(حسن/ د. حسن/ شيخ حسن /المرحوم حسن الترابي) (1964/2016) (2)

 


 

 

د. عبدالله جلاب
جامعة ولاية اريزونا

    (٢)

    كان دخول الترابي السجن في مايو ١٩٦٩ هو بداية دخول جيل جديد على رأسه علي عثمان مجال الأثر في المحافظة والتقدم بالحزب ومن ثم الحركة. وبطول أمد الإعتقال جرت تطورات هامة حولت مجمل الامر الى مشروع مخالف يحتفظ ويحفظ ويضخم للزعيم آيات عبادة شخصيته--ولا يقوى على اكثر من ذلك فكريا-- كأسلوب حركي مكن من قبضة ذلك أفراد الجيل على المفاصل الاساسية للحزب. اذ في ظل نظام مايو غاب حسن الترابي وعدد مقدر من الصف الاول من الجماعة المناصرة لدكتور حسن في القيادة المباشرة والمشاركة بشكل ما في مواصلة تأسيس اسلامويه الترابي.  يشكل العنصر الأساسي في تلك المجموعة والتي يمكن ان تعتبر بأنها المجموعة الثالثة في تاريخ وتطور الحركة الاسلاموية السودانية والتي تضم مثالا لا حصرا في قيادييها كل من احمد عبدالرحمن وعثمان خالد مضوي وعبدالرحمن حمدي وزين العابدين الركابي من خريجي جامعة الخرطوم ومن الحالات المختلفة كل من يس عمر الامام وعلي عبدالله يعقوب ومن التاريخيين محمد يوسف بعتبار ان المجموعة الأولى في تاريخ الاسلاموية السودانية تعود الى جماعة كلية غردون وقتها جامعة الخرطوم لاحقا: بابكر كرار ومحمد الخير عبدالقادر ومحمد يوسف محمد والطيب صالح ويوسف حسن سعد وآدم فضل الله ومحمد احمد محمد علي (مولانا).  والمجموعة الثانية هي مجموعة جماعة الاخوان المسلمين والتي تواتر على قيادتها مجموعة من الشخصيات نذكر منها كل من علي طالب الله، محمد الخير عبدالقادر، الرشيد الطاهر وصادق عبدالله عبدالماجد. وعلى تاريخ الحركة الاسلامية لم تكن التحولات وتبادل القيادة فيها كان سلميا او متواددا بقدر ما شهد من العديد من المشاكل والمشاحنات والغضب.


    كان بعض أعضاء الجماعة الثالثة  تلك في السجن والبعض الآخر في المهجر ابان جزء مقدر من عمر نظام نميري (١٩٦٩--٧٧). ولذلك وفي ظل ذلك ظل الترابي في الحبس الفترة الأطول ترعرعت اسلامويته كأيديولوجية وهي في طور التكوين وقد كان بها قبل مرحلة السجن القائد الأساسي للمشاكسة العنيفة مع الايديولوجيات القائمة في الفضاء السوداني والاقليمي. اذ كذلك كان يسعي بمناكفته وبالاخذ من بعضها في ذات الوقت اوالتحالف مع غيرها ضد بعضها لان يجد لنفسه ولتنظيمه الصغير مكانا منافسا. إبان فترة الحبس وطوال العصر المايوي عاش الكل في محبس آخر متغير ومتغلب المزاج ضاق بي شخص غير الرئيس القائد. .ولعل الدارس للأفكار الاساسية لإسلاموية الترابي يستطيع يدرك تأثير ذلك المناخ العام والخاص في تطور فكر الجماعة والفكر السياسي السوداني بشكل عام. غير أن ما اعترى اسلاموية الترابي وادخلها في بعض العقد المستعصية التي صاحبت بعضها حتى يومنا هذا.  لذلك فان الدارس قد يقف وطويلا عند امهات هذه المشاكل كبرى التي قد لا يجد حلا لبعض عقدها الاساسية. ولعل صاحب الأمر لم يساعد كثيرا او قليلا في حل مثل تلك العقد. وهنا يرد على سبيل المثال ما يأتي:

     

    (١) كيف للدارس ان يجد الصِّلة بين بعض مشارب اسلاموية الترابي والتي هي على صلة ما بالعلمانية الفرنسية --laïcité --والتي ظل الترابي طوال حياته يشير الى ذلك دون تفصيل بإشارته الدائمة خاصة للصحفيين الغربيين بانه هو ابن الثقافة الفرنسية.  رغما عن ذلك ذلك الهجوم المتصل من قبله على العِلمانية والعلمانيين ويصمت في ذات الوقت عن هجوم الذين يتهمونه بالعلمانية؟   

    (٢) ومن جهة اخرى كيف لذلك المشرب المتصالح مع السلفية في معادة الاسلام الصوفي والمختلف معها في تقديم السياسة على التدين والصمت المطبق عن المعني الفكري في هذا المجال اذ ان في تقديم السياسة على الدين هو شكل من علمنة الدين؟

    (٣) ولماذا المجاهرة بعدم احترام قطاع وتاريخ وارث العلماء على مدي عمر وتطور الاسلام كتجربة إنسانية تميزت بذلك الرصيد الكبير والذي لا مثيل في تاريخ  تجارب الانسانية الآخرى واعتبار ذلك جزء ماضي عفى عليه الدهر مقارنا بانه هو وجماعته مثال للحداثة. يأتي ذلك دون اعتبار ان ذلك التراث يمثل حداثات ذات اثر في وقتها جعلت من الاسلام تجربة إنسانية مفتوحة؟

    (٤) ولماذا اقتباس فكرة التنظيم الطليعي من الفكر اللينيني للشيوعيين والاعتراف الخجول بذلك والهجوم المتواصل في ذات الوقت علي الاقتباسات المماثلة باعتبارها نموذج لعدم أصالة لا يتفق مع الثقافة والدين والوقوف عند محطة هنري كوريل لتقطع الشك باليقين؟

    (٥) لماذا عدم الاعتبار لحسن البنّا من قبل الترابي والاخذ بالاسلام هو الحل وعدم الاعتبار لسيد قطب وافكاره ورفع المصاحف بالحاكمية لله في الشارع والاستدلال بذلك دون ذكر إسم قطب متى استدعت الضرورة مثالا الاهتمام بمعالم في الطريق دون قراءته مع دعاة لا قضاة الهضيبي؟

    (٦)   ولماذا يضن الترابي حتى بالاشارة لمن يستلهم افكارهم مع من اهم ما يتميز به شخص بلغ درجة الدكتوراه ان يكون حريصا على الإشارة الى من يتطرق بالاقتباس او الاستدلال بما جاء فيما يكتب او ما يجئ في حديثه؟  


    ولعل فى  تشابك بعض ما ظهر من اسلاموية الترابي لاحقا وعدم المقدرة في إيضاح المعاني الاختلافية والخلافية والفكرية مثل اصراره عدم مبايعة التنظيم الام للإخوان المسلمين المصريين ولا يتعدى الامر اكثر من  إتهام اخوان مصر تأليب السلفية السعودية ممثلة في بن باز ضده ومن ثم احتضان السلفية السعودية لعدد من السلفيين السودانيين على رأسهم قرينه اللدود جعفر شيخ ادريس الذي لم يتورع من تكفيره المرة تلو الاخرى. يضاف الى ذلك تواصل الهجوم الضاري عليه وتكفير الترابي من قبل اجيل السلفيين السودانيين والذي لم يتوقف حتى بموته كما جاء من عند مزمل فقيري وأبوبكر اداب الخارج من عباءة محمد مصطفى عبدالقادر التكفيرية. وهجوم  نفر آخر من السلفيين من خارج البلاد. ولعله من المدهش هجوم الإنقاذ الاولى على آل سعود ووصفهم باليهود والصمت عن الاختلاف مع الوهابية وشيخها بن باز.


    غير أن ما يجدر الوقوف عنده وكثيرا هو فتح الباب للسلفيين السودانيين من قبل النظام خاصة بعد المفاصلة لا لشي غير العداء المختلف الأسباب للترابي. لقد نسب الى الترابي مرة قوله او ما معناه ان شكل وأسلوب عداء خصومه  السياسين الحقيقين لم يفحش بمثلما فحش به او ما جاء به اعداؤه الجدد من الإسلامويين والذين كان غالبية السودانيين تعتقد بأنهم كانوا في مقام تلاميذه. غير ان الترابي بوجه خاص اي بحكم انه من اكبر الذين توالى عليهم الضر من غرس ما زرع لم يرى حتى اخر أيامه بان ما جرى له وللبلاد واهلها ذلك الوجه المظلم للإسلاموية وان الذي اصابه منه ما اصابه طوال عمر الإنقاذ واصاب الشعب السوداني منه ما اصابه. و هو انه هو قد أقام في المقام الاول ما أقام وقد تكالبت على ذلك ظروف اخرى جعلت من تلك التجربة حركة بلا وجدان وهن ثم وبذلك ومن ذلك قد أقامت للشر دولة. ولعل ذاكرة السودانيين ومجلدات الصحف تحفظ أقول البشير مثل: "أنا اذا أصدرت قراراً بقطع راْسه (اي الترابي) افعلها وانا مطمئن لله سبحانه وتعالى." العياذ بالله.  ومن الأمثلة الأخرى والتي تدلل على الجانب الاخر ما ورد عن ابراهيم السنوسي في جريدة الصحافة في التاسع من يونيو ٢٠٠٠ كمثال "أنني لست من المنكرين انني واحد من قيادات الإنقاذ وكل الذي حدث من انتهاكات حقوق الانسان كان باجتهادات وكنا نرى فيه مصلحة للإسلام والسودان حين أقدمنا على استلام السلطة. فان كان فيه خطا فليغفر الله سبحانه وتعالى لنا وان فيه صواب فان الله يجزينا فيه صواب وهذا شي طبيعي." يقول ذلك دون وخز من ضمير.  حسبنا الله ونعم الوكيل. قارن بين هذا وذلك وبين ما ورد عن آيخمن النازي من احاديث مماثلة او مشابه حول ما قام به والتي ادلى بها إبان محاكمته لتدرك من أين اتي الشر واستفحل.


     نعم لقد كانت فترة الامين العام الغائب مرحلة هامة جمدت أي جانب فكري في اسلاموية الترابي ليحفظ صاحب الفكر امره في صدره ومن ثم ليصبح من بعد هو "المستبد العادل" في عالمه الفكري ذلك. ان فكرة المستبد العادل قد جاء بها محمد عبده من قبل وسيد قطب وقت علاقته مع مجلس قيادة الثورة المصري قبل "المفاصلة" بين جمال عبد الناصر والاخوان المسلمين المصريين. وهنا لا أعني بالمستبد السلطان وإنما اعني القائد الفرد. ولا أقف عند تلك الجوانب السطحية التي يقف عندها البعض ليدلل بها على مظاهر استبداد مثل السخرية من رأي الآخرين والعنف في الرد عليهم الخ وإنما في مظهر وجوهر الزعيم الذي يقوم بالإحاطة بكل شئ وشرح كل شئ اي شئ. وقد يبدو ان الكل له خضوع في ذلك ولكن دراسة متنانية لسيكلوجية تلك الحركات المتشابهة والتي يلحق اسمها الدارسون بال ism او تلك القائمة على الأفكار الصمدية تشترك في امر هام اذ انها بقدر ما تصنع تابعيها المؤمنين إيمان العجائز تَخَلَّق ايضا من داخلها مقلديها الذين قد يخرجون على الزعيم لا المبدأ العام الذي تقوم عليه أسس الاستبداد. الامر الذي يفسر استبدال بعض اسلاموي الترابي باستبدالهم مستبد ناعم عندما أسبقوا عليه صفة الشيخ وامل ولاية فَقِيه سنية باخر صمموه وفق ما أرادوا من الاستبداد ليتفق والوجه المظلم للاسلاموية. وليس ذلك بجديد على التجربة السودانية فقد صمم من قبل اخرون استبدادا اخر في الذي وصفوه بالرئيس القائد وفي كلا الحالين اصبح كل من الاثنين عدوا وحزنا للذين صمموا اي منهما في المقام الاول وبلا شك للبلاد واهلها. يظل مسمار جحا حتى موعد معلوم.


    في غيابه في فترة االسجن الاولى (١٩٦٩-٧٧) لم يترك الترابي وقتها كتابا او تسجيلات صوتية يمكن ان يستعين بها أولئك الذين كانوا في مقتبل العمر والجدد في مجال السياسة والتنظيم. لم يكتب كسيد قطب او قرامشي شيئا اكثر من رسالة واحدة مقتضبة لجماعته من السجن. لذلك ومن واقع جهدهم تحول التبشير بالفكرة الى تبشير بالزعيم الغائب وتقليده في حركاته وسكناته في الخطابة لا في الفكر الذي كان من الممكن او الضروري ان يتضمنه الخطاب. وتحولت الجماعة من مجموعة كان من المفترض فيها ان تكون جمعية تهتدي  بفكر جديد او أيديولوجية متقدمة الى جماعة حركيّة "خدمية" آخذة في  النمو من اجل ان تحافظ على نفسها بما تستطيع وبما تمكنها به قدراتها المتواضعة في الخطاب حسب الطلب. لذلك واصلت في انتهاج العنف الخطابي تجاه هدم الآخر. في ذلك الوقت قد ظهرت كوادر خطابية من الجمهوريين بوجه خاص والشيوعيين بوجه عام ودخول بعض الطلاب الجنوبيين ذلك المعترك. ومن كل ذلك نمى اُسلوب خطاب قهوة النشاط الذي وصفه عبدالله علي ابراهيم بانه أشبه بشكل الديوك. لذلك فان الحركة الاسلاموية كمعاصريها ومنافسيها في ذلك الوقت من شباب جامعة الخرطوم لم تنتج فكرا لانها أصلا لم تقف على قاعدة فكرية اذ انحصر امر الفكر عند الزعيم.  وانتقل اُسلوب قهوة النشاط في نوع ذلك الجدل "الديكي" والعنف اللفظي والمكتوب بانتقال دفعات بعينها من أولئك الطلاب الي ميدان المجال العام ومن ثم مراكز السلطة والتأثير ومن صحف الجامعة الحائطية الى صحف الجبهة الاسلامية في مرحلة الديمقراطية الثالثة: ألوان نموذجا. غير ان الامر لم يقف عند هذا الحد. فقد ما جاء في مرحلة حفلت بتطورات كبرى وهامة جدا في إطار التنظيم وفي العديد من مجالات الحياة السودانية السياسية والاقتصادية والاجتماعية.  


    في وقبل فترة غياب الزعيم الغائب كانت ثورة أكتوبر قد اعطت بارتباطها بجامعة الخرطوم ما جعل من الجامعة الهيكل الأكبر للدين المدني. وقد انسحب ذلك على مكانة الجامعة في المكان وفي الخيال السوداني. ووهب طلاب وساتذه وحتى بعض العاملين في الجامعة مجدا وبريقا. وقد ظلت صورة الزعيم الغائب في الخيال الطلابي مرتبطة بوجودهم المعنوي كأستاذ سابق ونموذج لمل يمكن ما تهبه الجامعة من مكانة علمية ومجدا اجتماعيا وسياسيا. كل ذلك أعطي نهج عبادة شخصية الزعيم قيمة إضافية.  في ذات الوقت قد تزايدت إعداد الطلاب القادمين من الهامش عامة وحفظة القران من دارفور خاصة. كما ازداد عدد الطالبات بشكل ملحوظ.  كل ذلك قد تم وحرم الجامعة ظل مكانا محرما على قبضة مايو الخانقة. لذلك أصبحت الجامعة واتحاد الطلاب من اهم ما يسعي له اي حزب سياسي. وقد استطاع طلاب الاتجاه الاسلامي المحافظة على السيطرة على اتحاد طلاب جامعة الخرطوم بكل السبل بما فيها تزوير الانتخابات. ومن هنا ياتى احد مصادر العنف في اسلامويي الترابي. وأصبحت التربية السياسية لذلك الفصيل تقوم على التفوق في العنف اللفظي والعنف الفعلي. ومع تطور ذلك النهج وتلك التربية تطور ما اجتزء من الآية "وأعدوا" واخرج من سياقه عند جماعة الاخوان المسلمين الام الى صرخة حرب عند جماعة اسلاموية الترابي. وبذا أصبحت جامعة الخرطوم هي معهد التدريب علي العنف الامر الذي مكن لعديد من خريجي الجامعة المشاركة في انقلاب ١٩٨٩ الذي كان اكثر من ٨٠٪‏ من المشاركين فيه من ملكية نافع الذين جاء وصفهم في مذكرة العقيد فيصل ابو صالح التي نشرت في عدد من الصحف العربية بأنهم كانوا أفضل تدريبا من بعض النظاميين. كما برز من أولئك الكوادر الأمنية التي ظلت ممسكة بأمر عنف الدولة وتطويره. لذلك لم تألو الإنقاذ جهدا في فرض حالة العنف وتوزيعه على المواطنين منذ يومها الاول. ولا تزال كل الدماء تسيل حقيقة وانهارا على طول البلاد وعرضها.  


    وفي تلك الفترة وفي جو الشمولية المايوية الخانق نمى جيل جديد من شباب الإسلامويين الذين شكلوا القطاع الاكبر بعد ذلك من الرعيل الثاني من إسلامويه الترابي. وإبان فترة 'الامام الغائب' وفي إطار تطورات المجال السياسي المقفول في السودان والمجال الخاص المفتوح في جامعة الخرطوم من جهة وتصاعد هجرة اعداد السودانيين عموما والاسلامويين خصوصا الى دول الجوار البترولي خاصة السعودية والخليج وتجربة المعسكرات في للصحراء الليبية وانفتاح المجال الامريكي للاسلامويين بوجه عام تشكل ذلك الفصيل الثاني كجمعية مغلقة في إطار الجمعية الام وان كانت هذه الجمعية الجديدة اكثر اختلافا عن سابقتها. لذلك وعندما خرج حسن الترابي من السجن وعاد من عاد من المهاجر بعد المصالحة في ١٩٧٧واجه كل من الفصيلين وضعا لم يألفه اي منهما من قبل. فعلى صعيد واضح برز عدد كبير من شباب الحركة منسجما مع ذاته الجديدة وملتفا حول علي عثمان الذي لم يدخل السجن او يهاجر الى خارج البلاد بل ظل الأكثر معرفة بأفراد ومقدرات اي من أفراد ذلك الفصيل. هذا وفي الوقت الذي وجد حسن الترابي وجيله القديم انهم اقل معرفة بذلك التطور ومن فيه. ومن ثم لاحت في الأفق لكل من الفريقين بوادر ما يكن ان نطلق عليه ما قاله ننادي في وضع مخالف لهذا intimate enemy. اذ كان ذلك الفصيل الجديد في أفراده وجمعيتة المغلقة اكثر حاجة الى الرصيد الإعلامي وراس المال السياسي لحسن الترابي وبعض من شاركوه في بناء الاسلاموية الجديدة أوالذين غابوا في السجون والمهاجر. فهم في ذات الوقت يتمنون ذهابهم ليخلو الجو لهم. ولا اعتقد ان حسن الترابي لم يدرك ما ظهر من مستجدات الأمور وقتها ولكن قد يخطر انه كان يعتقد ان ذلك الفصيل او الشباب كما كانوا يسمونهم جهرا لا سراً بانهم لا يزالون أولئك 'الفعلة' الذين يمكن استثمار طاقتهم ولو الى حين. او انهم فتحوا الباب للشباب كما كان يقول بعض القيادات المتضررة من نتائج تلك المستجدات. لذلك لم يكن التعايش الداخلي بين الفصيلين تعايشا يقوم على توافق فكري او إيماني وانما يقوم على ضرورات تبيح عدم الإفصاح عن صراع غريب ومكتوم ان لم يكن على خلاف مع بعض أشكال خلافات وصراعات الاسلامويين السابقة --تلك الصراعات المريرة قبل مرحلة الترابي--في داينميكيته وحتى في أشكال التعبير عن ذاته لاحقا في مراحله المختلفة.


    وما يحمد لبعض الإسلامويين السودانيين أن منهم حين اختلف مع الإنقاذ او مبدأ الانقلاب منذ اليوم الاول مثل الطيب زين العابدين لم ينزوي في منازله بل عبر عن موقفه بشكال مكتوبة. واخرين اختلفوا معها في أوقات مختلفة من عمر تطورالانقاذ وتقلباتها المتعددة ولم يترددوا من الصدح ببعض اختلافاتهم. مثل التجاني عبدالقادر وأحمد عزالدين وعبدالوهاب الافندي وخالد التجاني على سبيل المثال لا الحصر. وهناك من اختلف مع بعض ما جاء من بعد المفاصلة للطرف الاخر اي الشعبي. وقد يكون من الصعب تقديم دراسة متكاملة لتلك الظاهرة اذ أمر ذلك يمكن ان يأتي لاحقا. ولكن الإشارة الى بعض ما تعرض له بعض كتاب اسلاموية الترابي حول تطور الصراع في بعض اشكاله الداخلية.  وفقد جاء ما جاء في الحديث التطور الداخلي والغريب للحركة الاسلاموية في ظل الانقاذ في شكل متفق مع ما ذهبت اليه بان الخروج على الزعيم لا يعني الخروج على الامر كله. فقد ظل السر في محل الجهر واردا بالنسبة الفصيلين ولم يتيسر الجهر في محل الجهر لاي منهماحتى الان. فإذا اخذنا على سبيل المثال كتاب المحبوب عبدالسلام: الحركة الاسلامية السودانية: دائرة الضوء وخيوط الظلام 'هو كتاب على درجة من الاهمية' نجد آن دائرة الضوء تلك قد اكتنفتها المزيد من خيوط الظلام من جراء التلميح والإشارات والرموز المعقدة لا الإفصاح. حتى عن الأسماء المشاركة في الأحداث الكبيرة والتي لا يشار اليها عيانا بيانا بل ظل ايكتنفها غموض الاشارت تلميحا او رمزا كأنهم شخصيات لرواية صوت الصخب والعنف لوليم فلوكنر او مسرحية لا معقول لصمويل بكيت. بمعنى ان المحبوب أنتج بامتياز الصوت الداخلي لجمعيته دون إخلال يذكر في وضع السر محل السر والسر محل الجهر. رغما عن ذلك فقد منع جهاز أمن النظام توزيع الكتاب في السودان. نموذج آخر لتلك الظاهرة نجده في كتاب عبد الرحيم عمر محي الدين: الترابي والإنقاذ صراع الهوية والهوى والذي يعكس بعض الإفادات الدالة على فتنة الاسلامويين في السلطة وذلك على لسان بعض الشخصيات الاساسية في الحركة هو عدم تجاوز محل السر الى الجهر. وهكذا قس على ما بين قوسي تلك الظاهرة. وكتاب اخر لعبد الغني احمد ادريس. إضافة الى المقالات الصحفية المتعددة والتي تسير وفق ذلك النهج.


    لكن يبقى السؤال ألم يحن الوقت للوقف عند ما يردده البعض منذ وقت طويل بأن حسن الترابي هو عراب النظام ومصمم دولته؟ بمعنى اخر هل الإنقاذ هي في الأساس مشروع حسن الترابي ام هي اولا وأخيرا مشروع اخرين؟

    يتبع

        


abdullahi.gallab@asu.edu

 

آراء