مقتطفات من كتاب جديد عن فريدريك كايو (1) ..ترجمة وتعليق:.خالد محمد فرح

 


 

 





Khaldoon90@hotmail.com



صدر عن دار النشر الجامعي بمدينة (رين) Rennes في فرنسا في أواخر العام قبل الماضي 2011م، كتاب عن الرحالة والجيولوجي والمستكشف الفرنسي (فريدريك كايو) Frédéric Cailliaud 1787 – 1869م ، ذلك الرجل الذي زار السودان سائحاً ومستكشفاً في رفقة قوات إسماعيل بن محمد على باشا التي دخلت إلى البلاد غازية في عام 1820م، حيث شهد سائر وقائع ذلك الغزو إبتداءً من معركة كورتي في الشمال، وحتى سقوط سنار عاصمة الدولة السنارية في أيدي الغزاة. وقد انتهز كايو تلك الفرصة، وساح داخل البلاد، حيث كان من أوائل الأجانب الذين شاهدوا آثار مروي القديمة بالبجراوية، وكان من نتائج زيارته تلك للسودان أن خلّف لنا سفراً عظيم الفائدة في مجال التاريخ والآثار في السودان، هو كتابه الصادر في باريس عام 1826م الموسوم بـ(رحلة الى مروي، و النيل الأبيض، وما وراء فازوغلي وجنوب مملكة سنار، وسيوة، وخمس واحات أخرى أنجزت في الأعوام 1819 و 1820 و 1821 و 1822م. وعنوانه الأصلي بالفرنسية هو :
Voyage a Méroé, au Fleuve Blanc au delà de Fazoql, dans le midi du royaume de Sennar a Syouah, et dans cinq autres Oasis, dans les années 1819, 1820, 1821 er 1822.

هذا الكتاب الجديد الذي صدر عن (كايو)، عنوانه هو ما ترجمته: " "نحو أصول علم المصريات: أسفار وآثار فريدريك كايو 1869-1787" . أما العنوان الأصلي فهو:
Aux Origines de l'Egyptologie:  Voyages et collections de Frédéric Cailliaud 1787-1869.
وهذا الكتاب هو من تأليف الدكتور |فيليب مانترو" Philippe Mainterot، وهو أستاذ جامعي شاب فرنسي الجنسية، يعمل محاضراً بقسم المصريات بجامعة (نانت) Nantes بفرنسا، وهي –بالمناسبة- ذات المدينة التي كان ينتمي إليها، وعاش، وتوفي، ودفن فيها (فريدريك كايو). و الكتاب هو عبارة عن نسخة معدلة ومنقحة من الأطروحة التي كان قد نال بموجبها السيد مانترو، درجة الدكتوراه في علم تاريخ المصريات من جامعة (بواتييه) Poitiers في العام 2008م.
قدم لهذا الكتاب، العالم الكبير الراحل البروفيسور "جان لوكلان" Jean Leclant، الذي كان عالماً آثارياً من الطراز الأول في كلا علمي الآثار المصري والسوداني، وكان يشغل حتى تاريخ وفاته في عام 2011م نفسه، منصب السكرتير الدائم للأكاديمية الفرنسية للنقوش والفنون الجملية، التي تعتبر واحدة من بين أرفع المؤسسات الأكاديمية والعلمية والفنية في فرنسا.
وكان مؤلف هذا الكتاب، الدكتور (فيليب مونترو) ، قد قدم محاضرة بالمركز الثقافي المصري بباريس قبل بضعة أشهر، بسط من خلالها استعراضاً مستفيضاً لمادة الكتاب،  وملابسات تأليفه، وبيان المنهج الذي اتبعه فيه، كما عرض إلى المصادر والمراجع التي استعان بها في التأليف. وقد أسعد الحظ كاتب هذه السطور، بأن شهد تلك المحاضرة، كما سعد بمقابلة المؤلف نفسه، وجرى بينهما التعارف، والإعراب عن الرغبة المتبادلة في التواصل والتعاون مستقبلاً.
هذا، وقد أحببنا أن نشرك من عسى أن يكونوا من المهتمين  بهذا اللون من ضروب المعرفة من الدارسين والباحثين، وغيرهم من عامة القراء من مختلف الطبقات، في استعراض موجز لمضمون هذا الكتاب. وقد آثرنا أن يكون استعراضنا له عن طريق ترجمة إلى العربية لمقدمة الكتاب، وترجمة أخرى لخاتمته، وترجمة ثالثة مختصرة لبعض الفقرات المهمة الخاصة بالسودان وتاريخه وآثاره ، مع تعليقنا على بعض ما يرد فيهما ما وسعنا ذلك.
وإننا لنعتذر عن هذه الطريقة، التي ربما بدت غير معتادة في استعراض الكتيب، لما قد يلحق بها من القصور والابتسار، ولكننا وجدنا أن تلك هي أيسر وسيلة لإعطاء القراء فكرة موجزة ومركزة  ووافية إلى حد ما حول مضمون هذا الكتاب، أي بالاكتفاء باستقراء مقدمته وخاتمته، خصوصاً وأنه سفر كبير يحتوي على أكثر من ثلاثمائة صفحة من القطع الكبير، وعسى أن تتهيأ لنا الفرصة لترجمة الكتاب كاملاً إلى العربية في المستقبل إن شاء الله.
وفيما يلي ترجمة مقدمة الكتاب:

كان القرن التاسع عشر، هو قرن انفتاح أوروبا على البحر المتوسط وتاريخه وتراثه. ففي فرنسا، افتتحت حملة استكشاف مصر (1798-1801) تلك الفترة بإعادة اكتشاف التاريخ القديم لحوض البحر الأبيض المتوسط
تحت حكم الجمهورية الفرنسية الأولى (الديريكتوار) (التي امتدت ما بين 1795-1799) ، واستمرت أثناء فترة استعادة البوربون لسلطتهم أو ما يعرف بال Resturation  عندما تم اكتشاف  آثار (الموريه)  Morée La ( مخلفات الغزاة اللاتين لمنطقة البيلوبونيز باليونان المعروفة بالموريه – المترجم نقلاً عن موسوعة ويكيبيديا بالشبكة العنكبوتية ) خلال الفترة ما بين 1829 و1831 ، ثم استكشاف الجزائر بين عامي 1839 و 1842. مستفيدةً من دعم الدولة الفرنسية، جعلت هذه الاستكشافات العلمية العالم الغربي يدرك حجم المقدرات والكنوز  التراثية الخاصة بتلك البلدان، وخصوصاً بفضل نشر بعض المؤلفات المتميزة التي يمثل كتاب "وصف مصر" أروع النماذج من بينها . وقد شجعت الدول الأوربية من خلالها مؤسساتها العلمية الفنانين والعلماء والرحالة الذين انطلقوا من أجل استكشاف ذلك البلد. وقد قدم أولئك الفنانون والعلماء والرحالة نتائج سياحاتهم في شكل مدونات يومية لأسفارهم، أو في شكل نبذ وملخصات، أو عن طريق تكوين مجموعات من اللقى والمقتنيات الأثرية الخاصة بهم. وهكذا اسهمت حركة أولئك الزوار في ظهور مجالات علمية جديدة، مثل علم المصريات، والدراسات الآشورية، وفي تطور علم الآثار بصفة عامة.
يسمح لنا العمل الذي اضطلع به الرحالة النانتي (نسبة لمقسط رأسه مدينة نانت Nantes الفرنسية-المترجم) فريدريك كايو (1787-1869) يسمح لنا بتتبع واحدة من الوقائع الكبرى في عملية بناء وتكوين المعارض والعلوم في فرنسا في النصف الأول من القرن التاسع عشر. لقد كان كايو من ضمن ذلك الجيل من المستكشفين الأوربيين الكبار الذين جابوا أرض مصر وبلاد النوبة على إثر حملة نابليون بونابرت. فمن خلال الرحلتين اللتين قام بهما الأولى بين عامي 1815 و 1818م، والثانية بين عامي 1819 و 1822 ، بتفويض من حكومة الملك لويس الثامن عشر ، ومن أكاديمية النقوش والفنون لجميلة، كان كايو فاعلاً وشاهداً في نفس الوقت على المغامرة العلمية (الفرنسية – الزيادة من عند المترجم) في مصر، وعلى اكتشاف الحضارة الفرعونية بواسطة الغربيين. وقد تمت الاستفادة من أعماله بواسطة بعض العلماء المعاصرين له وفي مقدمتهم (جان فرانسوا شامبليون)، مما يجعله بالتالي مشاركاً بصورة مباشرة في بروز علم الدراسات المصرية القديمة أو المصريات.
ولكن فريدريك كايو معروف قبل كل شئ في عالم الآثار، بكونه أول من تعرف على مدينة (مروي) القديمة ومدافنها التي كانت في شكل أهرام، والتي كانت تمثل في عهدها احدي عواصم مملكة كوش في قلب السودان الحالي. إن فريدريك كايو ينبغي أن يوضع اسمه أيضا من بين كبار كتاب أدب الرحلات في القرن التاسع عشر. وذلك بأن مرويات أسفاره في كل من مصر وبلاد النوبة المنشورة بين عامي 1822 و 1827، تظل مصدراً توثيقياً أساسيا بالنسبة لعلماء المصريات، كما أن مؤلفاته المختلفة تسمح من ناحية أخرى، برسم صورة لمصر تحت حكم محمد على (باشا) 1805-1848، وهي الفترة التي انفتحت فيها مصر نحو الأوربيين.
إن عمل فريدريك كايو يحمل أخيرا سمة علمية أساسية تبدو من خلال الأوصاف السردية، والقوائم أو البيانات، والرسوم التي أنجزها  عن المواقع التي زارها.
كذلك تميز نشاط فريدريك كايو في مصر بأعمال بحث وتنقيب، وشراء للآثار من السكان. وهكذا، فقد كون مجموعتين من المقتنيات الأثرية جلبهما معه الى فرنسا في عامي 1819 و 1822 على التوالي. ويجب أن يعتبر جلب تلك القطع الآثارية بمثابة حدث مهم في تاريخ التراث المتحفي الفرنسي في القرن التاسع عشر، إذ أنها تمثل في الواقع إحدى المجموعات الآثارية المصرية النادرة التي وصلت إلى مصر خلال الفترة ما بين وصول بعض القطع التي جلبها معهم أفراد حملة مصر (1801)، ودخول 6000 قطعة أثرية إلى متحف اللوفر قادمة من مدينة الأموات في ممفيس التي عثر عليها (أوغست ماريت) Auguste Mariette بين عامي 1852 و 1853. وفي الوقت الذي كان فيه فريدريك كايو يقوم برحلاته الى مصر وبلاد النوبة، كان اهتمام الأوربيين نحو مصر الفرعونية يبدو آخذاً في الأهمية أكثر فأكثر، عقب نشر الطبعة الأولى من كتاب (وصف مصر) منذ العام 1809. على أن دلالات الرموز الهيروغليفية المصرية لم تكن معروفة بعد، مما جعل غموضاً كثيفا يحيط بهذه الحضارة. وقد كان يتعين على العمل الذي قام به فريدريك كايو وتكوينه لمجموعاته الأثرية، السماح بتوفير عناصر حاسمة فيما يتعلق بعملية فك شفرة تلك الرموز. وقد تم تقديم جزء من إسهام كايو في ميلاد علم المصريات منذ عام 1822 بواسطة جان فرانسوا شامبليون في خطابه إلى السيد "داسييه" Dacier ، تلك الوثيقة التي تعتبر بمثابة القانون التأسيسي لهذا اللون الجديد من ألوان العلم والمعرفة.
وقد ظل عمل فريدريك كايو منذ منتصف القرن التاسع عشر وحتى يومنا هذا، يستخدم كمصدر توثيقي أساسي يتعلق بالمناطق المجهولة وغير المعروفة على نحو كافي في كل من مصر وبلاد النوبة وبوصفه واحداً من الرحالة الأوائل الذين زاروا تلك الديار، فإن كايو قد قدم شهادة أساسية حول حالة الحفظ التي كانت عليها المواقع الأثارية المختلفة من عامي 1815 و 1822، كما أن الأوصاف السردية والرسومات التي عكف على انجازها لمشاهد من تلك المواقع، لهي من الأهمية بمكان بالنسبة لتاريخ علم الآثار، لأن بعضا من تلك المعابد أو النقوش والمنحوتات البارزة قد اختفت اليوم، أو تغيرت هيئتها جداً.
واحد من أوائل العلماء الذين وظفوا أعمال فريدريك كايو، كان هو البروفيسور "أحمد فخري 1905-1973" (أحد أبرز رموز ورواد علم الآثار المصريين – المترجم)، الذي خصص جزءا كبيرا من أبحاثه لدراسة مواقع الواحات الليبية (الغربية-المترجم)، التي كان كايو من أوائل الزائرين الأوربيين الذين وصلوا إليها، فمن أجل أن يضع دراسة تاريخية لتلك الواحات، أطلع أحمد فخري على الأوصاف واللوحات والرسومات التي أنجزها كايو عن واحات سيوة، والبحيرة والفرافرة، بينما ظل المعهد الفرنسي للآثار الشرقية بالقاهرة بدوره ابتداء من عام 1976م ، بأعمال التنقيب داخل المعالم والجبانات في منطقة (دوش) Douch بواحة الخارجة التي تشكل العناصر التي كان قد جمعها كايو أساسية في فهمها. وفي الواقع فإن مستوى مذكرات هذا الرحالة والأوصاف التي دونها، قد جعلت من عمله مرجعاً للمقارنة التاريخية الأولية لهذه المعالم الأثرية.
ومن ناحية، أخرى يظل عمل فريدريك مرجعاً بالنسبة لعلم الآثار النوبية الذي تطور خلال القرن العشرين فحملات التنقيب التي ارتبطت ببناء سد أسوان في عام 1959، قد سمحت بإعادة اكتشاف وإنقاذ بعض المواقع التي كانت مهددة بالغرق تحت مياه بحيرة ناصر، وهي مواقع كان كايو قد زارها ودرسها. والى الجنوب أكثر، توالت البعثات العلمية الدولية من أجل دراسة المعابد والمدافن القديمة في السودان. فاشتغل جورج أ. رايزنر George A. Reisner في جبل البركل ونوري، وبيتر شيني Peter L. Shinnie في مروي (البجراوية-المترجم) وبعثة ميشيلا شيف جيورجيني Michela Schiff-Giorgini في صولب الخ. وبالنسبة لكل موقع من هذه المواقع،  يتضح أن مدونات كايو وقوائمه تنطوي على معلومات أساسية لعملية إعادة اكتشافها في القرن التاسع عشر، بل أنها تمثل أحياناً الشهادة الوحيدة ذات المصداقية والقابلية للاستخدام والتوظيف.
ولكن، كان يتعين الانتظار حتى عام 1969م  لكي يتم تكريم هذا الرحالة رسمياً، بمناسبة مرور مائة عام على رحيله. فقد تم تنظيم معرض بعنوان: "فريدريك كايو (1787-1869)" رحالة في مصر، وأمين متحف نانت"، وذلك بمتحف التاريخ الطبيعي بنانت. تتبع ذلك المعرض مسيرة حياة كايو، وعرض للمرة الأولى للجمهور مدوناته ورسوماته ومراسلاته. وهكذا فقد أتاحت تلك الخطوة المجال مجدداً للفت انتباه الوسط العلمي نحو أعمال فريدريك كايو.
وفي ذات العام، نشر البروفيسور جان لوكلان كتابه: "Hommage à Frédéric "Cailliaud de Nantes (1789-1869) (اجلالاً لفريدريك كايو النانتي-المترجم)، ثم تلاه بنشر مقال حول اكتشاف مروي.
وأخيراً ، في عام 1989م ، ظهر الكتاب المرجعي الذي ألفه "ميشيل شوفيه Michel Chauvet الذي يتيح للجمهور العريض التعرف على مسيرة كايو من خلال رحلتيه إلى كل من مصر وبلاد النوبة، أحياناً بأسلوب روائي، ولكنه دائما حريص على الشرح والتوضيح بالنسبة للقارئ. فبفضل إعادة صياغة روايات فريدريك كايو بواسطة ميشيل شوفيه، صار هذا الكتاب يمتلك خصائص المدونة اليومية للرحالة، وخصائص الرواية التاريخية في آن واحد معاً. وفي تقديمه لهذا الكتاب، عكف عالم المصريات (ميشيل  ديفاشتر) Michel Devachter لأول مرة على تاريخ مجموعات الآثار التي كان كايو قد جلبها إلى فرنسا. وقد شرح ديفاشتر كل الصعوبات الماثلة في التعرف على تلك القطع الأثرية، والعملية شبه المستحيلة لجمعها. ذلك بأن مجموعات فريدريك كايو قد عاشت في الواقع تاريخا مضطرباً منذ عودة ذلك الرحالة إلى فرنسا في عام 1822 في ختام فترة إقامته الثانية بمصر، فضلاً عن أن محتويات تلك المجموعات كانت قد تفرقت بين المتاحف الفرنسية في أثناء القرنين التاسع عشر والعشرين. وهكذا أعد ميشيل ديفاشتير تقرير حالة تتعلق بالتوزيع الجغرافي بين مختلف المتاحف بالنسبة لقطع مجموعات كايو، كما قدم بعض موجهات البحث التي اعتمدت هذه الدراسة عليها.

 

آراء