تحذير: واحد + واحد يساوي إتنين، النظام السوداني ينهار وعلى الجميع سند السقف بكتوفهم (2)

 


 

 

alnaierhamad20@gmail.com

لا يمكن في اي بلد أن تندلع حرب أهلية إن كان هنالك أغلبية معتبرة متفقة على مشروع ما مهما كان هذا المشروع. الرضاء العام وصنوه الرفض العام هما دينمو المجتمع ومستودعه الاخلاقي وإن غاب هذا المحرك الاخلاقي كل شيء ممكن إبتداء من الإنقلاب العسكري الى الحرب الأهلية. لم يكن في مقدور نظام المؤتمر الوطني ان يتجنب إزاحة البشير بحمام الدم الذي اقترحه أحد وعاظ البشير لان ببساطة القوة وحدها لا يمكن أن تحكم ولا يمكن أن تخلق الرضاء العام ولا يمكن أن تكسر الرفض العام. القوة تشتغل فقط عندما يغيب الرفض العام والرضاء العام. الا تري أن كل من الجيش والدعم السريع يتحدث الآن في خضم معركتهما عن ثورة ديسمبر المجيدة؟ لأنها ذكرى راسخة لا تزال من الرضاء/الرفض العام، لا تزال زفرة وشهيق في الضمير الجمعي.
الرفض العام هو الذي أجبر أعضاء اللجنة الأمنية والدعم السريع على إزاحة وليّ نعمتهم. الرضاء/الرفض العام هو الحاكم سواء ارتضى ديمقراطية أو قبل ديكتاتوية. والرضاء/الرفض العام هو مفهوم اخلاقي معقد ينبع من اعماق المجتمع ويقوم عليه الاضراب السياسي العام وإزاحة الدكتاتورية وايضا يقوم عليه استمرار الدكتاتورية في الحكم لسنوات وسنوات. الثورة تنبع من الرفض/الرضاء العام وكذلك تنبع منه ايضا الدكتاتوية، عسكرية كانت أم مدنية . عندما تصمت الأغلبية، هذا رضاء عام. وعندما تنقسم الأغلبية وتكف عن أن تكون أغلبية فهذا ايضا مصدر للرضاء العام. وصدق الشريف الهندي عندما قال أن "ديمقراطيتكم هذه لو شالا كلب مافي زول يقول ليهو جر." فقد كان، رحمه الله، يتحدث عن الرضاء العام. كان هنالك رضاء عام بإنقلاب 1989 بعد الفشل الذريع في الاتفاق على المشروع الوطني فترة الديمقراطية الثالثة.
أما في حاضرنا هذا فقد بددت قحت الأولى، وفي ذاك الزمن كانت تضم الاطاريين والجذريين، فرصة تاريخية عندما لم تثق في طاقة الرضاء/الرفض العام ومقدرة جماهيرها في صنعه والحفاظ عليه وقد كان في خاطرها أكتوبر الأخضر الذي أخذت منه النشيد ونسيت الموعظة ورضيت من الغنيمة بإنصراف البشير وجلست على برميل من البارود على طاولة اللجنة الأمنية لتتقاسم سلطة كان نصيبها فيها نصيب فأرة وارتضت التطفيف في حق الشعب بدعاوي فن الممكن.
لم يقف الأمر على الاستهانة بالرضاء/الرفض العام ، فقد نفشت النخبة ريشها الطاووسي بعد ذلك، اطاريين وجذريين، في وجه الشعب وتوهم كل فصيل منها إنه وحده قادر على تصنيع الرضاء/الرفض العام – وهم الوهم ، وهم الطليعة وياله من وهم- وادارت ظهرها للجماهير العريضة ونسيت أن الرضاء العام هو اتفاق جمعي في الأساس ومشروع وطني في الأساس، وانه لا ينجز الا باتفاقها هي نفسها، فصائل النخبة، في المقام الأول. متى تتعلم نخبتنا الدرس؟ نسيت تجربة اسقاط الدكتاتور وهي مجتمعة، ونسيت إجبار العسكر على الجلوس، وهي مجتمعة، على مقاعد احر من الجمر حين عجز سلاحهم امام الرفض العام. نسيت أن وحدتها سلاحها: سلاح الرضاء/الرفض العام. وأقول لك بكل إخلاص أن الاتفاق الإطاري كان ممكن التحقق لو إتفق عليه الرضاء العام، وأقول لك بكل صدق أن التغيير الجذري ايضا كان ممكنا لو التف حوله الرفض العام.
بكل بساطة مُخلة، إذا اتفق حزب الأمة والحزب الشيوعي السوداني على أمر ما في العاصمة فأن الأمر قُضي في أم درمان القديمة والديم والعمارات والثورات وإذا أنضم اليهم الاتحاديون فأجزاء من شرق النيل قد ضمنت والخرطوم اتنين وجيوب في نمرة تلاتة في الخرطوم وأجزاء من الصحافات ، وذلك لنفوذ تلك الاحزاب ومواردهما. واذا انضم اليهم حزب المؤتمر السوداني فإن الاتفاق مضمون في شمبات واجزاء اخرى من الخرطوم، اما اذا انضم اليهم البعثيون والناصريون والجمهوريون وتلك الاحزاب فقد قضي الأمر في العاصمة المثلثة وصارت المدن الثلاث على قلب رجل واحد. وهكذا الحال في عطبرة وكوستى والجنينة والابيض وبارا وبورتسودان وحلفاء وكسلاء والفاشر..الخ كل حزب، بل كل تكوين مدني يمسك بطرف من قماشة الرضاء العام.
الرضاء/الرفض العام تصنعه الموارد والنفوذ الاخلاقي هو ذاك الهمس والحديث الوئيد، والغضب الودود بين اصدقاء الصبا والطفولة ، بل الكوراك والاختلاف بين الأخوة والاخوات وكظم الغيظ على سؤ الفهم والمحاولة مرة اخرى.، بل مرة بعد الاخرى. لا يكف أن تتحدث باسم الجماهير يا شيوعي السودان ، فلا توجد جماهير بغير احزابها. لا يوجد إطار بغير الآخرين يا قحت. لا يمكن أن يحدث اتفاق إطاري مهما بلغ الساسة من ذكاء ودربة والرضاء العام مفقود. مجرد تكوين الأحزاب هو تعبير عن قطاع من الجماهير، كبر او صغر، فهو جزء يسير من الرضاء/الرفض العام. والرضاء العام اجزاء صغيرة كالروافد النحيلة التي تصنع ذلك النهر الكبير الصخاب. كيف يتكون الرضاء/الرفض العام؟ هذا درس لا يريد أن يتعلمه الساسة: اتحدوا فازاحوا البشير. حدثت كارثة فض الاعتصام وتفرعن العسكر ورفضوا التفاوض، اتحدوا مرة اخرى ووضعوا العسكر في علبهم لحين. تفرقوا وتششتوا، صار العسكر نمرود زمانهم وقتلوا المتظاهرين السلميين كرزق اليوم باليوم في كل تظاهرة. ثم أخيرا اشعل العسكر هذه المقتلة الجارية الآن ولا يزال العسكر من الجهتين يدعون أن الرضاء العام على صلح مع افعالهم. لانه ببساطة قد اختفي الرضاء/الرفض العام بالإنقسام وخلت الساحة لمنتحليه.
قحت وعينها على سلاح العسكر ارادت أن تحل الأمر بالتي هي احسن لوحدها وجلست جلوسا لا طائل منه وبغشامة على مائدة اللئام. الجذريون وعينهم على افق وهمي وجماهير وهمية دون أحزابها ارادوا حل الأمر مرة والى الأبد وحدهم. بينما الوحدة هي حزم الموارد والنفوذ الاخلاقي، وموارد الطرفين، كل لوحده منفردا لا شك محدودة، والنفوذ الاخلاقي في هذا السودان تخلقه الأحزاب مجتمعة ولا يوجد هنا مفرد بصيغة الجمع. انتهي الدرس... والغريب في الأمر أنه كان هنالك جذريون في وسط الاطاريين وكان هنالك اطاريين وسط الجذرين لكنهم جميعا قمعتهم أحزابهم واخرست اصواتهم، لانها احزاب تفتقد الديمقراطية وفاقد الشيء لا يعطيه.
والغريب في الأمر أن المشروع الوطني السوداني في غاية البساطة. هو اربع اشياء: حقوق القوميات المختلفة، حقوق الفرد والجماعات المدنية والسياسية، وسيطرة الدولة ممثلة في وزارة المالية على كل موارد البلاد، وإحلال السلام والترتيبات الامنية من دمج وتسريح وغيره. هذا ليس حدا أدني او أعلى وهذا ليس قابل للتفاوض هذا هو حد الرفض العام.
هل فات الأوان؟ والله لا أدري. لكن هنالك طريقة، اتحدوا اولا، واعلنوا ميثاقكم ليس فقط لإيقاف الحرب بل لنظام الحكم. ولو تقمصتكم الشجاعة وعدم الخوف العصابي من الديمقراطية، اطلقوا طاقة فروع احزابكم في المدن والاقاليم والقرى والحلال ودعوا الديمقراطية تسري في عروقها وسترون كيف ستبدع جماهير أحزابكم في وقف الحرب وصناعة الديمقراطية. قد يقول قائل أن الحركة صعبة في زمن الحرب والتفتيش ونقاط الارتكاز، كيف نصنع سياسة في هذه الاجواء؟ بل هي اجواء السياسة. ما السياسة أن لم تكن حقن دماء ابناء شعبك؟ ما هي البطولة في هذه المقتلة أن لم تكن قيادة سيارة أسعاف او زيارة قريب او اسرة صديق جائع بما تيسر من زاد. وهذا يحدث يوميا لو تعلمون. ثم، انت ايها القيادي وايها الناطق الرسمي والمركزي قلنا لك اتركها لفروعك في الاحياء هم أدرى بشعابهم وشعبهم. رغم النفوذ الاخلاقي المهول لأحزاب السودان ومنظماته الاهلية إلا أن البيروقراطية الحزبية تعتقل ليس فقط طاقة المؤيدين بل طاقة الاعضاء. الاكتفاء بالتوقيع على وثيقة بائسة لإنهاء الحرب لا يكف وليس مبرئا للذمة رغم أن ذلك ضروريا. المرحلة الأولى في أنهاء الحرابة تتطلب الآتي:
1- على الأحزاب أن تتحد عن بكرة ابيها ومعها لجان المقاومة في رفضها العام للحرب وتتفق على ميثاق حول ترتيبات الفترة الانتقالية وتنص في ميثاقها على إبعاد اي سلاح في أيد اي من كان من السلطة الانتقالية.
2- أن تنسي كلما يتعلق بإتفاق إطاري أو جذري وتنتج ميثاق الرضاء العام حول المباديء الاربعة التالية:
أ- الحقوق المتساوية للقوميات السودانية المختلفة.
ب- حقوق الفرد والجماعات المدنية والسياسية.
ج- سيطرة الدولة ممثلة في وزارة المالية على كل موارد البلاد.
د- إحلال السلام والترتيبات الامنية من دمج وتسريح وغيره.

3- أن تقلب الاحزاب السودانية هرم السلطة الحزبية في السودان، على الأقل الآن، وتترك مهام القيادة لفروعها فيما يتعلق بايقاف الحرب وتنفيذ هذا الميثاق وانتخاب السلطة التشريعية.
4- أن تبدأ حركة الوحدة في المدن غير المتأثرة بالحرب ووتتجه من ثم الى المركز.
هذه هي الطريقة الوحيدة حتى يستعيد المدنيون زمام المبادرة. الثورة كانت مدنية والتغير كان مدنيا في الأساس. ما يحدث الآن يحدث بين اطراف عسكرية، هي اصلا كانت تمثل النظام المندحر. وعلى المدنيين استعادة زمام المبادرة وإن اردوا المدنيون الجلوس في اي مائدة، في جدة او غيرها، هذه هي الطريقة الوحيدة ليكون لهم صوت. وإن اراد احد اطراف الانقلاب المتقمص لباس الحرب الاهلية أن يتفاهم مع المدنيين عليه الجلوس بأدب مع المدنيين وأن يسمع صاغرا. لا أحد في تاريخ السودان لم يصغ للرفض العام حتى الآن.

 

آراء