الإعلان فن لا يتقنه السودانيون … بقلم: منى عبد الفتاح
كيف لا
الدعاية والإعلان فن لا يتقنه السودانيون ، وذلك ليس بسبب نقص في الموارد الإعلانية وإنما بسبب افتقار الإعلام الدعائي للخطاب الذكي الذي يوفر الوقت بمضاعفة الجهد لتوصيل رسالة إعلانية ذكية تخاطب المتلقي مباشرة من غير أن تهدر ثلاثة أرباع وقت الدعاية في تفسير شيء معروف أصلاً بالنسبة للمتلقي. والمشكلة الأخرى هي في مسألة الإعلانات الجهولة التي تأتيك بمعلومات مغلوطة ومفبركة ما أنزل الله بها من سلطان .
أتاحت لي أيام العيد مشاهدة مساحة مقدرة ومتابعة لبرامج العيد على القنوات السودانية والتي تتخللها كعادة كل القنوات ، فترة إعلانات بعد كل ربع ساعة من المشاهدة. وإذا كانت هذه الإعلانات في القنوات الفضائية العربية هي عبارة عن قصص في حد ذاتها تتراوح بين الكوميديا والدراما والتسلية للترويج لسلعة أو خدمة معينة فإنها في القنوات السودانية عبارة عن فقرات مملة تفتقر إلى أدق وأبسط شروط الحبك الذي من أجله تم انتاج الإعلان.
وهذا الحديث ينطبق على إعلانات الصحف ولوحات الشوارع والملصقات كما ينطبق على التلفزيون . ولكن في التلفزيون كوسيلة تخاطب أغلب حواس المشاهد فمن المتوقع أن تختصر بعض الإطالة في الإعلان لاتفاق هذه الحواس مجتمعة في مخاطبة المتلقي . فما يُسمع يختصر عنصر الرؤية وما يُرى يختصر عنصر السمع. شاهدت على مضض إعلانات للزيت والشاي وصابون الغسيل ومرقة الدجاج والتونا والدخن وحتى العدس حبيب الشعب وأنيس الفقراء لم يسلم من تطاول الإعلان واكتساح حمى التسويق لعرشه المبجل منذ عشرات السنين.
الإعلان التلفزيوني في السودان إعلان تفسيري وهذا لا يصلح في الرسالة الإعلانية الذكية ، لأن الإعلان يقرّب الفكرة فقط ولا يقررها ، يعطيك تلميح فقط بما هو الأجمل والأصلح والأحسن لتقتنع به ، من غير أن يزج بهذه القناعة رغماً عنك.ينحو في حبكته إلى التسلية وخفة الروح ، يقدم السلعة أو الخدمة في ثوب فكه ومرح مع قليل من الجدية مع أن الصرف عليه ولغة رأس المال لغة جادة جداً .
بالنظر إلى المبالغ الطائلة والاهتمام الخاص الذي توليه المؤسسات التجارية من أجل تسويق منتجاتها ، وفي ظل منافسة الشركات مع انفتاح السوق كنا نتوقع أن ترتقي مؤسساتنا بالرسالة الإعلانية في القنوات الفضائية التلفزيونية إلى موقع المسئولية مما تقدمه للمستهلك.الرسالة الإعانية بسيطة جداً تتكون من كلمات معبرة وقوية ومؤثرة ولكنها تحتاج إلى ذكاء حتى تستطيع تقديم إعلان لطيف يجذب أنظار المستهلكين .
المشاهد العادي للإعلانات السودانية يدرك بعين المتلقي أن منتجي هذه الإعلانات لا يحسنون طريقة العرض والتسويق . ويكمن السبب في أمور كثيرة منها عدم إدراك الجدوى الحقيقية لموضوع التسويق ، وعدم معرفة الوسائل الفاعلة والمناسبة في التسويق.فاستيراد معلنين مصريين وسوريين لأداء إعلان لسلعة منتجة محلياً اعتراف بفشل هذا المحلي في التحدث عن نفسه ، واستخدام مطربات منبوذات اجتماعياً لتسويق سلعة ما قد ينفر من السلعة ولا يرغّب فيها.فضلاً عن قلة الخبرة والاستفادة من التجارب العربية والعالمية الرائدة في عالم الإعلان ، لا تقليدها . فالإعلان في العالم يُدّرس وتقام من أجله البحوث وتوضع له القواعد واحتمالات النتائج لنجاحه وفعاليته. بل وصل العالم المتقدم إلى أكثر من ذلك فقد ذهب باحثون إلى دراسة ما يمكن أن يحدث في عقولنا عندما نشاهد إعلاناً تلفزيونياً مؤثراً ومقنعاً ، وقاموا بدراسة الترددات الكهربائية في المخ. ووجدوا أنه في ظل استهلاك اثنين في المائة فقط من طاقة المخ في النشاط الواعي الشعوري مع تخصيص النسبة المتبقية بشكل كبير لعملية المعالجة اللاشعورية فإن العمليات التقليدية للبحوث التسويقية تعتبر غير دقيقة . والسبب في ذلك "أن البحوث التقليدية كعمليات المسح للمستهلكين ومجموعات التركيز ، هو أن المشاركين لا يمكنهم على الإطلاق توضيح الإنطباعات اللاشعورية التي تثير شهيتهم لمنتجات معينة".فأين إعلاناتنا من كل هذا ؟
moaney [moaney15@yahoo.com]