اعادة تعريف دور الاحزاب (١-٢)

 


 

 

في العادة كان للاحزاب والنقابات دور كبير عند قيام الثورات الماضية (اكتوبر وانتفاضة ١٩٨٥ وحتى الانقلاب العسكري في ٢٥ اكتوبر ٢٠٢١) فهي من كانت تضع المواثيق وتشكل الحكومات وغيرها.

كانت ثورة ديسمبر من صنع افراد وجماعات غالبها لاينتمي للاحزاب و لنقابات موازية غير منتخبة قانونياً تبلورت في شكلها الدارج لجان المقاومة. بدات في شكل تجمعات احياء ورفاق واصدقاء من اعمار صغيرة، اشكالها التنظيمية بسيطة ملائمة لتكوينها الافقي. استطاعت هذه التكوينات ان تلف حولها غالبية الشعب السوداني. كان يمكن ان تنتهي الثورة اذا عاد الشعب لمنازلهم -كما حدث في الثورات السابقة- الى سابق عهدها، لكن كان هذا التكوين مختلفا تماماً عن سابقاتها في انها ثورة مستمرة. كان للثورة ارتفاعات وانخفاضات لكنها كانت مصممة على تغيير معادلة الوطن.

حتى الانقلاب كانت الاحزاب في تحالف مع العسكر هي من تقود الثورة وفي سدة الحكم ولديها القول الفصل في السياسات. كانت الاحزاب محرومة من التطور لثلاث عقود وتعرضت لقمع متنوع، خاصة في مجالها السياسي الاجتماعي واتصالها مع جماهيرها وحرمانها من الدعم المالي، ولكن اخطرها كانت الاختراقات الامنية وزرع الفتنة والانشقاقات. كان هذا ليمنع الاحزاب من التصدي لقيادة المرحلة ولكنها لانها استعجلت الوصول للسلطة وبالتالي للثروة، تجاهلت ازمتها في القيادة والبرامج والتنظيم وخاضت تجربة تعيسة في الحكم. حدث امران مهمان بعد انقلاب البرهان شكلا دور الاحزاب ما بعد الانقلاب.

اولاً: بروز لجان المقاومة كقائد للثورة السودانية: عبر قدرتها الفائقة على مواصلة تنظيم المليونيات والمواكب والاحتجاجات وغيرها لثلاث سنوات متواصلة، تطوير اشكالها التنظيمية حسب ضرورات اختلاف مسئولياتها، استطاعت ان توطد من قيادتها للشارع السوداني وتشكيل شعاراته. واكب التطور التنظيمي والسياسي تطورها الفكري وافرزت في مسيرتها العديد من مشاريع المواثيق و من ثم الدعوات حول توحيد المواثيق يعلو صوتها ويتعاظم ويضغط على الطرفين للوصول لميثاق يعبر عن الفكر السياسي في تطوره الجديد وعبر التنازلات من هنا ومن هناك. هذه المرحلة سوف يتلوها تطور قادة المقاومة من ناشطين سياسيين وثوريين لرجال دولة سيتقدمون الصفوف لتأسيس سلطة الشعب.

ثانياً: واكب تطور لجان المقاومة تراجع دور الاحزاب والنقابات على المستوى القيادي والسياسي والشارع. قاد هذا ان تتجه الاحزاب لتخوض معركة استعادة دورها باختراق لجان المقاومة وظهر مركزين للاستقطاب: قوى الحرية والتغيير بعد خروج معظم القوى التي شكلته، وظهر اثرها في وجود قيادات خمس تنسيقيات في العاصمة مخترقة من قحت وترفض توحيد المواثيق، وفي طرح اعلان دستوري وغيرها. في مواجهتها طرح الشيوعي تحالف التغيير الجذري ببرنامج كامل خارج الميثاق الموحد من تكوينات مجتمع مدني لايضم اي حزب.

سوف يقود هذا لحسن الحظ ان ترفض لجان المقاومة على مستوى اللجان القاعدية تدخلات قحت والجذري على السواء وتشق طريقها المستقل. يمكن ملاحظة ذلك بمراجعة الميثاق الثوري وميثاق التأسيس مما يعكسه تطور الميثاق الموحد من تخفيف حمولة المنادين بالعدالة الاجتماعية مع الحفاظ على مكاسبها الاساسية وتطويرها لتكون اكثر عدلاً بشكل مؤسسي، كما ثقلت حمولة الديمقراطية باعتبارها الاساس في تأسيس الدولة وحماية المكاسب الاقتصادية والاجتماعية.
نواصل
--
Dr. Amr M A Mahgoub
omem99@gmail.com
whatsapp: +249911777842

 

آراء