في التعقيب على الناطق الرسمي للشيوعي: وعاد ماركس …إسلامياً؟!

 


 

 


 khogali17@yahoo.com

يشغل الأخ يوسف حسين وظيفة الناطق الرسمي لحزبه أكثر من خمسة عشر عاما، وشهدت له الساحة السياسية بالإخلاص تعبيرا عن الإتجاهات العامة لقيادة الجهاز والحزب وحواره بصحيفة "الصيحة" في 4 مايو 2016 استمرار لأداء وظيفته. وهو إمتداد لخط التحلل من النظرية وتجارب الحزب الثوري والذي بدأ التبشير به علناً عن طريق الناطق الرسمي في حوارين مشهودين بصحيفتي "الخرطوم" و "الدستور" في 20 و 22 و 31 أغسطس 2001. ومن دوافع التعقيب إعادة ذات الأفكار رغم الفترة الزمنية الطويلة (كل طلاب الجامعات السودانية اليوم كانوا في 2001 دون سن الرابعة) ...
إفادات أغسطس 2001م
موجز إفادات الناطق الرسمي في أغسطس 2001 كانت كالآتي:
1- الحزب الشيوعي لم يكن حزباً عقائدياً بالمعنى المفهوم، هو حزب سياسي مثل الأحزاب الأخرى له برنامج.
2- واستناد الحزب على المنهج الماركسي ليس شرطاً ملزماً لعضويته بل الملزم هو البرنامج والنظام الداخلي. والشيوعية إرتبطت بالكفر والإلحاد.
3- نحن نسعى سعياً حثيثاً لنصبح مقبولين بين الرأي العام السوداني لنفي بالآمال العراض التي يضعها الشعب في التجديد. ونسعى لتغيير أطروحاتنا وممارساتنا وأساليبنا وكذلك نسعى (للتأصيل) لأفكارنا في الواقع السوداني و(التراث الإسلامي).
4- سنسقط كل الفكر الماركسي ونتعلم منه (التجارب) ولكننا سنتمسك بالمنهج الماركسي لدراسة الواقع السوداني.
5- نحن لا ندمغ كل ناس الإنقاذ بالشمولية والديكتاتورية
وإفادات مايو 2016م هي:
1- إنهارت الأنظمة في بعض البلدان الإشتراكية وهذا لا يمس النظرية الماركسية. وتجديد الحزب للماركسية (لا نفصح) عنه لأنه يخص الحزب وعضويته ولا أحد غيرهم. ونظرية الحزب هي الماركسية وهذا يكفي وليس بالضرورة مناقشتها بالتفصيل.
2- يريد الحزب عبر الطريق الوطني الديمقراطي المفضي للإشتراكية إحداث تغيير إجتماعي ونهضة زراعية صناعية (والذي لا يقبله ما يخش معانا) والقضايا التي تهم بناء الحزب و(مستقبل الإشتراكية) مسموح بمناقشتها داخل قنوات الحزب التنظيمية لا خارجها (كما أنها لا تخص غير العضوية).
3- الشعب السوداني من حقه أن يعرف برنامج الحزب الذي يريد تطبيقه لكن ليس من حقه أن يعرف (توجهاته النظرية) وقرر الحزب تسخير ما طرحه الدين الإسلامي حول الحرية والعدالة والمساواة في برنامجه وكل أدبياته (نريد عمل تغيير لتذليل هم المعيشة حتى يستطيع المسلم أن يعبد ربه دون أن يكون مشغولا بأشياء دنيوية).
4- لا يوجد صراع فكري حول برنامج أو منهج الحزب وجهاز الأمن يروج للإشاعات حولها وهناك جهات لها مصلحة في تسريب ما يدور داخل اللجنة المركزية وهناك غواصات لجهاز الأمن داخل الحزب.
5- تأخير إنعقاد المؤتمر بسبب عدم إنجاز حصر العضوية وفحص الكادر إلى جانب قضايا تنظيمية لم تعالج وأقنع الحزب مسجل الأحزاب بأسباب تأجيل المؤتمر.
وقائمة المرشحين (للجنة الجديدة) تنزل للمؤتمر العام من اللجنة المركزية من واقع إستكشافها للحزب وفحص للكادر. والمؤتمر له حق الإضافة لترشيحات اللجنة المركزية (هذه طريقتنا في عملنا والمادايرنا يختانا) ونحن في الحزب لدينا (ديمقراطية ثورية موجهة).
التوقيت والأهداف:
لكل شئ سبباً ولحوار مايو 2016 أسبابه وأهدافه هي:
1- صرف الأنظار عن الإهتزازات في الحزب بسبب صعوبات العمل والتي ينفي قادة الجهاز وجودها وأنها إشاعات أمنية. والنفي دلالة عدم الإستفادة من "التجارب" فبحسب المؤتمر التدوالي 1970 جاء:
(إن صعوبات العمل في ظروف الثورة المضادة تخلق إهتزازات مختلفة بين بعض كادر الحزب فيطرح تارة يميناً وتارة أخرى يساراً وفي كلا الحالتين يكون هناك تراجع عن تكتيكات الحزب الشيوعي ... وهذه الصعوبات تؤدي إلى إلباس عند بعض أعضائه بما في ذلك الكادر، ولهذا يظهر إتجاه يقلل من جدوى العمل الثوري والتكتيك الصبور ... ويدعو إلى إيجاد "وضع مريح" للحزب). والوضع المريح في الألفية الثالثة: التحلل  وإعلان التوبة واللهاث وراء تسوية مع حزب الحركة الإسلامية الحاكم .. وغير ذلك مما يصعب كتابته الآن (!).
2- ولذات أسباب الإهتزازات وغيرها فإن الطبيعي وجود صراعات فكرية داخل الحزب فالصراع الفكري لا ينعزل عن الصراع الطبقي بين الجماهير. وعضوية الحزب الشيوعي من كافة الفئات وأقلها العمال. ونفي الصراع الطبقي والصراع الفكري يعني نفي وجود الحزب نفسه .. وهذا من أشكال (الحل العملي) فيكون مثيراً للرثاء إستمرار العويل بأن الصراعات صناعة أمنية وأن الحزب (قيادة وقاعدة على قلب رجل واحد).
3- الحماية المباشرة للإختراق في اللجنة المركزية (ويمكن) أن يكون من عدة جهات !! والذي أبانه الناطق الرسمي بأكثر مما فعل السكرتير السياسي قبل عام في حوارة بصحيفة الصيحة (نجاة إدريس) في 10 مايو 2015 عندما ذكر أنهم بصدد البحث عن الغواصات للوصول إلى موطن الإختراق ومعالجة الأمر وأنهم بصدد معالجة (المشكلة) وهي شأن حزبي (حالة السكرتير السياسي مماثلة لحالة عبد الخالق فكلاهما أحاط بهما أعداء الحزب من داخله الذين ينفذون توجيهات تصفيته، وأحزن له!!) وعندما يتحدث الناطق عن تسريبات ما يدور داخل اللجنة المركزية فإنما يؤكد على كشف حقائق لم تعلنها اللجنة المركزية لا فبركة وقائع .. وعندما تصدر اللجنة المركزية قرارا بنشر ما يدور داخل اللجنة المركزية تحت حجة وقف التسريب فإنها من جهة تنفذ مهمة الإختراق ومن جهة أخرى لا تستأصله. ومعلوم أنه حدث تسريب لموضوع (الفلاش) الذي ذهب إلى جهات أخرى، ولجنة التحقيق بشأنه والبحث عن (الدليل المادي) ..... إلى آخر، والذي من بين محتوياته حصر العضوية وفحص الكادر الذي قالوا أن الناطق الرسمي نفسه هو الذي كتب مقدمته.. وأن الفلاش لم يكسره احد(!). والمدهش أنهم لا يكتفون بحماية الإختراق في اللجنة المركزية بل هناك من أتهم شيوعيين خارج الحزب لعشرين سنة بنقل ما يدور داخل إجتماع اللجنة المركزية لجهات أخرى ومنها الصحافة.
4- ولمزيد من إضعاف الحزب، فإن أعداءه في داخله يقصدون إحداث الإرتباك في صفوفه تيسيرا للإختراق في اللجنة المركزية وإنفاذ مهمته العاجله بمسح الحزب من الخريطة السياسية عملياً بالتراجع تارة يمينا وتارة يساراً.
أنظر:
نظرية الحزب هي الماركسية مرة، وإسقاط كل الفكر الماركسي مرة، والحزب الشيوعي ليس حزباً عقائدياً مرة، وتأصيل الأفكار بالإستناد على التراث الإسلامي مرة، والشيوعية إرتبطت بالكفر والإلحاد مرة، والحزب يستند على المنهج الماركسي مرة، والنهج الماركسي ليس شرطاً ملزماً للعضوية.
أنظر:
تجديد الحزب للماركسية لا نفصح عنه مرة، والشعب السوداني يضع آمالاً عراضاً في تجديد الحزب مرة، والشعب ليس من حقه أن يعرف التوجهات النظرية للحزب مرة.
5- إضفاء ثورية زائفة على حزب لم يعد شيوعياً ولا ثورياً.
6- إستكمال ترتيبات طباخة المؤتمر بالآتي:
أ‌-    إعلان العودة إلى (المركزية المطلقة) بعد التراجع المؤقت عنها وإختيار إسم جديد لها هو (الديمقراطية الثورية الموجهة).
ب‌-    وفي الواقع فإن اللجنة المركزية هي التي تحدد العدد الكلي للمؤتمر ونسبة التمثيل لكل منطقة أو هيئة بدون معايير موضوعية وترتيب الأوضاع يتطلب (المراقبة) و(الفحص) وهنا تلعب مكاتب المعلومات والرقابة وأمن الحزب دوراً أساسياً خاصة وأن مهمتها الرئيسية التجسس على العضوية والكادر وفبركة الوقائع ورفع البلاغات وتتحول اللجنة المركزية إلى مكتب تحريات ضخم مرة وقضاة يحاكمون أفكار الناس ونواياهم. ومن خلال طرح هذه الإفادات يجري فرز جديد بالنقاشات حولها ولا نستبعد تكوين (لجنة ثلاثية) تأثراً بالواقع للإشراف على (التطهير) أو غيره من دون إعلان وبأكثر من طريق.
وتجارب الحزب أكدت على أن قواعد الحزب وهيئاته هي التي تقوم بتحديد الكادر الذي يبرز من بين أنشطتها وتختاره بالإنتخاب بعد النقد والنقد الذاتي والرصد في الممارسة من حيث التكوين الفكري والنشاط الفعلي والمسلك الشخصي وأداء الكادر تتم مراقبته حيث يعمل لأمن هيئات أعلى. وكما يمكن أن يتراجع كادر يمكن أن يبرز آخر جديد.
والفحص والترقية والمحاسبة والإنزال لا تتم بقرارات من هيئة أعلى أو عن طريق إجراءات إدارية بل بالتقييم الحزبي في الهيئة الحزبية التي يعمل فيها الكادر.
إن منهج اللجنة المركزية تحت العنوان (هذه طريقتنا والما دايرنا يخلينا) يعني بوضوح إلغاء القيادة الجماعية وإستقلالية التنظيمات الحزبية وأكدت (التجارب) أن النتيجة أن تبتعد العضوية رويداًرويداً حتى التحلل وحتى تجئ اللحظة التي تبحث فيها كوادر اللجنة المركزية عن العضوية التي تصرف لها التعليمات والتوجيهات.
ولذلك رأي عبد الخالق أهمية إرتباط الكوادر بما في ذلك أعضاء اللجنة المركزية بالتنظيمات القاعدية واكتساب عضوية الفروع حيث يقيمون.
ومن (التجارب) أن التراجع عن الماركسية ليس جديداً ولا غريباً، وفي السودان أيضاً ومن الأسباب:
-    الأسباب الجذرية في هيمنة الرأسمالية الدولية وسياسات التحرير والسوق الحر التي فرضتها على الدول النامية.
-    سلطة حزب الحركة الإسلامية، كأول حزب (إسلامي) يحكم ربع قرن ويزيد على مستوى المنطقة والعالم.
-    التغييرات في تكتيك الفئات الإجتماعية الحاكمة بوجه عام (العصا والجزرة) وأثرها على الإختلافات في وجهات النظر بين المشاركين في الحركة العمالية.
و(الديمقراطية الثورية الموجهة)أو المركزية المطلقة إنتقدها التجاني الطيب والخاتم عدلان و يوسف حسين وآخرون وشرح الخاتم المسألة (9 مارس 2004م) على الوجه التالي:
•    اللجنة المركزية عندما تقدم الترشيحات للقيادة الجديدة وتسمح للمؤتمر بترشيح آخرين بالإضافة، فإن المضافين لا يملكون فرصة للفوز وبمعنى آخر فإن أي شخص آخر لن يفوز إذا لم يكن ضمن ترشيحات اللجنة المركزية أو قررت هي إضافته.
•    والمرشحين خارج القائمة لا يستطيعون تنظيم مؤيديهم أو الإتفاق معهم قبل المؤتمر لأن ذلك يعني إرتكاب جريمة (التكتل) الذي يعني العقاب حتى الفصل. وهذا يعنى أن الرأي الآخر والذي هو بالطبع أقلية لن يبرز إلا داخل المؤتمر. وهؤلاء يتنزل عليهم العقاب بعد المؤتمر بطرق خاصة.
•    وأن الديمقراطية بخلاف (الثورية الموجهة) تعني إنتخاب المسؤليات إنتخابا مباشرا وهي مهمة المؤتمر وعلى أساس الوصف الوظيفي الدقيق للمسؤلية المحددة وتعدد المرشحين والتصويت السري. وبالديمقراطية تكون المنافسة مفتوحة وتجعل الأشخاص المتتقدمين عرضة للنقد وكشف نقاط الضعف والقوة والمقارنة أي منع المنصب من الحلول في الفرد.
وفي الختام: ماهو المنهج الماركسي الذي يستعين به الحزب ولماذا يتمسك الحزب بإسم الشيوعي وهو غير عقائدي ومثل جميع الأحزاب الأخرى؟ وما هي الإشتراكية التي يدعو لها الحزب ويحظر على الشعب وعضويته مناقشة مستقبلها أمام الناس ؟ وماذا يعني التجديد الذي يجب على الشعب السوداني تفادي السؤال عنه؟
إن الديمقراطية الثورية الموجهة تعني تحول الحزب النهائي لتنظيم خاص لا رغبة له في إنضمام الماركسيين لصفوفه ولا حاجة له للشعب ويقوده جهازه للحل العملي. وجعلت التدوال السلمي لقيادة الحزب من المستحيلات فما العمل؟.
اشارة:
كتب كثيرون من زوايا مختلفة عن لقاء الشيوعيين بالاسلاميين ومنهم: عمار محمد أدم، احمد الحسن احمد، عبدالله حميدة و محمد المنتصر حديد السراج و عنوان التعقيب هو عنوان مقال السراج بصحيفة الاضواء (25 يونيو 2005)
المراجع والمصادر:
-    إستنتاجات المؤتمر الرابع 1967.
-    ملاحظات وقرارات المؤتمر التدوالي ووثيقة عبد الخالق 1970.
-    هل إنتهت فترة صلاحية الماركسية (لندع الموتى يدفنون موتاهم) كتاب غير منشور.
-    صحيفة الأضواء (9 مارس 2004م).
-    حوار الصيحة مع السكرتير السياسي 10 مايو 2015م وحوارها مع الناطق الرسمي في 4 مايو 2016م.
-    صحيفة الخرطوم 22/8/2001م

 

آراء