قراءة للحدث الكبير: هل ضلت المعارضة الطريق الي”خارطة الطريق” (1-2)
علي مدي سبعة وعشرون عاما فشلت المعارضة في إسقاط النظام , ومنذ اول يوم للإنقلاب العسكري الذي نفذه الإسلامويون في عام 89 تداعي المعتقلون داخل سجن كوبر ووضعوا اولي لبنات المقاومة في البيان الشهير والذي بموجبه ظهر الي الوجود تنظيم التجمع الوطني الديمقراطي كصيغة وفاقية ضمت كل القوي السياسية حيث جري إعتماد برنامج ثوري اعلن عنه في العاصمة الإريترية اسمرا . وفي الخامس عشر من يونيو 1995 اجازمؤتمر مؤتمر القضايا المصيرية المصيرية الذي انعقد بالعاصمة الأريترية اسمرا مشروعية العمل المسلح الذي تقوم به فصائل التجمع الوطني الديمقراطي من اجل اسقاط النظام وفق الآليات التي اتفق عليها. وتم الاتفاق علي تشكل لجنة سياسية عسكرية عليا تقوم بالتنسيق والاشراف على تنفيذ برامج تصعيد النضال واسقاط النظام وجاءت هذه الفقرة في البيان الختامي الذي اصدره يومذاك التجمع الوطني الديمقراطي فاتحا الطريق لأول امام خيار جديد للقوي السياسية التقليدية وهو الخيارالعسكري الذي كانت تحتكره فقط الحركة الشعبية كما جري حسم قضية الجنوب بتثبيت حق تقريرالمصير له عبرالصيغة الجديدة لشكل الحكم الجديد في السودان بعد سقوط النظام , ووفقا للظرف الدولي والإقليمي حينذاك رمت الولايات المتحدة "ادارة كلينتون" بكل ثقلها الي جانب المعارضة ضمن إستراتيجية إقليمية لمحاصرة النظام والتضييق عليه حتي إسقاطه وفي سبيل ذلك عينت مبعوثا خاصا للسودان هو جون دان فورث , كما اسندت هذا الملف الي اريتريا التي فتحت اراضيها لتستقبل كل اطياف المعارضة السودانية بل ووضعت كل إمكانياتها السياسية والعسكرية علي شحها في خدمة ذلك الهدف بعد ان ضيق نظام حسني مبارك علي المعارضة وحجم حركتها بل واستدخمها موسميا ضد نظام الخرطوم, وكانت اريتريا بذلك الموقف تحصن نفسها ايضا من حركة الجهاد الأريتري التي أشرف علي تكوينها عراب النظام حسن الترابي وبدأت بالفعل عمليات عسكرية حدودية ضد اسمرا ضمن برنامج تصدير "الثورة الإسلامية " الي القرن الأفريقي وردا علي استضافة اسمرا المعارضة علي اراضيها ومنحها سفارة النظام لتكون مقرالها.
ثمة حاجة الي ربط ما يجري الان بين سلطة الإنقاذ والمعارضة الي خلفية كانت التسعينات مسرحا لها , ففي عام 1994 تمرد عسكريون شباب علي نتنظيم "انا السودان" الذراع العسكرية للتجمع الوطني الديمقراطي والذي كان علي رأسه رئيس الأركان الراحل فتحي احمد علي , واعلنوا عن تنظيم عسكري مسلح جديد اطلقوا عليه "قوات التحالف السودانية " ويومذاك اصدر قائد التنظيم العميد عبد العزيز خالد نداء شهيرا من القاهرة الي الشباب السوداني من داخل خارج السودان للإلتحق بمعسكرات التدريب في الأراضي الأريترية لبداية الكفاح المسلح ضد نظام الجبهة, وكان ذلك اول تنظيم شمالي يخوض حرب تحرير مقابل الجيش الشعبي لتحرير السودان بقيادة جون قرنق والذي كان قد نقل الاف من مقاتليه من الجنوب ليفتح جبهة جديدة من شرق السودان .
وهكذا توالي قيام المعسكرات المسلحة علي الحدود, فأنشا حزب الأمة تنظيما مسلحاتحت اسم "جيش الأمة" والإتحادي الديمقراطي " جيش الفتح" والحزب الشيوعي "قوات مجد" ,غير ان التجربة الجديدة وغير المرغوبة من قبل الميرغني والمهدي لم تعش طويلا فجاءت نيفاشا عام 2005 لتحول شعارات الكفاح المسلح الشمالي الي موائد مفاوضات مع النظام اوسعها كان مائدة القاهرة في العام نفسه,فأعطي التجمع بضعة مقاعد انتقالية في البرلمان استعادها النظام بعد ان وضع الإتفاقية علي الرف و"طنشت "المعارضة مكتفية بالعودة الي الخرطوم ولم تسأل منذ ذلك التاريخ عن البنود المهجورة في تلك الإتفاقية.
في تتبع سيرة المعارضة بمختلف مسمياتها يكتشف المراقب انها طوال اكثر من ربع قرن لم تقدم إنجازا عمليا واحدا ,بدءا بالتجمع الوطني الذي كان بداية المسيرة ومرورا بهيئة الإجماع الوطني , وانتهاء بالجبهة الثورية , ونداء السودان والشعار
الذي لايتحول الي واقع مادي يظل مجرد لغة إنشائية تتبدد في الهواء ,اما عسكريا افتقدت كل الحركات المسلحة في دارفوروالنيل الازرق العقيدة السياسية التي تحدد رؤيتها فأبعدها ذلك عن مفهوم حركات التحرير, فأصاب بعضها الوهن , والتحق كثير من كوادرها بالنظام مقايضا القضية بالمنصب ,وتلك علة لازمت كل الحركات المسلحة حتي اجبرها ضعفها والمتغيرات الإقليمية لأن تعيد التفكير في مبدأ العمل المسلح نفسه.
بعد المتغيرين الهامين في تشاد حيث دخل ادريس دبي في حلف عسكري مع الخرطوم ,ودخل مسيلفا كيرفي حرب مع ريك مشار , لم تعد حكومة جوبا قادرة علي مساعدة اعداء النظام لا بالأرض ,ولا بالسلاح كما كان في السابق
من واقع هذا المشهد لم يعد ممكنا للحركات المسلحة ان تفرض شروطها علي النظام سواء عسكريا ام سياسيا , كما لم يعد في جراب المعارضة المدنية مزيدا من الشعارات لتضخها في الشارع ,وحتي التظاهرات تلك التي إنفجرت تلقائيا في سبتمبر 2013 بسبب زيادات اسعار البنزين لم يبادر اي من الأحزاب السياسية لقيادتها وتصعيدها وتحدي امن النظام حتي ولو كان ثمن ذلك السجن,فقد اكتفت ببيانات الشجب الإستنكار ,فهي قضت سبعة وعشرون عاما تتحدث عن الإنتفاضة دون ان تجترح اي من ادواتها او تقرأ جيدا الإنزلاق الأرضي الذي اصاب الخريطة السكانية حيث أمحت االطبقة الوسطي ,وتلاشت الطبقة العمالية بتلاشي الحركة الصناعية , ولمزيد من تحطيم التركيبة القديمة إنغمست الإنقاذ عبر عصاباتها الأمنية في تجارة البشر فأغرقت العواصم بأكثر من خمسة ملايين اريتري وأثيوبي والالاف من افريقيا الوسطي غرب افريقيا , وحسب احصاء الأمم المتحدة يقدرالعدد الحقيقي للمهاجرين الإثيوبيين فقط في السودان حتى الآن بأكثر من 5 ملايين مهاجر، وبمعدل تدفق يومي يصل لنحو 700 متسلل يدخلون البلاد عبر حدودها الشرقية بأساليب تهريب يشارك فيها امن النظام
ليس ذلك وحده بل النظام فتح الباب لألاف السوريين يدخلون السودان بدون تأشيرة تحت ذريعة " الإسلام والعروبة "ولكن إجندة المؤسسة الأمنيةالسرية ي تغيير الخريطة السكانية , وإجهاض اية إحتجاجات قدر الإمكان .
ازاءهذا المخطط "الجهنمسلامي" القائم علي المتابعة والإحصاء والفيضان الأجناسي الراهن يصبح الحديث عن الإنتفاضة في صيغها التقليدية امرا صعب التحقيق إلا اذا سعينا الي تغيير هذا الواقع الذي اشرنا اليه في صدر هذا التحليل.
إن التغييرالذي نقصده يبدأ بإجتراح وسائل جديدة تبطل, او من شأنها ان تضعف من سموم النظام .
اذن ماهي هذه الوسائل الجديدة ؟ هل يمكن القول بأن ما حدث في اديس ابابا هي احداها ,هل يمكن الذهاب الي ان الذين وقعوا خارطة الطريق لهم اجندة سرية لم يكشفوا عنها بعد ومن ثم علينا عدم التسرع وإدانة ما أقد موا عليه .
إن اشارتنا الي ماضي المعارضة بكل سلبياته لا يعني في كل الأحوال حذفها من الخريطة السياسية ,فهي نتاج واقع مأزوم في الزمنيين الماضي والحاضر, وطبيعة اي واقع تظهر تجلياته في افعاله وردودها , اقلام كثيرة تناولت بالنقد ثم الهجوم علي الموقعين علي خارطة النظام وإعتبروا ذلك إستلاما كاملا لشروطه ,وهذا صحيح مائة بالمائة , ولكن فات علي بعضهم طرح سؤال هام وهو هل سينخرط النظام نفسه في تفيذ خريطته التي رسمها بيده حتي لو لو لم يطلب منه ذلك الطرف الأخر؟, هل سيقبل مثلا بدخول الموقعين علي الخريطة دخول البلاد وشروعهم في العمل السياسي بحرية من الداخل عبر تكوين احزاب سياسية لهم؟ هذا ماسنحاول تناوله في الحلقة القادمة
S.meheasi@hotmail.com