abulbasha009@gmail.com
صلاح الباشا :
النزاهة في ايام زمان
والفساد في أيامنا هذه.
وقع في ناظري مقطع تحريري كتبه الروائي الراحل استاذنا الطيب صالح عن نزاهة زعماء السياسة خلال الازمنة السابقة بعد الاستقلال والتي حين قرأتها فقد اغرورقت عيناي بالدموع وصرت أتعجب عن حال ساستنا اليوم وخاصة بعد انقلاب ٣٠ يونيو ١٩٨٩م الذي هدم كل شيء في بلادنا وخلق طبقة كبيرة في اوساط السودانيين الشرفاء اغتنت بمال السحت ومباركة ذلك النظام السياسي القبيح بل الأكثر قبحا في تاريخ البشرية جمعاء.. ولذلك فقد ظل هؤلاء المستفيدين الجدد يدافعون عنه علي الدوام وهم في ذلك يدافعون علي مصالحهم التي تم ضربها في مقتل باندلاع ثورة ١٩ ديسمبر الشبابية ومقرونة باعتصام القيادة المعروف.
فقد كتب الطيب صالح عن قادة ذلك الزمان الأخضر مايلي:
*هي فعلا لله ..*
*مختارات ..*
*بقلم الراحل الطيب صالح .*
*يحكى أن محمد نور الدين من مؤسسي الحزب الوطني الإتحادي كانت تربطه صداقه قوية بعبدالله بك خليل ، الذي كان على النقيض تماما في فكره السياسي ، فقد كان من قادة حزب الأمة وصار رئيسا للوزراء . وكانا فقيرين شأن كل الزعماء تلك الأيام . فعلم السيد عبدالرحمن المهدي أنهما في ضائقه فكلف أحد معاونيه أن يحمل مبلغا من المال لكل واحد منهما .*
*ذهب الرجل أولا الى عبدالله خليل ولما أعطاه المال قال له : محمد نور الدين أكثر حاجة مني فاذهب بالمال إليه .*
*قال له الرجل : خذ المال فإن السيد أرسل مثله لمحمد نور الدين . ثم ذهب الرجل إلى محمد نور الدين ولما أعطاه الهدية قال له : عبدالله خليل أحوج مني فخذه إليه . فأفهمه إن السيد أرسل مثله لعبدالله خليل .*
*ولما جاء الرسول إلى السيد عبد الرحمن المهدي عليهم جميعا رحمة الله وقص عليه القصة ، بكى حتى انتحب .*
*وأكد لي القصة ابنه السيد أحمد المهدي حينها كان وزيرا للاعلام عام ستة وستين . وقال لي : اقص عليك ماهو أعجب :*
*فقد حل وفد من الحزب الشيوعي الروسي على الحزب الشيوعي السوداني . فارسل السيد عبدالرحمن المهدى مرسالا الى عبدالخالق محجوب سكرتير الحزب الشيوعي وكان صديقا لوالده . وقال له : ياعبدالخالق انا سمعت أن الشيوعيين الروس نزلوا ضيوفا عليكم وحزبكم ماعندو قدرة وهم كرماء .. ولازم يأخذوا فكرة طيبة عن السودان فماذا اعددتم لهم ؟*
*فرد عبدالخالق : والله ياسيد نكرمهم على قدر قدرتنا ، يمكن نعمل ليهم حفلة شاي .*
*فقال السيد عبدالرحمن : أبدا حفلة شاي ما كفاية نعزمهم كلهم هنا عندي نعمل ليهم عشاء كبير . وهكذا اجتمع الشيوعيون سودانيين وبلشفيك روس على مائدة السيد عبدالرحمن المهدي . رجل الدين وإمام الأنصار وراعي حزب الأمة . أولئك رجال من أمة قد خلت .*
*كما يحكى ان القطب الاتحادي الديمقراطي ووزير الإسكان في حكومه الاحزاب الأولى نصر الدين السيد . رجل بحري الاول والتي كان يهتف انصاره فيها في نشاط ومسيرات الانتخابات عن دائرة الخرطوم بحري : (بحري لمين .. لنصر الدين… الدائرة لمين .. لنصر الدين) وقد فاز فيها في اول انتخابات ديمقراطية حققت الاستقلال.. وهو صاحب فكرة انشاء خور سعد قشرة وهو المصرف الرئيسي لتصريف مياه الأمطار والسيول القادمة من شرق بحري وحتي نهر النيل والمسمى باسمه
( خور نصر الدين) .*
*وعندما توفى هذا الرجل وفي اليوم الثاني لسرادق العزاء . وقف رجل في وسط الحضور الحاشد : وأعلن انه قد اعفى لوجه الله أجرة منزل المرحوم نصر الدين السيد المتأخره عليه لشهرين لم يتمكن من سدادها .*
*تخيلوا معي أن المدير التنفيذي لمدينة الخرطوم بحري ثم وزير الاسكان في الحكومة الديمقراطية وايضا وزيرا للمواصلات في حكومات لاحقة وهو الذي كان يوافق علي توزيع الخطط الاسكانيه للمواطنين ولكنه يسكن بالايجار بل ويعجز حتى عن سداد الاجره .*
*أين نحن من هؤلاء . رحمهم الله جميعا رحمة واسعة . هكذا كانوا قمة في الوطنية والقيم والاخلاق والكرم والشجاعة .*
إضافة:
اذكر تماما وبناء علي ماذكره اديبنا الراحل الطيب صالح اننا ذات مرة وفي العام ٢٠٠٨م حين قمنا بعمل احتفال كبير لفرعية الحزب الاتحادي الديمقراطي الاصل بمدينة الخرطوم بحري بمناسبة افتتاح دار الحزب في بيت للايجار بحي المغتربين ببحري وجهنا الدعوة للاحتفال العديد من قيادات الأحزاب في الساحة السياسية وقد كنت أقدم فقرات الاحتفال بوصفي امين الإعلام للحزب في ذلك الزمان قبل أن يقوم ( جماعة أربعة طويلة) باقصائي من جريدة الاتحادي التي قمت بتأسيسها ثم اقصائي لاحقا من منصبي في قيادة اعلام الحزب ( لأنني لا انتمي لذات القبيلة التي ينتمون اليها) وبمؤامرة مكتملة الأركان ولا ادري اسبابها برغم الاحترام الذي اكنه لهم ولسنوات طوال. مما جعلني ابتعد عن النشاط السياسي الملتزم نهائيا بعد ان توقف نشاط مولانا السيد رئيس الحزب والذي كنت اعمل لجانبه لسنوات طوال طوعا.
اذكر في تلك الاحتفالية بدار بحري كان يجلس بجانبي الاخ والصديق العزيز المناضل العميد الركن عبدالعزيز خالد وكان بجانبه يجلس ابن نصرالدين السيد وهو قيادي معه في حزب التحالف .. أن قال لي سيادة العميد بأن أسرة نصر الدين السيد لاتزال تسكن بالايجار من قبل استقلال البلاد وحتي هذه اللحظة.. فما رأيك أن تتبنوا في حزبكم تقدير تلك الأسرة بشراء منزل متواضع او شقة سكنية لهم .
وفعلا تحمست للفكرة ونويت أن انقلها لقيادة الحزب في الوقت المناسب.. غير أنني قد سافرت متعاقدا الي خارج السودان للعمل في مجالي كمستشار مالي بواحدة من الشركات السعودية التي رشحني لها احد الاصدقاء الذي يمتلك مكتبا للاستقدام الخارجي بالخرطوم.. وقبل سفري فانني قد اوكلت الامر لمن يتبني فكرة شراء بيت لأسرة نصر الدين السيد .
غير أن الفكرة ماتت في مهدها حيث سافر مولانا الميرغني الي الخارج نهائيا.
نعم … إن الاديب الروائي الطيب صالح قد أنصف رجال ذلك الزمان حيث ان هناك العديد من قيادات الاحزاب في بلادنا والذين شغلوا مناصب وزراء في الحكومات الديمقراطية كانوا يسكنون في بيوت بالايجار حتي رحيلهم عن الدنيا.
ولك عزيزي القاريء أن تقارن أولئك العظماء بهؤلاء اللصوص البلهاء الذين حكموا بلادنا بعد انقلاب ٣٠ يونيو ١٩٨٩م المشؤوم ولا زالوا يجهدون أنفسهم للعودة الي مقاعد الحكم تارة اخري ليواصلوا النهب والسلبيات ولقهر شعبنا كما هي عادتهم التي جبلوا عليها حين اجهضوا ثورة
١٩ ديسمبر الشبابية بانقلاباتهم المتتابعة.
والي اللقاء،،،،