الإسلامويون… والأزمة السودانية
عاطف عبدالله
24 April, 2024
24 April, 2024
هناك هوة عميقة من انعدام الثقة في الحركات والأحزاب الإسلاموية من قبل الشارع المنتفض وقواه السياسية، هوة ظلت تصرفات الإسلاميين تغذيها بإعلام بث الكراهية، وسياسات الأقصاء، والمغامرات الطائشة، والأخطاء الكارثية التي حاقت بالوطن. فهم الحاضنة السياسية لانقلاب الموز، وهم من أطلق الطلقة الأولى في الحرب التي قضت على الأخضر واليابس، وهم سبب وئد أي محاولة لوقفها.
لذا لا غرابة في أن يفقد الإسلاميون مصداقيتهم مهما غيروا جلودهم، وخرجوا في ثوب جديد رافضين ومنتقدين ممارساتهم السابقة، لا يجدوا القبول من القوى السياسية. والسبب في ذلك التمحور الحربائي المتذبذب حسبما تصب مصالحهم الذاتية الآنية، مثال موقفهم من موسى هلال ومحمد حمدان دقلو (حميدتي)، اليوم بطل، وغداً عميل، وخائن، وأجنبي، وبعد غدا بطل وكل من ينتقده خائن وعميل ... والشخص هو نفس الشخص وسلوكه وتصرفاته هي نفسها لم تتغير، اليوم تدخله الجنة وبعد غد تلقي به في الدرك الأسفل من النار.
لا شك أن عدم المبدئية، والأخطاء الكارثية، من تفريط في وحدة تراب الوطن، وصون كرامة الشعب، وبناء المليشيات وتسليحها ... وإدخال ممارسات لم تعرفها السياسة السودانية من قبل مثل التعذيب الوحشي وجرائم الاغتصاب في بيوت الأشباح، والزج بالشباب في أتون المحارق في حروبهم الجهادية الفاشلة، واستشراء الفساد والاستبداد وزعزعة أمن دول الجوار، ورعايتهم للإرهاب العالمي، مما جعل السودان يعيش في عزلة يغرد وحيداً كأفسد وأفشل دول العالم، تلك أسباب كافية لجعل كافة القِوَى السياسية التي قادت الحراك ضد حكمهم في فقدان الثقة فيهم. مما جعل المشهد السياسي السوداني، حدث ولا حرج، في وضع لا يحسد عليه فالقوتان السياسيتان الكبيرتان أصبح المسرح لا يسع كليهما، فلابد لاستمرار أحدهما القضاء على الآخر، ونفيه من الوجود تماما، فالتعايش السلمي ووطن يسع الجميع شعارات براقة لا مكان لها في إعراب الوضع السياسي السوداني الراهن.
المصيبة أن كلتا القوتان، تحالف الحرية والتغيير وتحالف التغيير الجذري في كفة، والإسلاميون في الكفة الأخرى، كليهما حاول وسعى لإقصاء الطرف الآخر، ونفيه، والقضاء عليه بمختلف السبل، وفشل، لكن ماذا يمكن أن يقال فمن لا يقرأ التاريخ محكوم عليه تكراره...
السؤال الملح والصعب هو هل يمكن أن يكون لنا وطن يسع الجميع، هل يمكن للقوى الثورية، التي أطاحت بدولة الفساد والاستبداد أن تقبل مشاركة الإسلامويين في الفترة الانتقالية للخروج من الأزمة الراهنة، ومن ثم استيعابهم ضمن مشروع وطني ديمقراطي يستلهم شعارات الثورة حرية سلام وعدالة؟
لكن قبل نتوجه بالسؤال للقوى الثورية المتشظية، ونطالبها بالرد، هناك عدة أسئلة لابد طرحها على الجماعات الإسلاموية. والإسلاموي لتعريف المصطلح كمفهوم مركب يعنى به الإيديولوجية والإسلام، أي كيان سياسي دنيوي داخل كيان عقائدي ديني مقدس.
قبل طرح أي سؤال، لابد من توضيح مسألة أساسية، وهي أنه لا يمكن أن نضع كل الإسلامويون في سلة واحدة.
ونحن حينما نشير هنا إلى الإسلامويين، نشير إلى الأحزاب السياسية التي خرجت من رحم تنظيم الإخوان المسلمين، بمختلف توجهاتها وتنوعها فمنها المتطرف التكفيري ومنا الإصلاحي الوسطي ومنها من يطالب بوقف الحرب ومحاسبة الذين أطلقوا شرارتها.
بالتأكيد هناك تنظيمات، في ذلك التيار الإسلاموي، لا يمكن بأي حال قبول مشاركتها في أي عملية ديمقراطية، لأنها كالمسخ الذي لا يقبل شريك إلا إن كان على شاكلته مثل تنظيم (دولة القانون والتنمية)، الذي يقوده المتشدد محمد علي الجزولي، الذي يمثل امتداداً لتنظيم الدولة الإسلامية "داعش". أو تنظيم المؤتمر الوطني الذي قاد البلاد للتهلكة والعزلة والتقسيم خلال العقود الماضية. وارتبط بالجرائم ضد الإنسانية والتصفيات العرقية. وكذلك جماعة منبر السلام العادل التي أسسها الراحل الطيب مصطفى لعنصريتها البغيضة. هؤلاء، في وجهة نظري، وهي وجهة نظر ربما تصيب أو تخطئ، لابد من التعامل معهم وفقاً لتشريعات حاسمة تحظر نشاطهم إلى الأبد كما فعلت الشقيقة مصر مع كافة التنظيمات الإسلاموية.
التيارات الإسلاموية التي نتوجه لها بحزمة الأسئلة أدناه، تلك التي انتقدت تجربة المؤتمر الوطني مثل "حركة الإصلاح الآن" التي يرأسها غازي صلاح الدين العتباني، الذي انشق عن حزب المؤتمر الوطني في العام 2013 وشكل تنظيما منفصلا ينادي بالإصلاح والمحاسبة ويرفض القمع الذي مارسته السلطات ضد محتجين سلميين وقتها ما يحسب له. وكذلك حزب المؤتمر الشعبي الذي أنشق عن المؤتمر الوطني في المفاصلة الشهيرة، وكان عضوا نشطاً في تحالف قوى الإجماع الوطني، مع الحزب الشيوعي بقيادة نقد، وحزب الأمة بقيادة الصادق.
كما إني أتوجه بذات الأسئلة إلى المفكرين الإسلاميين الذين انتقدوا تجربة الحكم السابق، ولهم إسهاماتهم في تطوير الفكر الفقهي والسياسي.
وإلى حزمة الأسئلة الجوهرية والت تعد الإجابة عليها مسألة ضرورية لإعادة بناء الثقة في لحمة السياسة السودانية.
1. هل يمكنهم (أي الإسلامويين) التماهي والتعايش والقبول بشعارات الثورة (حرية، سلام، وعدالة ... مدنية خيار الشعب).
2. هل يمكنهم أن يقبلوا، وفقاً لمبادئ العدالة والقانون، تفكيك نظامهم السابق، واسترداد الأموال المنهوبة، ومحاسبة الذين ارتكبوا منهم جرائم في حق الشعب السوداني والإنسانية؟
3. هل يمكنهم القبول بتسريح مليشاتهم العسكرية، وتصفية وجودهم السياسي في القوات المسلحة والأجهزة الأمنية المختلفة، وإعادة هيكلة الجيش وبناءه على أسس مهنية بعقيدة وطنية تمثل السودان بتنوعه العرقي والجغرافي؟
4. إذا توافقنا في مشروع وطني على نظام الدولة المدنية العلمانية، هل يتقبل فكرهم مبدأ تداول السلطة حسب مفاهيم الحكم البرلماني؟
في الختام أقول للإسلامويين الأسوياء ما قاله سيد الخلق لأهل الكتاب "هلموا إلى كلمة سواء".
عاطف عبدالله
24/04/2024
atifgassim@gmail.com
لذا لا غرابة في أن يفقد الإسلاميون مصداقيتهم مهما غيروا جلودهم، وخرجوا في ثوب جديد رافضين ومنتقدين ممارساتهم السابقة، لا يجدوا القبول من القوى السياسية. والسبب في ذلك التمحور الحربائي المتذبذب حسبما تصب مصالحهم الذاتية الآنية، مثال موقفهم من موسى هلال ومحمد حمدان دقلو (حميدتي)، اليوم بطل، وغداً عميل، وخائن، وأجنبي، وبعد غدا بطل وكل من ينتقده خائن وعميل ... والشخص هو نفس الشخص وسلوكه وتصرفاته هي نفسها لم تتغير، اليوم تدخله الجنة وبعد غد تلقي به في الدرك الأسفل من النار.
لا شك أن عدم المبدئية، والأخطاء الكارثية، من تفريط في وحدة تراب الوطن، وصون كرامة الشعب، وبناء المليشيات وتسليحها ... وإدخال ممارسات لم تعرفها السياسة السودانية من قبل مثل التعذيب الوحشي وجرائم الاغتصاب في بيوت الأشباح، والزج بالشباب في أتون المحارق في حروبهم الجهادية الفاشلة، واستشراء الفساد والاستبداد وزعزعة أمن دول الجوار، ورعايتهم للإرهاب العالمي، مما جعل السودان يعيش في عزلة يغرد وحيداً كأفسد وأفشل دول العالم، تلك أسباب كافية لجعل كافة القِوَى السياسية التي قادت الحراك ضد حكمهم في فقدان الثقة فيهم. مما جعل المشهد السياسي السوداني، حدث ولا حرج، في وضع لا يحسد عليه فالقوتان السياسيتان الكبيرتان أصبح المسرح لا يسع كليهما، فلابد لاستمرار أحدهما القضاء على الآخر، ونفيه من الوجود تماما، فالتعايش السلمي ووطن يسع الجميع شعارات براقة لا مكان لها في إعراب الوضع السياسي السوداني الراهن.
المصيبة أن كلتا القوتان، تحالف الحرية والتغيير وتحالف التغيير الجذري في كفة، والإسلاميون في الكفة الأخرى، كليهما حاول وسعى لإقصاء الطرف الآخر، ونفيه، والقضاء عليه بمختلف السبل، وفشل، لكن ماذا يمكن أن يقال فمن لا يقرأ التاريخ محكوم عليه تكراره...
السؤال الملح والصعب هو هل يمكن أن يكون لنا وطن يسع الجميع، هل يمكن للقوى الثورية، التي أطاحت بدولة الفساد والاستبداد أن تقبل مشاركة الإسلامويين في الفترة الانتقالية للخروج من الأزمة الراهنة، ومن ثم استيعابهم ضمن مشروع وطني ديمقراطي يستلهم شعارات الثورة حرية سلام وعدالة؟
لكن قبل نتوجه بالسؤال للقوى الثورية المتشظية، ونطالبها بالرد، هناك عدة أسئلة لابد طرحها على الجماعات الإسلاموية. والإسلاموي لتعريف المصطلح كمفهوم مركب يعنى به الإيديولوجية والإسلام، أي كيان سياسي دنيوي داخل كيان عقائدي ديني مقدس.
قبل طرح أي سؤال، لابد من توضيح مسألة أساسية، وهي أنه لا يمكن أن نضع كل الإسلامويون في سلة واحدة.
ونحن حينما نشير هنا إلى الإسلامويين، نشير إلى الأحزاب السياسية التي خرجت من رحم تنظيم الإخوان المسلمين، بمختلف توجهاتها وتنوعها فمنها المتطرف التكفيري ومنا الإصلاحي الوسطي ومنها من يطالب بوقف الحرب ومحاسبة الذين أطلقوا شرارتها.
بالتأكيد هناك تنظيمات، في ذلك التيار الإسلاموي، لا يمكن بأي حال قبول مشاركتها في أي عملية ديمقراطية، لأنها كالمسخ الذي لا يقبل شريك إلا إن كان على شاكلته مثل تنظيم (دولة القانون والتنمية)، الذي يقوده المتشدد محمد علي الجزولي، الذي يمثل امتداداً لتنظيم الدولة الإسلامية "داعش". أو تنظيم المؤتمر الوطني الذي قاد البلاد للتهلكة والعزلة والتقسيم خلال العقود الماضية. وارتبط بالجرائم ضد الإنسانية والتصفيات العرقية. وكذلك جماعة منبر السلام العادل التي أسسها الراحل الطيب مصطفى لعنصريتها البغيضة. هؤلاء، في وجهة نظري، وهي وجهة نظر ربما تصيب أو تخطئ، لابد من التعامل معهم وفقاً لتشريعات حاسمة تحظر نشاطهم إلى الأبد كما فعلت الشقيقة مصر مع كافة التنظيمات الإسلاموية.
التيارات الإسلاموية التي نتوجه لها بحزمة الأسئلة أدناه، تلك التي انتقدت تجربة المؤتمر الوطني مثل "حركة الإصلاح الآن" التي يرأسها غازي صلاح الدين العتباني، الذي انشق عن حزب المؤتمر الوطني في العام 2013 وشكل تنظيما منفصلا ينادي بالإصلاح والمحاسبة ويرفض القمع الذي مارسته السلطات ضد محتجين سلميين وقتها ما يحسب له. وكذلك حزب المؤتمر الشعبي الذي أنشق عن المؤتمر الوطني في المفاصلة الشهيرة، وكان عضوا نشطاً في تحالف قوى الإجماع الوطني، مع الحزب الشيوعي بقيادة نقد، وحزب الأمة بقيادة الصادق.
كما إني أتوجه بذات الأسئلة إلى المفكرين الإسلاميين الذين انتقدوا تجربة الحكم السابق، ولهم إسهاماتهم في تطوير الفكر الفقهي والسياسي.
وإلى حزمة الأسئلة الجوهرية والت تعد الإجابة عليها مسألة ضرورية لإعادة بناء الثقة في لحمة السياسة السودانية.
1. هل يمكنهم (أي الإسلامويين) التماهي والتعايش والقبول بشعارات الثورة (حرية، سلام، وعدالة ... مدنية خيار الشعب).
2. هل يمكنهم أن يقبلوا، وفقاً لمبادئ العدالة والقانون، تفكيك نظامهم السابق، واسترداد الأموال المنهوبة، ومحاسبة الذين ارتكبوا منهم جرائم في حق الشعب السوداني والإنسانية؟
3. هل يمكنهم القبول بتسريح مليشاتهم العسكرية، وتصفية وجودهم السياسي في القوات المسلحة والأجهزة الأمنية المختلفة، وإعادة هيكلة الجيش وبناءه على أسس مهنية بعقيدة وطنية تمثل السودان بتنوعه العرقي والجغرافي؟
4. إذا توافقنا في مشروع وطني على نظام الدولة المدنية العلمانية، هل يتقبل فكرهم مبدأ تداول السلطة حسب مفاهيم الحكم البرلماني؟
في الختام أقول للإسلامويين الأسوياء ما قاله سيد الخلق لأهل الكتاب "هلموا إلى كلمة سواء".
عاطف عبدالله
24/04/2024
atifgassim@gmail.com