالتقوى عن الولوغ والوقوع فيما يراد منك الإبتعاد عنه والرفع عنه ، فإن الله يحزيك بمخارجتك عن عقابه وعذابه فيما كنت ستلقى إذا فعلت ، ويجزيك برحمته ونعمه ويدلك ويفتح بصيرتك للمخارج عند الضيق لأنك قمت عند الظُلْم والظُلَم وأنتهيت ، يلجمك الخوف من عقاب الله وغضبه إن فعلت ، فرفعت راسك وسليت يدك وهصرت لسانك وخرجت من إستحقاق العذاب ... وهذا مخرج ياله من مخرج ومهرب وباب لرضاء الله ، فأنت من يستحق الرزق المباشر من عند الله بلا تعب أو نصب ، ومن يستحق الإكثار عليه في رزق الدنيا وحسن ثواب الآخرة التي يضاعفه الله لك أضعافا كثيرة لا تدريها ولا تحريها ... فيدهشك الله جزاءا بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر بقلب بشر ، يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ، عند طلب التقوى والإتقاء فظلموا ، وهذا قمة الرزق والرحمة .
إتقوا الله ويعلمكم الله
من يتوخى إعمال التقوى لتصبح تُقى وطبيعة له ، يفتح الله له بصيرته بالعلم بنواهي الله ، وبحدود الله ، وبإتباع الله ، ويعلمه كيف يتقي ومتى يتقي ومتى يرعوي وكيف يجعل الله له ما كان يمكن أن يكون سيئة ، لحسنات مضاعفة وكيف ينال أجر المتقين وثواب المنتهين ، حتى يخرج من صفات المُكب على نفسه تأمره بالإعتداء ولا تنهاه عن الهوى ، الى صفات السُوى والإستواء على الصراط المستقيم هديا من الله وتعليما وتهذيبا ، ويفتح بصيرته مَميزا الخبيث من الطيب ، والمهلكة من النجاة ، والإعتداء من الإنتهاء .... فيكون من المتقين في مواطن الزلل ومن أهل التُقى والنهى المتصفين بها ممن يتق الله حيث ما كان ، ويتق الله عند القول البليد بالقول السديد ، ويتق الفتن التي لا تصيبن الذين ظلموا خاصة ، بالإبتعاد عن مواطن الزلل الجماعي ليوطن نفسه بما علمه الله وهداه ، ألا يسيء اذا أساء وإن يحسن اذا أحسنوا .... ويكون كالفارش يقصد النور ويتقي النار الا يقع فيها .
وأهل التُقى والنُهى هم الذين يكثرون من إعمال التقوة وإستكثار عملها بمناهي العقل والبعد عن الهوى ، وبإتباع الزجر من الزاجرين عن العِداء والناهين عن الإعتداء حينما نمتحن بالتقوى .
كثير منا لا يعرف متى يتقي وكيف يتقي وما يتقي !!! حتى إذا ردعته نفس وحق ، او رادع من شخص أو ردعه الله عن جرائره و بظلمه في هذه الدنيا قبل الآخر ، عذر نفسه بذهابه للمساجد وتواكل على علاقته بالله في الصلاة والزكاة والصدقات وصوم وصلاة النوافل ، ونسي أن الله عادل يقتص للشياه وحق لا تسقط عنده حقوق الآخرين ، فهل نحن متقون ؟
والله أعلم
الرفيع بشير الشفيع
بريتوريا
التاسع من رمضان
rafeibashir@gmail.com
//////////