الدولة الاسلامية-الجذور-التوحش- المستقبل لعبد البارى عطوان .. تلخيص وتعليق: صلاح محمد احمد
اكتب الحلقة الثانية من كتاب عبد البارى، و امامى معطيات ارى ان لها علاقة بظاهرة الاسلام السياسى الذى يلتمس طريقه ، بين تخبط يثير الرثاء، و تريث من البعض الحريص على الاسلام، يريد ارجاعه الى اصوله لمخاطبة فطرة الانسان السوى بالقدوة الحسنة ، و المجادلة بالحكمة والموعظة الحسنة.
وسط اهوال مانسمع، و شركات الاسلحة فرحة بتفاقم ارباحها، ومن ورائها ساسة قساة تحركهم المصالح ،يقولون مالايفعلون ، و يفعلون ما لايقولون، جاءتنى مقولة ليوبولد فون رنكة مؤسس علم التاريخ الحديث "يبدأ العلم المعقول، بنقد التقليد الموروث"، و بينما فكرى يتماهى مع هذا النقد، اسسه و مناهجه. تراءت لى كلمات لشهيد الفكر محمود محمد طه، نشرت فى صحيفة " انباء السودان" فى اليوم السادس من ديسمبر عام 1958 قال فيها "دعاة الفكرة الاسلامية فى هذا البلد كثيرون، و لكنهم غير جادين، فهم لايعكفون على الدرس والفكر، انما ينصرفون الى الجماهير يلهبون حماسهم و يستغلون عواطفهم، ظنا منهم ان الفكرة الاسلامية موجودة ومبوبة و مفصلة ،لاتحتاج الى عمل، ولست أريد أن اشق على أحد من دعاة الفكرة الاسلامية ، فان اكثرهم اصدقائى، ولكن لابد ان اقرران فى عملهم خطرا عظيما على الاسلام، وعلى سلامة هذا البلد. ان الاسلام
بقدر ماهو فوة خلاقة..بقدر ماهو قوة هدامة، اذا ما ابتعث من كدورة النفوس الغثة، واثار فيها سخائم التعصب والهوس، فاذا ماقدر لدعاة الاسلام الذين أعرفهم جيدا ا ن يطبقوا الدستور الاسلآمى الذين يعرفونه هم و يظنونه اسلاميا، ارجعوا البلاد خطوات عديدة الى الوراء ، و لاتقدمها حتى هذا التقدم البسيط الذى حصلت عليه فى عهود الاستعمار، و لبدأ الاسلام على يديهم كأنه "حدود" و " عقوبات" على نحو ماهو مطبق فى بعض البلاد الاسلامية ، ولكانوا نكبة على هذه البلاد، وعلى الدعوة الاسلامية " ----انتهى الاقتباس...يقول الشهيد محمود ان اكثرهم اصدقائى فى اشارة تومىء بأنه لايعادى عداءا شخصيا ولكن له رؤيته، وسبحان الله كانت نهاية هذا الشيخ المفكر على يد من طبقوا ذاك الاسلام الذى حذر منه!
ومعطى ثالث يرجع بى الى بداية التغيير الذى حدث فى السودان فى الثلاثين من يونيو عام 1989 دون الاعلان عن هويته، كأول تغيير جذرى يبدأ عهده بتمويه، ليبان ويظهر بدعوته...ويكون املا لاطياف متنوعة من دعاة الاسلام السياسى بكافة اطيافه و طوائفه، ليحل فى ديارنا اسامة بن لادن ، بل و نضيف اليه كارلوس الاسم الشهير فى عمليات خطف الطائرات، و يتم التخلص منهما تحت ظروف ملتبسة، وصفت لدى الكثيرينبالانتهازية والنكوص عن العهود، وفى خضم هذا الاضطراب فى الرؤية....و شعور كثيرين فى السلطة استحالة الاستمرار..كانت المفاصلة الشهيرة، لكن ظلت اتهامات رعاية الارهاب تثقل كاهل البلاد، و رغم الاجتهادات الجريئة التى رفد بها د. الترابى مسيرة التوجه الاسلامى من حين لآخر، و مجاهدات الشيخ على عثمان محمد طه لخلق تآلف يجمع و طنيين غير عصابيين للاسلام على الصعيد العام والخاص، القت التجارب الاولى بظلالها على مجمل الاوضاع ليعطى للمتابعين قناعات بأن الدين حين يلج السياسة يتحول من مسكن للهوية الى عامل تشظى واحتراب !!
يعتبر كتاب عبد البارى عن الدولة الاسلامية من اوائل الكتب عن ظاهرة ماسمى بداعش، واذا اضفنا لذلك مايتم نشره ورصده على الشبكة العنكبوتية تكتمل المعلومات عن هذه الدولة...وكيفية ادارة حروبها وتوحشها، والامر من قبل و من بعد يحتاج الى قليل من الصبر لمضاهاة المعلومات الموجودة مع غيرها,
عن جذور التوحش، اشار عبد البارى الى التاريخ الموروث فى العراق والشام فى عهود مابعد الاستقلال ، فقد شهدت كل من العراق وسوريا سياسات قمع وتنكيل مما مهد للدولة الاسلامية ادارة التوحش من خلال ماعرف بسياسة النكاية والانهاك .
و مؤسسة الاعلام العمومى فى هذه الدولة قائدها الشاب ابو محمد العدنانى البلغ من العمر 37 عاما والمنحدر من ادلب ، و قد دأب على اصدار انتاجات دعائية تحريضية، وفى خطبه يحث المقاتلين الفرادى ان يقتلوا بأية طريقة يختارونها مواطنى الدولة التى يعيشون فيها، اذا مادخلت فى اطار التحالف الذى تشكل لقتال الدولة الاسلامية، ولايغيب عن فطنة كل متابع بأن الدول التى تحارب داعش بلغت الاربعين، وأخريات كثر لا يرضون ممارساتها، ويخشون توسعها...ومعنى ذلك ان تطال العمليات الانتحارية دولا كثيرة ، و يظن البعض بأن القصف الجوى على هذه الدولة لازالتها ستفرخ اجيالا اخرى ...ممتلئون حقدا فتزداد العمليات الارهابية ويعيش العالم دوامة من اعمال العنف!!
بعد ان اشار عبد البارى الى مسببات بروز داعش بدءا من الغزو الامريكى للعراق، و صعود شيعى طائفى معاد للسنة، وانخراط عسكريين عراقيين الى الجماعة الاسلامية، خلص للقول -بما يشبه- التبرير بأن معظم الدول مارست قدرا من التوحش منذ فجر التاريخ واورد نماذج من عصريوليوس قيصر الذى قتل الآلآف لترسيخ دولته مرورا بالعهد الشيوعى فى الاتحاد السوفييتى السابق تحت قيادة ستالين ...و كمبوديا تحت حكم بول بوت وعمليات التوحش التى صاحبت الحروب الصليبية وعهود الاستعمار..الخ
وعن الحاضنة الايدولوجية التى تتبناها الدولة الاسلامية يقول بأنها المدرسة السلفية المتشددة تماما كالوهابية التى تتحكم فى السعودية، و رغم اقتراب داعش مع الفكر الوهابى الا ان الدولة الاسلامية تعادى المملكة العربية السعودية التى تحالفت عند نشأتها مع المذهب الوهابى، وفى هذه الجزئية اشارات خفية بأن السعودية ستكون محطة اخرى من المحطات المستهدفة لدعاة الخلافة الاسلامية الجديدة.ويشير عبد البارى الى العلاقات بين امريكا ويريطانيا من جهة والسعودية من جهة اخرى بأنها علاقات تتناقض مع كل ماتدعيه كل واحدة منهن فى مجال الجندر وحقوق الانسان والديقراطية.
ااثناء كتابتى هذه المقالة، شاهدت فيلما من اصدار داعش، و الفيلم المصور تصويرا جديثا، و بحرفية تثير الدهشة يصحبه صوت محمد العدنانى ..و هو يقول بصوت جهورى.....اما ان تكون معنا او معهم....لاخير فى العيش عيش العبيد...ستبزع فى الكون الدولة الاسلامية ...، مع ترجمة
انجليزية رفيعة...وشمل الفيلم صورا فظيعة لاعدامات جماعية لجنود سوريين اجبروا على حفر قبورهم لتطلق عليهم الرصاص ويدفنوا كلهم فى القبر الكبير.مع نعتهم بالنصيريين الكفرة !!!..الفيلم فى مجمله يظهر بأن من اتباع داعش كوادر اعلامية مقتدرة لها المام بالتكنلوجيا الحديثة، بيما يظن كثيرين من المؤمنين بنظرية المؤامرة بأن المشهد كله لهذه الدولة خطة محكمة تبنتها المخابرات الامريكية و الاسرائيلية لاظهار الاسلام كدين غير حضارى و دموى توطئة لمحاربته و تحجيمه،وكلها لتحقيق نظرية الفوضى الخلاقة باثارة النعرات الطائفية والمذهبية..واعادة تشكيل دول المنطقة خدمة لاسرائيل التى تسعى لجعل القدس الموحدة عاصمة لاسرائيل الكبرى من النيل للفرات..يتبع
salahmsai@hotmail.com