يونيو حبيب، زي أمي وأبوي .. بقلم: د. عبد الله علي إبراهيم

وصف الحزب الشيوعي ما جرى في مصر في 30 يونيو من “تخريد” للنظام الدستوري ب”الإنتفاضة”. ويرتكب الحزب للمرة الثانية في تاريخه خطأ تسمية الانقلاب بغير اسمه. فقد ظل يصف انقلاب 19 يوليو 1971 ب”الحركة التصحيحة” لصالح ورقه كما يقولون في لعب الكتشينة. وبينما يزيغ زيغوغة من تسمية الانقلاب يفوت عليه أن وجوده نفسه اليوم في الحياة السياسية راجع إلى يوم سمى الانقلاب انقلابا بل حدد من قام به وهي شريحة البرجوازية الصغيرة العسكرية. كان ذلك مساء انقلاب 25 مايو 1969 الذي حمل له السلطة على طبق من الذهب فما تلجلج. فلولا ذلك التمييز الطبقي الشجاع لكان مصيره مصير حزب المرحوم معاوية إبراهيم. فقد أمِن ذلك الحزب للانقلاب وسماه ثورة وبني تكتيكاته على رمل ذلك الاعتقاد فدارت عليه الدوائر.
لا أعجب إلا لماركسي يصدق زعم الجماعة عن نفسها. فقد قبل الشيوعي أن يصف تدخل الجيش المصري بأنه إنحياز لإنتفاضة التحرير الثانية كما فعل في الثورة الأولى. وسنتجاوز إرتباك موقف الجيش تجاه ثورة التحرير الأولى وانشغال قوى التحرير الطويل بمقاومة تطفله عليها. وإن ذكر لمرسي جميلاً فهو مواجهته للجيش وإبعاده من المسار الدستوري بمساومة معروفة وحزم ربما لم يغفروه له.
لكنني أتوقف عند سذاجة الماركسي لا يرد السياسة إلى منبتها الطبقي ويلهج بعبارات محايدة مثل “إنحاز” ويطرب لها كأن السياسة ساحة نبل وأريحية.  وكان بوسع الشيوعيين النظر بواقعية لتدخل الجيش في “انتفاضة” 30 يونيو، كما سموها، لو قرأوا بعض أدبهم. فوددت لو راجعوا عدد الميدان منذ أشهر واستصحبوا في تداولهم المقابلة التي أجرها فتحي فضل مع صلاح عدلي، سكرتير الحزب الشيوعي المصري، حول موقف الجيش من الثورة المصرية. وكشف فيها عن الأساس المادي لسياسات الجيش الذي يتصرف في واحد فاصل ثلاثة بليون دولار أمريكي من المساعدات الأمريكية. وهو “مولد” نشأت حوله صناعة للمقاولات والشحن تشرف عليها المؤسسة العسكرية ولا دخل للدولة بها. ونصيب هذه المؤسسة من المقاولات نحو 35% من حجم النشاط الكلي علاوة على احتلال معاشي الجيش وظائف في الإدارة والدبلوماسية بلا حصر.
ومن المحرج للشيوعيين أن تسبقهم صحيفة برجوازية مثل النيويورك تايمز إلى اقتصاد سياسات الجيش المصري. فقال كاتب بها إن صفوة ضباطه حرصوا على صون امتيازاتهم المسرفة بغير كلل. فهم طبقة بذاتها لها أنديتها الاجتماعية، وفنادقهم، ومشافيهم، وحدائقهم العامة. ووصفها الكاتب بطبقة البراهما الهندية يرثها الجنى عن الوالد.     
خلا بيان الحزب الشيوعي عن الوضع في مصر من مطلوبات الماركسية في تحليل الواقع الملموس. وهو تحليل فارقوه فراق الطريفي لجمله منذ غلّبوا ثأرات شيوعييّ جامعة الخرطوم ضد الإخوان المسلمين على التوافر على تحليل اجتماعي للحادثات يتجاوز الطلاء السياسي إلى المعدن الطبقي. فانقلاب 1989 عندهم “انقلاب الاخوان” وليس الانقلاب كعنف طبقي سياسي بغير التفات للونه السياسي كما عالجناه في الحزب بحيوية غير عادية قبيل قيام 25 مايو وبعدها مما حواه كتاب “الحزب الشيوعي نحروه أم انتحر”   
السذاجة في السياسة عاهة. ووجدت جوناثان استيل من القارديان وضع أصبعه على غفلة العلمانيين المصريين. فقال إن تدخل الجيش هدام لسياسات بلد تنفس صعداء الديمقراطية لأول مرة منذ عقود. فبهجة الثوريين ممن أطاحوا بمبارك بذلك فأل سيء وعنوان لسذاجة سياسية وقصر نظر. فقد وقعوا بغير أن يدروا في شراك الدولة العميقة التي خرجوا لإزالتها في 25 يناير.
Ibrahim, Abdullahi A. [IbrahimA@missouri.edu]

شاهد أيضاً

عن دعوة تسريح القوات المسلحة

عن دعوة تسريح القوات المسلحة: MUCH HEAT NO LIGHTعبد الله علي إبراهيمخضعنا في حربنا القائمة …