تعقيباً على التزويرِ والتَدَثُّرِ بمُسمَّى البني عامر !!

 


 

 

نَشَرَت صحيفة الرَّاكوبة في 23 مارس 2022، مادَّةً بعُنوان (علماء التاريخ السودانيين يكتبون عن تاريخ البني عامر)، مصحوباً معها صورة الأستاذ الدكتور/أحمد إلياس حُسين، ومُذَيَّلةً ببريده الإلكتروني الشخصي. وذُكِرَ بأنَّ المادَّة أُعِدَّت عقب (اللَّغَط)، الذي أثارته مقالتي المُعَنْوَنة (الإريتريُّون وأكذوبتا البني عامر والقبائل الحُدُودِيَّة والمُشتركة) بتاريخ 22 مارس 2022، حسب ما وَرَدَ في مُقدِّمة المادَّة!
تَواصَلتُ مُباشرةً مع الأستاذ الدكتور/أحمد إلياس، وسألته هل قام عنايته (شخصياً) بإرسال المادَّة أعلاه، إلى صحيفة الرَّاكوبة (خصيصاً) ردَّاً على مقالتي، أم أنَّ هنالك جِهةً أُخرى استقطعت بعض كتاباته، وأقحمت صورته وبريده الإلكتروني (دون علمه أو مُوافقته)؟! فأجابني البروف (نَصَّاً): بأنَّ المادَّة عبارة عن مُقتطفات من سِلْسِلَة حلقات، نَشَرَها في صُحُف ورقِيَّة وإلكترونِيَّة عام 2013، ولم يَرْجِعْ إليها منذ ذلك الوقت، وأنَّه لا يعرف الذي اقتطعها وأرسلها للرَّاكوبة، فقطع (شكوكي) باليقين! حيث ارتبت في أن يكون البروف كتب هذه المادَّة، بسبب (الارتجالِيَّة) والرَّبكة الطاغِية عليها، وعدم الالتزام بقواعد/منهجيَّة الكتابة العلمِيَّة، من حيث الاستخلاص والاستدلال والتوثيق، وغياب الرَّبط المنطقي، و(تضليل/تجهيل) القارئ بنحوٍ لا تُخطئه الأبصارُ والبصائر والعقول.
غياب الرَّبطُ المنطقيُّ والموضوعي يبدأ بعُنوان المادَّة، الذي لا يتَّسق إطلاقاً مع مضامينها/جوهرها، فالعُنوان يتحدَّث عن (عُلماء) كتبوا عن تاريخ (البني عامر)، بينما (مَتَن/نَصُّ) المادَّة يتحدَّث عن أمور أُخرى لا علاقة لها بـ(البني عامر)، وفي ذلك (خِداعٌ/استفزاز) للقارئ واستخفافٌ بفطنته، وقدرته على اكتشاف هذا الخلل (البَيِّن)! وبالنسبة لاختلالات الاستخلاص والاستدلال والتوثيق، وعلى سبيل المثال وليس الحصر، تحدَّثت الفقرة الثالثة تحت العُنوان الجانبي/الفرعي "تداول السلطة وظهور مملكة البلو"، عن ظهور أسماء قبائل جديدة، وتمَّ إقحام اسم البني عامر ضمن تلك القبائل، مع الاستدلال بكتاب ابن حَوْقَل (صورة الأرض ص 70-72)، بينما الصفحات التي استدلُّوا بها تتحدَّث عن المغرب، ولا علاقة لها بالسُّودان، ولا القرن الأفريقي بكامله! هناك أيضاً الاستدلال بويكبيديا الذي لا يُعْتَدُّ به في الكتابة العلميَّة الرَّصينة، لأنَّ الموقع يُتيحُ (تعديل) المُحتوى، دون تمحيصٍ/تدقيق في أهلِّيَّة/تَخصُّص من يقوم بالتعديل، وهذه المُعطيات (إجمالاً) جعلتني أجزم أنَّ البروف إلياس لم يكتب تلك المادَّة، وتَيَقَّنتُ من ذلك عقب الاتصال وفق إجابته أعلاه!
هذا يعني نحن أنَّنا أمام (تزوير/خداع) مع سبق الإصرار والتَرَصُّد، وأقول (تزوير) لأنَّ المادَّة نُشِرَت بشكلٍ يُوحي للقارئ أنَّ كاتبها هو بروفيسور إلياس، حيث تمَّ تضمين صورته وبريده الإلكتروني (دون علمه ومُوافقته)، وهنا الجُرم (مُركَّب)، فمن ناحية تمَّ تشويه مادَّة علمِيَّة قَيِّمة جداً وأغرقوها في الأخطاء، وتَعَدُّوا على شخص البروف بنحوٍ صَارخٍ ومَعيب، لأنَّه إذا أراد التعقيب لفعله بإرادته وبالطريقة التي يُحدِّدها هو، وليس باقتطاع أجزاء مُعيَّنة من كتاباته، وإقحامها في موضوعاتٍ رُبَّما لا يرغب في الكتابة عنها، وليتهم (أفلحوا) في ذلك التزوير (الفطير)! حتَّى إذا ادَّعى البعض بأنَّ المادة استدلَّت بكتابات البروف إلياس، فإنَّ ما حَدث يَتنافى وقواعد الاستدلال، التي تشترط أولاً أن يكتب المُعدَّ/المُؤلِّف اسمه بوضوحٍ، ويلتزم بأصول الكتابة المُتعارف عليها في ما يخص (الاقتباس والتوثيق)، وهذا ما لم يحدث!
دهشتي الكبيرة سببها (اللَّغَط) الذي زُعِمَ بأنَّ مقالتي أثارته، ولم أعرف حتَّى الآن مُبرِّرات ذلك اللَّغَط، وأين حدث و(مَنْ) هم أطرافه؟ ولماذا لم يستعرضوه في المادَّة (المُزوَّرة) أعلاه؟! وما المانع أن تُثير مقالتي النقاش، إذا كنتُ مُلتزماً بشروط وأدبيات الكتابة العلميَّة، وأهمَّها ذكر المراجع (الموثوقة) بصورةٍ واضحةٍ وسليمة. وازدادت حيرتي أكثر، بقراءتي لتعليقات القُرَّاء على مقالتي، والتي أتَّفق أغلبها مع مضمون المقالة، المدعومة بمراجع رصينة (غير قابلة) للتشكيك! وتَعمَّدتُ أن تكون مراجعي (غير سُّودانِيَّة)، تحقيقاً للحِيادِيَّة من جهة، وضماناً للوثوقِيَّة (المفقودة) في غالِبِيَّة المراجع المُنتشرة الآن من جهةٍ ثانية، نتيجة للتزييف الصارخ الذي تَعرَّضت له، ودونكم أنَّ المراجع التي استندتُ إليها تُثبت بوضوحٍ لا يقبل الشك، أنَّ (البني عامر) ليسوا إِثنِيَّة/قومِيَّة في إريتريا، وتمَّ تضخيم وجودهم التاريخي في السُّودان، بينما كانوا يتواجدون في الجُزء الشرقي لبلادنا (دولة إريتريا الحالِيَّة)، وللمزيد من التفصيل، يُمكن الإطلاع على المَرجِعَيْنِ التاليين:
1- خريطة منذ عام 1864 للقبائل (الأصيلة) بمنطقة/إقليم التاكا وما حولها بالإقليم الشرقي للسُّودان، مكتبة الكونغرس/القسم العِبري، عبر الرابط التالي:
https://www.loc.gov/resource/g8330.ct003452/?fbclid=IwAR2uka3fl68JISSiyvhagxumXfgbCktM_-zJjFoAYXRtAkiMoDR4EdF_GZ8&r=0.094,0.55,0.589,0.248,0.
2- جدول القوميَّات/الإثنيات الرئيسيَّة في إريتريا، مكتب التخطيط، وزارة التعليم الإريتريَّة عام 1996، ويخلو تماماً من اسم (البني عامر)، سواء كقومِيَّة/إثنِيَّة رئيسيَّة أو فرعِيَّة، والجدول موجود في الرابط التالي: https://www.researchgate.net/figure/Eritrean-Nationalities_tbl1_271683514.
إذا كان البني عامر مُتواجدون في الجُزء الشرقي للسُّودان، وهو دولة إريتريا الحالِيَّة، فكيف أصبحوا (إثنِيَّة) سُودانِيَّة تحوي تحتها (مجموعة قبائل)؟! متى تَشَكَّلت هذه القبائل، ومن قام بتشكيلها ولماذا؟! كيف تحوَّلت (قوميات/إثنيات) رئيسيَّة إريتريَّة إلى (سُودانيين)؟ ولماذا يتدثَّرون بمُسمَّى البني عامر، الذي لم يظهر نهائياً ضمن مُكوِّنات إريتريا سواء الرئيسيَّة أو الفرعِيَّة؟! أين آثار مملكتهم (المزعومة) التي أُقْحِمَت (خِلسةً) في المُقرَّرات الدراسِيَّة؟ ولماذا لم تدرسها جميع الأجيال السُّودانِيَّة قبل عهد الكيزان المشئوم؟! أيُعقَل وجود (مملكة) دون آثارٍ معلومةٍ (حتَّى لو كانت مقابر)؟! مَنْ الذي سرق دار الوثائق القومِيَّة، وما هي قائمة المسروقات؟ ولماذا التَسَتُّر على الضالعين في هذه الجريمة، والتَلَكُّؤ في مُحاكمتهم حتَّى الآن؟! ما الذي يُجبرنا على (قَبُول) تزوير وتشويه تاريخنا؟! لماذا نستحي/نخاف من قول الحقائق (مُجرَّدةً) دون تجميلٍ أو رتوش؟! لماذا نُجامل أعدائنا ونتعاطف معهم؟!
خُلاصةُ القولِ، أنَّ المادَّة المُستقطعة من مقالات الأستاذ الدكتور أحمد إلياس، دون علمه/مُوافقته، عَكَست تَجَنّي مُعدِّيها على السُّودان أوَّلاً، ثُمَّ على البروف ونتاجاته الفكرِيَّة والعلمِيَّة المرموقة، و(شَوَّهت) المعلومات التاريخيَّة القَيِّمة التي أبرزها في كتاباته، وأحرجته ووضعته في موضعٍ لم يختره أو يُوافق عليه، وهذا عيبٌ وعارٌ لا يفعله الشرفاء، ولا تقبله الأفئدة والألباب السَوِيَّة! علماً بأنَّ مقالَتّي لم تكن (تاريخيَّة/تَخصُّصيَّة)، وكل ما فعلته هو الاستدلال ببعض المراجع التاريخيَّة والإحصائِيَّة، وهذا أمرٌ مُتعارفٌ عليه ومعمولٌ به، طالما التزمت بضوابط الاقتباس والتوثيق. والنُقطة الأهمَّ، أنَّ المادَّة المُسْتَقطَعة من مقالات بروف إلياس، فَضحت تزوير وتضليل مَن أعدَّها، ولم تنفِ الحقائق المذكورة في مقالتَيَّ السابقتين، بشأن أكذوبتيَّ البني عامر والقبائل الحُدُودِيَّةِ والمُشتركة، وتهديدات الإريتريين المُجنَّسين (الوُجُودِيَّة) للسُّودان وأهله، وأكَّدَت أكثر أنَّ ما يجري في الشرق ليس صِرَاعاً (قَبَلياً)، وإنَّما صراعٌ بين السُّودانيين و(الإريتريين)، الذين (جَنَّسهم) المُتأسلمين ووَطَّنوهم في المُجتمعات المحليَّة، فلم يحفظوا جميلاً للسُّودان وأهله، وقابلوا الفضل بالعداء و(الادِّعاء).
أقُولُ للمُجنَّسين وآكلي فتاتهم، إنَّ التزوير والتحايُلِ، والتَدَثُّر بمُسمَّى البني عامر والتَدَاخُل القَبلي وغيرها من الأكاذيب، لا يجعلكم (سُودانيين)، لأنَّ السُّودانوِيَّة ليست مُجرَّد رقم وطني/جِنسِيَّة، وإنَّما انتماءٌ حقيقي، وارتباطٌ وجدانيٌ صادقٌ بتراب هذا البلد، وحِرصٌ على أمنه وسلامة أهله. وبما أنَّكم لا تخفون انتماءكم لإريتريا، عليكم توجيه جهودكم وطاقاتكم نحوها، بدلاً عن (التَغوُّلِ) على السُّودان و(ادِّعاء) أحَقِّيتكم فيه. وأعلموا بأنَّنا سنُدافع عن بلادنا، ولن نسمح باستكمال مطامعكم الاستيطانِيَّة/التخريبيَّة في بلادنا، وسنحمي تاريخنا وحاضرنا ومُستقبلنا، مهما ازدادت أكاذيبكم وعَلَت ادِّعاءاتكم، التي لم ولن تجنوا منها سِوَى الفشلِ والنَّدامة.
أقولُ لأهلي السُّودانيين أنَّ المُشكلة تتعلَّق بالوطن، واستدامة (أمننا) الاجتماعِي، وسيادتنا الوطنِيَّة ومُستقبل أجيالنا القادمة، لأنَّنا نُواجه غَزْواً واستيطاناً إريترياً وتهديداً وُجُودياً حقيقياً، يُحتِّم علينا التكاتُف والاتحاد لحسمهم بسرعةٍ وحزم. وأقول للغافلين وآكلي فتات المُجنَّسين وأزلامهم، تَبَّاً لِمَنْ بَاعَ وطنه وأهله، مقابل مالٍ لن يبقى، ومنصبٍ لن يدوم..!

awadf28@gmail.com

 

آراء