أسطورة سيزيف مشترك ألبرت كامو و ريموند أرون في الحرية و العدالة

 


 

طاهر عمر
12 October, 2023

 

قلنا الحرية و العدالة؟ يا لها من معادلة عجيبة في عكسية علاقتها فكلما زادت العدالة قلت الحرية وكذلك كلما زادت الحرية قلت العدالة. كيف الحل؟ هذا ما أهتم به أدب الفكر الرأسمالي في النظريات الاقتصادية و تاريخ الفكر الاقتصادي منذ أن فك ادم اسمث إرتباط الاقتصاد بكل من الفلسفة و الدين. ادم اسمث إعتمد على قدرة العقل البشري في حدوده من أجل تحقيق مجد العقلانية و تحقيق معادلة الحرية و العدالة في حديثه عن فكرة اليد الخفية.
توماس بين أيضا متأثر بفكر جان جاك روسو في فكرة الحق في الإستمرارية نجده وقف في مسألة معادلة الحرية و العدالة بتأني حيث قال لا يمكننا أن نترك فقير ينسحق بفعل تراكم أرباح الأغنياء و هذا يعني أن معادلة الحرية و العدالة قد شغلت بال الفلاسفة و المفكريين و ما زالت في قلب إهتمام المهتمين بديناميكيات مجتمع ما بعد الثورة الصناعية.
و هنا يمر المقال بمحطة مهمة لريموند أرون و إهتمامه بالمجتمعات الصناعية و في نظره أن مجتمع أوروبا الغربية و الاتحاد السوفيتي كانت مجتمعات صناعية و لكن إفترقا في مسألة إنزال معادلة الحرية و العدالة على أرض الواقع حيث نجد الشيوعية في الاتحاد السوفيتي قد ضحّت بالحرية من أجل تحقيق العدالة أما في الدول الغربية حيث يسود الفكر الليبرالي فقد أصبحت مهمة التوازن ما بين الحرية و العدالة تشغل بال الفلاسفة و المفكريين و علماء الاجتماع و الاقتصاديين و المؤرخيين.
و من هنا نبعت فكرة أن مسيرة الإنسانية مأساوية و تراجيدية بلا قصد و لا معنى و مفتوحة الى ما لا نهاية في الفكر الليبرالي عكس ما تعتقد الشيوعية في نهاية التاريخ و إنتهاء الصراع الطبقي. وفقا للفكر الليبرالي أن ظاهرة المجتمع البشري تؤكد بأن مشاكلها متجددة و تأخذ بتلابيب بعضها بعض في سلسلة لا نهائية و لهذا في كل مرة يجد المفكرون أهمية في إعادة صياغ المجتمع بفكر جديد و متجدد يأخذ إنفتاحه على اللا نهاية بعكس ما نجده في إعتقاد كل من الهيغلية و الماركسية في نهاية التاريخ و إنتهاء الصراع الطبقي. و هنا تكمن مشكلة النخب السودانية و مشكلة تقديم حلول نهاية كما نجدها في توهّم أتباع النسخة الشيوعية السودانية.
و نفس المشكلة نجدها عند أتباع أحزاب اللجؤ الى الغيب أي أتباع المرشد و الامام و الختم مع إهمال تام ومتعمد عبر سبعة عقود عقبت الإستقلال للفكر الليبرالي بشقيه السياسي و الاقتصادي و فيه قد أصبح قرار و إختيار المجتمعات الحديثة الإهتمام بمعادلة الحرية و العدالة و لا يمكن تحقيقها بغير ترسيخ الفكر الليبرالي بشقيه السياسي و الاقتصادي.
و المضحك نجد أن أغلب النخب السودانية تعتقد أن الفكر الليبرالي فكر رميم و إذا أردت ملاحظة ذلك. أنظر كيف تكتب النخب السودانية؟ و كيف ينفجر غضبهم عن الرأسمالية؟ بنعوت محفوظة عند أتباع النسخة المتخشبة من الشيوعية السودانية و يتبعهم في ذلك أصدقاء الحزب الشيوعي السوداني و التابعيين بنفس أمواج الغضب في شتم و سب الرأسمالية بشكل محفوظ و المضحك يظن أنه قد قضى على شيطان الرأسمالية الطفيلية المتوحشة بهذا الرجم و الغضب العارم بحجارة الهيغلية و الماركسية و عاد خالي من ذنوبه من حجه كيوم ولدته أمه.
الهدف من كتابة هذا المقال أريد أن أقول أن مسيرة البشرية ليست لمشاكلها حلول نهائية لأن المجتمع البشري مفتوح على مواجهة مشاكل متجددة تأخذ اللا نهاية في تسلسلها و لكن تسوقها معادلة الحرية و العدالة في إنتصارها للفرد في صراعه مع المجتمع كل ما إستجد مشكل. و من هنا جاءت أهمية معادلة الحرية و العدالة و أصبحت شاغل الفلاسفة و المفكريين و الاقتصاديين و المؤرخيين في بحثهم مضني الذي لا يعرف النهاية.
و لأن النخب السودانية في حيز أحزاب اللجؤ الى الغيب في خطابهم الديني كما الماركسيين السودانيين يريدون تقديم حلول نهاية و هذا نتاج ايمانهم بالمطلق في زمن النسبي و العقلاني و لا يمكننا الخروج من مأزق النخب السودانية بغير توطين فكر ريموند أرون و فلسفة كامو فيما يتعلق بمسألة الحرية و العدالة و مسألة أن مسيرة الإنسانية بلا قصد و لا معنى كما نجده في فلسفة ألبرت كامو في كتابه الصادر عام 1942 أسطورة سيزيف و كتابه الثاني الصادر في عام 1951 و أقصد الإنسان المتمرد و قد أثار الكتاب إستياء الشيوعيين و الكتابين قبل إستقلال السودان.
تأتي أهمية فلسفة كل من ريموند أرون و ألبرت كامو في هذا المقال لأنها لم تحظى بإهتمام من قبل النخب السودانية لأسباب كثيرة منها سيطرة فكر أتباع الحزب الشيوعي السوداني على مشهد الفكر في السودان. و بالتالي نجد الإهتمام الزائد بفكر سارتر لأنه كان من أكبر المدافعين عن النظم الشمولية و بالخصوص الشيوعية. لهذا كان إعجاب الشيوعيين السودانيين بفكر سارتر و إهمالهم لفلسفة كامو و فكر ريموند أرون.
و كما يقال في العالم الثالث نجد أن فكر ريموند أرون و فلسفة كامو قد وقعت تحت ظلال سارتر في وقت نجد في جميع أنحاء العالم المتقدم أن ريموند أرون قد إنتصر على شيوعية سارتر كما إنتصر توكفيل على شيوعية ماركس إلا عندنا هنا وسط النخب السودانية.
من هنا و بما أننا مشغوليين بالتحول الديمقراطي في السودان نريد أن نوطّن فكر ريموند أرون و فلسفة كامو في عمق مكتبتنا السودانية حتى نستطيع الحديث عن فكرة الشرط الإنساني و لا يمكننا الحديث عن الشرط الإنساني بغير الحديث عن معادلة الحرية و العدالة كما نجدها في فكر ريموند أرون كمؤرخ و فيلسوف و اقتصادي و كذلك فلسفة ألبرت كامو.
عند ريموند أرون أن الحرية هي بوصلة الإنسان التاريخي و بالتالي تفتح له أفق الأفكار الجديدة و الأعمال الجديدة و بالتالي يصبح الإنسان حر و بالتالي يبحث عن كيف يحقق حريته و لكن هذا البحث مأساوي و تراجيدي لا تشرحه غير إسطورة سيزيف و نفس الشئ نجده قد أكده ألبرت كامي في كتابه أسطورة سيزيف و هي تأكيد لتاريخية الإنسان وفقا لتجربته في حدود عقله البشري في مجابهته لتاريخ لا نهائي أي لا يمكن تتويجه بنهايه التاريخ كما تتوهم الهيغلية و الماركسية و هيهات.
في ختام هذا المقال نريد أن نقول أن كتاب أسطورة سيزيف لألبرت كامو كان قبل تأسيس الحزب الشيوعي السوداني و كتابه الثاني الإنسان المتمرد قبل إستقلال السودان إلا أن النخب السودانية حقبة بعد حقبة لم تهتدي الى فلسفة كامو التي تتوافق مع فكر ريموند أرون و كله بسبب أن المشهد الفكر مسيطر عليه الشيوعي السوداني المنبهر بفلسفة سارتر. و الى يومنا هذا نجد أن أغلب النخب السودانية تتحدث عن سارتر و فرانز فانون في وقت أهتم فيه العالم بفلسفة كامو و ريموند أرون.
ما أريد قوله ما أحوجنا أن نلحق بمواكب البشرية و هي قد قطعت شوطا كبير و قد تأكد لها أن مسيرة البشرية مأساوية و تراجيدية بلا قصد و لا معنى و هي مفتوحة على اللا نهاية لا تحكمها غير معادلة الحرية و العدالة و هذا يتطلب من النخب السودانية تغيير طريقة تفكيرها إذا أردنا بداية مسيرة التحول الديمقراطي بشكل صحيح.
في هذا المقال ربطنا بين أدب ألبرت كامي و فكر ريموند أرون و نريد أن نشير لعلاقة الأدب بالفكر السياسي و تاريخ الفكر الإقتصادي مثلما رأينا كيف كان أدب شارلز ديكنز كأنه صدى لفكر توكفيل في ثلثينيات القرن التاسع عشر فيما يتعلق بمسألة التحول في المفاهيم.
في الختام أطلب من القارئ المحترم أن يرجع لكتابي ألبرت كامو أي أسطورة سيزيف و الانسان المتمرد حتى يستطيع معرفة كيف إلتقى كامو مع ريموند أرون في مسألة الإنسان التاريخي و تراجيدية و مأساوية مسيرته التي تأخذ مسارها في اللا نهاية؟ و هدفنا أن نخرج ساحتنا السودانية من ظلال المتأثرين بسارتر و فرانز فانون الى رحاب ألبرت كامو و ريموند أرون.
لأنه و بإختصار شديد قد خرج سارتر من حيز الفكر الذي ينتصر الى معادلة الحرية و العدالة بفضل فلاسفة فرنسين كثر وقفوا ضد فكر سارتر من ضمنهم ألبرت كامو و ريموند أرون و كلود ليفي أشتروس و أصبحت مسألة الظواهر الإجتماعية و فرضية أخلاقية الفرد و عقلانيته و المعادلات السلوكية بديلا لفكرة الصراع الطبقي الذي يتوهم الشيوعي السوداني في أنه سيفتح على نهاية التاريخ و نهاية الصراع الطبقي.
و لهذا السبب جاء زمن الإهتمام بمعادلة الحرية و العدالة و لا تتحقق هذه المعادلة إلا في ظل فكر ليبرالي بشقيه السياسي و الاقتصادي و توطينه في المكتبة السودانية يحتاج لجهود جبارة و خاصة في الساحة السودانية حيث يرزح مثقف سوداني تقليدي يتغطى بجهود مؤرخ تقليدي إنعكست خيبتهم في إنتاج سياسي سوداني فاشل على مدى سبعة عقود.
و بسبب تقليديتهم و فشلهم السياسي المزمن أطاعوا ثورة ديسمبر ثورة شعب متقدم على نخبه بأميال و تحققت فيهم مقولة الناقد السعودي عبد الله الغذامي أي أننا في زمن تقدم الشعب و سقوط النخب نعم أضاعوا ثورة ديسمبر و شعارها حرية سلام و عدالة و هو شعار ليبرالي بإمتياز متطابق مع معادلة الحرية و العدالة التي تحثت عنها في هذا المقال.

taheromer86@yahoo.com

 

آراء