هل النقود هي المسئولة عن ارتفاع الاسعار ؟
في ظل السياسة النقدية الحكومية المضطربة وغير المتزنة، وارتفاع الاسعار المتوالي، والانحدار المستمر لقيمة الجنيه، وسعى الحكومة الحثيث نحو خفض السيولة والسيطرة عليها بالتحكم فيما يملك الناس من اموال قليلة تكاد تسد رمقهم؛ يطرح العامة سؤال حول النقود هل هي السبب المباشر في الازمة الحالية وارتفاع الاسعار الجنوني؟ وحتى نجيب على هذا السؤال المهم لابد ان نعرف ماهي النقود، وظاهرة التضخم، وتدهور سعر صرف الجنيه مقابل الدولار. ويتم تعريف النقود حسب وظائفها حيث نجد ان كل شيء يؤدي وظيفة النقود ويتم قبوله قبولاً عاماً لتبادل الخدمات والمنافع يعتبر نقوداً، وهذا تعريف وظيفي للنقود على اعتبار أنها وسيلة مبادلة تتميز بالقبول العام والالزام القانوني كوسيلة للدفع وتسوية الالتزامات المالية، وسيلة سهلة لتبادل السلع والخدمات، وسيلة سهلة لتقييم السلع والخدمات، يمكن تجزئتها وتتميز وحداتها بالتجانس، وتتميز بأنها وسيلة لتخزين القيمة سواء كانت فائض عمل أو مال، من ناحية اخرى هي احدى ادوات السياسة العامة التي تتبعها الدولة لزيادة الفعالية والقدرة على تنفيذ السياسات الداخلية، والنقود هي ايضا المحصلة النهائية لنظام الانتاج وتلقى الناس لأجورهم مقابل الانتاج؛ كما ان الاجر بالإنتاج يستخدم في مجال التنمية الدولية والمعونات الاقتصادية والقروض المرتبطة بالإنتاج بمعنى أن السياسة التمويلية للمنظمات الدولية ترتبط بالإنتاج. ونظام الاجر مقابل الانتاج وكيفية تصرف الناس في النقود من ناحية طلب الخدمات والسلع وقرارات الادخار والاستثمار هي المؤثر على الاقتصاد بصورة عامة، والنقود وكميتها وكمية الدخول والسلع، والسياسة النقدية جزء من السياسة الاقتصادية التي ليست النقود وسيلتها واداتها الوحيدة لتحقيق أهدافها، ولكن يستعان بها لتحقيق الاهداف الكلية للاقتصاد. صحيح ان هذه الحقيقة لم تمنع ارتفاع الاسعار الذى نتج عن عدم قدرة الحكومة على تحصين وحماية النظام الانتاجي من عوامل الاضطراب وادارته.
نأتي الان الي ظاهرة ارتفاع الاسعار المستمر، وهو تضخم ينتج عنه تغير قيمة النقود وانخفاض قيمتها، أيضا تحدث ظاهرة ارتفاع الاسعار نتيجة لزيادة كمية النقود بالنسبة للسع والخدمات، بمعنى ان التضخم يظهر كلما زادت ادوات الشراء لدى الناس دون ان تزيد كمية السلع والخدمات بنفس القدر؛ وهذه الظاهرة لا نستطيع ان نوصف بها حالة السوق في السودان بسبب ان الحكومة هي المسبب والمتحكم في عملية زيادة كمية النقود بالطباعة دون وجود الاحتياطي المماثل من النقد الاجنبي وهذا ادى الى تدهور قيمة الجنيه مقابل الدولار، اذاً الذى ساهم بشكل كبير في ارتفاع الاسعار تدهور قيمة الجنيه امام العملات الاجنبية، أيضا لأن التضخم في احد مفاهيمه يشمل الارتفاع المفرط للاسعار، والتضخم في مستوى الدخل (وليس لدينا تضخم في مستويات الدخل)؛ ويمكن القول ان مصطلح التضخم يصف مجموعة من الظواهر واحينا يطلق على ظاهرة واحدة مصطلح تضخم.
اذاً النقود ليست السبب في ارتفاع الاسعار، فارتفاع الاسعار مرتبط بالخلل الكبير في بنية الاقتصاد، هذا من ناحية ومن ناحية أخري مرتبط بما يعرف بالتضخم الورقي للنقود الذى ينتج عن التوسع في اصدار النقود لتغطية التزامات الحكومة، وهذا يفسر اتجاه الحكومة الي امتصاص السيولة وتقييد والحد من قدرة الناس لسحب أموالهم من النظام المصرفي، واتبعت ذلك بتغيير الجنيه فئة ال 50 جنيهاً؛ وفي اعتقادي أن هذه السياسة لم تكن مرشدة وتضرر منها عامة الناس الذين لا يملكون اموالاً طائلة في حساباتهم وتركتهم في اعسار غير قادرين حتى على دفع تكاليف العلاج في ظل عدم ثقة كبيرة في التعاطي مع الشيكات في وسط الناس لضعف القوانين المتعلقة بحماية المتضررين وردع اللصوص الذين يتلاعبون بحقوق الناس من خلال التعامل بالشيكات بدون رصيد. ايضا سياسة امتصاص السيولة ضلت الطريق الى الفئات التي تمتلك الاموال الطائلة، واكتوى بنيرانها عامة الناس، خاصة وانه بدأت بالحد من السحب من الحسابات البنكية بدلا من ان تبدأ بتغيير فئة ال 50 التي يملكها اصحاب الأموال الذين يكنزون اموالهم خارج النظام المصرفي ويتحكمون في اسعار الدولار ويشترون العقارات والأراضي والبضائع من المعسرين بأثمان زهيدة مستغلين توفر النقود في خزائنهم، وهي للعلم ظاهرة قديمة جدا منذ التبديل الاول للعملة في ظل حكومة الانقاذ، حيث كان هناك تقييد للسحب وتقييد في الفئات المسحوبة مما افقد الناس الثقة في النظام المصرفي. وكان من الممكن أن تلجأ الحكومة الى سياسة بيع الدين العام الذى يمكن ان يسحب تلقائيا النقود، وتزيد الضرائب على السلع الكمالية التي يستخدمها فئة معينة من المواطنين أصحاب الأموال، ايضا خفض الانفاق الحكومي.
نخلص الي أنه في حاله السودان هناك علاقة بين التضخم وسعر الصرف الذى هو احد المؤشرات الاقتصادية والمالية التي تعبر عن متانة الاقتصاد، وليس هناك علاقة بين النقود في حد ذاتها وظاهرة ارتفاع الاسعار التي انهكت وارهقت المواطن وأثرت على ميزانية الأسرة وبالتالي المستوى المعيشي لها، حيث أن ارتفاع أسعار السلع والمواد الغذائية والاستهلاكية يؤثر سلبا على قدرة الأسرة لا أقول الادخار لأنه حالياً يعتبر ترفاً، بل يؤثر سلباً على توفير متطلبات الحياة الضرورية، ويمتد ذلك التأثير إلى بنود الصرف الرئيسية للسواد الاعظم من الأسر السودانية، وعلى الحكومة اتباع سياسة اقتصادية اصلاحية في المقام الأول في معية ادوات وآليات لتخفيف المعاناة عن محدودي الدخل وعلى الطبقات متوسطة الدخل الذين يعانون من ارتفاع الأسعار؛ مصحوبة بسياسة نقدية كمية ونوعية. ايضاً مع الاتجاه نحو التعاملات الإلكترونية، يجب أن تعلم الحكومة أن العملات النقدية الورقية والمعدنية ليست هي المشكلة الحقيقية، وأن أموال التعاملات الالكترونية سوف تكون اموال مودعة افتراضياً في البنوك لا يقابلها احتياطي نقدي، وهذا من شأنه تشجيع المضاربة ويساعد على حدوث الأزمات المالية.
الصيحة: 27/06/2018
omarmahjoub@gmail.com
/////////////////