غرس الانتماء في قلب المليون ميل … بقلم: منى عبد الفتاح

 


 

 

 

كيف لا

 

بغير نفي حاجتنا إلى التوافق على بعض المفاهيم المحددة ضمن المعاني الواسعة التي تتناول مفهوم الوطنية والوطن والانتماء إليه، فإنه  قبل الجدل حول ذلك يتوجب علينا أن نُرسي بعض الركائز لهذه المفاهيم حتى تستند عليها لتعبر عن نفسها دون أن تكون سابحة في الهواء ليمدّ كل متحدث بصوته ويمسها دون أن يسبر كنهها. تطالعنا هذه الأيام كثير من تصريحات المسئولين وتحليلات المحللين ونقاش المفكرين وجدل المنظرين يتفاءلون بالغد المشرق الذي سيرسمه السودانيون بأصابعهم الملونة بلون البنفسج ، بعد خيبتهم خلال العشرين سنة الماضية ، وبعد أن تم تصنيف بلدهم في ذيل القائمة الذي يحتوى على أصناف من كل بلاء : فقر وجهل ومرض. ولكن سياسيونا لم يعوا الدرس فأخذوا يكيلون السباب لغيرهم من الأمم وأخذتهم العزة بالتقصير في حب الوطن والانتماء إليه فدبجوا ملء السمع الخُطب المشحونة بالعواطف البعيدة عن المنطق والعقل.

هذا بعض مما يُعرض في سوق المشاهد لعبارات مشحونة بكثير من الكلمات المنمقة والكلام المجاني غير المثبت علمياً . آخر ما شاهدته من هذه الأمثلة الكثيرة هو حديث تلفزيوني لمسئول في أحد أجهزة الدولة خاض فيه وفسّر وأفتى ما أمكنه التفسير والفتوى ابتداءً من الفتوى في أمور أبعد ما تكون عن اختصاصه وانتهاء بأن ختم حديثه بأنه لا بد من غرس روح الانتماء للوطن عند المواطنين. ونسي المسئول أنه كمواطن مثله مثل بقية المواطنين أولى بغرس هذه الروح في نفسه وأنه لو تحدث بصيغة الجمع "نحن" لكان أبلغ من مخاطبة المواطنين بصيغة الغائبين ووضع نفسه موضع الناصح الأمين .معنى العبارة "الانتماء إلى الوطن" أكبر من أن يُختم بها لقاء في شكل مناصحة دون توضيح المقصود من هذا الانتماء والتعريف بالمفهوم وتأصيله وشرح الكيفية التي يتم بها هذا الغرس لأن المواطن العادي الذي يسمع هذا الحديث يعتقد أن الانتماء للوطن يمكن أن يتم بالنية فقط حتى من غير عمل وأن هذا الانتماء قد تم تفصيله له خصيصاً ولا يتساوى فيه المواطنون.

ولإزالة اللبس بين المفاهيم الثلاثة : الوطنية والمواطنة والانتماء الوطني فقد توافق الباحثون على ما وصل إليه النتاج الفكري الحديث في هذا الموضوع وهو ما ذهب إلى تعريف الانتماء الوطني بأنه :"ارتباط شعوري ودافعي وجامعي وفطري للمكان الذي ينسب له الإنسان".أما الوطنية :" هي توجه فكري وبناء عقلي ينزع إلى معاني الحب والوفاء والولاء للموطن الذي يعيش فيه الإنسان" بينما المواطنة تعني :" ممارسة وتجسيد فعلي وواقعي لهذه المعاني الجميلة في الواقع". ويزيدون بأن:" هذه الأفكار على جميع المستويات الفردية أو الاجتماعية أو المؤسسية إذا لم يكن في الواقع ما يصدقها فلا تعني شيئاً كما أن السلوكيات إذا لم يكن لها ما يوجهها فلا تبني شيئاً".

ولمعرفة كيف يتحقق الانتماء للوطن فعلى القيمين على الأمر أن يقيسوا مستوى وعي المواطنين أولاً بهذا المفهوم . والقياس لا يكون بإقرار أو اعتراف أو تصريح وإنما يكون بوسيلة علمية كأن تقوم جهة معينة بعمل استبيان تستطلع خلاله آراء المواطنين عن مدى إدراكهم للمفهوم ثم ترصد حالات وظواهر كثيرة كالتقاعس عن أداء الواجب وإهدار الموارد وتخريب البيئة والاعتداء على أرواح وأموال الغير  وكل ما من شأنه أن يخدش في معاني الانتماء ، ثم ترى من خلال النتائج وتحليلها إن كان يتحقق وجود المفهوم أم لا . فإن كانت الإجابة بنعم فهذا ما يستحقه الوطن ، وإن كانت الإجابة بالنفي فيجب إقامة برامج مكثفة تعزز مفهوم الانتماء الوطني. وتعزيز مفهوم الانتماء للوطن ضرورة إنسانية يحقق بها الفرد ذاته والمجتمع استقراره وتقدمه والوسائل لذلك كثيرة منها نفض الغبار عن تاريخ الوطن وحضارته والتفاني في سبيله والتضحية من أجله وهذه الوسائل لا تنعدم في حالات الشدة كما في حالات الرخاء.

عن صحيفة "الأحداث"

moaney [moaney15@yahoo.com]

\\\\\\\\\\\\\\\\

 

آراء