اكبر عملية تدخل مخابراتي دولي في تاريخ السودان انتهت باجهاض الانقلاب الشيوعي وعودة نميري الي الحكم

 


 

 

محمد فضل علي .. كندا

عودة نميري الي الحكم في 22 يوليو 1971 ودخول السودان الي حظيرة المعسكر الامريكي الغربي والحرب الباردة ضد المعسكر الشيوعي والاتحاد السوفيتي السابق والدخول في احضان الرجعية العربية والجماعة الاخوانية حتي السادس من ابريل 1985

. استولي الحزب الشيوعي السوداني علي السلطة لمدة ثلاثة ايام فقط بعد انقلاب عسكري خاطف في نهار التاسع عشر من يوليو 1971
وهذا بعض مما قاله الرئيس السوداني الراحل جعفر نميري شخصيا عن ماجري خلال تلك الثلاثة ايام التي قضاها في المعتقل الشيوعي داخل احد حجرات القصر الجمهوري مع قيادات مجلس الثورة المايوي اضافة الي الاستاذ بابكر عوض الله المحامي الشخصية القومية المستقلة التي شاركت في التخطيط لانقلاب مايو والاستاذ فاروق ابوعيسي الذي انقلب علي رفاقه الشيوعيين وفضل البقاء الي جانب نميري.
كنت اتردد بصورة شبه يومية علي مكتب الرئيس السوداني السابق جعفر نميري وبعض الاحيان علي منزلة اثناء معارضة التسعينات وعملنا في صحيفة الاتحادي الدولية في القاهرة واستمعت منه الي الكثير عن احداث ووقائع الانقلاب الشيوعي والملابسات التي احاطت به مع قضايا اخري
حول التدخل الدولي والاقليمي الذي حدث في ذلك الوقت يقول الرئيس السابق جعفر نميري:
" انا لم اطلب من احد التدخل لان ذلك كان غير ممكن لانني ومعظم قيادات الحكومة كنا معتقلين ومعزولين عن العالم
ولكننا اكتشفنا ومنذ الساعات الاولي لعودتنا الي الحكم في مساء الثاني والعشرين من يوليو 1971 ان السودان قد شهد في غيابنا خلال الثلاثة ايام التي استولي فيها الشيوعيين علي الحكم اكبر عملية تدخل خارجي في تاريخ البلاد من عدة دول واجهزة مخابرات عربية وعالمية بذلت مجهودات اسطورية خارقة من اجل اجهاض الانقلاب الشيوعي وكلها دول لديها مصلحة في عدم وصول الحزب الشيوعي الي الحكم في بلد بالاهمية الاستراتيجية للسودان كبلد عربي افريقي له تاثير قوي في العالمين العربي والافريقي ولولا تلك المجهودات المشار اليها ولولا عناية الله لما عدنا الي الحكم او حتي ظللنا علي قيد الحياة "
من واقع الحديث المباشر مع الرئيس السوداني الراحل جعفر نميري في ذلك الوقت يتضح انه قد كانت هناك عملية تنسيق فوري بين المخابرات الامريكية والبريطانية والمصرية والسعودية للتحرك لاجهاض الانقلاب الشيوعي في الخرطوم وان الرئيس السادات الذي كان يواجهة معارضة قوية من الشيوعيين المصريين والذين هم علي قلة عددهم ولكن لديهم تاثير كبير علي مختلف اتجاهات الراي العام المصري والكيانات الاعلامية والمهنية خاصة بعد ان اصبح الرئيس السادات والنظام المصري في ذلك الوقت شريك مباشر في الحرب الباردة والمواجهة بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة ومعظم دول المعسكر الغربي الاوربية لذلك كان الرئيس السادات من اكثر المتحمسين لاجهاض الانقلاب الشيوعي في السودان وانقاذ صديقة الشخصي الرئيس السوداني جعفر نميري الذي كانت تربطه به علاقات حميمة علي الاصعدة الرسمية والشخصية والاجتماعية خلال سنين طويلة .
مصر علي ايام السادات ساهمت في عملية تغيير مسار الطائرة التي كانت في طريقها من بريطانيا الي الخرطوم وعلي متنها المقدم بابكر النور رئيس مجلس الحركة التصحيحية الشيوعية والمرشح لرئاسة السودان في ذلك الوقت ومعه الرائد فاروق حمدالله واخرين وانزالها في العاصمة الليبية طرابلس وارسالهم من هناك الي السودان في حراسة مشددة ليتوجهوا من مطار الخرطوم في حراسة الشرطة العسكرية الي معسكر الشجرة وسلاح المدرعات السوداني مقر المحاكمات العسكرية التي اصدرت احكام بالاعدام علي معظم قيادات الحزب الشيوعي السوداني المدنية ومعظم العسكريين الشيوعيين والمتعاطفين معهم الذين شاركوا في ذلك الانقلاب .
وفي عملية اخري في اطار التنسيق المخابراتي الدولي تم اسقاط طائرة فوق الاجواء السعودية كانت تقل احد قيادات حزب البعث العربي الاشتراكي السوداني واحد احفاد المجاهد الوطني الخليفة عبدالله التعايشي واسمة محمد سليمان داؤد الخليفة العضو في القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي وحزب البعث فرع السودان كان في طريقة الي الخرطوم بتكليف من القيادة العراقية والقيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي لتقييم الوضع في الخرطوم ومعرفة كيفية دعم الانقلاب الشيوعي في السودان وكان العراق في ذلك الوقت يرتبط بعلاقة قوية بالاتحاد السوفيتي ودول المعسكر الشيوعي. ولايزال الغموض يحيط بحقيقة ماحدث ولكن هناك شبه اجماع علي ان ماحدث وسقوط تلك الطائرة التي كانت في طريقها الي الخرطوم اثناء عبورها الاجواء السعودية وعلي متنها مندوب القيادة العراقية لم يكن قضاء وقدر بالنظر الي طبيعة الاحداث التي جرت في السودان واستيلاء الشيوعيين علي الحكم هناك وموقف السعودية الثابت من الانظمة والحكومات الشيوعية .
تلك التطورات وردود الفعل الخارجية المتلاحقة علي الانقلاب حفزت انصار نميري في الجيش والشارع علي التحرك في الداخل لحصار الانقلاب بعد ان اصبح محاصرا من الخارج وهناك تفاصيل كثيرة لم يعرفها الناس عن حقيقة التطورات التي انتهت باجهاض الانقلاب الشيوعي وعودة نميري الي الحكم بصورة درامية .
والشاهد ان اول تظاهرات مؤيدة للرئيس نميري خرجت تهتف وتنادي بعودته .. " عائد عائد يا نميري "

كانت في مدينة ودمدني انطلاقا من معسكر قوات الحرس الوطني في مدرسة حنتوب الثانوية شرق ودمدني الذين كانوا يتلقون تدريبات عسكرية اثناء النهار في قيادة الجيش
في حي الموظفين بودمدني وكانت فيها قاعة للمحاضرات اليومية لاعضاء الحرس الوطني عن قضايا مختلفة تدعم اجندة القوميين العرب في السودان وكان يقوم بالتدريس فيها نفر من الشخصيات القومية والناصرية اذكر منهم الاستاذ الراحل مجدي سليم المحامي وعباس ابراهيم النور المعروف بعباس جزيرة تغمدهم الله بواسع رحمته .
كبار القوميين في مدينة ودمدني استولوا علي المعدية التي كانت تربط مدرسة حنتوب بمدينة ودمدني وقاموا بانزال كل جنود قوات الحرس الوطني الي شوارع ودمدني وكانوا يهتفون عائد عائد يانميري ويرددون شعارات معادية للحزب الشيوعي والاتحاد السوفيتي وسرعان ما انضمت اليهم اعداد غفيرة من المواطنيين لم تتوقف تلك التظاهرات حتي عودة نميري .

من الشخصيات القومية في مدينة ودمدني التي قامت بادوار خلف الكواليس لاجهاض الانقلاب الشيوعي الراحل عبد المنعم محمد سليمان الدمياطي والمعلم بمدرسة ودمدني الثانوية الاستاذ محرم محمود اسماعيل الذي استمر مع مايو حتي النهاية وعمل في جهاز الامن القومي حتي سقوط نظام نميري وكان هناك الاستاذ محمد الحاج والد الاستاذ ساطع محمد الحاج المحامي وهو شخصية قومية عريقة واستقرت الاوضاع بعد ذلك لمايو وانفض عنها بالتدريج اقرب الاقرب من القوميين العرب ماعدا قلة قليلة بعد ان توجهت مايو ونظام نميري نحو الولايات المتحدة والمعسكر الغربي ومصر الساداتية في رحلة بلاعودة حتي اخر يوم لنظام نميري في المرحلة التي اقترب فيها منه الاستاذ الراحل منصور خالد الشخصية الموسوعية الطموحة الذي كان يهوي الحكم والسيطرة علي العقول من علي البعد والمعروف عنه ذهده التام في كنز الاموال والنفوذ .
لقد مضت كل تلك السنين علي تلك الاحداث التي شهدها السودان والطريقة الدرامية التي انتقل بها نظام نميري من سيطرة وطموحات الشيوعين والقوميين العرب ثم فتحة الابواب لاجيال من التكنوقراط المهني في كل المجالات المدنية والعسكرية من الذين خدموا السودان بكل صدق واخلاص وحتي لحظة الاختراق الكبير بعد مرحلة المصالحة الوطنية التي لم تحقق الاغراض التي ارادها المعسكرالغربي للابقاء علي نظام نميري باي ثمن ودعم تحالف نظام نميري ومصر الساداتية ضد محور عدن الشيوعي في اثيوبيا واليمن الجنوبي وحليفهم القذافي ولكن دخول جماعة الاخوان المسلمين الي نظام مايو تحول الي لعنة اقعدت محاولات النهضة والتنمية وكانت مشاركة الاخوان في نظام نميري بداية المخطط الاخواني للوصول الي السلطة عن طريق عملية الاحتلال الاخواني المسلح لقيادة الجيش ومؤسسات الدولة في الثلاثين من يونيو 1989 الذي يصر الكثيرين علي تسميتة بانقلاب الانقاذ العسكري وهو لم يكن انقلاب عسكري في حقيقته بل هو في حقيقته اول انقلاب تقوم به ميليشيا حزبية عقائدية ضد الجيش والدولة السودانية .
التنقيب بدقة وواقعية وتقليب صفحات الماضي وماحدث في السودان منذ استقلال البلاد يؤكد بانه لكل مايجري في السودان اليوم من حرب دامية واوضاع ماسوية جذور تربطة باحداث جرت من قبل في السودان .

https://www.facebook.com/mohamed.siddig.355

 

آراء