أودل ضحية صراع صومالي وإقليمي

 


 

 

خالد حسن يوسف
أودل محافظة تابعة لجمهورية الصومال وتقع في أقصى الشمال الغربي لهذه الدولة، وهي تشارك الحدود جيبوتي والأراضي الصومالية المحتلة من قبل إثيوبيا، تاريخيا شكلت مركزا لسلطنة أودل والتي يطلق عليها غير الصوماليين سلطنة عدل أو أدال، ولكن بحكم أن هذه الأراضي صومالية فإن مسمى أودل الصومالي هو الأكثر صحتا والقائم على أرض الواقع.

وهذه المحافظة ذات أهمية تاريخية واستراتيجية نظرا لموقعها الجغرافي، ناهيك عن أن ساحلها زاخر بثروة نفطية، ويضم مدينة زيلع التي كانت عاصمة لسلطنة أودل.
تاريخيا على إمتداد حقب متعددة شهدت أطماع إثيوبية لسيطرة عليها، كما أن قومية العفر تدعي ملكية مدينة زيلع رغم أن هؤلاء لا يقطنونها، يضاف إلى ذلك أنها لم تكن تاريخيا جزء من وطنهم.

وقد ولى الاستعمار العثماني عند حكمه لجزء من الصومال، العفري أبوبكر باشا أميرا على زيلع، والذي استقدم مجموعة عسكرية من قبيلته الحسوبة لكي تساعده في حكم زيلع، فكان ذلك مدخل لادعاء العفر فيما بعد، ومع رحيل العثمانيين غادرت المجموعة المنحدرة من تلك القبيلة، وكان أن أشار الكاتب السوداني الراحل سيد أحمد خليفة إلى أن أصول الحسوبة تركية، في حين أن المعارض الجيبوتي العفري عبدالله دابركالي، في حوار له مع طاهر عولسو في قناة Waaga Cusub على اليوتيوب عام ٢٠٢١، ذكر أن الحسوبة عرب وليسوا عفر.

والمفارقة أن زيلع حاليا إنتهت كمدينة شبه مهجورة في ظل صراع قبيلتي الجذابيرسي والعيسى الصوماليتان عليها، وتزامنا مع تلك الخلفية التاريخية والمشادات التقليدية، جاءت الاتفاقية التي ابرمتها إثيوبيا مع رئيس الكانتون الانفصالي في شمال غربي الصومال في ١ يناير ٢٠٢٤، والقاضية بمنح إثيوبيا مساحة ٢٠ كيلومتر من مديرية لوجهيا في محافظة أودل، أدى الأمر إلى احتجاج الاهالي ممثلين في قبيلتي عيسى وجذابيرسي، والذين فيما مضى كانوا مرتبطين بشدة مع مشروع الانفصال.

الا أن الإجراء الذي سلكه القائمين على الكانتون الانفصالي، قد أدى إلى إثارة حفيظة السكان، والذين رأوا في ذلك على أنه يمثل واقع استهانة بهم وبمصيرهم، وأنهم أصبحوا كمادة مقايضة ما بين إدارة الكانتون واثيوبيا وهو ما دفعهم إلى حالة حشد لمواجهة قدوم قوات إثيوبية إلى المنطقة.

وفي إطار هذا السياق تواجه وفد ممثل لسكان محافظة أودل برئاسة الدكتور علي بحر رئيس حركة ولاية أودل، لتواصل مع الحكومة الصومالية بغية الحصول على الدعم، وذلك لمواجهة المشروع العنصري الانفصالي في شمال غرب الصومال، والمفارقة أن حركة ولاية أودل ينظر لها من قبل قبيلة عيسى بأنها مجرد حركة قبلية وتعني حصرا قبيلة جذابيرسي، لا سيما وأن مؤسسيها هم من هذه القبيلة، وعلى ضوء ذلك فإنهم يرون بأنها مجرد ممثل سياسي لخصومهم القبليين.

وهناك حالة محاصصة مبدئية طرحتها رئاسة حركة ولاية أودل، وتقضي بأن يتم تقاسم التمثيل السياسي بين ممثلي قبيلتي عيسى وجذابيرسي بالمناصفة ٥٠% لكلاهما.
في حين أن هناك شخصيات من العيسى رفضت ذلك وترى أن أراضيها ممثلة في مديريتي زيلع ولوجهيا أكبر مساحتا من مديريتي بورما وبكي المنسوبة لقبيلة جذابيرسي، وبتالي يرغبون هؤلاء أن ينالوا عدد تمثيل أكثر من جيرانهم.

علما بأن هناك حالة تداخل سكاني بين القبيلتين في نطاق تلك الأراضي، ناهيك عن أن قبيلة هبر أول أيضا تقطن في الجزء الشرقي من مديرية بكي، الا أنها في ظل المحاصصة القبلية ما بين الجذابيرسي والعيسى على مستقبل المحافظة، فإنها تعتبر قبيلة مستبعده من المحاصصة رغم أنها تقطن في جزء من أودل.
وتفسير ذلك أن الجزء القاطن من قبيلة هبر أول الاسحاقية في مديرية بكي بمحافظة أودل ينظر إليهم أنهم يشكلون جزء من مالكي المشروع الانفصالي، وكمؤيدين للاتفاق الذي تم ما بين أديس أبابا وهرجيسا. كما أن نسبة التواجد السكاني في المحافظة لعيسى وجذابيرسي تأتي لصالح الأخيرة، وهو ما يمكن قراءته من الاداء السياسي المحدود لطرف الأول.

الجدير بالذكر أن عدد ممثلي عيسى في مجلس النواب الصومالي يبلغون 8 نواب، بينما ممثلي الجذابيرسي يصلون إلى ٩ نواب وهي تقريبا النسبة ذاتها لقبيلتي ذولباهنتي(٥) ورسنجلي(٤) نواب، وبالتالي فإن عدد ممثلي عيسى وجذابيرسي معا وهم ١٧ نائبا يفوقون عددا نواب قبيلتي ذولباهنتي وورسنجلي وعددهم ٩ نواب.

بينما واقعيا هناك فارق كبير وتباين على صعيدي المساحة الجغرافية وعدد السكان بين الطرفين المشار لهما، مما يؤكد أن تلك المحاصصة تستند إلى حسابات سياسية ,كمثال أن اكتسب كل من العيسى والجذابيرسي حصتهم من التمثيل النيابي من مؤتمر المصالحة، الصومالية في جيبوتي ١٩٩٩-٢٠٠٠، حيث كان دور لرئيس إسماعيل عمر جيلي في تلك المحاصصة والتي تم تكريسها لصالح قبيلته في الصومال.

في حين أن قبائل هرتي دارود تقطن في مديريات ذهر،برن،لاس قري، عيرجابو (محافظة سناج)،لاس عانود،حودون،تليح(محافظة سول)، بوهودلي (محافظة توجظير)، والتي تشكل مساحة جغرافية أكبر من محافظة أودل والتي يقطنها قبائل دير ممثلة في جذابيرسي وعيسى وهبر أول.

وهو ما يؤكد أن واقع المحاصصة السياسية القائم على التمثيل القبلي في الصومال، غير دقيق ولا يراعي الحقائق على أرض الواقع وأنه نسبي ومجرد سياسي، وأنه يمثل عقبة سياسية قائمة تجاه قيام مصالحة وطنية، لكون أن واقع التمثيل النيابي يترتب عليه قضايا منها عملية التنمية الاجتماعية والاقتصادية، التمثيل السياسي في مجلسي النواب والشيوخ والتخطيط بصدد المشاريع الخدماتية وغيرها، واشكالية التفاوت الغير دقيق في إطار التمثيل السياسي يشمل العديد من الجهويات في الصومال.

ويمكن القول أن نخب محافظة أودل لديها كم من الإشكاليات المتعددة، إشكالية فيما بينها بصدد المنافسة السياسية الداخلية على مستوى المحافظة، وأخرى مع إدارة المشروع الانفصالي والذي ارتكب الضرر بشأن واقعهم ومستقبلهم وسلبهم مستقبلهم وقرارهم السياسي.
وفي هذا المنحى يأتي الإختلاف على أحقية حركة ولاية أودل على تمثيل أهالي المحافظة، لكون هبر أول يرون أن الحركة تقوض مصير مشروع الانفصال، في حين يرى العيسى أنها ممثلة لجذابيرسي ولا تعنيهم، بينما يرى الأخيرين أنهم الطرف الأكثر حضورا وتمثيلا لسكان.

الملحوظ أن الحضور السكاني لعيسى في محافظة أودل حاليا محدود بالمقارنة مع جوذابيرسي وسبب ذلك نزوحهم نحو جيبوتي، والتي إنتقل إليها الكثير منهم خلال العقود الثمانية الماضية.
بينما حدث تمدد جغرافي لجذابيرسي على أراضي العيسى خلال تلك العقود.
وعلى تلك الخلفية جاء تعالي البروفيسور أحمد إسماعيل سامتر، حين قال"ان العيسى سيتبعون ما نقرره لهم" وهو يخاطب حشد من أبناء قبيلته الجذابيرسي، وهناك آخرين بدورهم يصدر منهم الخطاب ذاته في مناسبات مختلفة.

وبطبيعة الحال فإن هذا النزاع الديمغرافي، السياسي والتقليدي بين القبائل سيؤذي إلى تدخل حكومة جيبوتي، والتي سيعمل أهالي العيسى في أودل للإستعانة بها، ناهيك عن أن هذا النزاع سيصعب الأمور على الحكومة الصومالية والتي ستجد ذاتها في ظل العمل على حل إشكالية بين مكونين اجتماعيين، وهو ما يعد عبئ إضافي يرفع من سقف التزاماتها الداخلية.

أما عمل أهالي أودل نحو المسؤولية والقيام باستحقاقاتهم بصدد الوحدة الوطنية ومواجهة التحديات الخارجية ولاسيما الإثيوبية، فهو أمر غير ملحوظ مقارنة مع حالة النزاع والمنافسة بينهم، وعسى أن يلعب التحدي الخارجي دوره كعامل مؤثر على تفاعلهم معا وادائهم وأن يصبح بالنسبة لهم دافع محفز لشأن العام.

خالد حسن يوسف

khalidsf5@gmail.com

 

آراء