الأسباب الجوهرية لتراجعات النظام وخلافات المعارضة

 


 

 



هناك العديد من الإشكاليات السياسية, التي  تواجه الساحة السياسية السودانية, و بشقيها الحكومة متمثلة في حزب المؤتمر الوطني, و المعارضة ممثلة بشقيها الداعية للتغيير و إسقاط النظام بالطرق السلمية, و الأخرى التي تعتقد إن العمل المسلح هو الأفضل وسيلة في الوصول لعملية الإسقاط, و سوف نتناول كل علي حدي, تعميما للمعرفة من جهة, و فتحا لباب من الحوار من جهة أخرى, إن كان الحوار بين قوي المعارضة مع بعضها البعض, باعتبار إن قوي المعارضة متخلفة حول العديد من القضايا, و وثيقة البديل الديمقراطي, و التي كنت قد كتبت عنها, هي كانت مخرجا لمأزق و رغم أنها تعرضت للعديد من القضايا و لكنها في الحقيقة أجلت البت فيها لما بعد إسقاط النظام, و وثيقة البديل تخص القوي المؤيد لعملية الإسقاط بالوسائل السلمية, و أيضا مؤيدة من قبل القوي المعارضة و التي تنادي بالتغيير السياسي, و هي وثيقة ليس فقط تمثل الحد الأدنى بل هي أدني من الأدنى و لكنها خطوة تحمل في طياتها موافقة للحوار بين قوي المعارضة. و من المعروف إن القضية الخلافية بين قوي المعارضة هي حول الوثيقة الدستورية, و الخلاف حول وثيقة الدستور هو الذي أدي للتوقيع علي وثيقة البديل الديمقراطي, لكي تؤدي دفعة قوية لعملية الانتفاضة التي كانت قد بدأت قبل شهر ضد النظام.
إذا تتبعنا حركة النظام الحاكم و تصريحات قيادته, حيث نجد إن خطابها السياسي قد رجع لذات المربع الأول في استخدام الأيديولوجية, و الذي كانت قد بدأت به الإنقاذ مشوارها السياسي عام 1989, مما يؤكد إن التراجع قد أملته الأزمات السياسية و الاقتصادية العنيفة التي يواجهها النظام, و لا اعتقد إن هناك علاجا سوف يحدث لهذه الأزمات في ظل النظام القائم, و خروج الشباب ضد النظام علي الرغم من محدوديته, يشكل أرقا كبيرا لهم, و هو السبب المباشر  وراء الرجوع إلي الأيديولوجية, و لكن الأيديولوجية نفسها قد تعرت بسبب الممارسات المناقضة لتعاليم الدين, و التي تمارسها قيادات النظام الحاكم, و استغلالها لمواقعها في السلطة للمصالح الذاتية, و الفساد الذي أزكم الأنوف, و انفصال الجنوب و غيرها, كلها تؤكد إن الأيديولوجية ما عادت تصدق وسط الجماهير, و رغم ذلك ليس هناك بديلا للنظام غير الطرق عليها لأنها الوسيلة الوحيدة لديهم الباقية, و الرجوع بحدة إلي الأيديولوجية و رفع شعار الشريعة هي أيضا رسالة من النظام للخارج, لبعض دول الربيع العربي, و التي فازت فيها قوي إسلامي, بهدف إيجاد الدعم المعنوي و السياسي, و لكن تلك القوي السياسية تعرف حقيقة الصراع في السودان.
حدة الأزمة و الضغط الحاصل علي النظام, هو الذي جعل الرئيس و نوابه يهرولون تجاه الطرق الصوفية, و استغلال منابر المساجد لمخاطبة الناس, و محاولة رمي المعارضة بأنها تقف في الجانب المضاد للشريعة الإسلامية, هذا الخطاب ليس حبا في الشريعة, أنما خطاب أزمة سياسية يواجهها النظام, و يدل علي ذلك إقدام النظام علي حرق أحدى قياداته " الدكتور ربيع عبد العاطي" رغم إن الرجل لعقدين من الزمان, كان يشار إلي الرجل أنه قيادي من المؤتمر الوطني, دون أن ينفي الحزب إن الرجل ليس قياديا في الحزب الحاكم, بل حتى الأجهزة الإعلامية الحكومية, و التي تدار من قبل قيادات جاءت من المؤتمر الوطني, كانت تشير للرجل بأنه قيادي في الحزب الحاكم, و لكن إفلاس الرجل, كان بسبب إفلاس النظام, و الأزمة التي يعيشها, و جعلت قياداته تتخبط و لا تستطيع تبرير فشلها في الحكم, هذه الحالة و استمرارها سوف تجعل النظام في المستقبل القريب أن يبحث عن مخارج, فلغة التحدي التي تخرج في خجل من بعض القيادات, ليست قائمة علي قوة, بقدر ما هي محاولة لإظهار التماسك الداخلي للحزب الحاكم, و بعض العناصر الملتفة حوله, و لكن سيحدث التراجع, إذا استمرت عمليات الانتفاضة في مناطق السودان, و حتى إذا كانت محدودة.
في جانب المعارضة, هناك خلافات وسط القوي السياسية المعارضة حول وثيقة الدستور, هذا الخلاف جعلني اتصل بعدد من القيادات السياسية المعارضة لمعرفة حقيقة الخلاف, حيث الخلاف يتمركز حول قضايا جوهرية أولها قضية " الدولة المدنية الديمقراطية" حيث بعض القوي ترفض الالتزام بالدولة المدنية الديمقراطية, و تعتقد يجب أن يترك الأمر لما بعد عملية إسقاط النظام, ثم تقرر الجماهير بعد ذلك من خلال صناديق الاقتراع, القضية الثانية الانتفاضة من أجل التغيير, أم من أجل إسقاط النظام, حيث هناك قوي تعتقد بوجوب النضال من أجل إسقاط النظام, و ليس تغييره, حتى لا يكون النظام جزءا من العملية السياسية المقبلة, و هناك من يدعو للتغيير الديمقراطي, من خلال فك ارتباط الدولة بالحزب و التوافق علي دستور ديمقراطي, يتجاوز القوانين المقيدة للحريات, و هذا الرأي لا يستبعد المؤتمر الوطني عن الساحة السياسية, أنما تتم عملية التغيير من خلال التحاور معه. هذا الخلاف حول عملية الإسقاط و التغيير,  و مدنية الدولة الديمقراطية, تعتبر خلافات جوهرية, تعطل التوافق علي مشروع سياسي, الأمر الذي جعل بعض القيادات تقترح " وثيقة البديل الديمقراطي" كمخرج مؤقت يظهر توافق المعارضة, رغم إن الوثيقة لا تعد برنامجا سياسيا, لأنها لم تصل لتوافق حول العديد من القضايا, و هي تعتبر أزمة أيضا داخل المعارضة, تحتاج إلي توسيع دائرة الحوار الوطني, حتى لا تتكرر ما حدث بعد ثورة أكتوبر و انتفاضة إبريل, رغم إن النظام في أضعف حالاته و تحيط به الأزمات من كل جانب, و لكنها لم تستغل الاستغلال الأمثل لعملية تغيير أو إسقاط. 
في جانب أخر, هناك خلافا حول قضية النضال السلمي لإسقاط النظام, أو التغيير بين القوي الداعية للنضال السلمي مع بعضها البعض, و بين القوي الحاملة للسلاح, و التي تعتقد إن النظام الحاكم لا ينصاع إلا للغة القوة, و أية نضال جماهيري ضد النظام, يجب أن يكون مسنودا بالقوة العسكرية المسلحة, هذه الرؤية هي التي جعلت السيد ياسر عرمان الأمين العام للحركة الشعبية قطاع الشمال, يؤيد "وثيقة البديل الديمقراطي" بتحفظ علي بعض من جاء فيها, و يقول لديهم رؤية في جوانب منها, و هي قضية تحتاج إلي حوار بين القوي السياسية المختلفة, و الملفت للنظر, إن القوي السياسية التي تناضل من أجل الديمقراطية, هي نفسها بعيدة في ممارساتها عن الديمقراطية, حيث هناك بعض القوي تعتقد إن الحوار يجب أن يتبني رؤيتها في الحل السياسي, و هذا فرض للرأي يتنافي مع مبدأ الحوار, لأن الحوار هو الوصول إلي توافق بين برامج سياسية عديدة, بتعدد القوي السياسية,و إذا لم يحدث حوارا وطنيا يصل لمشروع سياسي متفق عليه, تصبح عملية التغيير في صعوبة و غير مجدية, و أيضا عملية الإسقاط سوف تواجه  الكثير من العقبات, باعتبار  إن هناك أيضا قوي جديدة خارج أطر الحزبية, بدأت تعزز مواقعها علي الساحة السياسية السودانية, و هذه القوي يجب أن تكون جزء من أية حوار سياسي هادف لعملية التغيير.
القضية المهمة في العملية السياسية, هي قضية النقد و الرأي الأخر, و قبل الدخول في تناول هذه النقطة, أشكر كل الذين كتبوا إلي مؤيدين أو منتقدين, و هذا حقهم في الخلاف, و إليهم عظيم التقدير و الاحترام. هناك البعض الذين يعتقدون أن تناول نقد المعارضة أو إظهار الخلاف مع رؤاها يصب في جانب النظام و يطيل من عمره, و اعتقد العكس إن سبب إطالة عمر النظام هناك قوي سياسية في المعارضة لا تقبل الرأي الأخر, و لا تقبل النقد, و تعتقد إن ما تقوله هو شيئا مقدسا, يجب أخذه برمته دون إثارة أية جدل حوله, و لنا في التجمع الوطني الديمقراطي السابق دليلا علي ذلك, حيث كانت قياداته ترفض الحوار, و كانت قيادته قد استخدمت مصطلح " التنوير" أن يأتي القيادي و يقول حديثه, دون أن يكون هناك حوارا حول القضايا المطروحة, الأمر الذي جعل التجمع الوطني الديمقراطي يخسر معركته السياسية, و هذه يجب أن لا تتكرر مرة أخري, و يجب سماع الرأي الأخر مهما كان مخالفا, و أن تتوسع دائرة الحوار الوطني, لكي تخلق الوعي الجماهيري, أما محاولة حجب الرأي الأخر, تعتبر تعطيل للآليات التي تنتج الثقافة الديمقراطية, و التي تعتبر الركيزة الأساسية للنظام الديمقراطي ,الذي يناضل من أجله الناس, و في الختام نسال الله التوفيق.




zainsalih abdelrahman [zainsalih@hotmail.com]

 

آراء