عرض لكتاب: "العرق والرق في الشرق الأوسط: تاريخ الأفارقة عبر الصحراء الكبرى في مصر والسودان والدول المتوسطية العثمانية في القرن التاسع عشر" Race and Slavery in the Middle East: Histories of Trans – Saharan Africans in the 19th –Century Egypt, Sudan and the Ottoman Mediterranean Paul E. Lovejoy بول لوفيجوي ترجمة: بدر الدين حامد الهاشمي
مقدمة: هذه ترجمة عرض لكتاب عن العرق والرق في أفريقيا بقلم البروفيسور بول لوفيجوي، نشر في العدد الخامس والسبعين من " نشرة كلية الدراسات الشرقية والأفريقية The Bulletin of the School of Oriental and African Studies " الصادرة عام 2012م. قام بتحرير الكتاب موضوع العرض ترينس والز (Terence Walz) وكينيث كينو (Kenneth Cuno). والأول أكاديمي وباحث مستقل أُشتُهِرَ بكتاباته عن الرق بالشرق الأوسط، وعمل لسنوات في عدد من الجامعات منها الجامعة الأميركية بالقاهرة. أما الثاني فهو بروفيسور للتاريخ في كلية للآداب والعلوم في أوربانا – تشامبايغن بولاية الينوي. ويدرس ويبحث بروفيسور كينو في تاريخ الشرق الحديث، خاصة فيما يتعلق بتجارة الرقيق بين مناطق أفريقيا (السوداء) ومصر. أما كاتب هذا العرض فهو البروفيسور بول لوفيجوي (1943م – الآن) أستاذ التاريخ بجامعة يورك في تورنتو بكندا. وتشمل اهتماماته البحثية الدراسات المقارنة في الرق عبر العصور، خاصة في دول الكاريبي وأمريكا اللاتينية والدول الإسلامية، والشتات الأفريقي، وتاريخ العنصرية والثقافة والفدية في غرب أفريقيا. وسبق له نشر أكثر من 30 كتابا و100 مقالا محكما في هذه الموضوعات. وسبق لنا ترجمة عرض لذات الكتاب بقلم الدكتورة جينفير لوفكرانتز، التي عملت بنفس الجامعة الكندية التي يعمل بها كاتب هذا العرض. المترجم
***** ******
ذكر المحرران والز وكينو في مقدمة هذا الكتاب أن الدراسات عن الرق في البلاد الإسلامية بشمال أفريقيا والشرق الأوسط شحيحة نسبيا. وهذا صحيح جدا. ويحاول كُتَّاب هذا السفر التصدي لهذه المشكلة بتناول مسألة الرق والعرق في المناطق التي كانت تسيطر عليها الإمبراطورية العثمانية في القرن التاسع عشر، خاصة في مصر والسودان التركي – المصري، وبقية المناطق المطلة على البحر الأبيض المتوسط. وتناول المحرران مسألة المسترقين الأفارقة عبر الصحراء الكبرى في سياق استرقاق الشركس وغير المسلمين الآخرين في المناطق التي تسكنها غالبية مسيحية في شرق أوروبا. ويعتقد المحرران والز وكينو أن هنالك ثلاث أسباب لتجاهل أمر الرق، أولها أن نسبة قليلة فقط من السكان وقعت بالفعل في أسر الرق (فيما عدا بالسودان)، فقد كان المسترقون الأفارقة والأوربيون يمثلون نحو 1% في مصر. وكان ثانيها هو أن كثيرا من المعارف والمعلومات الحديثة عن مجموعات الأقليات في مناطق الإمبراطورية العثمانية قد تم التعتيم عليها أو حذفها بالكلية كجزء من التفسير الوطني لتاريخ الدول الحديثة. أما السبب الثالث فهو أن مصادر الموارد الأرشيفية عن التجارة عبر الصحراء الكبرى، خاصة تجارة الرقيق، كانت محدودة نسبيا، ويصعب الوصول إليها. ويتناول هذا الكتاب تجربتي الاسترقاق والتحرير (العتق) في القرن التاسع عشر عبر دراسة فاحصة لعدد من الروايات وسجلات التعداد / الإحصاء المصرية. وتتيح دراسة تلك المواد، على الأقل، تحليل الأوضاع والحالات الاجتماعية (الزواج / الطلاق/ العزوبية) والمهن في مصر، وتسمح بقدر من التقييم للثقافة والموقف من العنصر / العرق(Race) . وكما أكدت دراسات متنوعة سابقة، فإن اتساع وانتشار تجارة الرقيق عبر الصحراء الكبرى في الثلثين الأولين من القرن التاسع عشر كان كبيرا جدا، حتى وإن كانت نسبة المسترقين الأفارقة السود في مصر وغيرها من مناطق الإمبراطورية العثمانية حول البحر الأبيض المتوسط صغيرة نسبيا. وناقش عماد أحمد هلال في أحد فصول الكتاب جيش محمد علي الأول، بحسبانه تجربة في تجنيد قوة قوامها من المسترقين، وهو أمر كان يعتقد بأنه محكوم عليه بالفشل. غير أن ذلك التجنيد للمسترقين كان مهما، بصورة استثنائية، في بداية حكم محمد علي في شرق البحر الأبيض المتوسط، حين لجأ لتجنيد الفلاحين لعدم حصوله على الأعداد الكافية من المسترقين الأفارقة. ودرست ترينس والز الإحصائيات المتعلقة بالذين جلبوا من المناطق عبر الصحراء الكبرى رقيقا، وذكرت أن عددهم في عام 1848م تجاوز 10,000 نسمة في القاهرة وحدها. وكان هؤلاء الأفارقة يسجلون في الوثائق الرسمية كـ "سودانيين"(إن كانوا من مناطق السودان النيلي أو وسط السودان). أما المجلوبين من غرب بلاد السودان الأقصى (بلاد التكرور) فكانوا يسجلون تحت مسمى "تكارنة". أما الرقيق المجلوب من إثيوبيا فكان يسجل كـ "حبش أو حبشة". وأتت ترينس والز على ذكر "البرابرة" الذين هاجروا شمالا إلى مصر من المناطق النيلية جنوب اسوان. أما جورج مايكل لاريو فقد تناول مسألة استخدام الأوربيين القاطنين في القاهرة للسود المسترقين في الأعمال المنزلية بين عامي 1798 و1848م. ومن أجل بحث تلك المسألة اعتمد لاريو على مصادر الببليوغرافيا والرسائل والروايات، وعلى المصادر الطبية والقانونية المتعلقة بوجود الأوربيين في مصر من أجل الكشف عن مدى وتمدد الاسترقاق في منازل الأوربية بها. ودرست ليات كوزما مصير المسترقات اللواتي تم تحريرهن في عهد مصر الخديوية، ذلك العهد الذي كتب فيه على المرأة السوداء التي ليس لها أقارب أن تجوع وتعرى. وكان من نتائج التوسع في تحرير الرقيق في نهاية القرن التاسع عشر أن تضاعفت معدلات الفقر عند المسترقين، ولدى المسترقات بصورة أشد. وفي فصل آخر درس كينيث كونو أهمية عمل المسترقين الأفارقة في ريف مصر في القرن التاسع عشر. فقد أثبت هذا الباحث من واقع السجلات الإحصائية في قرى مصر الزراعية بين عامي 1847 – 1848م أن هنالك زيادة في عمل المسترقين في الزراعة، خاصة في المواسم التي ازدهرت فيها زراعة القطن في ستينيات القرن التاسع عشر. وشملت المقالات عن الأجزاء الأخرى من الإمبراطورية العثمانية مقالا بقلم هـ. ياكان إيردم عن سيرة امرأة إفريقية مسترقة في " إزميد" العثمانية. وأوردت شيئا عما تكشفه سيرة حياتها عن تصوراتها حيال السحر والسرقة والحرائق المتعمدة بحسب ما ورد في سجلات المحاكم منذ عام 1867م. وهنالك مقال آخر لأحمد العوض سيكينجا يبحث فيه في أمر العبودية والحياة الاجتماعية بالخرطوم في خلال سنوات الاحتلال المصري – التركي للسودان. وأثبت بحثه أن السودان النيلي ومنطقة جنوب دارفور ووداي كانت هي أهم الأماكن التي جرت فيها عمليات الاسترقاق وتجارة الرقيق. وأفضى ذلك لتكوين مجموعات كبيرة من المسترقين في مراكز تقع تحت سيطرة الخلافة العثمانية. وفي فصل آخر وصف مايكل فيرغسون حال الأفارقة المسترقين والمسترقين في جزيرة كريت (خاصة حول مدينة خانيا) بعد عام 1820م، حين تزايدت هجرة المسلمين لتلك الجزيرة. وتناول أيضا تناقص أعداد المسلمين بها وانسحابهم منها بعد نيلها الاستقلال في عام 1898م. ووصف الكتاب أيضا احتفالات الزار (zar - bori) في المنطقة منذ منتصف القرن التاسع عشر، مشيرا لتأثير السكان الأفارقة في ذلك، وتشابه طقوس "تلبس الأرواح" في مختلف مناطق الإمبراطورية، بل وفي المغرب وبلاد فارس. وأخيرا، تناولت ايفا تراوت حوارات عبد الله النديم، ذلك الكاتب المثقف الداعي لتحرير الرقيق، وكتاباته في مجلته "الأستاذ" التي تناولت قضية الرق والعائلة. وكانت كتاباته قد قدمت في تسعينيات القرن التاسع عشر نقدا للاسترقاق، ورأيا يفيد بأن وجود خدم منزلي في البيت يضر بالشكل المثالي لحياة الأسرة في المجتمع المسلم. ودعا الرجل للقيام بإصلاح يشذب من السلوك والنظرة تجاه الرق في المجتمع المصري. لا ريب أن هذا الكتاب يقدم في فصوله المختلفة مساهمة قيمة لدراسة الرق والعنصر/ العرق في الإمبراطورية العثمانية، وينبغي أن يدرج هذا المؤلف ضمن الكتب الواجب دراستها ضمن مواد "دراسات الرق المقارنة"، و"الرق في العالم الإسلامي". ويحتوي الكتاب على ثبت للمراجع، وخريطتين، و18 رسما وصورة في غاية الوضوح والجمال.