الإجابة على السؤال الشكسبيري
عمر العمر
26 September, 2023
26 September, 2023
حكاية السودان منذ الاستقلال هي (قصة الإلتباس السياسي المحزنة غير الناجزة) وفق رؤية محمد احمد محجوب في عصارة تجربته السياسية الموسومة (الديمقراطي في الميزان). طوال هذه العقود الطوال ظل السودان يعايش( أزمة حكم تهدد كيانه )هي أزمة مستفحلة بجرثومة (إجهاض الفرص). تلك الأزمة تعتاش على التنافر القبلي، التكتل الجهوي والإثني على نحو يضعف الولاء للدولة فتتردى الحالة الإقتصادية وتتسع الفجوة بين الريف والحضر. المخرج من هذه المحنة يصبح ممكنا فقط بالولاء للدولة أولا حيث يتم تكريس المواطنة حسب تشخيص الدكتور فيصل عبد الرحمن علي طه في كتابه المعنون (السودانيون والبحث عن حل لأزمة الحكم).
*****
مدننا ظلت متخمة بالفوارق الطبقية لكنها أمست على أيام البرهان موبوءة بالتشرد ،الجوع والفاقة. هذا طارئ يزيد مساحة الترييف على حساب الحضر! هو واقع يناقض فكرة ماكيافللي عندما ابتدع مصطلح الدولة إذ استهدف استحداث آلية تضبط انهيار الأمة(الإيطالية).لدينا وطن زاخر بالموارد المتعددة الأصول والمصادر ونحن شعب لا تنقصه غير قيادة رشيدة تخرجه من محنته طويلة الأمد. لكن قياداتنا ظلت موبوءة بجرثومة مشاحنات بين السياسيين (وخلافات حادة ومطامع شخصية وتحولات في التحالفات الحزبية والحكم العسكري) وفق تشخيص محجوب.
*****
ذلك تشخيص توافق معه اللورد كارادون الدبلوماسي البريطاني ذائع الصيت بعد صياغته القرار الأممي ٢٤٢.إذ رأى الأزمة في السودان (قصة فوضى واضطراب وأحقاد وعنف وحرب أهلية و إنقلابات عسكرية.) لو قُدّر لمنصور خالد البقاء لما رأى في السنوات بين ١٩٦٥ -١٩٦٩( إحدى أكثر الفترات إضطرابا في تاريخ السودان إذ (اشتجر القوم في كل شيء) .فها نحن نتجاوز الاشتجارإلى الإقتتال في لاشيء وتدمير كل شيء وبكل الأسلحة! أكثر من ذلك ترديا أننا نتدحرج إلى الدرك الأسفل في قاع بئر بلا قرار فتتلاشى الدولة ويتشقق الوطن! ما من قيادي يدرك حكمة مانديلا (الأمن يعني أمان الشعب ليس أمن الحكومة).بل جنرالاتنا يرون فيه تأمين أنفسهم ومصالحهم.
*****
إحدى واجهات محنتنا المظلمة غياب القيادة الجماعية القاطرة و القيادي ذي الكاريزما الساحبة من بعد محمد أحمد المهدي. ذلك رجل جمّع القبائل ، أجلى المستعمر و أسس دولة وطنية معتمدا على سواعد شعبه وإلهامه الذاتي. من ينظر إلى حروب المهدي حربا مقدسة لا ينكر أنها حرب تحرير شاملة.عددٌ ممن تبوأ مقعد القيادة في ظروف مواتية لتثبيت ذاته زعيما وطنيا أجهض بأدائه تلك الفرصة التاريخية.ربما يحاجج البعض حين تأتي الإشارة في هذا السياق إلى سر الختم خليفة و عبد الله حمدوك. لكن هؤلاء البعض يتجاهلون حقيقة المعيار الأساس لاختيار كليهما هو حياديتهما بين قوى الثورة والثورة المضادة في لجة زمن ينتفي فيها شرط الحياد!
*****
أكثر الواجهات إظلاما ليس فقط إجهاض فرص القيادة بل إلإجهاز على مواثيق صناعة المستقبل المكتوبة بأيدينا.في مبحثه السياسي الدستوري (السودانيون و البحث عن حل لأزمة الحكم )يستعرض الحقوقي المؤرخ فيصل عبد الرحمن علي طه أدبيات ووثائق أكثر من ١٢ مناسبة ومرجعا انكبت عليها نخبنا بحثا عن شكل الحكم الملائم والدائم . في كل مرة يتداول المجتمعون القضايا ذاتها المتعلقة بالوحدة، الديمقراطية ،العدالة ، المساواةوالسلام. لكن في كل مرة تعجز القوى السياسية في ظل غياب وحدة الإرادة في تحويل الكلام أفعالا. تلك هي المسألة. تلك هي الحقيقة الوحيدة الثابتة منذ اجتماع الأحزاب في ١٢ ديسمبر ١٩٥٥ إلى ورش العمل المنجزة عشية ثورة ديسمبر البازخة.
*****
ربما استغنينا عن الوقت المبدد و أدخرنا الجهد الذهني المقدح و المال المهدر والأرواح المزهقة فيما لو أخذنا باقتراح بنجامين لوكي زعيم حزب الأحرار الجنوبي العام ١٩٥٥بتبني النظام الفيدرالي .أو استكملنا مؤتمر المائدة المستديرة في مارس ١٩٦٥ إذ يصفه الدكتور فيصل طه ب(أول محاولة جادة لإقرار صيغة حكم جديدة مغايرة.).لكن الحقوقي يوسف محمد علي يعري في سفره الموثّق (السودان والوحدة الوطنية الغائبة) كيف تعرضت تلك المحاولة الجادة - وهو شاهد عليها-للنهش من الداخل. فرئيس لجنة الإثني عشر المنبثقة عن المائدة يتوافق مع د.فيصل على ريادة المحاولة(خطوة غير مسبوقة لمدى التزام الحوار منهجا بين أطراف سياسية متنافرة).لكنها تعرضت للهدم قبل إستكمالها.مع ذلك أنقذهانظام نميري من الغرق إذ أصبحت أساس إتفاقية أديس أبابا فبراير ١٩٧٢.النميري نفسه عاد فنكص عن الإتفاقية وهي أعظم إنجازاته حسب تقييم منصور خالد.
*****
لذلك يصبح الكلام عن مؤتمر دستوري عقب وقف الحرب مواصلة لإنتاج طواحين الهواء . نمن نواجه مهام إعادة بناء دولة ،وطن وشعب .الوقت لبرامج العمل .لا وقت للجدل .الأكثر جدوى البحث عن إرادة سياسية غالبة ذات بعد تنفيذي ورقابي صارمين وروح وطنية يقظة تتبنى المبلور من الأفكار سابقاً في شأن القضايا المركزية إذ هي نفسها قضايا الأمس واليوم حتى لا تصبح قضايا الغد. تلك هي الإجابة الشافية على السؤل الشكسبيري الخالد (نكون أو لا نكون )
aloomar@gmail.com
*****
مدننا ظلت متخمة بالفوارق الطبقية لكنها أمست على أيام البرهان موبوءة بالتشرد ،الجوع والفاقة. هذا طارئ يزيد مساحة الترييف على حساب الحضر! هو واقع يناقض فكرة ماكيافللي عندما ابتدع مصطلح الدولة إذ استهدف استحداث آلية تضبط انهيار الأمة(الإيطالية).لدينا وطن زاخر بالموارد المتعددة الأصول والمصادر ونحن شعب لا تنقصه غير قيادة رشيدة تخرجه من محنته طويلة الأمد. لكن قياداتنا ظلت موبوءة بجرثومة مشاحنات بين السياسيين (وخلافات حادة ومطامع شخصية وتحولات في التحالفات الحزبية والحكم العسكري) وفق تشخيص محجوب.
*****
ذلك تشخيص توافق معه اللورد كارادون الدبلوماسي البريطاني ذائع الصيت بعد صياغته القرار الأممي ٢٤٢.إذ رأى الأزمة في السودان (قصة فوضى واضطراب وأحقاد وعنف وحرب أهلية و إنقلابات عسكرية.) لو قُدّر لمنصور خالد البقاء لما رأى في السنوات بين ١٩٦٥ -١٩٦٩( إحدى أكثر الفترات إضطرابا في تاريخ السودان إذ (اشتجر القوم في كل شيء) .فها نحن نتجاوز الاشتجارإلى الإقتتال في لاشيء وتدمير كل شيء وبكل الأسلحة! أكثر من ذلك ترديا أننا نتدحرج إلى الدرك الأسفل في قاع بئر بلا قرار فتتلاشى الدولة ويتشقق الوطن! ما من قيادي يدرك حكمة مانديلا (الأمن يعني أمان الشعب ليس أمن الحكومة).بل جنرالاتنا يرون فيه تأمين أنفسهم ومصالحهم.
*****
إحدى واجهات محنتنا المظلمة غياب القيادة الجماعية القاطرة و القيادي ذي الكاريزما الساحبة من بعد محمد أحمد المهدي. ذلك رجل جمّع القبائل ، أجلى المستعمر و أسس دولة وطنية معتمدا على سواعد شعبه وإلهامه الذاتي. من ينظر إلى حروب المهدي حربا مقدسة لا ينكر أنها حرب تحرير شاملة.عددٌ ممن تبوأ مقعد القيادة في ظروف مواتية لتثبيت ذاته زعيما وطنيا أجهض بأدائه تلك الفرصة التاريخية.ربما يحاجج البعض حين تأتي الإشارة في هذا السياق إلى سر الختم خليفة و عبد الله حمدوك. لكن هؤلاء البعض يتجاهلون حقيقة المعيار الأساس لاختيار كليهما هو حياديتهما بين قوى الثورة والثورة المضادة في لجة زمن ينتفي فيها شرط الحياد!
*****
أكثر الواجهات إظلاما ليس فقط إجهاض فرص القيادة بل إلإجهاز على مواثيق صناعة المستقبل المكتوبة بأيدينا.في مبحثه السياسي الدستوري (السودانيون و البحث عن حل لأزمة الحكم )يستعرض الحقوقي المؤرخ فيصل عبد الرحمن علي طه أدبيات ووثائق أكثر من ١٢ مناسبة ومرجعا انكبت عليها نخبنا بحثا عن شكل الحكم الملائم والدائم . في كل مرة يتداول المجتمعون القضايا ذاتها المتعلقة بالوحدة، الديمقراطية ،العدالة ، المساواةوالسلام. لكن في كل مرة تعجز القوى السياسية في ظل غياب وحدة الإرادة في تحويل الكلام أفعالا. تلك هي المسألة. تلك هي الحقيقة الوحيدة الثابتة منذ اجتماع الأحزاب في ١٢ ديسمبر ١٩٥٥ إلى ورش العمل المنجزة عشية ثورة ديسمبر البازخة.
*****
ربما استغنينا عن الوقت المبدد و أدخرنا الجهد الذهني المقدح و المال المهدر والأرواح المزهقة فيما لو أخذنا باقتراح بنجامين لوكي زعيم حزب الأحرار الجنوبي العام ١٩٥٥بتبني النظام الفيدرالي .أو استكملنا مؤتمر المائدة المستديرة في مارس ١٩٦٥ إذ يصفه الدكتور فيصل طه ب(أول محاولة جادة لإقرار صيغة حكم جديدة مغايرة.).لكن الحقوقي يوسف محمد علي يعري في سفره الموثّق (السودان والوحدة الوطنية الغائبة) كيف تعرضت تلك المحاولة الجادة - وهو شاهد عليها-للنهش من الداخل. فرئيس لجنة الإثني عشر المنبثقة عن المائدة يتوافق مع د.فيصل على ريادة المحاولة(خطوة غير مسبوقة لمدى التزام الحوار منهجا بين أطراف سياسية متنافرة).لكنها تعرضت للهدم قبل إستكمالها.مع ذلك أنقذهانظام نميري من الغرق إذ أصبحت أساس إتفاقية أديس أبابا فبراير ١٩٧٢.النميري نفسه عاد فنكص عن الإتفاقية وهي أعظم إنجازاته حسب تقييم منصور خالد.
*****
لذلك يصبح الكلام عن مؤتمر دستوري عقب وقف الحرب مواصلة لإنتاج طواحين الهواء . نمن نواجه مهام إعادة بناء دولة ،وطن وشعب .الوقت لبرامج العمل .لا وقت للجدل .الأكثر جدوى البحث عن إرادة سياسية غالبة ذات بعد تنفيذي ورقابي صارمين وروح وطنية يقظة تتبنى المبلور من الأفكار سابقاً في شأن القضايا المركزية إذ هي نفسها قضايا الأمس واليوم حتى لا تصبح قضايا الغد. تلك هي الإجابة الشافية على السؤل الشكسبيري الخالد (نكون أو لا نكون )
aloomar@gmail.com