آلية وطنية لبدء البشارات بسودان المستقبل

 


 

 

حاولت في مقالات سابقة ان اشير في شيء من العجالة للإضاءات التي تدل على المستقبل المشرق للسودان. والامر يتجاوز مرحلة التفاؤل والآمال لاستشراف المستقبل وفقا للإمكانيات الموجودة حقيقة والتي لم تستغل او تستثمر حقيقة.

بعض القراء يبحث عن آلية حل بها كل الامور الفنية مسطرة من الألف الى الياء ومبينة بالأرقام ومجدولة زمنيا حتى يقتنع بما ورد في المقال ويجيزه. وبعض القراء يبحث عن حل سحري حالم يمكن تحقيقه في غمضة عين او على الاقل في أقرب وقت وبدون جهد كبير صعب وبأقل تكلفة ممكنة ان لم يكن حلا مجانا.

دوري ليس اقناع المجموعتين من القراء ولكن تبيين امكانية الحل واتبيين ن للقراء أنفسهم دورا كبيرا في ايجاد ذلك الحل وانزاله الى ارض الواقع. لأنه يجب ان يكون للقارئ ولكل مواطن دور ايجابي فعلي في انقاذ بل نهضة السودان.

اذن يأتي مقالي هذا بل كل كتاباتي كمشاركة لاستنهاض الهمم وتبيين ان هناك أزمة يجب الاعتراف بها ومن ثم إيجاد حلول لها وذلك الأمر يوقف إعادة إنتاج الازمة الذي درجت عليه الأنظمة التي حكمت السودان منذ الاستقلال.

النقطة الأولى الأهم هي الوصول لقبول فكرة الدولة الوطنية بحدودها الجغرافية المعروفة والاعتراف بالحقوق والواجبات لكل المواطنين. مما يوجب ضرورة تغليب الشعور الوطني على الانتماء العشائري والطائفي والقبلي والجهوي، وهو مالم يحدث في السابق لأسباب كثيرة كرسها الاستعمار بسياسة فرق تسد، وهو ما أنتج المناطق المقفولة في جنوب السودان. واستمرت تلك المعضلة في التـأزم لفشل كل المعالجات الوطنية حتى انتهت بانفصال جنوب السودان. ونفس ذلك الاستعمار وفي نية غير سليمة بذر نظام إدارة أهلية "معوجة" اعطيت فيه بعض السلطة لشيوخ وعمد القبائل دون انتباه للتنوع الثقافي المتباين والمتضاد أحيانا مما أدى لأضعاف الشعور الوطني الجمعي والإبقاء على الانتماء

القبلي. وهكذا لم تستطيع الأنظمة السياسية التي حكمت السودان إدارة ذلك التنوع القبلي والجهوي والثقافي بصورة إيجابية وظهر ذلك جلياَ عندما ارادت الحكومات وضع الدستور، باعتبار ان الدستور يجب ان يكون توافقي ويقوم على حقوق المواطنة ويحترم التنوع والتعدد حتى في المعتقدات الدينية، وظهرت هنا مشكلة علاقة الدين بالدولة، وبالطبع لم يتم التوافق على دستور دائم مما اخر عملية الوحدة الوطنية.

كذلك أدت الانقلابات العسكرية المتكررة للضعف في الإرادة السياسية وعدم وجود استقرار سياسي وعدم وجود حكم مدني مستقر، كما أدى لوجود جهات عديدة حزبية أو غير حزبية كجماعات مسلحة متصارعة حول الحكم، وزاد ذلك لعدم الاستقرار الأمني وحدوث نزاعات قبلية، قادت لتسلح بعض القبائل و الجهويات مما زاد أكثر من تقوية مشاعر الانتماء القبلي واضعاف الشعور الوطني، وكانت النتيجة وقوع حروب أهلية وقبلية. كما حدث في دارفور. ونتج عن ذلك أيضا توجيه اغلب ميزانية الدولة المركزية للحرب والامن مما أصبح خصما على ميزانية الصحة والتعليم وغيرها من الميزانيات.

وبالطبع بدأ الإهمال لتمويل المشاريع الحقيقية مثل مشروع الجزيرة الذي كان داعم أساسي للاقتصاد السوداني، وأستمر ذلك التدهور ليصل لمرحلة التخريب والتوقف عن زراعة القطن. ثم انتشر الإهمال لكل المجال الزراعي وأدى لفشل المواسم الزراعية ووصل بالسودان رغم كل اراضيه الزراعية ومياهه الوفيرة لاستيراد القمح والدقيق وكل المنتجات الزراعية حتى الثوم. وأصبح التصدير يعتمد على المواد الخام مما أدى لخسارة مليارات الدولارات التي كانت يمكن ان تأتي من القيمة المضافة.

بالطبع أدى عدم الاستقرار السياسي الى عدم وجود استقرار اقتصادي وتنمية حقيقية وخاصة ان الفشل السياسي قاد لانفصال جنوب السودان وبالتالي فقد جزء كبير من ميزانية السودانية وخاصة من عائدات النفط.

ولما فشلت الأنظمة في تحقيق تنمية او نهضة، لجأت لاعتماد القوة والعنف المفرط لضمان بقاءها في السلطة، وأدى ذلك لمزيد من التذمر وسط المواطنين والاحتجاجات ثم المظاهرات وليس انتهاء بالثورات.

إذن حل المشكل السياسي السوداني سيؤدي لشيء من الاستقرار وبالتالي لحل المشكل الاقتصادي، ويبقى حل المشكل السياسي مرتبط بالاعتراف بحقوق المواطنة للجميع والمساواة التامة امام القانون ووجود دستور دائم وذلك لا يمكن ان يتحقق الا في ظل وجود حكم مدني و"نظام سياسي تعددي ديمقراطي" مما يؤدي لتقوية الولاء الوطني ووحدة الصف.

ثم الالتفات الى البناء والتعمير للوطن، وأعاده هيكلة الاقتصاد، ووجود رؤية اقتصادية واضحة خمسية او عشرية، ويبدأ ذلك "بتوظيف موارد الدولة بشكل سليم"، فتوجه الميزانية التي كانت مخصصة للحرب والامن الى الصحة والتعليم، ثم يستفاد من المواد الخام التي تذهب للتصدير مثل الذهب والصمغ العربي والسمسم في توفير عملة صعبة يستفاد منها في استيراد مدخلات الإنتاج، ثم سيطرة الدولة المدنية على كل المال العام تحت ظل وزارة المالية بما فيها شركات الجيش والامن والاتصالات.

إن شعور المواطن السوداني بأنه محترم ومقدر في بلده وله كل حقوق وواجبات المواطنة هي اول خطوة في تحقيق وحدة الصف الوطني وبداية النهضة.

abdelgadir@hotmail.com

 

آراء