بقلم عمر العمر
aloomar@gmail.com
أحد الدروس البليغة المستفادة من حرب غزة خطل الاعتماد على البندقية في صناعة مجد. بل أثبتت البندقية عجزها تماما عن الدفاع عن الحاضر دع عنك بناء مستقبل. كلاهما ؛حماس ونتانياهو تجرعا سم الهزيمة قسرا من موقع الضعف والفشل . حماس تجرّعت كأسَ سُمٍّ يفضي بها حتماً إلى موتٍ سياسيً .أو على الأقل يدخلها مرحلة الموت الجماهيري . نتانياهو تجرّع هو الآخر كأساً لن ينهض بعدها كما كان حاله قبل مغامرة رده على (طوفان الأقصى).فهل يفيق معسكرا الحرب الرعناء في السودان على هذا الدرس. هما مثلُ حماس و نتانياهو مأزومان يتمكن منهما الوهن تحت أحمال الحرب الكارثة. طرفا الحرب كحماس ونتنياهو يذيقان الشعب مرارة الموت، وجع العذاب ، آلام الاقتلاع ،نهم الجوع ،وطأة البؤس ،معاناة الأوبئة وكوابيس الاكتئاب.درسٌ بليغ آخر ؛من الممكن خداع الشعب لكن ذلك لا يستقيم طويلًا .
*****
فمن مبلغٌ طرفي الحماقات المدمرة في السودان بعضاً من دروس حماقات غزة علّهما يرعويان فيستبدلان الحوار عوضا، عن التوغل في الاحتراب الخاسر . علّهما يستقيظان من لذّة كوابيس الاغتصاب ، التقتيل ، التشريد والتدمير . ربما هذ النداء الإنساني يبدو صيحةً حمقاء مثل حربهما. فهما لم يستوعبا تراجيديا الحرب في الجنوب.تلك تجربة الاصرار على صناعة الوحدة بالبندقية و التوغل في الدم . هؤلاء يحولون كل الوطن كله كما حوّل أولئك الجنوب ساحة للكراهية والدم و الفشل . ربّما تغير قادةُ سفك الدماء وازهاق الارواح لكنما العقلية لم تتبدل.كلهم راهنوا على البندقية في صناعة المجد الذاتي والوحدة الوطنية. جميعهم لمّا يدركوا أنهم صُنّاع الوهم والتخلّف .صحيحٌ البندقيةُ إحدى أدوات صناعة المجد . لكن ذلك ليس صحيحا البتة ،في إطلاق،في كل الأحوال وعبر كل سِيْر التاريخ والنضال.
*****
كذلك ليس بتشكيل الإدارات الحكومية وحدها تُبنى الدول أو يعاد بناؤها .من الثابت وفق منطق التاريخ أن بروز أكثر من أدارة حكومية على خارطة وطن واحد يؤكد بؤس الساسة ،تمزُّق الوطن واستفحال عذابات الشعب.فالإدارة الحكومية في بورسودان دمىً من ورق .أما الإدارة الحكومية في نيالا فوهمٌ على شاكلة أخيلة (الكارتون) التلفزيونية. فمنذ تسمية كامل ادريس رئيسا لحكومةٍ مدنيةٍ لم نعلم تماما ما إذا كان عَقْدُ حكومته قد اكتمل أم ثمة مقاعدَ لا تزال شاغرةً! أبعد من ذلك هزراً لم نسمع عن التئام مجلس الوزراء .بالتالي لم تناقش هذه الحكومة قضيّةً كما لم تصغ برنامجَ عملٍ .بينما من المفترض فيها أو المعوّل عليها أن تكون في حالة انعقاد دائمٍ يجعلها أشبه بحكومة طوارئ. أو لعل ذلك ما يتطلبه الوضع الراهن المأزوم والشعب المكلوم . كل ذي بصيرة سياسية لزمته قناعةٌ بأداء رئيس وزراء لا يليق برأس أي حكومة في الظرف الوطني الراهن وحتى ما ارتضى لنفسه من دورٍ لا يجيد أداءه على نحو مقنع للجمهور أو ربما كذلك للمؤلف والمخرج.
*****
أما حكومة نيالا فهي تعيد بالشعب والدولة إلى الدوافع والظروف صفر عند انفجار حرب الفجار .التطور هو اتخاذ الجنجويد وحلفاؤهم مؤسسات الدولة أسلحة في الاقتتال. ربما هي حكومة كاملة القوام السياسي لكنها تفقد دولاب الجهاز الاداري وهرم الخدمة المدنية بما في ذلك القدرة على تسيير شؤون العباد وبسط هيبة الدولة ،مظلة الأمن وقوة القانون وتحقيق العدالة.هي حتى الآن أشبه بمسرحية للفرجة لكنها مسرحية (بونتمايم ). في ظل واقع الحرب تفتقد الحكومة نعماء الاستقرار مما يجعلها في حالة كرٍ وفر .هذا حال ٌ لا يفرز أي قدرٍ من الرهان عليها من أجل تجسيد سلطة ذات سيادة ونفع عام.
*****
بما أن الفريقين الحكوميين لا يملكان نقيراً من القدرة على اطفاء نار الحرب فالأجدر لكوادرهما الانسحاب من المشهد .فليس ثمة أولوية وطنية تعلو على وقف الحرب . من يأنس في نفسه نبضاً من الحس الوطني فليهجر هذا الرجس من السياسة وليذهب مفجرو الحرب والعاملون عليها إلى الجحيم.يومًا ما سيجد هولاء حتما أنفسهم يتجرعون سُماً على طريقة حماس ونتانياهو ينتهي بهم إلى الموت السياسي. ما يحدث حاليا على خشبة المسرح الحكومي السوداني أقرب ممارسة إلى الانتحار السياسي.
سودانايل أول صحيفة سودانية رقمية تصدر من الخرطوم