عرب البقارة: السلطة والنسب في قبيلة سودانية بدوية .. ترجمة: بدر الدين حامد الهاشمي

 


 

 

 

Baggara Arabs: Power and the Lineage in a Sudanese Nomad Tribe

Danny Yee’s Book Reviews من موقع

مقدمة: هذه ترجمة لعرض لكتاب الدكتور إيان كينيسون Ian Cunnison المعنون: " عرب البقارة: السلطة والنسب في قبيلة سودانية بدوية" نشر في سبتمبر من عام 1992م في موقع اسفيري هو http://dannyreviews.com/h/Baggara_Arabs.html
وكان الأستاذ الجامعي الأسكتلندي إيان كينيسون (1923 – 2013م)، بحسب نعيه المنشور في صحيفة القارديان في 27/8/ 2013م، قد أجرى بحثا أنثربولوجيا عن المسيرية الحُمُر بين عامي 1952 – 1955م في مناطق جنوب كردفان إلى أبييي، وذلك بتشجيع من أستاذه بروفيسور بريتشارد في جامعة أكسفورد، وبمنحة من حكومة السودان، ونشر نتائج بحثه لاحقا في كتاب صدر عن دار أكسفورد للنشر عام 1966م. وعمل إيان كينيسون بالتدريس في جامعات مانشستر والخرطوم (حيث تولى رئاسة أول قسم لعلم الأنثروبولوجيا في عام 1959م، وتحرير مجلة "السودان في رسائل ومدونات") وهل. وفيما بعد أهدى الرجل كل أوراقه البحثية مع عدد كبير من الصور إلى مكتبة السودان بجامعة درم البريطانية.
المترجم
****** ********** *********
كتاب "العرب البقارة" هو ثمرة دراسة (انثربولوجية) لقبيلة عربية سودانية هي الحُمُر، أجراها إيان كينيسون بين عامي 1952 – 1955م. ويصوب الكاتب في مؤلفه هذا جل اهتمامه على علاقات السلطة والسياسة في أوساط تلك القبيلة، خاصة في العلاقة بين هذين العاملين (السلطة والسياسة) ونظام السلالة / النّسَب (lineage system)، ومن هنا جاء العنوان الجانبي للكتاب. غير أن الكاتب لم يغفل أيضا وصف البيئة الطبيعية التي كان أفراد تلك القبيلة يعيشون فيها، وطرائق عيشهم.
والحُمُر قبيلة شبه مترحلة تعيش في جنوب وسط السودان، في مديرية كردفان، منذ عام 1800م تقريبا. وهم يستقرون في موسم الأمطار السنوية في معسكرات في الشمال، بينما يرحلون في موسم الجفاف إلى "بحر العرب" أحد فروع النيل الرئيسة. ومصدرا عيشهم هما زراعة الدخن ورعي الأبقار. ومؤخرا أدخلت زراعة القطن بصورة تجارية في المنطقة.
وللحُمُر تنظيم اجتماعي له طبيعة قطعية (segmentary). فهم ينقسمون إلى لفرعين: الفلايتة والعجايرة، واللتان تتفرعان بدورهما إلى عموديات كثيرة، تنقسم بدورها إلى وحدات إدارية أصغر فأصغر وهكذا. والنموذج (model) القطعي والمقبول المستخدم في ذلك التقسيم يعد نظاما أبويا للنسب (agnatic lineage system)، وكل من ينضون تحته ينحدرون جميعهم – نظريا- من سلالة أبوية واحدة (بحسب موقع "المجلد" الإسفيري فإن قبيلة المسيرية (الحُمُر) تنقسم إلى قسمين كبيرين هما: الفلايتة والعجايرة. ويتفرع القسمان إلى فروع، حيث يتكون القسم الأول (الفلايتة) من الزيود – المتانين – أولاد سرور – الجبارات – السلامات. أما القسم الثاني وهو العجايرة والذين يعتبر من أكبر فروع المسيرية عددا يتكون من أولاد كامل – الفيارين – الفضلية – أولاد عمران. المترجم).
غير أن الحقيقة تختلف عن النظرية. فمختلف بطون وأفخاذ القبيلة قد ساحوا في المناطق التي حولهم، والتحقوا ببطون وأفخاذ أفراد من ذات القبيلة، وتصاهروا معهم، وبذا صار هؤلاء "الغرباء" أعضاء (كاملي العضوية) في القبيلة. ورغم ذلك فقد تظهر أحيانا بعض مظاهر التفريق بين الفرد الأصلي (native) في فرع القبيلة، وبين الغريب (strange) عند وقوع صدامات بين جماعة كل فرد من هؤلاء.
ويقوم كل أفراد فرع في القبيلة بالتصرف (مثاليا) كوحدة واحدة في مواجهة الفروع الأخرى المساوية له. غير أنه قد يحدث أحيانا أن يلجأ فصيل (منشق) من فرع القبيلة بالتحالف مع آخرين (ضرب الكاتب لذلك مثالا بقيام جمال الدين زرقة وجماعته من الأقلية بالتحالف مع "أولاد سلامي" وهم أغلبية، ضد بقية العجايرة).
وتحكم العلاقة بين أفرع القبيلة وبطونها وأفخاذها رسميا باتفاقيات تتضمن دفع غرامات (أو ديات) للتعويض عن الأضرار التي قد تحدث نتيجة لصراع ينزغ بينها. فإن قتل فرد من عمودية ما شخصا من عمودية أخرى، فيجب عليه دفع دية تبلغ ستين من البقر. ويساهم في تلك الدية كل من يستطيع من أفراد عمودية القاتل، ومن المتحالفين معها. وتدفع الدية لأفراد عمودية القتيل والمتحالفين معهم. ويجب تذكر أن مثل تلك العلاقات ليست ثابتة دوما، بل هي في حالة تغير مستمر.
وتغيرت بعض السياسات الداخلية لقبيلة الحُمُر عقب دخول البريطانيين والمصربين للسودان وإقامتهم لدولة الحكم الثنائي وفرضهم سيطرة بعض المؤسسات الجديدة. فغدا أدنى مستوى معترف به للمسئول هو الشيخ، وهو من يسند إليه جمع العشور والمكوس الأخرى. وتتباين أعداد من يتبعون لكل شيخ، وكان كل فرد من أفراد قبيلة الحُمُر يدفع ما يفرض عليه من عشور ومكوس لشيخ واحد، وهذا يتناسب تماما مع التنظيم القبلي القطعي الذي سبقت الإشارة إليه.
وتعترف الحكومة، على مستوى (إداري) أعلى بسلطة العمد والنظار. فهنالك ناظر واحد لقبيلة الحُمُر، وهنالك أيضا ناظر على فرع الفلايتة، وآخر على فرع العجايرة. وتوجد كذلك 11 عمودية، لكل واحدة منها عمدة واحد. وكان لذلك التنظيم الإداري بالغ الأثر على الهياكل السياسية بالدولة، إذ أن الحكومة كانت تميل دوما لاعتبار أن تلك المناصب وراثية. وكانت نتيجة ذلك نشوء صراع بين هيكل إداري تراتيبي شديد الجمود والتزمت من جانب، ونظام أكثر تحررا في المستويات الدنيا.
وعند استعراض النظام السياسي، قام مؤلف الكتاب بختم كتابه بفصل عن السياسة على مستوى القبيلة، وآخر عن هيكلية العموديات بها، وفصل آخر عن المنازعات الدموية بين أفراد عمودية / عشيرة المزاغنة.
سيكون هذا الكتاب مهما ليس فقط لعلماء الأنثروبلوجيا المهتمين بهذا الفرع من المادة، بل للمختصين بالعلوم السياسية، من الذين يهتمون بأشكال بديلة للتنظيم السياسي، وطرق الحفاظ على النظام الاجتماعي. ويحتل (المسيرية) الحُمُر موقعا وسطا بين نظام له طبيعة قطعية كاملة segmentary system fully (مثلما هو الحال عند النوير)، ونظام مجتمعات ليس بها هياكل قبلية.


alibadreldin@hotmail.com

 

آراء